السبب في تقدير النصاب في زكاة المال على اعتبار عيار 21 وليس 18 أو 24

تاريخ الفتوى: 11 أغسطس 2024 م
رقم الفتوى: 21692
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الزكاة
السبب في تقدير النصاب في زكاة المال على اعتبار عيار 21 وليس 18 أو 24

أسمع كثيرًا أن نصاب الزكاة في المال هو 85 جرامًا من الذهب عيار 21، فلماذا كان النصاب على عيار 21 وليس على عيار 18 أو 24؟

الفتوى باختيار عيار 21 من الذهب لحساب نصاب الزكاة وليس عيار 18 أو 24 جاءت مراعيةً لما تعارف عليه الناس، وهي مقتضى كلام جماعة من الفقهاء مع موافقتها لمقصود الشرع من رعاية مصلحة الغني والفقير على السواء.

المحتويات

 

بيان الأصل في احتساب نصاب الذهب وارتباطه بالدينار والمثقال

اكتسبت المقادير والموازين في الإسلام أهميةً كبيرة؛ حيث ارتبط بها كثيرٌ من الأحكامِ الشرعيةِ، ومنها "المثقال"؛ لكونه قد ارتبط بركنٍ من أركان الإسلام، ألا وهو الزكاة، حيث تواردت النصوص الشرعية على وجوب الزكاة على مَن يملك عشرين مثقالًا من الذهب، والمثقال هو مقدار وزن الدينار، وهو العملة المصنوعة من الذهب، ولذا لم يفرق الشرع بينهما في التعريف بنصاب الزكاة، واستخْدَمَ كلًّا منهما كمرادف للآخر، فعن أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا نِصْفَ دِينَارٍ، وَمِنَ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا" أخرجه ابن ماجه في "السنن".

وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ ذَوْدٍ شَيْءٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ شَيْءٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ شَيْءٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ شَيْءٌ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ» أخرجه الدارقطني في "السنن".

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (2/ 296، ط. دار الفكر): [الدينار اسم للقطعة من الذهب المضروبة المقدرة بالمثقال، فاتحادهما من حيث الوزن] اهـ.

وقال العلامة ابن عبد البر في "الاستذكار" (3/ 136، ط. دار الكتب العلمية): [وأجمع العلماء على أنَّ الذهب إذا بلغ أربعين مثقالًا فالزكاة فيه واجبة بمرور الحول ربع عُشْرِه وذلك دينارٌ واحد، وأجمعوا أنه ليس فِـيما دون عشرين دينارًا زكاة] اهـ.

بيان نوع الدينار الذي تم احتساب الزكاة عليه في عصر النبوة

لقد تعددت أنواع الدنانير المستخدمة في العصر النبوي الشريف إلا أنَّ المراد بالدينار عند العرب في أرض الحجاز هو دينار الروم؛ لأنه كان الغالب في الاستعمال حينئذٍ، حيث تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم به استصحابًا للعرف المستقر عليه العمل من قَبل.

قال العلامة البَلَاذُري في "فتوح البلدان" (ص: 448-449، ط. دار ومكتبة الهلال): [عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي، قال: كانت لقريش أوزان في الجاهلية فدخل الإسلام فأقرت على ما كانت عليه، كانت قريش تزن الفضة بوزن تسميه درهمًا، وتزن الذهب بوزن تسميه دينارًا... فلما قدم صلى الله عليه وسلم مكة أقرهم على ذلك] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 170، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية- المغرب): [وحدثني عبد الرحمن بن حزم الليثي عن هلال بن أمية قال: سألت ابن المسيب: في كم تجب الزكاة من الدنانير؟ قال: في كل عشرين مثقالًا بالشامي نصف مثقال، قلت: ما بال الشامي من البصري؟ قال: هو الذي يضرب عليه الدنانير. وكان ذلك وزن الدنانير قبل أن تضرب، كانت اثنين وعشرين قيراطًا إلا حبة، وكانت العشرة وزن سبعة. وقال غير الواقدي: كانت الدنانير في الجاهلية وأول الإسلام بالشام وعند عرب الحجاز كلها روميّة تضرب ببلاد الروم] اهـ.

بيان أنواع معايير الذهب والفرق بينهم

لتقدير نصاب فريضة الزكاة مع تفاوت الزمن -وما لحق ذلك من اختلاف المفاهيم وانقضاء التعامل بالدينار بيعًا وشراء- يلزمُ الوقوفُ على قدر المثقال ونوع الذهب الذي كان يضرب منه الدينار آنذاك، ذلك أن معيار الذهب ونوعه يتفاوت تفاوتًا كبيرًا، وفقًا لمقدار نقائِه وخلوصه من المعادن الأخرى، إذ الذهب في أصله معدن نفيس، وهو من المعادن اللَّينَةِ التي يصعُبُ تشكيلُها وصياغتُها دون أن تضاف إليها نسبة محددة من المعادن الأخرى كالنحاس أو الفضة أو البلاديوم، وهذه النسبة هي عامل المفاضلة بين أنواع ومعايير الذهب، إذ كلما زادت نسبة المعادن المخلوطة بالذهب، أمكن صياغتُها وتشكيلُها بأشكالٍ عديدة. كما في "المغرب في ترتيب المعرب" لبرهان الدين المطرزي (ص: 334، ط. دار الكتاب العربي).

قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (6/ 217، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وغالب الفضة والذهب فضة وذهب)... لأنهما لا يخلوان عن قليل غش، إذ هما لا ينطبعان عادة بدونه] اهـ.

وتتنوع معايير الذهب وفقًا لما أضيف إليه من معادن أخرى إلى عدة أنواع، فكلما زاد رقمُ العيار الذهبي قلَّ ما به من إضافات، ومن هذه الأنواع:

أولًا: عيار 23.5 أو 24 قيراطًا، وهو المعبِّر عن الذهب عالي النقاوة؛ لأن نسبة المعادن التي تُخلط به قليلة جدًّا، بما يقارب جرامًا واحدًا في كل كيلو ذهب، ونسبة الذهب الخالصة فيه تساوي 979.16 سهمًا (جزءًا من الألف).

ثانيًا: عيار 21 قيراطًا، ونسبة الذهب الخالصة فيه تساوي ٨٧٥ سهمًا (جزءًا من الألف).

ثالثًا: عيار 18 قيراطًا، ونسبة الذهب الخالصة فيه تساوي 750 سهمًا، وذلك ما نصت عليه المادة رقم (6) من قانون الرقابة على المعادن الثمينة والأحجار ذات القيمة رقم ٦٨ لسنة ١٩٧٦م (وفقًا لآخر تعديل صادر في ٢٢ يوليو عام ٢٠١٧م).

مقدار المثقال بالحسابات الحديثة، واختلاف الفقهاء في العيار المعتبر به في احتساب زكاة المال، وأثر ذلك على مقدار النصاب شرعًا

تواردت نصوص الفقهاء على أن المثقال يعادل بالحسابات الحديثة 4.25 جرامات، وأن نصاب الزكاة حينئذ يقارب 85 جرامًا من الذهب، اختلفت أقوالهم في تحديد معيار الذهب الواجب مراعاته في إخراج الزكاة، وذلك على اتجاهين:

الاتجاه الأول: أن الزكاة واجبة على اعتبار الذهب الخالص فقط وهو قول الشافعية، والحنابلة، ومقتضى قول المالكية، وعلى ذلك الاتجاه يختلف قدر النصاب في كل معيار من معايير الذهب، بحيث يكون نصاب الزكاة في عيار 24 هو امتلاك قيمة 85 جرامًا، وقدر النصاب في عيار 21 هو امتلاك قيمة 97.14 جرامًا من الذهب، وقدر النصاب في عيار 18 هو امتلاك قيمة 113.33 جرامًا تقريبًا من الذهب.

فنص المالكية على أنه لا يعامل الذهب المغشوش -غير الخالص- معاملة الكامل إلا إذ راج رواجه، وفسروا الرواج بأن يشترى بالمغشوش ما يشترى بالكامل، فتكون قيمة المغشوش الشرائية هي قيمة الخالص، ومقتضى ذلك أن الاعتبار في الزكاة بالخالص فقط في عصرنا لاختلاف القيمة المالية بين الذهب الخالص والمغشوش -غير الخالص-.

قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (2/ 178، ط. دار الفكر): [أو نقصت أو برداءة أصل، أو إضافة وراجت ككاملة (ش) يعني أن الزكاة تجب في المائتي درهم، أو في العشرين دينارًا، ولو كانت ناقصة في الوزن لا في العدد نقصًا لا يحطها عن رتبة الكاملة كحبة أو حبتين في كل الموازين كما عند جمهور أصحابنا، أو كانت وازِنةً إلا أنها رديئة من معدنها وتنقص في التصفية، أو كانت ناقصة بسبب إضافة كالمغشوشة بنحاس ونحوه... ومفهوم قوله "وراجت ككاملة" أنها إن لم ترج بأن انحطت عن الكاملة حيث يكون في البلد ناقصة وكاملة سقطت زكاة الأُولى اتفاقًا، وحسب في الأخيرتين الخالص فإن بلغ النصاب زكاه واعتبر ما فيها من خالص] اهـ.

وجاء في "حاشية الإمام العدوي المالكي" عليه (2/ 178، ط. دار الفكر): [ومعنى رواجها كرواج الكاملة: أن السلعة التي تشترى بعشرين دينارًا كاملة تشترى بعشرين دينارًا ناقصة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 9، ط. دار الفكر): [إذا كان له ذهب أو فضة مغشوشة فلا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابًا، هكذا نص عليه الشافعي رضي الله عنه والمصنف وجميع الأصحاب] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 599، ط. دار الفكر): [ومن ملك ذهبًا أو فضةً مغشوشة أو مختلطًا بغيره فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب الفضة نصابًا؛ لقوله عليه السلام: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة»] اهـ.

الاتجاه الثاني: أنه يُعفى في إخراج الزكاة عن قليلٍ من المعادن التي خُلط بها الذهب من أجل صياغته وتشكيله، فيُعامل الكل معاملة الذهب الخالص، ويُزكى المجموع إذا بلغ النصاب؛ لأن الحكم للغالب، وممن قال بذلك الحنفية وبعض المالكية، حيث نصوا على أنه إذا خُلط الذهب بغيره مما لا بد له منه لكي ينطبع ويتشكل، وبحيث يصير الذهب غالبًا فيه، فإنه يُعامل الكلُّ معاملة الذهب الخالص، ويُزكى إذا بلغ النصاب، وذلك الاتجاه متصورٌ فيه إخراج الزكاة على عيار 21 و18 على السواء؛ لتحقق أوصاف الغلبة فيهما، ولكون المضاف في كل نوع منهما قد أضيف لسهولة التشكيل أيضًا، فما يتشكل من عيار 18 قد لا يتشكل لدقته من عيار 21، وعلى هذا الاتجاه فإن نصاب الزكاة ثابت في كل عيار من معايير الذهب وهو امتلاك قيمة 85 جرامًا من الذهب.

قال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 17، ط. دار الكتب العلمية): [فأما إذا كانت مغشوشة فإن كان الغالب هو الفضة فكذلك؛ لأن الغش فيها مغمور مستهلك، كذا روى الحسن عن أبي حنيفة أن الزكاة تجب في الدراهم الجياد والزيوف والنبهرجة والمكحلة والمزيفة. قال: لأن الغالب فيها كلها الفضة، وما تغلب فضته على غشه يتناوله اسم الدراهم مطلقًا. والشرع أوجب باسم الدراهم] اهـ.

وقال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 279، ط. المطبعة الأميرية): [فإن قيل: فما الفرق بين الفضة المغلوبة وبين الغش المغلوب حتى اعتبرتم الفضة المغلوبة وأجريتم عليه أحكام الفضة إذا كانت تخلص منه ولم تعتبروا الغش المغلوب بل جعلتم كله فضة؟ قلنا: الفرق بينهما أن الفضة قائمة في كثير الغش حقيقة حالًا باللون ومآلًا بالإذابة بخلاف الغش المغلوب، فإنه لا يظهر حالًا ولا يخلص مآلًا بل يحترق، وعلى هذا التفصيل الذهب المغشوش وإنما لم يذكره الشيخ رحمه الله تعالى؛ لأن حكمه يعرف ببيان حكم الفضة المغشوشة... والذهب المخلوط بالفضة إن بلغ الذهب نصاب الذهب وجبت فيه زكاة الذهب، وإن بلغت الفضة نصاب الفضة وجبت فيه زكاة الفضة، وهذا إذا كانت الفضة غالبة، وأما إذا كانت مغلوبة فهو كله ذهب لأنه أعزُّ وأغلى قيمة] اهـ.

وقال الإمام ابن رشد المالكي في "المقدمات الممهدات" (1/ 283، ط. دار الغرب الإسلامي): [واختلف إذا كانت الدراهم أو الذهب مشوبين بنحاس فقيل: إن الزكاة لا تجب إلا في النصاب من الذهب أو الورق الخالص. وقيل: إذا كان الذهب أو الفضة الأكثر فالحكم لهما والنحاس ملغى والزكاة واجبة فيهما] اهـ.

وجاء في "المختصر الفقهي" للعلامة ابن عرفة المالكي (1/ 474، ط. مؤسسة خلف): [وأرى إن قلَّ وجرى كخالصٍ فمثلُه، وإلا اعتُبر خالصه فقط، وبه فسَّر ابن بشير المذهب، وبمضاف، الباجي: إن كان لضرورة الضرب فكخالص] اهـ.

أسباب اختيار عيار 21 للعمل به في الفتوى والقضاء في الديار المصرية

جرى العمل والفتوى في الدِّيار المصريَّة باعتبار النصاب على عيار 21، مستندين في ذلك على عدة أمور ومنها:

أولًا: موافقة ذلك الاختيار لما عليه فقهاء الحنفية وبعض المالكية، حيث أفادت نصوصهم معاملة الذهب الذي خلط به غيره معاملة الذهب الخالص إذا كان غالبًا، وإذا كان غشه لمصلحة سبكه وضربه.

ثانيًا: أنه قد نقل غير واحد من المتخصصين في علم المسكوكات وممن شاهدوا الدينار الإسلامي القديم أنَّه قد صُنع من عيار 21، وممن نقل ذلك العلامة ناصر السيد النقشبندي مدير المسكوكات في مديرية الآثار القديمة العامة وعضو جمعية النميَّات الملكية في لندن، حيث قال في كتابه "الدينار الإسلامي في المتحف العراقي" (ص: 13-14، ط. مطبعة الرابطة): [كان عيار الدينار الذهب دائمًا مرتفعًا، فقد كان الذهب خالصًا بقدر ما كانت تساعدهم طرق التصفية، والعيار الشرعي للذهب يُعد خالصًا، فإذا غُشَّ قُدِّرت قيمته في التعامل، وكانوا يشددون كثيرًا في العيارِ وتخليص الذهب، ويعاقبون على التهاون في ذلك بأشد العقوبات، ولذلك استمر العيار على التحسن، وقصة أحمد بن طولون في تجويد عيار ديناره مشهورة، فحرص الخلفاء على سمعة ذهبهم فأخذوا يجودونه، وقيس عيار دينار ليزيد الثاني بن عبد الملك وتأريخه سنة 104هـ، فكان 87.9 بالمائة من الذهب الخالص، أي 21 حبة حسب الاصطلاح الحالي] اهـ.

ثالثًا: أن عيار 21 هو الحد المتوسط في القيمة المالية بين عيار 24 وعيار 18، فكان اختياره كعيارٍ لنصاب الزكاة للتوسط بينهما، ولما في ذلك من تحقق مصلحة الفقير والغني على السواء دون ميل لجانب منهما على جانب، فهو يحقق التوازن بين مصالح الفقراء والأغنياء، حيث إنَّ هذا العيار لا يجعل نصاب الزكاة مرتفعًا مما قد يضر بالفقراء كما هو الحاصل في عيار 18 إذ نصاب زكاته 113.33 جرامًا تقريبًا من الذهب، ولا يجعل تحققه نادرًا أو قليلًا وذلك لعدم شيوع استعمال عيار 24 وهو مما قد يحرم الغني من إخراج الزكاة ونيل ثوابها.

وقد أكدت نصوص الفقهاء على أن المقصود من الزكاة هو إغناء الفقير على وجه لا يصير به الغني فقيرًا.

قال العلامة ابن الهمام في "فتح القدير" (2/ 155، ط. دار الفكر): [المقصود من شرعية الزكاة مع المقصود الأصلي من الابتلاء مواساة الفقراء على وجه لا يصير هو فقيرًا بأن يعطي من فضل ماله قليلًا من كثير، والإيجاب في المال الذي لا نماء له أصلًا يؤدي إلى خلاف ذلك عند تكرر السنين خصوصًا مع الحاجة إلى الإنفاق] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 633، ط. دار الفكر): [يحقق هذا أن الزكاة إنما وجبت مواساة للفقراء، وشكرًا لنعمة الغنى.. وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لحاجة غيره] اهـ.

ويُستأنس لذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذًا إلى أهل اليمن ليأخذ منهم الزكاة نصحه بألا يأخذ من كرائم أموالهم، فاستُعيض عن عيار 24 لعيار 21 لكونه من كرائم الأموال، أي: أثمنها، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين"، واللفظ لمسلم.

وهذا الاختيار هو ما جرت عليه الفتوى في الديار المصرية، منذ عهد فضيلة العلامة الشيخ/ عبد اللطيف عبد الغني حمزة -مفتي الديار المصرية الأسبق- إلى عصرنا الحاضر، حيث نصت فتواه على أن "الاعتبار دائمًا لوزن النصاب ذهبًا 85 جرامًا عيار 21" وذلك كما جاء في الفتوى (رقم 12 لسنة 1984م- سجل 120).

رابعًا: استقرار عمل الناس على إخراج الزكاة من عيار 21، وقد تقرر أنَّ ما عليه عمل الناس إذا وافق قولًا من أقوال الفقهاء فإنه يكون مقدمًا على غيره.

قال العلامة ابن النجار الفتوحي في "شرح الكوكب المنير" (ص: 599-600، ط. مطبعة السنة المحمدية): [(و) من أدلة الفقه أيضًا (تحكيم العادة) وهو معنى قول الفقهاء: إن "العادة محكمة"، أي معمول بها شرعًا... معنى العرف: كل ما عرفته النفوس ممَّا لا ترده الشريعة... وكل ما تكرر من لفظ "المعروف" في القرآن نحو قوله سبحانه: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]، فالمراد به ما يتعارفه الناس في ذلك الوقت من مثل ذلك الأمر... فابتنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لهند رضي الله عنها «خُذِي وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ»] اهـ.

الخلاصة

مما سبق يعلم: أنَّ الفتوى باختيار عيار 21 من الذهب لنصاب الزكاة جاءت مراعية لما تعارف عليه الناس، وهي مقتضى كلام جماعة من الفقهاء مع موافقتها لمقصود الشرع من رعاية مصلحة الغني والفقير على السواء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم إخراج الزكاة لاستكمال تجهيز مسجد؟ حيث يوجد مسجد أقيم بالمجهود الذاتي ولم يستكمل بعد، يحتاج إلى بعض التجهيزات، فهل يجوز أخذ جزء من زكاة الأرض الزراعية وإنفاقها على المسجد؟ علمًا بأن الجميع يتبرعون بزكاة الأراضي الزراعية للمسجد ممن يجاورون المسجد ولا يوجد في المنطقة فقراء إلا قليل.


ما حكم الزكاة في القمح والشعير؟ وما قيمتها؟ وهل ينطبق ذلك على كل البلاد الإسلامية؟ 


سائل طلب بيان الرأي الشرعي فيما يأتي:
أولًا: متى تجب زكاة الفطر على الصائم؟ ومتى تسقط عنه؟
ثانيًا: هل يجوز للفقير الاتفاق مع فقير آخر لتبادل إخراج زكاة الفطر بينهما؟
ثالثًا: هل يجوز صرف زكاة الفطر لدور الأيتام وإنشاء مستشفيات العلاج المجانية؟


هل يجوز إخراج زكاة المال لصالح معهد الأورام؟ وهل يجوز التبرع بمالٍ لمعهد الأورام كصدقة جارية؟


لما كانت جمعيتنا تعتمد في تقديم خدماتها وتفعيل مشروعاتها على تبرعات أهل البر والخير، وحيث إن أموال تبرعاتهم منها الصدقات والهبات وزكاة المال، فإنا نستفسر من فضيلتكم؛ حرصًا منا على تحقيق الصرف وفقًا للأصول الشرعية عن: هل يلزم التفريق بين الصدقات وأموال الزكاة؟ وما هي المصارف الشرعية لكلٍّ في حال الاختلاف؟ وهل يجوز لنا توجيه أموال الزكاة أو الصدقات على بناء مسجد الجمعية ومجمعها الخدمي؟


سائل يقول: أمتلك محلًّا تجاريًّا لبيع المواد الغذائية، وأريد أن أعرف ما هي الشروط الواجب توافرها في عروض التجارة حتى تجب فيها الزكاة؟