ما مدى صحة حديث: «لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ»؟ وكيف نوفِّق بينه وبين قول الله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32] ونحو ذلك من الآيات؟
الحديثُ المذكور في السؤال حديثٌ صحيحٌ، ومتفقٌ عليه، ولا تعارُض بينه وبين الآيات التي وردت في كتاب الله عزَّ وجل، والتي تدل على أنَّ دخول الجنة بالأعمال، كقول الله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32] ونحوها، فالمنفي في الحديث المقابلة والعوض، بمعنى كون العمل عوضًا وثمنًا لدخول الجنة، فمهما طال عمر الإنسان فعمله محدود ومتناهٍ، فلا يعدل أن يكون عوضًا وثمنًا لنعيم وخلود لا نهاية له في الجنة، وأمَّا المثبَت في الآيات فهو كون هذه الأعمال سببًا في شمول رحمة الله للعبد وبها يدخله جنته، كما أنها تتناول التفاوت في الدرجات والمنازل، فدرجات العباد في الجنة متباينة على قدر تباين أعمالهم.
المحتويات
الحديثُ الوارد في السؤال حديثٌ صحيحٌ؛ فقد أخرجه الشيخان في "صحيحيهما"، عَن أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلَا أَنتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَن يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ».
لا تعارُض بين هذا الحديث والآيات التي وردت في كتاب الله عزَّ وجل والتي تدل على أن دخول الجنة بالأعمال؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: 43]، وقوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32]، وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: 72]؛ وذلك لاختلاف محل النفي الوارد في الحديث عن محل الإثبات الوارد في الآية، فالمنفي في الحديث هو المقابلة والعِوَض، وهو كون العمل عوضًا وثمنًا لدخول الجنة، فمهما طال عمر الإنسان فعمله محدود ومتناهٍ، فلا يعدل أن يكون عوضًا وثمنًا لنعيم وخلود لا نهاية له في الجنة، وأمَّا المثبَت في الآيات فهو بيان أنَّ هذه الأعمال تكون سببًا في شمول رحمة الله للعبد وبها يدخله جنته، كما أنها تتناول التفاوت في الدرجات والمنازل، فدرجات العباد في الجنة متباينة على قدر تباين أعمالهم.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّ لِلَّهِ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى خَمْسَ مِائَةِ سَنَةٍ... فَسَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ وَقْتِ الْأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِدًا وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلًا حَتَّى بَعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ. قَالَ: فَفَعَلَ، فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا، فَنَجِدُ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ: قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ. فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ. قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ، فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ» أخرجه الحاكم في "المستدرك"، والبَيْهَقِي في "شُعب الإيمان".
قد تواردت عبارات العلماء من المفسرين وشُرَّاح الأحاديث وغيرهم على ذلك المعنى.
قال الإمام فخر الدين الرازي في "مفاتيح الغيب" (14/ 244، ط. دار إحياء التراث): [طعن بعضهم فقال: هذه الآية تدل على أن العبد إنما يدخل الجنة بعمله، وقولُه عليه السلام: «لَن يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى»، بينهما تناقض.
وجواب ما ذكرنا: أن العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته، وإنما يوجبه لأجل أن الله تعالى بفضله جعله علامة عليه ومعرفة له، وأيضًا: لما كان الموفي للعمل الصالح هو الله تعالى كان دخول الجنة في الحقيقة ليس إلا بفضل الله تعالى] اهـ.
وقال الإمام ابن كثير في "تفسيره" (7/ 220، ط. دار الكتب العلمية) في بيان قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: [أي: أعمالكم الصالحة كانت سببًا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يُدخِل أحدًا عملُه الجنةَ، ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات يُنال تفاوتها بحسب الأعمال الصَّالِحَاتِ] اهـ.
وقال العلَّامة ابن بَطَّال في "شرح صحيح البخاري" (10/ 180، ط. مكتبة الرشد): [فإن قال قائل: فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَن يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنَّةَ» يُعارض قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزخرف: 72]. قيل: ليس كما توهمت، ومعنى الحديث غير معنى الآية، أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث أنه لا يستحق أحد دخول الجنة بعمله، وإنما يدخلها العباد برحمة الله، وأخبر الله تعالى في الآية أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، ومعلوم أن درجات العباد فيها متباينة على قدر تباين أعمالهم، فمعنى الآية في ارتفاع الدرجات وانخفاضها والنعيم فيها، ومعنى الحديث في الدخول في الجنة والخلود فيها، فلا تعارض بين شيء من ذلك] اهـ.
وقال القاضي عِيَاض المالكي في "إكمال المعلم" (8/ 353، ط. دار الوفاء): [لا تعارُض بين هذا وبين قوله: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وشبهه من الآيات؛ لأن الحديث يفسر ما أُجمِل هاهنا، وأن معنى ذلك: مع رحمة الله وبرحمة الله؛ إذ من رحمة الله توفيقه للعمل وهدايته للطاعات، وأنه لم يستحقها بعمله؛ إذ الكل بفضل من الله تعالى] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلي في "مجموع الفتاوى" (8/ 70-71، ط. مجمع الملك فهد): [ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ لَن يَدْخُلَ أَحَدُكُمُ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» قالوا: "وَلَا أَنتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟" قال: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَن يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَةٍ مِنهُ وَفَضْلٍ». وقد قال تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فهذه باء السبب أي: بسبب أعمالكم، والذي نفاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا، أي: ليس العمل عوضًا وثمنًا كافيًا في دخول الجنة، بل لا بد من عفو الله وفضله ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف البركات] اهـ.
ويتحصَّل من ذلك أن دخول الجنة في الحقيقة ليس إلا بمحض فضل الله تعالى ورحمته سبحانه، وأن العمل بمجرده لا يوجب دخول الجنة، بل هو سببٌ، وأن الدرجات تتفاوت في الجنة على حسب الأعمال الصَّالحة، فلا تعارُض بين شيء من النصوص الواردة في ذلك.
بناءً على ما سبق: فالحديثُ المذكور في السؤال حديثٌ صحيحٌ، متفقٌ عليه، ولا تعارُض بينه وبين الآيات التي وردت في كتاب الله عزَّ وجل، والتي تدل على أنَّ دخول الجنة بالأعمال، كقول الله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32] ونحوها، فالمنفي في الحديث المقابلة والعوض، بمعنى كون العمل عوضًا وثمنًا لدخول الجنة، فمهما طال عمر الإنسان فعمله محدود ومتناهٍ، فلا يعدل أن يكون عوضًا وثمنًا لنعيم وخلود لا نهاية له في الجنة، وأمَّا المثبَت في الآيات فهو كون هذه الأعمال سببًا في شمول رحمة الله للعبد وبها يدخله جنته، كما أنها تتناول التفاوت في الدرجات والمنازل، فدرجات العباد في الجنة متباينة على قدر تباين أعمالهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما المراد بالمحو والإثبات في قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد: 39]؟
هل رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيدنا جبريل عليه السلام بصورته كاملة التي خلقه الله تعالى عليها في رحلة الإسراء والمعراج؟
ما الحكمة في إسرائه صلى الله عليه وآله وسلم على البراق ولم يكن على أجنحة الملائكة؟
سائلة تقول: لم أذهب إلى مقبرة والدي سوى مرات قليلة، وظروفي لا تسمح لي أن أذهب دائمًا؛ فهل يجب علي أن أذهب باستمرار؟ وهل صحيح أنَّ الميت يفرح بزيارة أهله له؟
ما مدى صحة حديث: «لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ»؟ وكيف نوفِّق بينه وبين قول الله تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32] ونحو ذلك من الآيات؟
هل حديث النبي عليه السلام: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا» يفيد رؤية المؤمنين لله يوم القيامة؟ وكيف تكون هذه الرؤية؟