ما حكم طواف من طافت للإفاضة وبعد الانتهاء من طوافها رأت دم الحيض ولا تعرف وقت نزوله؟ مع العلم أنها قد عادت إلى بلدها ويتعذر عليها الرجوع إلى البيت الحرام والطواف مرة أخرى.
إذا طافت المرأةُ طواف الإفاضة، ثم رأت دم الحيض بعد الانتهاء من أدائِها له، فطوافها صحيح مجزئ، سواء تيقنت من وُجود الدم أثناء الطواف أو لا، وصحة طوافها حال تيقنها وجود الدم أثناء الطواف، عملًا بقول من أجاز طوافها حينئذ من الفقهاء؛ لعذرها، وصحته حال عدم التيقن من وجوده؛ لكون زمن نزول الحيض المُعتبر في حقِّها إنما هو وقتُ رؤيتِها له لا قبله فهو المُتَيَقَّنُ، وما قبله محلُّ شك، واليقينُ لا يزول بالشكِّ.
المحتويات
طواف الإفاضة ركنٌ من أركان الحج بإجماعِ الفقهاء، لا يمكن بدونه أن يتحلَّل الحاجُّ التحلُّلَ الأكبر، ولا ينوب عن هذا الطواف شيء ألبتة. قال تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29].
قال الإمام ابن المُنْذِر في "الإجماع" (ص: 58، ط. دار المسلم): [أجمعوا أن الطواف الواجب هو طواف الإفاضة] اهـ.
إذا طافت المرأة للإفاضة ثم رأت دم الحيض بعد الانتهاء من طوافها والحال أنها قد عادت إلى بلدها -كما ورد بالسؤال- فيُفرَّق بين حالتين:
إحداهما: أن تتيَقَّن من وجُود دم الحيض أثناء الطواف، والمختار للفتوى أن الطهارة من الحيض ليست شرطًا لصحة الطواف، فطوافها صحيح ولا فدية عليها حينئذ؛ لكونها معذورة لا متجنية بحيضها أو مسيئة.
قال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (26/ 214، ط. مجمع الملك فهد): [إذا طافت حائضًا مع التعمد توجه القول بوجوب الدم عليها. وأما مع العجز فهنا غاية ما يقال: إن عليها دمًا، والأشبه أنه لا يجب الدم؛ لأن هذا واجب تؤمر به مع القدرة لا مع العجز، فإن لزوم الدم إنما يجب بترك مأمور وهي لم تترك مأمورًا في هذه الحالة ولم تفعل محظورًا من محظورات الإحرام وهذا ليس من محظورات الإحرام؛ فإن الطواف يفعله الحلال والحرام فصار الحظر هنا من جنس حظر اللبث في المسجد واعتكاف الحائض في المسجد أو مس المصحف أو قراءة القرآن، وهذا يجوز للحاجة بلا دم] اهـ.
والقول بصحة طوافها وعدم وجوب الدم عليها لِمَا تقرَّر من أنَّ أفعال العوام بعد صدُورِها منهم محمولةٌ على ما صح من مذاهب المُجتهدين ممن يقول بالحلِّ أو بالصِّحة؛ فإن مراد الشرع الشريف تصحيح أفعال المكلَّفين وعباداتهم وعقودهم ومعاملاتهم ما أمكن ذلك.
قال العلَّامة ابن نُجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 90، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإن لم يستفت أحدًا وصادف الصحة على مذهب مجتهدٍ: أجزأه ولا إعادة عليه] اهـ.
وهذا هو المعتمد في الفتوى، والذي جرت عليه دار الإفتاء المصرية في عهودها المختلفة، قال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافق عمل العامي مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحل أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.
أمَّا الحالة الأخرى: أن لا تعلم وقت نزوله؛ بأن تكون المرأة قد بدأت طوافها ولم تر شيئًا، ثم بعد انتهائِها من الطوافِ رأتْ دمًا ولا تعلم وقتَ نزوله، أكان أثناء طوافِها أم بعده، وطوافها حينئذ صحيح؛ إذ زمن نزوله المُعتبر هو وقتُ رؤيتِها له لا قبله؛ لأنه هو الوقتُ المتيقن للنزول، وما قبله محلُّ شك، وقد تقرَّر في قواعد الفقه: "اليَقِينُ لا يَزُولُ بِالشَّكِّ"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 50، ط. دار الكتب العلمية).
يُضاف إلى ذلك: ما تقرر شرعًا من أن "الأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ"، كما في "المنثور في القواعد الفقهية" لبدر الدين الزَّرْكَشِي (1/ 174، ط. وزارة الأوقاف الكويتية)، وطروءُ الحيض على المرأة حادثٌ، ولا تعلم وقت نزوله، فيقدر بأقرب زمن وهو زمن رؤيتِهِ وتيقن وجوده، فيكون طوافها صحيحًا مجزئًا، ولا اعتبار لرؤيتها الدم بعد الانتهاء من طوافها.
ويشهد لذلك: ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ، وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ أَنَفِسْتِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
وقوله: «أَنَفِسْتِ؟» أي: "أَحِضْتِ؟ مِن النَّفْس وهو الدم"، كما في "إرشاد الساري" للإمام شهاب الدين القَسْطَلَّانِي (8/ 306، ط. الأميرية).
قال الإمام ابن قُدَامَة في "المغني" (1/ 256، ط. مكتبة القاهرة): [إنما عَلِمَت الحيضةَ برؤية الدم لا غير] اهـ.
وقد تواردت نصوصُ فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على اعتبار رؤية الدم فقط أمارةً على الحيض؛ لأنه علامة ظاهرة شرعًا يُناط بها الحكم. يُنظر: "المحيط البرهاني" لابن مازه الحنفي (1/ 214، ط. دار الكتب العلمية)، و"عقد الجواهر الثمينة" لابن شاس المالكي (1/ 72، ط. دار الغرب الإسلامي)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني الشافعي (1/ 289، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح منتهى الإرادات" للشيخ البُهُوتي الحنبلي (1/ 113، ط. عالم الكتب).
وشبيهٌ بذلك: ما نص عليه فقهاء الشافعية في فروعهم عند بيان شرط الخلوِّ من النجاسة في البدن والثياب لصحة الصلاة أنه إنِ احْتَمَلَ وجودها -يعني النجاسة- بعد الصلاة فلا إعادة؛ إذ الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن، والأصل عدم وجوده قبل ذلك، كما في "نهاية المحتاج" للإمام الشمس الرملي، بحاشيتَيِ الشَّبْرَامَلِّسِي والرشيدي (2/ 34- 35، ط. دار الفكر).
وتخريجًا على ذلك: فإنه لو احتمل طروء الحيض بعد الانتهاء من الطواف، صح الطواف ولم تلزم إعادته ولا فدية في ذلك؛ إذ العبرة بوقت رؤيتها له.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإذا طافت المرأةُ طواف الإفاضة، ثم رأت دم الحيض بعد الانتهاء من أدائِها له، فطوافها صحيح مجزئ، سواء تيقنت من وُجود الدم أثناء الطواف أو لا، وصحة طوافها حال تيقنها وجود الدم أثناء الطواف، عملًا بقول من أجاز طوافها حينئذ من الفقهاء؛ لعذرها، وصحته حال عدم التيقن من وجوده؛ لكون زمن نزول الحيض المُعتبر في حقِّها إنما هو وقتُ رؤيتِها له لا قبله فهو المُتَيَقَّنُ، وما قبله محلُّ شك، واليقينُ لا يزول بالشكِّ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم لمس الممرضة للمريض ولمس الممرض والطبيب للمريضة؛ فممرضة تعطي رجلًا حقنة في العضل وهو متوضئ، وممرّض يعطي حقنة في العضل لامرأة متوضئة، وطبيب يكشف على امرأة ويلمس جسدها بيديه أثناء الكشف وهو متوضئ. ويطلب السائل الإفادة عما إذا كان ينتقض وضوء هؤلاء بهذا اللمس، أم لا.
نحيطكم عِلمًا بأن صندوق خاص بإحدى الجهات الرسمية يقوم بتنظيم بعثة سنوية للحج، وذلك حسب البرنامج التالي ذكره، فبرجاء التفضل بإبداء الرأي في مدى صحة هذا البرنامج من الناحية الشرعية:
تقوم البعثة بالسفر بالملابس العادية إلى المدينة أولًا، وتمكث البعثة بالمدينة لمدة خمسة أيام، قبل التوجه إلى مكة لأداء مناسك الحج، ونقوم بشراء صكوك الهدي من المدينة، والإحرام من فندق الإقامة بنية القران بين الحج والعمرة.
ثم نقوم بعد ذلك بالتوجه إلى الحرم المكي لأداء طواف القدوم والسعي بعده، فهل يجزئ هذا السعي عن سعي الحج؟
في يوم التروية نذهب ليلًا مباشرة إلى عرفة، ولا نبيت بمِنى ولا ندخلها، ونبيت ليلة عرفة بمقر البعثة بعرفة والذي يكون داخل حدود عرفة، ونمكث بالمخيَّم داخل عرفة دون الذهاب إلى جبل الرحمة، وعند غروب الشمس نبدأ في التحرك إلى المزدلفة، فنصل إليها ليلًا، ونصلي المغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء، ونسرع بجمع الحصى من المزدلفة، ثم نبادر بعد ذلك وفي منتصف الليل بمغادرة المزدلفة إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، ويمكن لكبار السن والسيدات التوكيل في رمي الجمرات، ثم نتوجه إلى مكة المكرمة لطواف الإفاضة، وبعدها نتوجه إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة.
ثم نتوجه في ظهيرة يوم النحر من مكة إلى منى للمبيت بها حتى الساعة 12 صباحًا، ثم نقوم برمي الجمرات ليلة أول أيام التشريق وثاني أيام العيد، ثم التوجه إلى فندق الإقامة لمَن يرغب. وفي ظهر أول أيام التشريق وثاني أيام العيد نتوجه إلى منى ونقيم بها حتى نرمي جمرات اليوم الثاني من أيام التشريق في حدود الساعة 12 صباحًا، ونتعجل اليوم الثالث، ونقوم بمغادرة مِنى إلى مكة ليلة ثاني أيام التشريق بعد رمي الجمرات.
ننصح الكثير من أعضاء البعثة وخاصة كبار السن بالذهاب بعد العشاء بساعة أو ساعتين ليلة 12 من ذي الحجة بالذهاب إلى الجمرات ورمي جمرات اليوم الأول، ثم يمكثون إلى أن ينتصف الليل ويرمون لليوم الثاني. كما ننصح كبار السن والنساء ومن لا يستطع الذهاب إلى منى أن يبقى بمكة ويوكِّلَ من يرمي عنه الجمرات. ويمكن لمن أحب عمل أكثر من عمرة أن يقوم بذلك بعد الرجوع إلى مكة والتحلّل الأكبر، ويقوم أعضاء البعثة بطواف الوداع في يوم 13 من ذي الحجة، أي: قبل المغادرة بيوم.
كما ننصح كبار السن والمرضى أن يجمعوا في طواف الإفاضة بين نية الإفاضة ونية الوداع.
وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام
هل يجبُ الحجُّ بمجرد وجود الاستطاعة، أم يجوزُ التأجيل؟ وما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟
هل تغسل المرأة إذا ماتت وهي في حال العذر الشرعي (الحيض) غسلًا واحدًا أو غسلين؟
مَا حكم حضورِ الحائضِ غسلَ الميت وتكفينَه إذا أوصى بذلك؟ مع العلم بأنها من محارم الميت.
ما حكم لبس الحذاء الطبي للمحرم المعاق؟ فالسائل معاق، وساقه اليسرى أقصر من اليمنى، ويقوم بتعويض ذلك بحذاء طبي، وقد أكرمه الله سبحانه بالحج هذا العام، فهل يجوز له لبس الحذاء الطبي وهو يؤدي المناسك داخل المسجد الحرام من طواف وسعي؟ وهل عليه فدية في ذلك أم لا؟ وهل رباط الحذاء يعتبر مخيطًا أم لا؟