ما حكم ترك صلاة الجمعة بسبب البرد والمطر الشديد؟ ففي بعض أيام الشتاء يكون البرد شديدًا، وأحيانًا تنزل الأمطار بكثرة، بحيث تمتلئ الشوارع بالوحلِ والطين الكثير. فهل يجوز مع هذه الظروف ترك الجمعة؟
يجوز ترك صلاة الجمعة بسبب المطر الذي يحدث وحلًا ويصعب معه حضور الجمعة في المسجد، أو خوف البرد الشديد الذي لا يتحمل، فهي أعذار معتبرة شرعًا، فقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أذَّن بالصلاة في ليلة ذات بردٍ وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات بردٍ ومطرٍ، يقول: «ألا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» متفقٌ عليه.
وعلى المكلف حينئذٍ صلاة الظهر أربع ركعات.
المحتويات
صلاة الجمعة شعيرة من شعائر الإسلام، وهي واجبة على كلِّ مسلمٍ حرٍّ بالغٍ عاقلٍ مقيم صحيحٍ ليس به علة، ولا يجوز تركها أو التَّخلف عنها إلَّا لعذرٍ شرعي، ومن تخلَّف عنها لغير عذر كان آثمًا.
وقد دلَّ على وجوبها ومكانتها نصوص الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: 9-10].
وجاء عن طارق بن شهاب رضي الله عنه مرفوعًا أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» أخرجه أبو داود في "سننه"، وقال: "طارقُ بن شهاب قد رأى النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم، ولم يسمع منه شيئًا .
وإسناد هذا الحديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، وتصريح الإمام أبي داود بعدم سماع طارق بن شهاب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقدح في صحته؛ لأنه إن ثبت ذلك يكون مرسلَ صحابي، ومرسلُ الصحابي حجة عند جميع العلماء إلا أبا إسحاق الإسفراييني؛ كما أفاد الإمام النووي في "المجموع" (4/ 483، ط. دار الفكر).
وقال الإمام البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (4/ 330، ط. جامعة الدراسات الإسلامية بكراتشي): [هذا هو المحفوظ، مرسلٌ، وهو مرسلٌ جيد، وله شواهد ذكرناها في كتاب "السنن"] اهـ.
وأخرج الحاكم في "مستدركه على الصحيحين"، عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "التلخيص".
فأفاد هذا الحديث وجوب صلاة الجمعة وأنه لا يجوز لمن وجبت عليه أن يتخلف عنها إلا لعذر.
قد اعتبر الشرع الشريف المطرَ الذي يصعب معه حضور الجمعة وكذا البردُ الشديدُ الذي لا يحتمل عذرًا يُترخص به في عدم حضور الجمعة، وقد تضافرت نصوص السنة المطهرة التي تدل على ذلك، فقد بوَّب الإمام البخاري لهذا في "صحيحه" تحت عنوان: (الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر ، وبوَّب له الإمام مسلم أيضًا في "صحيحه"، تحت عنوان: (باب جواز التخلف عن الجماعة لعذر المطر).
ومن جملة الأحاديث الواردة في هذا الباب: ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أذَّن بالصلاة في ليلة ذات بردٍ وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات بردٍ ومطرٍ، يقول: «ألا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» متفقٌ عليه.
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: "صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ"، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الجُمْعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي المليح، عن أبيه رضي الله عنْهما، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بالحديبية، فأصابنا مطرٌ، لم يبلَّ أسفل نعالنا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «صَلُّوا فِي رِحَالِكُم». رواه أحمد وغيره، فدلَّت هذه النصوص على أن المطر والبرد الشديد مما يباح معه ترك صلاة الجمعة.
قال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (6/ 84، ط. مكتبة الغرباء الأثرية): [وأكثر أهل العلم عَلَى أن المطر والطين عذرٌ يباح مَعَهُ التخلف عَن حضور الجمعة والجماعات، ليلًا ونهارًا] اهـ.
وعلى ذلك نص فقهاء المذاهب الأربعة.
قال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 297، ط. دار الكتب العلمية): [يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئًا: منها مطر وبرد شديد... ووحلٌ بعد انقطاع مطر] اهـ .
وقال العلامة الطحطاوي الحنفي في "حاشيته" عليه (ص: 297): [ظاهره يعم جماعة الجمعة والعيدين، فيصلي الجمعة ظهرًا، وتسقط صلاة العيد] اهـ.
وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 389، ط. دار الفكر) عند الكلام عن الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة: [(وعذر) إباحة (تركها و) ترك (الجماعة شدة وحل)... وهو ما يحمل أواسط الناس على ترك المداس (و) شدة (مطر) يحملهم على تغطية رؤوسهم] اهـ. وينظر أيضًا: "التاج والإكليل" للعلامة أبي عبد الله الموَّاق المالكي (2/ 555، ط. دار الكتب العلمية).
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 489): [كل عذر سقطت به الجماعة في غير الجمعة سقطت به الجمعة، إلا الريح في الليل؛ لعدم تصوره، وفي الوحل ثلاثة أوجه عند الخراسانيين: الصحيح عنهم وبه قطع العراقيون وجماعات من الخراسانيين: أنه عذرٌ في الجمعة والجماعة] اهـ .
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 252، ط. مكتبة القاهرة): [ولا تجب الجمعة على من في طريقه إليها مطر يبل الثياب، أو وحل يشق المشي إليها فيه... وتسقط الجمعة بكل عذر يسقط الجماعة] اهـ. وينظر أيضًا: "الهداية على مذهب الإمام أحمد" للعلامة أبي الخطاب الكلوذاني الحنبلي (ص: 102، ط. مؤسسة غراس).
فيظهر لنا من ذلك أن الشريعة الإسلامية قد جعلت كلًّا من البرد أو المطر الشديدين عُذرًا شرعيًّا مُبيحًا لترك صلاة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد؛ وذلك للحد من تعرض الناس للمخاطر ووقوعهم في الأذى أو المهالك، أو غير ذلك مما قصدت الشريعة حماية المكلفين من التعرض له، وقد تقرر أن: "المشقة تجلب التيسير".
إذا جاز ترك حضور الجمعة لعذر من الأعذار المعتبرة شرعًا، فإن الواجب على من تركها حينئذ أن يصلِّيَها ظهرًا أربع ركعات بالإجماع.
قال الإمام ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 107، ط. دار طيبة): [أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أنَّ من فاتته الجمعة أن يصلي أربعًا] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز ترك صلاة الجمعة بسبب المطر الذي يحدث وحلًا ويصعب معه حضور الجمعة في المسجد، أو خوف البرد الشديد الذي لا يتحمل، فهي أعذار معتبرة شرعًا، وعلى المكلف حينئذٍ صلاة الظهر أربع ركعات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز لأحد المصلين التَّقدُّم على الإمام الراتب في المسجد إن كان الـمُتقدِّم أفقه وأعلم منه؟
ما حكم صلاة رجل لا يخرج الزكاة المفروضة عليه، علمًا بأنه لديه أموال بلغت النصاب وحال عليها الحول. فهل هناك علاقة بين إقامة الصلاة وأداء الزكاة؟
ما حكم الشرع في تخلّف المسلم عن خطبة الجمعة وذهابه إلى المسجد بعد دخول الإمام في الصلاة؟ ومتى يكون مدركًا للجمعة؟
ما حكم قضاء صلاة الكُسُوف أو الخُسُوف بعد خروج الوقت؟ فعند حدوث الكُسُوف أو الخُسُوف أكون منشغلًا أحيانًا بالعمل، ولا أستطيع أداء الصلاة المشروعة لهما حتى أنتهي من العمل، فهل ذلك جائز؟
ما حكم التغيب عن الجمعة خوفا من الإصابة بكورونا؟ ففي ظل انتشار "فيروس كورونا المستجد" واتجاه دول العالم إلى ضرورة التعايش مع ظروف هذا الوباء، ودراسة الأجهزة المعنية في الدولة آلية وضوابط العودة التدريجية لصلاة الجمعة؛ فهل يجوز لـمَنْ غَلَب على ظنه الإصابة بهذا الفيروس أن لا يحضر لصلاة الجمعة؟ وهل عليه إثم في ذلك؟
ما الحكم إذا أحدث الخطيب أثناء خطبة الجمعة؟ فهناك رجلٌ يسأل: في صلاة الجمعة، إذا أحدث الخطيب أثناء الخطبة، هل يتمها ويستخلف غيره للصلاة، أو ينتظرونه حتى يتوضأ ويرجع سريعًا إن قَدَر على ذلك؟