حكم التخلّف عن صلاة الجمعة لمريض التوحد

تاريخ الفتوى: 09 مارس 2024 م
رقم الفتوى: 20537
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم التخلّف عن صلاة الجمعة لمريض التوحد

إلى أي مدًى تُعدُّ الإصابة بالتوحد أو الذَّاتَوِيَّة من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة؟

إذا كان المصاب باضطراب التوحد أو الذَّاتَوِيَّة يتضرر من التواجد في أماكن التجمعات ونصحه الطبيب بتركها، فيباح له حينئذٍ ترك صلاة الجمعة، ويجب عليه صلاة الظهر في بيته أربع ركعات.

المحتويات

 

مراعاة الشريعة الإسلامية لأصحاب الاعذار والضعفاء

راعت الشريعة الإسلامية جميع فئات المجتمع رعاية بالغة، إلا أنها أولت الضعيف منهم مزيدَ عنايةٍ؛ فاختصَّته بأحكامٍ وتشريعاتٍ تَجبُر بها ما ابتُلي به من ضعفٍ أو مرضٍ، وتحفظ له بين الجميع حقَّه وقدْرَه دون أن تُعَرِّضَه لحال الحرج أو لمزيد ضرر، وزادت على ذلك أن أوصت به وبيَّنت جُرْم التفريط في حقِّه، فعنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لَا يُعْطَى الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» أخرجه ابن ماجه في "السنن"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، وأبو يعلى الموصلي في "المسند".

بيان المراد بمرض التوحد

التوحد من الوحدة، وهو أصل لغوي يدل على الانفراد، وتوحَّد الرجل: بقي وحده، ورجل متوحِّد: لا يخالط الناس ولا يجالسهم. ينظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (6/ 90، ط. دار الفكر)، و"لسان العرب" لابن منظور (3/ 449، ط. دار صادر).

والتوحد في الاصطلاح الطبي يتحدد وفق معيارين؛ الأول: معيار التواصل الاجتماعي والتفاعل. والثاني: محدودية السلوكيات والاهتمامات والأنشطة النمطية المتكررة، بحيث يظهر على الشخص اضطراب نمائي يتسم بالقصور في التفاعل الاجتماعي والتواصل مع المحيطين وممارسة سلوكيات نمطية ومقاومة للتغير والاستجابة غير العادية للخبرات الحسية التي تظهر قبل بلوغ سن الثالثة من العمر، وتختلف أنواع وأعراض اضطراب التوحد من حالة إلى أخرى إلَّا أن جميعها يتسم بالقصور في القدرة على التواصل مع المحيطين، وذلك ما يعرض المصاب به لمشقة حال حضوره أماكن التجمعات، كما أفاده "الدليل الإحصائي والتشخيصي الخامس" الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (عام 2013م) (ص: 40-42).

مدى عدِّ الإصابة بمرض التوحد من الأعذار المبيحة للتخلف عن الجمعة

مع وجوب صلاة الجمعة على كلِّ ذكرٍ مكلف؛ لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9]، إلا أن الشرع الشريف جاء بالتيسير ورفع الحرج والمشقة، حيث قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

ولذا، فقد نصَّ الفقهاء على عدِّ المرض من جملة الأعذار التي تبيح التخلف عن صلاة الجمعة، خاصة إذا لَحِقَ المريض بذلك مشقة أو خاف زيادة المرض، أو كانت لديه علةٌ لا يمكنه معها اللبث في الجامع حتى تنقضي الجمعة، ولا فرق في ذلك بين كون المشقة حاصلة من مرض عضوي أو مرض نفسي أو اضطراب كاضطراب التوحد.

قال العلامة الميداني الحنفي في "اللباب" (1/ 111، ط. المكتبة العلمية): [(ولا تجب الجمعة على مسافرٍ)؛ للحوق المشقة بأدائها... (ولا مريض) لعجزه عن ذلك] اهـ.

وقال العلامة اللخمي المالكي في "التبصرة" (2/ 554-555، ط. أوقاف قطر): [الأعذار التي تجيز التخلف عن الجمعة أربعةٌ، وهي: ما يتعلق بالنفس، والأهل، والدّين، والمال، فأما ما يتعلق بالنفس: فالمرض الذي يشقُّ معه الإتيان إليها، أو علةٌ لا يمكنه اللبث في الجامع حتى تنقضي الجمعة] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (1/ 345، ط. المكتب الإسلامي): [ومن الأعذار الخاصة: المرض، ولا يشترط بلوغه حدًّا يسقط القيام في الفريضة، بل يعتبر أن يلحقه مشقة كمشقة الماشي في المطر... ومنها: أن يخاف على نفسه، أو ماله... فله التخلف] اهـ.

وقال العلامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (4/ 464، ط. هجر): [قوله: (ويعذر في ترك الجمعة والجماعة) المريض بلا نزاع، ويعذر أيضًا في تركهما لخوف حدوث المرض] اهـ.

فإذا قرَّر الطبيب الذي يتابع حالة الشخص المصاب باضطراب التوحد أنَّ حضوره لصلاة الجمعة قد يؤدي إلى تضرر حالته الصحية؛ فإن ذلك يبيح له الترخص بتركها ويكفيه حينئذٍ أن يصلي صلاة الظهر في البيت ولا إثم عليه في ذلك ولا حرج، لما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ؛ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّاهَا» قَالُوا: مَا عُذْرُهُ؟ قَالَ: «خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» أخرجه أبو داود، والدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، و"معرفة السنن والآثار"، وقال -مُعَلِّقًا عليه- في "السنن الصغرى" (1/ 190، ط. جامعة الدراسات الإسلامية. كراتشي): [قلت: وما كان من الأعذار في معناها فله حكمهما] اهـ.

قال الإمام ابن المنذر في "الأوسط " (4/ 107، ط. دار طيبة): [أجمع كلُّ مَن نحفظ عنه من أهل العلم على أنَّ مَن فاتته الجمعة أن يصلي أربعًا] اهـ.

الخلاصة

بناء عليه وفي واقعة السؤال: فإذا كان المصاب باضطراب التوحد أو الذَّاتَوِيَّة يتضرر من التواجد في أماكن التجمعات ونصحه الطبيب بتركها، فيباح له حينئذٍ ترك صلاة الجمعة، ويجب عليه صلاة الظهر في بيته أربع ركعات.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

طلب السيد وكيل وزارة الخارجية بيان حكم الصلاة في الخلاء مع وجود مساجد بناء على طلب أحد مسلمي مدينة جوهانسبرج.



ما حكم الإيماء بالسجود عند الزحام الشديد؟ حيث دخلتُ لأداء صلاة الجمعة بأحد مساجد القاهرة الكبرى، واشتد الزحام في المسجد، وعند السجود في الصلاة لم أستطع وضع جبهتي على الأرض بسبب هذا الزحام وامتلاء المسجد بالمصلين، فأومأت برأسي قدر الإمكان. فهل صلاتي صحيحة شرعًا؟ وهل يجب عليَّ إعادتها؟


ما قولكم في مسجد مكون من طابقين يؤم الإمام فيه المصلين بالطابق العلوي، ويصلي باقي المصلين بالطابق السفلي سماعًا من مكبرات الصوت.
فهل صلاة المصلين بالطابق السفلي صحيحة؟
وهل وجود الإمام بالطابق العلوي من باب ارتفاع الإمام عن المأموم؟
وهل هناك شرعًا ما يمنع وجود الإمام مع بعض المأمومين بالطابق العلوي دون السفلي الذي به باقي المصلين؟


ما حكم رد الإمام أو الفتح عليه؛ لتصحيح القراءة أثناء الصلاة؟ وما شرط ذلك؟ وما هو العلاج الصحيح لما قد يسببه ذلك في معظم الأحيان من ضوضاء وهرج وخلاف بين المصلين أثناء الصلاة وبعدها في المسجد وخارجه؟


ما ضوابط رد الإمام والفتح عليه؛ لتصحيح القراءة أثناء الصلاة؟