مدى مشروعية استدامة نفقات التعليم للمحضون بعد بلوغه ١٥ عامًا

تاريخ الفتوى: 19 يناير 2025 م
رقم الفتوى: 21726
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: الحضانة
مدى مشروعية استدامة نفقات التعليم للمحضون بعد بلوغه ١٥ عامًا

ما مدى مشروعية استدامة نفقات التعليم للمحضون بعد بلوغه ١٥ عامًا؟ فهناك ولدٌ يعيش في حضانة أمه، وقد بلغ مِن العمر خمسة عشر عامًا، ولا يزال في مرحلة التعليم، فهل يجب على أبيه الاستمرارُ في النفقة على تعليمه بعد بلوغه هذه السن؟

نفقة التعليم نفقةٌ ثابتةٌ مستدامةٌ، تجب على الأب للمحضون ولو بعد بلوغه سن الخامسة عشرة مِن عُمره، متى توافرت الشروط اللازمة لذلك، مِن عدم توفر المال اللازم لدى المحضون للإنفاق منه على تعليمه، وكونه ذا رَشَدٍ في التعليم، ولديه الاستعداد لاستكمال تعليمه الملائم لأمثاله، مع ضرورة مراعاة حال الأب مِن يُسره وإعساره، وينبغي أن يكونَ ذلك كلُّه بالمودة والتفاهم، والحُب والتراحُم، وإلا فيرفع الأمر إلى القضاء.

المحتويات

 

نفقة الابن الصغير إذا لم يكن له مال

من المقرر شرعًا أنَّ نفقة الابن الصغير الذي ليس له مال تجب على أبيه؛ لأنَّ الصغيرَ بعضٌ منه، فكان نقصُهُ عائدًا إليه، ورعايةُ مصالحِهِ لازمة له؛ قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]، والمولودُ له هو الوالد عند جماهير المفسرين، والمقصود: صلاحُ وَلَدهِ في الحال التي لا يغني فيها نفسه.

قال الإمام القُرْطُبِي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/ 163، ط. دار الكتب المصرية): [أجمع العلماء على أن على المرء نفقةَ ولده الأطفال الذين لا مال لهم] اهـ.

وهو ما يُفهم من حديث أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» متفقٌ عليه.

قَالَ الإمام أبو سعيد المُهَلَّبُ فيما نقله الإمام القُرْطُبي في "التفسير" (5/ 32): [النَّفَقَةُ عَلَى الأهل والعيال واجِبَةٌ بِإِجْمَاعٍ، وهذا الحديث حُجَّةٌ في ذلك] اهـ.

وعلى هذا سار المُشرِّع المصري في قانون الأحوال الشخصية، فنَصَّ في المادة (18) مكررًا ثانيًا من القانون رقم 25 لسَنَة 1929م، المضافة بالقانون رقم 100 لسَنَة 1985م، على أنَّه: [إذا لم يكن للصغير مالٌ فنفقته على أبيه] اهـ.

مدى مشروعية استدامة نفقات التعليم للمحضون بعد بلوغه ١٥ عامًا

التعليم مِن فروع النفقة، بل هو مِن أَجَلِّ ما يُنفَق على الصغير؛ لأنه يُكَوِّن عقلَه ومَلَكاتِه، فهو غذاء الألباب كما أنَّ الطعامَ غذاءُ الأبدان، وبه يُمهد الإنسان لمستقبله، ويُذلِّل به ثغرات حياته، فكان لا محالة مِن أفضل ما يُحسِن الأبُ به إليه، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» أخرجه الإمام مسلم.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (8/ 43، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه: أنَّ على الأب تأديبَ ولده وتعليمَه ما يَحتاج إليه -مِن وظائف الدِّين، وهذا التعليمُ واجبٌ على الأب وسائر الأولياء] اهـ.

وقال الإمام العزُّ ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (1/ 159، ط. مكتبة الكليات الأزهرية) في بيان حقوق بعض المكلَّفين على بعض: [ومنها: حضانة الأطفال، وتربيتهم، وتأديبهم، وتعليمهم حُسن الكلام، والصلاة والصيام إذا صَلُحُوا لذلك، والسعي في مصالح العاجلة والآجلة، والمبالغة في حفظ أموالهم، ودفع الأذى عنهم، وجلب الأصلح فالأصلح لهم، ودرء الأفسد فالأفسد عنهم] اهـ.

فحاجةُ الصغير إلى العلم أعظمُ مِن الحاجة إلى المال والكسوة -وكلُّه مطلوب شرعًا-، قال الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهَه: "الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَحْرُسُهُ، وَالْعِلْمُ يَحْرُسُكَ، وَالْمَالُ تُفْنِيهِ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَالْعِلْمُ حَاكِمٌ، وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ» ذكره الإمام ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"، وأصله عند أبي نُعَيْم في "الحلية"، والشَّجَرِي في "ترتيب الأمالي" وأبي بكر الأبهري في "فوائده".

وهذا في حقِّ الأولاد جميعًا؛ ذكورًا وإناثًا، غير أن استمرار نفقة الأب على أبنائه الذكور الصغار مُقيَّدة بعدم البلوغ، وعدم قدرتهم على الكسب بعجزٍ أو نحوه، بخلاف الإناث، فلا تسقط نفقتهنَّ على الأب حتَّى يتزوجن خلافًا للشافعية؛ فقد أوجبوها في حقهن حتى الحيض.

قال العلامة سراج الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "النهر الفائق" (2/ 518، ط. دار الكتب العلمية): [ويجب النفقة والكسوة والسكنى (لطفله)؛ وهو الصبي حين يسقط مِن بطن أمه إلى أن يحتلم... لأنَّ الكبير القادر على الكسب لا تجب نفقته على أبيه، بخلاف العاجز، كالذي به زمانةٌ أو عمًى أو شللٌ أو ذهابُ عقلٍ، ومنه الأنثى إلى أن تتزوج] اهـ.

وقال الإمام أبو عبد الله المَوَّاق المالكي في "التاج والإكليل لمختصر خليل" (5/ 588، ط. دار الكتب العلمية): [(ونفقة الولد الذكر حتى يبلغ عاقلًا قادرًا على الكسب، والأنثى حتى يَدخل زوجُها) مِن "المدونة": يلزم الأبَ نفقةُ ولده الذكور حتى يحتلموا، والإناث حتى يَدخل بهن أزواجُهن] اهـ.

وقال العلامة ابن حَجَر الهَيْتَمِي الشافعي في "تحفة المحتاج" (8/ 347، ط. المكتبة التجارية الكبرى) في بيان النفقة على البنت: [وبتزوجها تسقط نفقتها بالعقد] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (11/ 484، ط. دار الكتب العلمية): [قال الشافعي رضي الله عنه: "فينفق الرجل على ولده حتى يبلغوا الحلم أو المحيض، ثم لا نفقة لهم إلا أن يكونوا زَمنَى فينفق عليهم إذا كانوا لا يغنون أنفسهم، وكذلك ولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على أن ينفق عليهم"، وهذا صحيح، إذا وجبت نفقة الولد لصغره: سقطت ببلوغه، ما لم تخلف الصغر زمانة أو جنون، سواء كان الولد غلامًا أو جارية، فإذا احتلم الغلام أو حاضت الجارية سقطت نفقتها] اهـ.

وهو ما أخذ به المشرع المصري، ففي المادة (18) سالفة الذكر: [وتستمر نفقة الأولاد على أبيهم إلى أن تتزوج البنتُ أو تكسب ما يكفي نفقتَها، وإلى أن يُتِمَّ الابنُ الخامسة عشرة مِن عمره قادرًا على الكسب المناسب] اهـ.

ومِن موانِع القدرة على الكسب: استمرارُ حاجة الولد إلى التعليم، فلا تسقط النفقة على المشتغل بطلب العلم مِن الولد ولو بلغ عاقلًا؛ لما فيه من الاشتغال بحاجته هذه التي تنزل منزلة الضرورة لتكوين الولد وإعداده للحياة، سواء أكان هذا التكوين دينيًّا أم دنيويًّا، ما لم يكن للولد البالغ مالٌ ينفق منه على تعليمه.

قال الإمام الزَّيْلَعِي في "تبيين الحقائق" (3/ 64، ط. المطبعة الأميرية): [وإن كان كبيرًا لا تجب عليه نفقته إلا إذا كان موسرًا... أو طالبَ علمٍ لا يتفرغ لذلك] اهـ.

وقال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم في "البحر الرائق" (4/ 228، ط. دار الكتاب الإسلامي) في بيان استمرار النفقة على الولد بعد البلوغ: [في "المجتبى": البالغ إذا كان عاجزًا عن الكسب وهو صحيحٌ فنفقته على الأب، وهكذا قالوا في طالب العلم إذا كان لا يهتدي إلى الكسب لا تسقط نفقته عن الأب] اهـ.

غير أنَّ الفقهاء اشترطوا لوجوب تلك النفقة أن يكون الولد راشدًا نبيهًا في سنوات التعليم، ويتحقق ذلك بألَّا يتكرر رسوبُه أو يثبُت عدمُ انتظامه في تحصيل العلم، وأن يكون التعليمُ إلى انتهاء سنوات الجامعة كما هو متعارَفٌ عليه ومستقرٌّ في زماننا، ومع توافر تلك الشروط أيضًا لا بد من مراعاة يُسر الأب وإعساره، واستعداد البالغ لاستكمال التعليم من عدمه.

قال العلامة شَيْخِي زَادَه في "مجمع الأنهر" (1/ 500، ط. دار إحياء التراث العربي): [لكونه طالب علم لا يقدر على الكسب لاشتغاله بالعلم، وهذا إذا كان به رشدٌ، كما في "الخلاصة"] اهـ.

وهو ما اعتبره قانون الأحوال الشخصية المصري، فنص في المادة (18) مكررًا ثانيًا منه على أنه: [تستمر نفقة الأولاد على أبيهم... إلى أن يتم الابن الخامسة عشرة من عمره قادرًا على الكسب المناسب، فإن أتمها عاجزًا عن الكسب لآفة بدنية أو عقلية أو بسبب طلب العلم الملائم لأمثاله واستعداده أو بسبب عدم تيسر هذا الكسب استمرت نفقته على أبيه] اهـ.

وفسَّرته المذكرة الإيضاحية بنصِّ: [الاشتغال بالتعليم يُعتبر عجزًا حكميًّا موجبًا للنفقة، إذا كان تعليمًا لعِلمٍ ترعاه الدولة، ولا يُنافي الدِّين، وبشرط أن يكون الطالب رشيدًا في التعليم، وفي قُدرة مَن وَجَبَت عليه النفقة الإنفاق عليه في التعليم] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن نفقة التعليم نفقةٌ ثابتةٌ مستدامةٌ، تجب على الأب للمحضون ولو بعد بلوغه سن الخامسة عشرة مِن عُمره، متى توافرت الشروط اللازمة لذلك، مِن عدم توفر المال اللازم لدى المحضون للإنفاق منه على تعليمه، وكونه ذا رَشَدٍ في التعليم، ولديه الاستعداد لاستكمال تعليمه الملائم لأمثاله، مع ضرورة مراعاة حال الأب مِن يُسره وإعساره، وينبغي أن يكونَ ذلك كلُّه بالمودة والتفاهم، والحُب والتراحُم، وإلا فيرفع الأمر إلى القضاء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

سأل رجل قال: إنه كفل ابنه في عقد زواجه دون أن يعلم بما يترتب على هذه الكفالة، وإن ابنه نفر منه وخرج مع زوجته وأقام بمنزل والد زوجته، وإن زوجة ابنه رفعت دعوى نفقة لها ولأولادها عليه، وحكمت لها المحكمة الشرعية عليه بنفقة وكسوة بمقتضى عقد الكفالة. فما هي السبيل للخلاص من هذه الكفالة شرعًا وقانونًا؟


سائل يقول: نرجو منكم بيان المعنى المراد من قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة: 187].


سائل يسأل عن كيف تكون تربية الطفل الصغير على الإيمان الصحيح وغرس الأخلاق الحسنة في نفسه؟


امرأة تسأل: قضت محكمةٌ شرعيةٌ بفرض نفقة لي ولأولادي على زوجي الموظف، فهل هناك مانع من إقامتي في منزل الزوج؟ وهل هذا مسقِط لحقي في النفقة المقررة بهذا الحكم؟


قال السائل: امرأة من مصر تزوجت في ديار غربة بالحجاز، ثم حملت، ثم مرضت وهي حامل وتعرضت لأخطار شديدة، فقرر الأطباء ضرورة سفرها عاجلًا من تلك الديار؛ لعدم وجود الأطباء الاختصاصيين هناك حيث توجد الاستعدادات من أطباء اختصاصيين ووسائل إسعاف -بمصر مثلًا-؛ وذلك درءًا لما قد يحدث لها من ضرر، وحفظًا لها وإنقاذًا لحياتها وعدم تعرضها إلى التهلكة، فطلبت من زوجها الإذن لها بذلك فأبى وأصر على عدم سفرها، ولكنها للضرورة الحتمية والسبب القهري والعذر الشرعي المشار إليه بعاليه أصرت غير باغية أن تلح وتشبثت بالسفر. ثم سافرت مع محارم من أهلها إلى وطنها مصر؛ لأجل الوضع والعلاج والاستشفاء. فهل يصح لزوجها أو خلافه أن يعتبرها ناشزًا؟ مع العلم بأنها علاوة على ما أبدته من الأسباب المستدعية لسفرها استصدرت أمرًا ساميًا من جلالة مليك البلاد، فتفضل جلالته بالإذن لها بالسفر على أن تعطي تعهدًا بأن تعود بعد الوضع والعلاج، فأعطت هذا التعهد. أفتونا مأجورين.


‏رزقت بولد من زوجة ‏لي، وطلقت وتزوجت ‏بالغير، وابني الآن في ‏يدي، وعمره اثنتا عشرة ‏سنة وكسور، فرفعت ‏والدته دعوى عليَّ أمام ‏محكمة مصر الشرعية ‏بطلب الحكم عليَّ ‏بتمكينها من رؤية ابنها، ‏والمحكمة حكمت ‏عليَّ غيابيًّا بتمكينها من ‏رؤية ابنها كلما أرادت، ‏فاستعملت هذا الحكم ‏سلاحًا تحاربني به في ‏كل لحظة بواسطة ‏البوليس؛ إذ ربما ‏يستدعيني البوليس في ‏الأسبوع عشرات ‏المرات بناءً على ‏الحكم المذكور، ‏ويتهجم على منزلي ‏حتى لقد حصل أن ‏البوليس هجم بالمنزل ‏في غيبتي وكسر ‏الأبواب وأخذ الولد ‏بالقوة وسلمه لوالدته ‏بالمنزل الذي تقيم فيه ‏مع زوجها. فهل الحكم ‏الشرعي يلزمني بأن ‏أمكِّنها من رؤية الولد ‏كلما أرادت؟ أو يصح لها ‏أن تراه في اليوم مرات ‏عديدة أو في الأسبوع ‏كذلك؟ أو هناك مدة ‏عيَّنها الشرع ترى ابنها ‏فيها؟ وهل الشرع ‏يلزمني أن أذهب ‏بالولد إليها في منزلها ‏لتراه؟ أو هي الملزمة ‏أن تحضر إلى منزلي ‏لترى ابنها في المدة ‏التي عيَّنها الشرع؟ أرجو ‏الإفادة عن ذلك.