مدى اعتبار تأخر الزواج لمن يرغب فيه ابتلاء من الله تعالى

تاريخ الفتوى: 29 مايو 2024 م
رقم الفتوى: 20905
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: النكاح
مدى اعتبار تأخر الزواج لمن يرغب فيه ابتلاء من الله تعالى

هل في تأخر الزواج لمن يرغب فيه ابتلاء من الله تعالى؟ فهناك رجلٌ شارَفَ على الأربعين مِن عُمره، سبق له الزواج، وماتت زوجته منذ سنوات تاركةً له مِن الأبناء ثلاثة، ويعيش معه والداه لكبر سِنِّهمَا، ويتوق إلى الزواج مرة ثانية، لكنه لا يَملِكُ مَسْكَنًا مستقلًّا عن والديه وأولاده يَصلُح لأن يتزوج فيه، ولا مالًا يكفيه لمتطلبات زواج جديد، ودخلُه يكفيه ضروريات الحياة، ويسأل: هل يُعَدُّ تأخُّرُه في الزواج مرة ثانية ابتلاءً مِن الله عَزَّ وَجَلَّ له؟ وماذا عليه أن يفعل؟

الزواج سُنَّةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رغَّب فيها، ونَهَى عن الإعراض عنها. وتأخُّرُ الزواج قد يكون ابتلاءً مِن الله عَزَّ وَجَلَّ لمَن هو راغِبٌ فيه، باذِلٌ ما في وُسْعِهِ لإيجاد مَن يناسبُ حالَهُ، وعلى مَن ابْتُلِيَ بتأخر الزواج أن يَصبِرَ ويَحتَسِبَ ويَستعينَ بالله تعالى، ولا ييأس مِن رحمته به سبحانه، آخذًا بالأسباب الموصِّلة إلى مراده، مراعيًا في ذلك البحث عمن يناسب حالَهُ، مع الرضا بما قدَّره اللهُ له مِن حال يُسْرٍ وَسَعَةٍ، أو عُسْرٍ يُفَرِّجُهُ اللهُ عنه قريبًا إن شاء سبحانه وتعالى.

المحتويات

 

بيان أن الزواج من سنن الأنبياء عليهم السلام

النكاح سُنَّةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رغَّب فيها، ونهى عن تركها رفضًا لها وإعراضًا عنها، فعن أَنَس بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم؟! قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» أخرجه الشيخان.

قال العلامة ابْنُ بَطَّالٍ في "شرحه على صحيح الإمام البُخَارِي" (7/ 160، ط. مكتبة الرشد): [في هذا الحديث من الفقه أنَّ النكاح من سنن الإسلام... وأنَّ مَن ترك النكاح رغبةً عن سُنَّة محمد عَلَيْهِ السَّلام، فهو مذموم مبتدع، ومَن تركه مِن أجل أنه أوفق له وأعون على العبادة فلا ملامة عليه؛ لأنَّه لم يَرْغَب عن سُنَّة نبيه وطريقته] اهـ.

هل في تأخر الزواج لمن يرغب فيه ابتلاء من الله تعالى؟

الأصل في الزواج أنه شُرعَ لمن قدر عليه وتاقت نفسه إليه؛ لما فيه من إعفاف النفس، وطلب النسل، وغض البصر، وحفظ الفرج، فعن عبدِ الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» متفقٌ عليه.

والمراد هنا بالبَاءَةِ: مُؤَنُ النكاحِ، سميت باسم ما يلازمها، وتقديره: مَن استطاع منكم مُؤَنَ النكاح فليتزوج، كما في "شرح الإمام النَّوَوِي على صحيح الإمام مُسْلِمٍ" (9/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي).

فمَن مَلَك مُؤَن النكاح وتكاليفه، وكان قادرًا عليه بدنيًّا ونفسيًّا فإنه يُستحب في حقه النكاح، حتى يتحقق له المقصود الأعظم منه، مِن حصول المودة والرحمة، وقضاء شهوته في الحلال، وإنجاب الذرية، وصِيَانَة الأعَرَاضِ والحُرُماتِ، وحفظ الأحسابِ والأنسابِ، وغير ذلك من الأمور التي لا تتحقق إلا بالزواج.

أما غير القادر على مُؤَنِ النكاح، أو القادر فقط على ضروريات الحياة، مع تَوقِهِ إلى النكاح، ومع أخذه بالأسباب المتاحة مِن السعي وخلافه لا يخلو من ابتلاءٍ له، ولا يَسَعُهُ في هذه الحال إلَّا قول الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: 33].

قال الإمام الطَّبَرِي في "جامع البيان في تأويل القرآن" (19/ 166، ط. مؤسسة الرسالة): [﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ﴾ ما ينكحون به النساء عن إتيان ما حرَّم الله عليهم من الفواحش، حتى يغنيهم الله من سعة فضله، ويوسِّع عليهم من رزقه] اهـ.

والابتلاء من أقدار الله تعالى ورحمته، يجعل في طياته اللطف، ويسوق في مجرياته العطف، وكثيرًا ما تحمل المِحَن في ثناياها المِنَح، وفي حَنَايَاهَا العطايا والهِبَاتِ والنِّحَل، فكلُّ ما يصيب الإنسان من ابتلاءات هي في حقيقتها رِفعةٌ في درجة المؤمن وزيادة ثوابه ورفع عقابه، حتى الشوكة تُصيبه، فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» أخرجه الإمام مُسْلِمٌ في "صحيحه". وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا: حصول الثواب، ورفع العقاب كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى.

وتيسيرُ أمرِ الزواج من عدمه إنما هو مُراد الله عَزَّ وَجَلَّ، ورزقه يُقدِّره ويسوقه لمن يشاء، وقتما يشاء، بالكيفية التي يشاء، شأنه في ذلك شأن كافة الأرزاق والأقدار السارية في الكون كله، فعلى من ابتلي بتأخر أمرٍ من الأمور كالزواج أو غيره أن يصبر ويحتسب، ويعلم أن مراد الله له خير، فما أعطى سبحانه أحدًا شيئًا إلا لحكمةٍ، وما منع عنه إلا لرحمةٍ، وكل الأمور خيرٌ للمؤمن إذا رضي وصبر، يدل لذلك ما ورد عن صُهَيبِ بن سِنَان الرُّومِي رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

وعلى المسلم مع الصبر أن يجتهد في إعفافِ نفسه، وغض بصره، والاستعانة بالصوم متى قدر عليه على كبح جماح شهوته؛ إذ بالطعام يقوى البدن، وتقوى معه شهوة النكاح، وبالصوم يضعف، وتضعف وتُكبَحُ معه شهوة النكاح، كما وجَّه إلى ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث السابق ذكره عن عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه بقوله: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» متفق عليه. والمعنى المراد بقوله «وِجَاءٌ»: أنَّه مُضْعِفٌ للشهوة قَاطِعُهَا. ينظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" للعلامة ابن الأَثِير (5/ 152، ط. المكتبة العلمية)، و"تاج العروس" للإمام المُرْتَضَى الزَّبِيدِي (1/ 482، ط. دار الهداية).

قال الحافظ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانِي في "فتح الباري" (9/ 111) معلقًا على الحديث: [وفي الحديث أيضًا إرشاد العاجز عن مُؤَنِ النكاح إلى الصوم؛ لأنَّ شهوة النكاح تابعةٌ لشهوة الأكل، تقوى بقوته وتضعف بضعفه] اهـ.

وأيضًا فإن في الصوم مع إضعاف الشهوة حُصول ثواب العبادةِ ورياضة للنفسِ؛ حيث يمنع الصائم نفسه عن المباحات كالطعام والشراب في وقت معين، فيتحقق بذلك تأديبٌ للنفس حتى تمتنع بترك الحلال واجتنابه في بعض الوقتِ عن فعل الحرام واقترافه في كلِّ وقتٍ، فيحصلُ بذلك كله طاعة العبد المؤمن وامتثاله لأوامر مولاه عَزَّ وَجَلَّ.

قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" معلقًا على حديث عبد الله بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه السابق ذكره (2/ 607، ط. دار الفكر): [«فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» أي: قاطعٌ للشَّهوةِ مع ما فيه من سلامة النَّفْسِ من التَّعْذِيبِ وقطع النَّسلِ، ومن حُصُولِ الثَّواب بالصِّيام المقتضِي لرياضةِ النَّفْسِ المؤَدِّيَةِ إلى طاعتها لأمر مولاها] اهـ.

ولا يعني تأخر أمر يطلبه الإنسان أن يصيبه باليأس أو الإحباط، وإنما عليه أن يتعبد الله تعالى بحسن الظن به، مع الأخذ بالأسباب الموصلة إلى مراده من أمر الزواج، كما أنَّ الإعسار في الحال لا يمنع التزوُّج؛ لاحتمال حصول المال في المآل، لذلك رغَّب الله تعالى عباده في التزويج، وأمر به بني الإنسان، ووعدهم فيه الغِنَى مِن فضله، وذلك في نحو قوله سبحانه: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 32].

وقد بَيَّنَ الحقُّ سبحانه وتعالى أنَّ الزواج آية من آياته، ولم يجعل مَبناهُ مقصورًا على الحالة الماديَّة، وإنما جعل أساسه المودة والرحمة، وحصول السكن الجسدي والسكينة القلبية بين الزوجين، وكل هذه الأمور لا علاقة لها بالمال من قريب أو بعيد، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].

ولا يَخفَى أن الصالح العام يقتضي التيسير في أمر الزواج، بل إنَّ أعظَمَ الزواج بركةً ما كان أيْسَرَه مؤنةً وتكلفةً، كلٌّ بحسب حاله؛ لِمَا في ذلك مِن دلالة على القناعة والرضا، ولأنَّ الْيُسْر دَاعٍ إِلَى الرِّفْق بين الزوجين، وهو أدعى لحياة أكثر استقرارًا وسَكِينَةً، كما أنَّ التيسير في أمر الزواج فيه مِن الخير الكثير الوفير، سواء كان فيما يتعلق بمصلحة الزوجين أو المجتمع ككُلٍّ.

فعَنِ السيدة عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً» أخرجه الأئمة: أحْمَدُ في "المسند" واللفظ له، والطَّبَرَانِي في "الأوسط"، والحَاكِم في "المستدرك" وصحَّحه.

كما بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ المرأة الصالحة هي خيرُ متاعِ الدنيا كلها وأطيبه بالنسبة لزوجها؛ لأنَّها تحفظه عن الوقوع في الحرام، وتُعينه على القيام بأمور دينه ودنياه، فيهنأ بالعيش معها، وتقر عينه بها، ويحفظ بسببها أمر دينه، ويُحصِّل بذلك كلِّه رضا مولاه وخالِقِه عَزَّ وَجَلَّ، قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14]، وعن عبد الله بن عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

قال الإمام المُنَاوِي في "فيض القدير" (3/ 548-549، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [قال الطيبِي: المتاعُ مِن التمتع بالشيء، وهو الانتفاع به، وكلُّ ما ينتفع به مِن عروض الدنيا متاعٌ... قال الحَرَالِّي: فيه إيماءٌ إلى أنَّها أطيَبُ حلالٍ في الدنيا، أي: لأنَّه سبحانه زيَّن الدنيا بسبعة أشياء ذَكَرَها بقوله: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ﴾، وتلك السبعة هي مَلَاذُّها، وغاية آمال طُلَّابها. وأعمُّها زينةً وأعظَمُها: شهوةُ النساء؛ لأنَّها تحفظ زوجها عن الحرام، وتُعِينُه على القيام بالأمور الدُّنيوية والدِّينية، وكلُّ لذة أعانت على لذَّات الآخرة فهي محبوبةٌ مَرضيَّة لله، فصاحبها يَلْتَذُّ بها مِن جهة تَنَعُّمِه وقُرَّة عَيْنه بها، ومِن وجهة إيصالها له إلى مرضاة ربه] اهـ.

فعلى راغب الزواج حتى وإن كان فقيرًا، أو لا يجد مِن النفقة إلا ضروريات الحياة -أن يسعى في طلب مَن ترضى بحاله، ويناسبها ما هو عليه، فرَحِمَ اللهُ امرءًا عرف قدر نفسه، وكثيرًا ما نرى حولنا مِن زوجاتٍ مُستَقِرَّات في حياتهن الزوجية قد قَبِلْنَ بالزواج والعيش مع والديِ الزَّوجِ أو أبنائه، وتَقَاسَمْنَ أعباء الحياة معًا، ورزقهنَّ اللهُ بالذرِّيَّة الطيِّبة، ومعلومٌ أنَّ الأحوال تتبدل، وأن الأرزاق تختلف يُسرًا وعُسرًا، ولا أحد يبقى على حالٍ واحدٍ، ويبقى دور الرجل في أن يَحرص على إيجاد المرأة المناسبة الصالحة المؤمنة التي تطلُب العفاف، وأن تُقيم معه بيتًا يرضى فيه اللهُ ورسولُه عنهما، طالِبَيْن مِن الله عَزَّ وَجَلَّ عَوْنَه الذي ضَمِنَهُ لهما فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الحال في المرأة إذا جاءها مَن يُرضَى دينُه وخُلُقُه.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُمْ: الْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ، وَالْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ» أخرجه الأئمة: أحمَدُ في "المسند"، وابن مَاجَه في "السنن" واللفظ له، والحَاكم في "المستدرك" وصححه.

قال الإمام المُنَاوِي في "فيض القدير" (3/ 317): [وإنما آثر هذه الصيغة إيذانًا بأنَّ هذه الثلاثة مِن الأمور الشاقة، التي تكدح الإنسان وتقصم ظهره، لولا أنَّه يُعان عليها لما قام بها، قال الطيبِي: وأصعبُها العفافُ؛ لأنَّه قمع الشهوة الجِبلِّيَّة المذكورة في النفس] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الزواج سُنَّةُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي رغَّب فيها، ونَهَى عن الإعراض عنها. وتأخُّرُ الزواج قد يكون ابتلاءً مِن الله عَزَّ وَجَلَّ لمَن هو راغِبٌ فيه، باذِلٌ ما في وُسْعِهِ لإيجاد مَن يناسبُ حالَهُ، وعلى مَن ابْتُلِيَ بتأخر الزواج أن يَصبِرَ ويَحتَسِبَ ويَستعينَ بالله تعالى، ولا ييأس مِن رحمته به سبحانه، آخذًا بالأسباب الموصِّلة إلى مراده، مراعيًا في ذلك البحث عمن يناسب حالَهُ، مع الرضا بما قدَّره اللهُ له مِن حال يُسْرٍ وَسَعَةٍ، أو عُسْرٍ يُفَرِّجُهُ اللهُ عنه قريبًا إن شاء سبحانه وتعالى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الامتناع عن دفع مؤخر الصداق لإخفاء أهل الزوجة مرضها النفسي؟ فقد تزوجت قريبة لي، ولم يكن لدي أي معرفة سابقة بها، ولم يُسبق زواجنا بخطوبة لظروف سفري، وبعد أيام قليلة من زواجي اكتشفت أنها مريضة بمرض نفسي يصعب معه استمرار الحياة الزوجية بيننا، ورغم ذلك حاولت أن أكون لها مُعينًا وأن أكمل حياتي معها، وبالفعل صبرت كثيرًا على ظروف مرضها، ثم إنني الآن أعاني من الحياة معها وأرغب في تطليقها، فهل يجب عليّ أن ادفع لها جميع مؤخر صداقها، أو يحقّ لي الانتقاص منه أو الامتناع عنه بسبب مرضها وعدم إخباري به قبل الزواج؟


سأل فضيلة الشيخ خطيب المسجد الأقصى المبارك ومدير الوعظ والإرشاد بالقدس، وقال: في الوقت الذي نعيد النظر في التوقيت الدهري لمواقيت الصلاة المعمول به في مدينة القدس ليقوم على أسس علمية فلكية. نرجو التكرم بالإجابة عما يلي:

1- بيان الفارق الزمني بين مدينة القدس والقاهرة، علمًا بأننا لاحظنا تضاربًا في التوقيت بين عاصمة عربية وأخرى.

2- هل يمكننا الاعتماد على توقيت القاهرة كأساس ثابت لتوقيت القدس؟


ما هي بدائل الشبكة التي تكون من الذهب للمقبلين على الزواج في الإسلام؟ حيث ارتفعت أسعار الذهب في الآونة الأخيرة ارتفاعًا كبيرًا، ممَّا ترتَّب عليه صعوبة تحصيل (الشبكة) من بعض الشباب المقبلين على الزواج؛ فهل لا بد أن تكون من الذهب، أو يجوز أن نضع لها بدائل، كأن تكون من الفضة مثلًا؟


ما حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية؟ فالسائل عربي مسلم مغربي الجنسية، وشاء القدر أن يقيم هو وأسرته المكوَّنة من زوجة وسبعة أولاد في فرنسا؛ لأن عمله الذي يتعيش منه هناك، ولأجل أن يتمتع هو وأسرته بالحقوق والمزايا التي يتمتع بها الفرنسيون فلا بد أن يتجنس هو وأسرته بالجنسية الفرنسية. وطلب السائل بيان الحكم الشرعي في هذا الموضوع، وهل تجنسه هو وأسرته بالجنسية الفرنسية حرام أم حلال؟


ما حكم تخصيص كل يوم من أيام رمضان بدعاء معين؟ فأنا أشترك مع زملائي في العمل داخل مجموعة على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأحيانًا ينشر أحدنا حكمة أو حديثًا أو دعاء ونحو ذلك، وقبل دخول شهر رمضان بأيام نشر أحد المشاركين في المجموعة مقالة طويلة بعنوان: "ثلاثون دعاء لأيام رمضان"، وعندما قرأناها وجدنا دعاء اليوم الأول، ثم دعاء اليوم الثاني.. وهكذا حتى اليوم الثلاثين، فأنكر عليه أحد الزملاء ذلك الأمر بحجة أن تخصيص كل يوم بدعاء معين يُعَدُّ بدعة لم ترد في السُّنَّة، فما حكم الشرع في ذلك؟


ما كيفية تسمية المسجد المقام بالجهود الذاتية؟ قامت وزارة الأوقاف بإعادة بناء أحد المساجد؛ حيث كان مشيدًا بالطوب اللَّبِن، وساهم أهالي القرية جميعًا في توسعته، وقام أحد أبناء القرية بوضع لافتة رخامية على باب المسجد باسم والده المرحوم؛ بدعوى أنَّ والده كان قد جدَّد المسجد قبل وفاته، والحقيقة أنَّ هذا قد حدث فعلًا، ولكن بمساعدة أهالي القرية جميعًا؛ وقد أثار هذا الفعل استنكار واستياء أهل القرية جميعًا، فهل يجوز أن يُنْسَبَ هذا المسجد لأحد الأهالي، وتُوضَع عليه لافتة رخامية باسمه أم لا؟