ما حكم الشراكة بين شخصين أحدهما بالمال والآخر بمنصبه الوظيفي ونفوذه؟ فهناك رجلٌ ذو مال يَتَّجِرُ في مواد البناء، ويريد إبرام اتفاقِ شراكةٍ مع صَاحبٍ لا مال له، غير أن هذا الصاحب ذو مَنْصِبٍ وظيفيٍّ ومكانةٍ ونفوذ، مما يُمكِّنه مِن تسهيل وتيسير الصفقات وإسنادها بيعًا وشراءً، بالآجل أو نقدًا، في حين أن التاجر صاحب المال هو مَن يقوم بالتعاقد مع الجهات (بنفوذ هذا الصاحب ومَنصِبِه الوظيفي) ودفع الأثمان (لأجَلٍ كانت أو حالَّةً)، وما ينشأ بعد ذلك مِن مصاريفٍ ونحوها، وعلى هذا الاتفاق تكون الشراكةُ مِن أحدهما بالمال، ومِن الثاني بالمَنصِب الوظيفي والنفوذ وما يترتب على ذلك مِن تسهيل الصفقات وإسنادها إلى الأول (التاجر)، ثم بعد البيع وخصم المصروفات تقسم الأرباح بين الشريكين بالتساوي، فما الحكم في ذلك شرعًا؟
الشراكة المسؤول عنها التي يبذل فيها أحد الشركاء المالَ مقابِل تقديم الشريك الآخَر تيسيرًا للصفقات -بالآجل أو نقدًا-، بما يتمتع به مِن مكانةٍ وظيفيةٍ ونُفُوذ، على أن يكون الربح بينهما بالتساوي، هي مما عبَّر عنها الفقهاءُ بـ"شركة الوجوه"، وهذه الصورة مِن الشركة ممنوعةٌ شرعًا ومجرَّمةٌ قانونًا.
المحتويات
مِن المقرر شرعًا أن الشركةَ جائزةٌ في الجملة بإجماع المسلمين مِن لدُن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا، سلفًا وخلفًا، جيلًا بعد جيلٍ، مِن غير نَكِيرٍ مِن أحدٍ من المسلمين، وإنما وقع الخلاف في بعض أنواع الشركة وصُوَرها، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (5/ 3، ط. مكتبة القاهرة).
والأصلُ في جوازها ومشروعيتها قولُ الله تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ [ص: 24]، والخلطاء: الشركاء، كما قال الإمام فخر الدين الرَّازِي في "مفاتيح الغيب" (26/ 384، ط. دار إحياء التراث العربي) نقلًا عن الإمام الزَّجَّاج.
وعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا» أخرجه الأئمة: أبو داود -واللفظ له- والدارقطني والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
الشراكة المسؤول عنها تندرج تحت ما نص عليه الفقهاء مما يُعرف بـ"شركة الوجوه"، وقد فُسرَ هذا النوع من الشركة بصُوَر عديدة، وأقرَبُها لِمَا في مسألتنا -وإن لَم تُطَابِقْهَا تمامًا-: "أنْ يَشْتَرِكَ وجيهٌ لا مالَ له، وخامِلٌ ذو مال، ليكون العملُ مِن الوجيه والمالُ مِن الخامِل، ويكون المال في يده ولا يُسَلِّمْه إلى الوجيه، والربح بينهما"، كما في "الشرح الكبير" للإمام الرَّافِعِي (10/ 416، ط. دار الفكر).
والوجيه: صاحبُ الجاه والمكانة بين الناس.
و"الخامِلُ: الخَفِيُّ... يقال: هو خامِل الذكرِ والأمر، أي: لا يُعْرَف"، كما في "العين" للإمام الخليل بن أحمد الفَرَاهِيدِي (4/ 273، باب: خ ل م، ط. دار الهلال).
وهذه الصورة من شركة الوجوه منهيٌّ عنها شرعًا؛ لاشتمالها على الضررِ والغررِ، ويظهر أثر ذلك عند فسخ عقد الشركة؛ إذ ليس هناك مالٌ مبذولٌ مِن الشريكين (عند تأجيل الأثمان) يَرْجِعان عليه بالقسمة عند الفسخ، فإنْ بذَل أحدُهما المالَ (عند تعجيل الأثمان والدفع نقدًا) فإنَّ ما يَقوم به هذا الباذِلُ للمال (التاجر) مِن التعاقد على الصفقات بكلمة صاحب النفوذ الوظيفي، والتكفل بأثمانها وكافة مصاريفها، وتحمُّل مسؤولياتها والاختصاص بتَبِعَاتِهَا -يجعله مختصًّا وَحْدَهُ بالربح دون الشريك الثاني (الوجيه)؛ إذ لا يد له فيه ولا يبذل في ذلك جهدًا غير الكلمة والنفوذ، ومِثل هذا ليس بمالٍ قابِلٍ لِلتَّمَلُّك فلا يَصحُّ كونُه حصةً في الشركة، كما أنه لا يُعَدُّ جهدًا معتبرًا حتى يُقَدَّر نقدًا بالمال، وإنما هو مِن إساءة استعمال الوجاهة والنُّفُوذ الوظيفي إلى حدِّ الاستغلال، ومِن ثَمَّ فإنه وفقًا لقواعد العدالة لا يَستحق رِبحًا، ويزداد النهي عن هذه الصورة مِن الشركة عند تحمُّل صاحب المال (التاجر) الخسارةَ وَحْدَهُ دون الشريك الثاني (الوجيه)، ومما أجمع عليه أهل العلم أن الخسارة في الشركة إنما تكون على قَدْر رأس المال، كما في "مراتب الإجماع" للإمام ابن حَزْم (ص: 91، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قُدَامَة (5/ 27-28، ط. مكتبة القاهرة).
هذا وقد نصَّ فقهاء المالكية والشافعية على بطلان شركة الوجوه عمومًا، ونصَّ الشافعية على بُطلانِ هذه الصورة بخصوصها، ومَنْعِها؛ لكونها مبنيةً على بذل المال نقدًا مِن أحد الشريكين مع استبداده به وعدم تسليمه للآخَر، وعمل الشريك الثاني بدون تملُّك المال أو حصوله في يده، أو بمجرد الكلمة من غير جهد منه ولا عَمَل، فإذا انضاف إلى ذلك أن الشراء بالمال لأَجَلٍ لا نقدًا ازدادت المعاملةُ فسادًا وبطلانًا، وعليه: فلا يصح أن تكون هذه المعاملة على سبيل شركة صحيحة، وإنما هي مضاربة (قراض) فاسدة، يستحق الوجيه فيها أجرةَ المِثل مِن الخامِل (صاحب المال) نظير عمله إنْ هو عَمِل، فإن لم يَعمل فلا شيء له حينئذ، ويختص صاحب المال بالربح دونه.
قال الإمام جلال الدين ابن شَاسٍ المالكي في "عقد الجواهر الثمينة" (2/ 821، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا تصح شركةُ الوجوه، وهو في تفسير بعض أهل العلم أن يبيع الوجيهُ مالَ الخامِل بزيادةِ ربحٍ ليكون له بعضُه، وقال القاضي أبو محمد في تفسير شركة الوجوه: هي مثال أن يَشْتَرِكَا على الذِّمم بغير مالٍ ولا صَنَعَةٍ، حتى إذا اشْتَرَيَا شيئًا كان في ذمتهما، وإذا بَاعَاهُ اقتَسَمَا رِبحَه (والشركتان) على الصورتين (باطلة)] اهـ، وينظر: "الذخيرة" للإمام شهاب الدين القَرَافِي (8/ 48، ط. دار الغرب الإسلامي).
وقال حجة الإسلام الغَزَالِي الشافعي في "الوسيط" (3/ 262، ط. دار السلام): [شركَة الْوُجُوه بَاطِلَة، وَهُوَ أَن يَبِيع الْوَجِيهُ المقبولُ اللهجة فِي البيع مَالَ الخامل بِرِبْح على أَن يكون بعض الرِّبْح لَهُ، فَالرِّبْح كُلُّه لصَاحب المَال، وَله أجرة تَعبه إِن عَمِل، وَإِن لم يصدر مِنْهُ إِلَّا كلمة لَا تَعب فِيهَا فَلَا قيمَة لَهَا] اهـ، وينظر: "الشرح الكبير" للإمام الرَّافِعِي (10/ 416-417، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي (3/ 222، ط. دار الكتب العلمية)، و"حاشية الإمام أبي الضياء الشَّبْرَامَلِّسِي على نهاية المحتاج" (5/ 4، ط. دار الفكر).
على ذلك جرى القانون المدني المصري الصادر برقم (131) لسنة 1948م، حيث نصَّ في مادته رقم (509) على أنه: [لا يجوز أن تَقتصر حصةُ الشريك على ما يكون له مِن نُفُوذ] اهـ.
قال العلامة عبد الرزاق السَّنْهُورِي في "الوسيط" (5/ 270- 271، ط. دار إحياء التراث العربي) في شرح هذه المادة مِن القانون المدني المذكور وذِكر ما اشتملت عليه المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي له: [النفوذ... ليس بمالٍ، فلا يصح أن يكون حصةً في الشركة، ولأنه قد يُساء استعمال النفوذ.. إلى حدِّ الاستغلال... تقول "المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي"... "مِن المُجْمَع عليه أنَّ النفوذ الذي يتمتع به رجلٌ سياسيٌّ أو موظفٌ عموميٌّ لا يعتبر حصةً"] اهـ.
ولَمَّا كان استعمالُ النفوذ، أو الوجاهة، أو ما في معناهما -كالوظائف العليا ونحوها- في البيع والشراء وغيرهما ممنوعًا شرعًا، فقد عاقب عليه القانونُ المصري أيضًا في المادة رقم (106 مكررًا) مِن قانون العقوبات رقم (58) لسنة 1937م؛ وذلك لِمَا فيه مِن الإخلال بمبدأ العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، كما أنه يُسيء إلى تلك الوظائف التي تُستغل في مثل هذه الأعمال التي اعتبرها القانون مِن قبيل الرِّشوة.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الشراكة المسؤول عنها ببذل أحد الشركاء المالَ مقابِل تقديم الشريك الآخَر تيسيرًا للصفقات -بالآجل أو نقدًا-، بما يتمتع به مِن مكانةٍ وظيفيةٍ ونُفُوذ، على أن يكون الربح بينهما بالتساوي، هي مما عبَّر عنها الفقهاءُ بـ"شركة الوجوه"، وهذه الصورة مِن الشركة ممنوعةٌ شرعًا ومجرَّمةٌ قانونًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم المشاركة في مسابقات التوقعات من خلال تطبيق إلكتروني؟ حيث أن السائل يقول: يوجد تطبيق يمكن تحميله والاشتراك من خلاله في التوقعات لأمور كثيرة؛ كلعبة كرة القدم أو غيرها، ولكي يقوم الشخص بالاشتراك يقوم بدفع مبلغ من المال، فإن صحَّ تَوقُّع المشترك استرد المال وفوقه زيادة، ومَن لم يصحّ توقعه لا يستردّ ماله، فهل هذا يجوز شرعًا؟
سائل يقول: النفس الإنسانية لها منزلة خاصة في الشريعة الإسلامية؛ فنرجو منكم بيان ضرورة المحافظة عليها في ضوء نصوص الشرع؟
ما حكم البيع بالمزاد عن طريق موقع إلكتروني؟ فنرجو من سيادتكم إفادتنا بشرعية هذا المشروع وموقف العاملين به، مع العلم أننا مشتركون في إنشاء هذا المشروع كمهندسين، وما هي النقاط غير الشرعية إن وجدت؟ وما كيفية حلها؟
والمشروع عبارة عن مزاد عن طريق موقع إلكتروني يقوم الزائر بالمزايدة على المنتجات الموجودة، والمزاد يبدأ من جنيه واحد لكل المنتجات ويرتفع بقيمة ثابتة مع كل عملية مزايدة.
للاشتراك في المزاد على العميل القيام بشراء رصيد عن طريق بطاقات شحن خاصة بالموقع التي سوف تباع في الأسواق إن شاء الله، وهي مثل بطاقات شحن الهاتف المحمول، ويقوم العميل بإدخال رقم البطاقة ويُحول له رصيد بقيمة البطاقة، وبهذا الرصيد يكون للعميل عدد مرات مزايدة، وفئات البطاقات هي: ثلاثون جنيهًا تعطي ثلاثين فرصة مزايدة على أي منتج، خمسون جنيهًا تعطي خمسين فرصة مزايدة على أي منتج، مائة جنيه تعطي مائة فرصة مزايدة على أي منتج. وقيمة البطاقة هي فقط قيمة عدد مرات المزايدة، ولا علاقة لها بسعر المنتج. ومدة المزادات تكون معلومة وواضحة لكل مزاد: اثنتا عشرة ساعة أو ست ساعات أو ساعتان... إلى آخره، وفي حالة المزايدة في آخر عشر ثوانٍ قبل انتهاء المزاد يتم إمداد الوقت بقيمة معلومة هي عشرون ثانية، والمزايد لا يقوم بالمزايدة في حال كان هو آخر مزايد. وبعد انتهاء المزاد يكون الرابح هو من قام بآخر عملية مزايدة على المنتج قبل انتهاء مدة المزاد، ويحق له شراء المنتج بالسعر الذي انتهى عليه المزاد. ولا يحق لأي عميل -حتى الرابح- قام بالمزايدة على المنتج استرداد قيمة بطاقة قام باستخدامها في عملية المزايدة. وإذا رغب العميل غير الرابح في شراء المنتج بسعره الحقيقي الموجود بالأسواق يمكن خصم قيمة بطاقات الرصيد التي قام باستخدامها في عملية المزايدة من سعر المنتج الحقيقي وشراء هذا المنتج.
أنواع المزادات:
المزاد العادي: يقوم الزائر بالمزايدة على المنتجات الموجودة، حيث يبدأ المزاد من جنيه واحد لكل المنتجات ويرتفع سعره بقيمة ثابتة مع كل عملية مزايدة.
مزاد السعر الثابت: إذا ربحت المزاد الثابت فإنك تدفع فقط السعر المعلن عنه قبل بداية المزاد مضافًا إليه تكلفة الشحن، بغض النظر عن السعر الذي وصل إليه المنتج في نهاية المزاد.
مزاد خصم المائة بالمائة: ليس على الفائز بالمزاد دفع ثمن المنتج إن كان نوع المزاد خصم مائة بالمائة، ويدفع العميل فقط تكلفة الشحن.
ما هو الفرق بين مصطلحَي سعر نهاية المزاد والسعر الحقيقي؟
سعر نهاية المزاد: هو السعر الذي وصل إليه المنتج عند نهاية المزاد، والعميل الرابح فقط هو الذي يستطيع شراء المنتج بهذا السعر.
والسعر الحقيقي: هو سعر المنتج في أي مكان آخر أو في السوق المحلي.
هل يجوز للمسلمين التحاكم إلى القوانين الوضعية كالقانون الدولي؟
هل يجوز الاستفادة من غير المسلم في مجال عمله والثناء عليه، وتقليده والرغبة في أن أصير مثله في أعماله؟ حيث دار حديث بيني وبين أحد الأصدقاء فقال: إن هذا مخالف لمبدأ الولاء والبراء. فما مدى صحة ذلك؟
ما حكم بيع شعر الآدمي؛ فقد ظهر في الآونة الأخيرة عن طريق عددٍ من المواقع الإلكترونية والشركات والمحلَّاتِ التجارية عروضٌ لشراء وبيع الشعر الآدمي بمواصفاتٍ معينةٍ على حسب طوله وكثافته ولونه وغير ذلك من المواصفات المطلوبة كل حسب سعره. فما حكم الشرع في ذلك؟