حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا

تاريخ الفتوى: 09 نوفمبر 2024 م
رقم الفتوى: 21607
من فتاوى: فضيلة أ. د/ نظير محمد عياد - مفتي الجمهورية
التصنيف: بر الوالدين
حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا

ما حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا؟ فهناك سيدة تقول: ابني في بعض الأحيان ينادي على والده باسمه مجردًا من دون أن يقصد بذلك الإساءة، وحينما أسمعه أقول له: إن من الأدب ألا تنادي على والدك باسمه مجردًا، فيقول: هذه عادات لا علاقة لها بالشرع، فأرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي في هذا الأمر.

مناداة الإنسان أحد والديه باسمه مجردًا حرامٌ إذا كان الوالد يكره ذلك أو يتأذى منه، وهو من العقوق، ويكون مباحًا إن كان هذا سائغًا مقبولًا في العُرف ولا يُقصد منه إساءة ولا يكرهه الوالد، وإن كان الأولى والأكمل والأفضل والمناسب للأدب المطلوب مع الوالد في هذه الحالة أن يحفظ ولده له قدره ومكانته ولا يناديه باسمه مجردًا.

المحتويات

 

حث الشرع الشريف على توقير واحترام الكبير

الأدب من أهم قواعد التعامل التي قررتها الشريعة الإسلامية، ومن الأدب أن يتعامل الإنسان مع من يَكْبُرُه سِنًّا أو علمًا أو منزلةً أو غير ذلك بالتَّوْقِير والاحترام اللائقين بما يُناسب قَدْره ومنزلته، وقد علَّمَنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن التأدُّب مع الكبير من هَدْيِه الشريف، وتاركه لا شك مخالف لهذا الهدي، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي في "سننه" واللفظ له، والإمام أحمد في "مسنده"، ومعنى التوقير المأمور به في هذا الحديث الشريف أن يُعطيَ الإنسان لِذَوِي الشرف والمنزلة حقَّهم؛ بما يتناسب مع أقدَارِهم، سواء كان هذا الشرف وتلك المكانة لنحو سِنٍّ أو عِلمٍ أو غير ذلك.

قال العلامة زين الدين المناوي في "فيض القدير" (5/ 388، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) الواو بمعنى أو، فالتحذير من كل منهما وَحْدَه، فيتعيَّن أن يُعامِل كلًّا منهما بما يليق به؛ فيُعطي الصغير حقه من الرفق به والرحمة والشفقة عليه، ويُعطي الكبير حقه من الشرف والتوقير] اهـ.

وجوب بر الوالدين في الإسلام والتحذير من عقوقهما

إذا كان الإنسان مأمورًا بتوقير وإجلال من هو أكبر منه، فإن أولى الناس بهذا الإجلال والتوقير والداه، فقد جمعا بين الكبَر والتفضل على الابن، بالإضافة إلى أن الشريعة قد أمرت بإكرامهما وإجلالهما.

ولا خلاف أنَّ عقوق الوالدين أو أحدهما من كبائر الذنوب؛ فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الكبائر، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» متفقٌ عليه.

كما أن طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما وحسن معاملتهما أمورٌ واجبة مؤكدة جاءت مقرونة بتوحيد الله عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].

حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا ونصوص العلماء الواردة في ذلك

إذا نادى الإنسان أحدَ والديه باسمه مجردًا، وكان الوالد يكره ذلك؛ فإن فعله هذا داخلٌ في العقوق؛ لأنه يعد مُسِيئًا للأدب مع والده مجافيًا له، ويكون قوله غير كريم، وهو خلاف ما أمر القرآن الكريم به.

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 243، ط. دار الكتب المصرية): [﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، أي: لينًا لطيفًا، مثل: يا أبَتَاه ويا أُمَّاه، من غير أن يُسَمِّيَهُمَا] اهـ. وقد جاء مرفوعًا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، وَمَعَهُ شَيْخٌ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، مَنْ هَذَا مَعَكُمْ؟» قال: أبي، قال: «فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/ 267-268، ط. دار الحرمين)، وقال: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن هشام إلَّا محمد بن الحسن، تفرَّد به: عمرو بن محمد بن عَرْعَرَةَ، ولا يُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسناد" اهـ. فكأنه يشير إلى تضعيفه.

وأخرج ابن السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: أَبِي، قَالَ: «فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ».

وأخرجه الإمام البخاري في "الأدب المفرد" موقوفًا على أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: «مَا هَذَا مِنْكَ؟» فَقَالَ: أَبِي، فَقَالَ: «لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ»، وبَوَّبَ له (ص: 30، ط. دار البشائر الإسلامية) بقوله: [بَابُ لا يُسَمِّي الرَّجُلُ أَبَاهُ ولا يَجْلِسُ قبله ولا يمشى أمامه] اهـ.

وبوَّبَ له الإمام النووي أيضًا في "الأذكار" (ص: 291، ط. دار الفكر) بقوله: [باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه.. وروينا فيه عن السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه عبيد الله بن زَحْر -بفتح الزاي وإسكان الحاء المهملة- رضي الله عنه قال: يُقال: من العقوق أن تُسَمِّيَ أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق] اهـ.

وقد تواردت عبارات العلماء والفقهاء على تأييد هذا المعنى، قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (3/ 235، ط. المكتب الإسلامي): [وينبغي للولد والتلميذ والغلام، ألا يُسمي أباه ومعلمه وسيّده باسمه، ويستحب تكنية أهل الفضل من الرجال والنساء، سواء كان له ولد، أم لا، وسواء كُنِّيَ بولده، أم بغيره] اهـ.

وقال الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/ 142، ط. دار الكتب العلمية): [ويُسن لولدِ الشخصِ وتلميذِه وغلامِه ألَّا يُسَمِّيَهُ باسمه] اهـ.

وقال الإمام ابن علَّان في "الفتوحات الربانية" (6/ 119-120، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية): [باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ.. (أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه).. وإنما نهى عن دعاء من ذكر باسمه؛ لأنه خالٍ عن التعظيم المطلوب منه مع من ذكر، وقد نهى الله عباده أن ينادوا النبي -صلى الله عليه وسلم- باسمه، بل يدعونه بوصفه الشريف من الرسالة والنبوة ونحوهما، قال تعالى: ﴿لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضًا﴾] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "المنهاج القويم" (ص: 312، ط. دار الكتب العلمية): [ويُنْدَبُ لولده وتلميذه وغلامه ألَّا يُسَمِّيَهُ باسمه] اهـ. وقد بيَّن العلماء أن الأصل في مناداة الوالد أن تكون بما يظهر منه تَبْجِيلُه وتوقيره وكمال اللين معه، وذلك بأن ينادي والديه بنحو: "يا أَبَتَاهُ"، "يا أُمَّاهُ"، وما شابه ذلك مما يليق بمكانة الوالدين.

قال العلامة الشبراملسي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (8/ 149، ط. دار الفكر): [كأن يقول.. الولد: يا والدي أو يا أبي] اهـ.

أمَّا إذا لم يكن الوالد يتأذى من ذلك، وكانت مناداة ولده له باسمه مجردًا أمرًا سائغًا ومقبولًا في عُرفه من باب التدليل وتأليف القلب وإنزال الولد بمنزل الصديق لغرض تربوي ونحوه ولا يكرهه الوالد فلا حرج فيه ولا إثم، وإن كان الأولى والأكمل والأفضل والمناسب للأدب والتكريم المطلوب مع الوالد أن يحفظ ولده له قدره ومكانته فلا يناديه باسمه مجردًا، وإنما بما يدل على التوقير والتقدير والاحترام.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فمناداة الإنسان أحد والديه باسمه مجردًا حرامٌ إذا كان الوالد يكره ذلك أو يتأذى منه، وهو من العقوق، ويكون مباحًا إن كان هذا سائغًا مقبولًا في العُرف ولا يُقصد منه إساءة ولا يكرهه الوالد، وإن كان الأولى والأكمل والأفضل والمناسب للأدب المطلوب مع الوالد في هذه الحالة أن يحفظ ولده له قدره ومكانته ولا يناديه باسمه مجردًا.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم انفراد الزوجة بقرار منع الإنجاب بسبب إدمان الزوج؟ فهناك امرأة تمت خطبتها مُدَّة قصيرة مِنَ الزمن، وتمَّ الزواج، وبعد الزواج بوقتٍ قليل ظهر أنَّ الزوجَ يُدمن المخدرات مما أثَّر على المعيشة، وتدخَّل الأهل، وقاموا بمحاولة علاجه في مصحة متخصصة، وتحسنت حالته بعد الخروج منها لمُدة قصيرة، ثُمَّ عَاد لما كان عليه مرة أخرى، ولم يحدث حمل حتى الآن، وتخشى الزوجة من الحمل خوفًا على ولدها؛ فهل يجوز لها شرعًا أن تنفرد بقرار منع الإنجاب؟


سمعت بعض الناس يقول: إنَّ هناك قاعدة تقول: "من المستحب ترك المستحب"، فما مدى صحة هذه العبارة؟ وهل يجوز العمل بها؟


ما حدود ولاية الأب على ابنته؟ وهل له الحَق في منعها مِن التعليم أو العمل بمقتضى ولايته عليها؟ وما هو موقف الأب في شأن الزواج والعلاج ونحوهما؟


ما هي كفارة الحلف بالمصحف؟ فقد سأل أحد الدكاترة قائلًا: منذ سنتين لمرض خاص أقسمت على الكتاب الكريم ألا أشتري الدخان. قد بطلت التدخين فعلًا؛ فزاد وزني حتى خفت على القلب من السمنة، فصرت ألهث إذا ما جريت أو سرت مسرعًا أو تحدثت مسرعًا وقد خاف إخواني الأطباء عاقبة ذلك حتى نصحوا لي بالعودة إلى التدخين. فهل من كفارة من ذلك اليمين يوصي بها الدين الحنيف غير صيام الثلاثة أيام؟


هل رحمة المسلم لغيره تقتصر على المسلمين فقط؟


ما حكم الشرع في بر البنت بأمها التي لم تطالب بحضانتها عند الطلاق، ثم طالبت بالرؤية بعد ثلاث سنين، وفي أثناء الرؤية كان هناك تحريض مستمر على الأب، وبعد بلوغ البنت بدأت أمها في الوقيعة بينها وبين أبيها، وحاولت الجدة العمل على تحريض البنت على أبيها، كما أن الأب يخاف على ابنته من الاختلاط بأهل الأم لسوء أخلاقهم وانعدام الوازع الديني والأخلاقي لديهم؛ فهم يحرضونها على خلع الحجاب ويشجعونها على كل ما هو غير أخلاقي. والبنت تنفر من أمها وأهلها لِمَا لمسته بنفسها من تدنيهم الأخلاقي، ولكنها تخاف أن يكون تجنب الأم عقوقًا للوالدين. فما حكم الشرع في بر أمٍّ لا ترعى حدود الله؟