حكم طهارة وصلاة مريض الكولوستومي

تاريخ الفتوى: 12 مايو 2024 م
رقم الفتوى: 8349
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم طهارة وصلاة مريض الكولوستومي

ما أثر تركيب جهاز الكولوستومي على طهارة المريض؟

المريض الذي أجرى عملية الكولوستومي واضطر إلى تركيب كيس لحمل الفضلات، ولا يمكنه التحكم في عملية الإخراج، يكفيه أن يتوضأ ويصلِّي به ما يشاء من الفرائض والنوافل ما لم ينتقض وضوؤه بناقض آخر غير المبتلى به، وعليه مع ذلك أن يحرص ما أمكنه على طهارة الظاهر من بدنه بحيث لا تتجاوز النجاسة محلها وقت أداء الصلاة.

المحتويات

بيان المراد بعملية الكولوستومي

مما اجتمعت عليه العقول أنَّ الحكم الصحيح الموافق للواقع ينبني في الأصل على الفهمِ الدقيقِ والتَّصور التَّام لحقيقة الواقعة (محل السؤال)، وذلك ما قرره العلماء وعبَّروا عنه بقولهم: "الحكم على الشيء بالنفي أو الإثبات فرع عن تصوُّره" كما في "الفروق" للإمام القَرَافي المالكي (3/ 230، ط. دار الكتب العلمية).

والقول بصحة طهارة مريض الكولوستومي متوقفٌ على الفهم الصحيح والتصور الدقيق لما يحيط بهذه العملية من معانٍ وإجراءات، والكولوستومي عملية جراحية عبارة عن إحداث فتحة في سطح البطن الخارجي لإخراج جزء من القولون -الأمعاء الغليظة منها- لتكون بمثابة ممَرٍّ جديدٍ تخرج منه الفضلات والغازات المُتكونة في الجسم، وذلك لتخفيف الضغط على القولون أو تحويل مجرى الفضلات، ويتبع ذلك لصق وتثبيت دعامة حول هذه الفتحة، من أجل أن يُعَلَّق بها كيس قابل للإزالة، يحمل ما يخرج من فضلات، ويمكن نزعه وتبديله عن طريق المريض نفسه أو أحد المساعدين له، وذلك كما أفاد المتخصصون.

حكم طهارة مريض الكولوستومي

لما كان الأصل هو انتقاض الطهارة بخروج فضلات الآدمي من بولٍ أو غائط أو ما في حكمهما؛ لقوله تعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [النساء: 43]، ولما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» أخرجه الشيخان، فإن الشرع الشريف قد استثنى من ذلك أصحاب الأعذار ممن لا يقدرون على التحكم في خروج النجس منهم، ومن لا يقدرون على دفع النجاسة عنهم.

فإذا تعذر على مريض الكولوستومي إزالة كيس الفضلات عنه، مع كونه غير قادر على التحكم في عملية الإخراج، بحيث تخرج الفضلات منه دون إرادته فحكمه في هذه الحالة حكم صاحب العذر من أصحاب الحدث الدائم، كصاحب السلس والمستحاضة وفاقد القدرة على إزالة النجاسة عنه ونحوهم، ويكون الواجبُ عليه حينئذٍ أن يغسل محَلَّ النجاسة -إذا سَرَتْ منه وتلوَّث معها-، ويصلِّي بهذا الوضوء ما يشاء من الصلوات ما لم ينتقض وضوؤه بسببٍ آخر، كما هو مذهب المالكية، وهو المختار للفتوى.

وقد فصَّل المالكية في السلس من حيث دوام الحدث وانقطاعه: فطريقة المغاربة -وهي المشهورة-: أَنَّ السلس إن لازم صاحبه طيلة الوقت دون مفارقة، فلا يجب الوضوء ولا يستحب، وإن لازمه غالب الوقت استحب له الوضوء ما لم يشق عليه ذلك، وإن استويا وجودًا وعدمًا ففيها القولان، وإن غلب انقطاعه على وجوده، فالمشهور وجوب الوضوء، أَمَّا طريقة العراقيين: فهي ما دام النجس قد خرج على سبيل السلس فلا يُنقض مطلقًا.

قال الإمام المَوَّاق في "التاج والإكليل" (1/ 422، ط. دار الكتب العلمية): [قال بَكْر: سَلَس البول والاستحاضة اللذان لا ينقطع ذلك عنهما على حالٍ لا وضوء عليهما] اهـ.

وقال الإمام الحَطَّاب في "مواهب الجليل" (1/ 291، ط. دار الفكر): [المشهور من المذهب طريقة المغاربة: أَنَّ السَّلَس على أربعة أقسام: الأول: أن يُلازِم ولا يُفَارق، فلا يجب الوضوء، ولا يُستحب؛ إذ لا فائدة فيه، فلا يُنتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد. الثاني: أن يكون ملازمتُه أكثر مِن مفارقته، فيستحب الوضوء إلَّا أن يشق ذلك عليه لبردٍ أو ضرورةٍ فلا يُستحب. الثالث: أن يتساوى إتيانُه ومفارقتُه، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان... الرابع: أن تكون مفارقتُه أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء، خلافًا للعراقيين فإنَّه عندهم مستحبٌّ] اهـ.

وقال العلامة الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 116، ط. دار الفكر): [وذهب العراقيون من أهل المذهب إلى أنَّ السَّلَس لا يَنْقُض مطلقًا، غاية الأمر أنَّه يستحب منه الوضوء إذا لم يلازم كلَّ الزمان، فإن لازم كله فلا يُستحب منه الوضوء] اهـ.

ويُستدل على ذلك بحديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: استفتت أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقالت: إني أستحاض فقال: «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي» فكانت تغتسل عند كلِّ صلاةٍ، رواه الإمام مسلم في "صحيحه" ثم أورد بعده قول الإمام الليث بن سعد -أحد رواة الحديث-: "لم يَذْكُر ابن شهاب أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَمَر أمَّ حبيبة بنت جحش رضي الله عنها أن تغتسل عند كلِّ صلاةٍ، ولكنه شيء فعلته هي"، أي: فعلته مِن نفسها تطوعًا.

قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/ 80، ط. دار المعرفة) في الاحتجاج بهذا الحديث: [إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكلِّ صلاةٍ... ولا شك إن شاء الله تعالى أن غسلها كان تطوعًا غير ما أُمرت به، وذلك واسع لها] اهـ.

وقد أورد الإمام النووي قول الإمام الشافعي السابق وعَقَّبه بقوله في "شرحه على مسلم" (4/ 20، ط. دار إحياء التراث العربي): [وكذا قال شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما وعباراتهم متقاربة والله أعلم] اهـ.

حكم صلاة مريض الكولوستومي

صلاته في هذه الحالة مع وجود كيس الفضلات صحيحة ولا حرج عليه للعذر، حيث نص الفقهاء على أن المتلبس بالنجس المتعذر الاجتناب والإزالة في حكم الطاهر؛ لعموم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

قال العلَّامة الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 90، ط. المكتبة العصرية): [فاقد ما يزيل به النجاسةَ المانعةَ: يصلي معها، ولا إعادة عليه؛ لأنَّ التكليف بحسب الوُسع] اهـ.

وقال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 131): [المعتمد في المذهب أنَّ مَن صلَّى بالنجاسة متعمدًا عالمًا بحكمها، أو جاهلًا وهو قادرٌ على إزالتها يُعيد صلاته أبدًا، ومَن صلى بها ناسيًا لها، أو غير عالِمٍ بها، أو عاجزًا عن إزالتها يُعيد في الوقت على قول مَن قال: إنها سُنَّة، وقَوْلِ مَن قال: إنها واجبةٌ مع الذِّكر والقُدْرة] اهـ. فأفاد أنَّ العجْز صيَّرها من المعفوات.

وقال العلامة الشَّرْوَانِي الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (1/ 398، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ولا يجوز لِلسَّلِسِ أن يُعَلِّق قارورةً لِيَقْطُرَ فيها بَوْلُهُ؛ لكونه يَصير حاملًا لنجاسةٍ في غير معدنها مِن غير ضرورة] اهـ. فلما قيَّد الحكم بغير الضرورة نفاه عمَّا كان لضرورة، كما هو الحال في المريض (محَل السؤال).

وقال العلامة شرف الدين الحَجَّاوي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 95، ط. دار المعرفة) عن النجاسة: [فمَتَى لَاقَاهَا ببَدَنه أو ثوبه، أو حَمَلَها عالِمًا أو جاهِلًا أو ناسِيًا، أو حَمَل قارورةً فيها نجاسةٌ.. قادِرًا على اجتنابها، لم تَصِحَّ صَلَاتُه] اهـ. فقيَّد عدم الصحة بالقدرة، مما أفاد الصحة عند العجز.

كما أن فقهاء الشافعية في وجهٍ قد قرروا صحة صلاة حامل شيء من النجاسة ما دامت في شيء مُحكَم الإغلاق، بحيث لا يخرج منه شيء يصيب جسده.

قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (1/ 119، ط. دار الكتب العلمية): [وإن حمل قارورة فيها نجاسة، وقد شد رأسها، ففيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لأن النجاسة لا تخرج منها، فهو كما لو حمل حيوانًا طاهرًا] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فالمريض الذي أجرى عملية الكولوستومي واضطر إلى تركيب كيس لحمل الفضلات، ولا يمكنه التحكم في عملية الإخراج، يكفيه أن يتوضأ ويصلِّي به ما يشاء من الفرائض والنوافل ما لم ينتقض وضوؤه بناقض آخر غير المبتلى به، وعليه مع ذلك أن يحرص ما أمكنه على طهارة الظاهر من بدنه بحيث لا تتجاوز النجاسة محلها وقت أداء الصلاة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة في رمضان؟


ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه في الصلاة؟


ما هو الأفضل: تأخير صلاة العشاء في جماعة، أو تأديتها مع جماعة أولى بالمسجد؟


أرجو من فضيلتكم التكرم ببيان آداب الجنازة؛ حيث إنَّ بعض الناس ينتظرُ الجنازة عند المقابر، وبعضهم يدخل المقابر ويتركُ الجنازة لقراءة الفاتحة لذويهم الموتى من قبل، وبعض أهالي المُتَوفّين يتركُ الدفن ويُسْرِع لتلقي العزاء، وبعض المسلمين في المدن يشيّعون الجنازة راكبين.

كما أنَّ بعض الأهالي يرفضون صلاة الجنازة بالمساجد، وتقامُ بالشوارع؛ لكثرة المصلين، ويقوم بعض المُشَيِّعين بالاكتفاء بالإشارة بالسلام بدلًا من المصافحة عند كثرة المُشَيِّعين أو مستقبلي العزاء. فما هو الرأي الشرعي في ذلك كله؟


ما هو الحكم الشرعي في شأن الصلاة في القطار المتحرك (غير المتوقف) في المذاهب الأربعة؟ مع ملاحظة أنَّ المسلمين في الهند يسافرون لمدة 24 ساعة متواصلة. وقد أفتى المجلس الشرعي بالجامعة الأشرفية مباركفور بالهند بجوازها دون إعادة، فهل هذا الحكم صحيح في ضوء الفقه الحنفي؟

 


ما حكم صلاة الجمعة لمَن أدرك الإمام في التشهد؟ حيث يوجد رجلٌ أدرك مِن صلاة الجمعة السجدتين والتشهد مع الإمام، فلما سلَّم الإمام أتمَّ صلاتَه ركعتين، فهل ما فعله صحيحٌ ومجزئٌ له عن الجمعة شرعًا؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 08 أبريل 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :36
الظهر
11 : 57
العصر
3:30
المغرب
6 : 18
العشاء
7 :38