ما حكم فطر المرضعة لتتناول الدواء ليصل أثره إلى رضيعها المريض؟ فأنا لدي طفل رضيع أصيب بمرض، ووصف لي الطبيب دواء لا يمكن للطفل تناوله مباشرة، وإنما أتناوله فيسري إلى الطفل في اللبن من خلال رضاعته، فهل يعدُّ ذلك عذرًا للفطر في رمضان؟ وماذا يجب عليَّ؟
لا مانع شرعًا من ترخص المرضع بالفطر من أجل إيصال الدواء لطفلها الرضيع، وعليها قضاء الأيام التي أفطرتها فقط حال قدرتها عليه.
المحتويات
جاءت الشريعة الإسلامية بالتَّيسير ورفع الحرج عن المكلفين، ومن مظاهر التيسير ورفع الحرج: تشريعُ الرُّخَصِ لأصحاب الأعذار، ومن ذلك: إباحةُ الفطر لصاحب العذر، كالمريض، والمسافر، قال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وترخص المرضع بالفطر في رمضان بغرض مداواة رضيعها بإيصال الدواء إليه عن طريق الرضاعة، بحيث إذا لم تفطر لأخذ ذلك الدواء تضرر صغيرها بزيادة المرض أو تأخر الشفاء -مندرج فيما تواردت عليه النصوص الشرعية من أنه يُرَخَّصُ للمرأة التي تُرضع الإفطار إذا خافت على رضيعها نقصان غذائه بالصوم؛ لأن في إلزامها بالصوم مع احتمالِ تضرر طفلها تكليفًا لها بما يُوقعها في الحرج، وهو مرفوع عن المكلفين، حيث قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
فعَنْ أَنَسٍ الكعبي رضي الله عنه قَالَ: أَغَارَتْ عَلَيْنَا خَيْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: "ادْنُ فَكُلْ" قُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: "اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّوْمِ أَوِ الصَّائِمِ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الْمُسَافِرِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ"، وَاللهِ لَقَدْ قَالَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، فَيَا لَهْفَ نَفْسِي، هَلَّا كُنْتُ طَعِمْتُ مِنْ طَعَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي وابن ماجه والبيهقي في "السنن".
وقال الإمام القاسم بن سلام في "الناسخ والمنسوخ" (ص: 69، ط. مكتبة الرشد): [«ولم يسمع للحامل والمرضع في الصيام بذكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلَّا في هذا الحديث، أفلَا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قرنهما بالمسافر، وجعلهما معًا في معنًى واحدٍ، فصار حكمهما كحكمه] اهـ.
وقال العلامة السندي في "حاشيته على سنن ابن ماجه" (1/ 512، ط. دار الجيل): [وقد وضع الله عن المسافر صوم الفرض، بمعنى وضع عنه لزومه في تلك الأيام، وبيَّن عدة من أيام أُخَر، فكيف صوم النفل؟ (والحامل والمرضع) أي: إذا خافتَا على الحمل والرضيع أو على أنفسهما] اهـ.
قد اتفق فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على مشروعية الإفطار للمرضع إذا خافت على رضيعها الضرر بصومها، ومع ذلك لا يلزمها إلا قضاء ما أفطرته من أيامٍ دون إلزام بفدية على المختار للفتوى؛ وهو مذهب الحنفية، والمالكية في قولٍ، والشافعية في قولٍ، وهو ما قال به الليث بن سعد، وعطاء، والزهري، والحسن، وسعيد بن جبير، والنخعي، كما في "المغني" للإمام ابن قدامة (3/ 150، ط. مكتبة القاهرة).
قال العلامة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (3/ 99- 100، ط. دار المعرفة): [وإذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها، أو ولدها، أفطرت.. وعليها القضاء.. ولا فدية عليها عندنا.. وهذا لأن الفديةَ مشروعةٌ خَلَفًا عن الصوم، والجمع بين الخَلَف والأصل لا يكون] اهـ.
وقال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 97، ط. دار الكتب العلمية): [ولنا قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا﴾ [البقرة: 184] الآية، أوجب على المريض القضاء، فمن ضم إليه الفدية فقد زاد على النص، فلا يجوز إلا بدليل، ولأنه لما لم يوجب غيره دلَّ أنه كل حكم لحادثة؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وقد ذكرنا أن المراد من المرض المذكور ليس صورة المرض بل معناه. وقد وُجِد في الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، فيدخلان تحت الآية، فكان تقدير قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا﴾ فمن كان منكم به معنى يضره الصوم ﴿وْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾] اهـ.
وقال الإمام خليل بن إسحاق المالكي في "التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب" (2/ 448، ط. مركز نجيبويه): [اختلف في وجوب الفدية على المرضع والحامل إذا أفطرتا على خمسة أقوال: فقيل: لا تجب عليهما...] اهـ.
وقال إمام الحرمين الجويني الشافعي في "نهاية المطلب" (4/ 43، ط. دار المنهاج): [والمرضع إذا خافت على ولدها إن صامت، ففيها طريقان: أصحهما القطع بإيجاب الفدية مع القضاء، فإنها صحيحة البدن لا عذر بها في نفسها] اهـ، فأفاد أن الطريق الآخر -وهو مقابل الأصح- عدم لزوم الفدية عليها.
وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان" (3/ 474، ط. دار المنهاج) في حكاية أقوال مذهب الشافعية في حكم الفدية للحامل والمرضع: [والثالث -حكاه أبو علي في "الإفصاح" وليس بمشهور-: أنه لا يجب على واحدةٍ منهما كفارة، وهو قول الزهري، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة؛ لأنه إفطار لعذرٍ، فلم تجب به الكفارة، كإفطار المريض] اهـ. وتتأكد مشروعية الفطر للمرضع والحالة هذه وإلزامها بقضاء ما أفطرته فقط أنه إفطار لعذرٍ؛ إذ الباعث عليه -في مسألتنا- مداواة رضيعها بما يصله من دواء عن طريق الرضاعة، وذلك في حالة عدم إمكان إيصال الدواء له إلا بإرضاعه، وقد تقرر أن رعاية الأم لطفلها بالغذاء وما في معناه من دواءٍ واجبٌ عليها، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" كما في "المستصفى" للإمام الغزالي (ص: 217، ط. دار الكتب العلمية)، و"الفروق" للإمام القرافي (1/ 166، ط. عالم الكتب). كما أن إقدام المرضع على الفطر في هذه الحالة فيه تغليب مقصد الحفاظ على النفس على القيام بالعبادات في حالة التعارض، فقد أوجب الشرع الشريف على الصائم الصحيح الفطر من أجل إنقاذ غيره المُشْرف على الهلاك أو صيانة أحد أعضائه من التلف، فالأولى بذلك ولد الإنسان الذي هو أحرص عليه من نفسه بدافع الفطرة الإنسانية؟!
قال الإمام ابن الملقن في "عجالة المحتاج" (2/ 544، ط. دار الكتاب): [والأَصَحُّ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ مَنْ أَفْطَرَ لإِنْقَاذِ مُشْرِفٍ عَلَى هَلَاكٍ، أي: بغرق وغيره بجامع الإفطار بسبب الغير؛ لأنه فِطْر ارتفق به شخصان، ومن هذا التعليل يؤخذ أنَّه إذا أفطر لإنقاذ ماله أنَّه لا فدية عليه، وبه صرح القفال في "فتاويه" فارقًا بذلك، والثاني: لا؛ لأنَّ إيجاب الفدية مع القضاء بعيد عن القياس، والتعويل في حقِّ المرضع والحامل على التوقيف] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنه لا مانع شرعًا من ترخص المرضع بالفطر من أجل إيصال الدواء لطفلها الرضيع، وعليها قضاء الأيام التي أفطرتها فقط حال قدرتها عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هي مدة الحداد لأفراد أسرة الميت؟
سائل يسأل: عقد رجل زواجه على فتاة، وأثبت بالعقد أن المهر باق لحين زفافه، وتوفي قبل الزفاف. فما صحة هذا العقد؟ وما هي الآثار المترتبة عليه؛ كالميراث مثلًا؟
ما الفرق بين المفقود من أفراد القوات المسلحة والمفقود من غيرهم؟ فقد تضمن السؤال أن السائلة تزوجت بمدرس بمحافظة سوهاج، وأن زوجها جند بالقوات المسلحة، وأنه فقد في العمليات الحربية بجهة سيناء بتاريخ 8/ 6/ 1967م بمقتضى شهادة دالة على فقده وصلت إلى مديرية التربية والتعليم بسوهاج من وزارة الحربية، وأن مديرية التربية والتعليم المذكورة كانت تصرف للسائلة مرتب زوجها شهريًّا حتى أوقف الصرف بمقتضى حكم صدر ضدها من المحكمة الحسبية ببندر سوهاج في قضية رفعها والد الزوج ضدها، وأنه قد ورد إليها كتاب من وزارة الحربية يفيد بأنه بموجب القرار رقم 72 لسنة 1969م باعتبار الغائبين بالعمليات الحربية بسيناء مفقودين وتسوية حالاتهم وصرف معاش ثابت للمستحقين عنهم، وأن الزوجة -السائلة- لا تجد من يعولها وليس لها مصدر رزق بعد قطع راتب زوجها عنها اعتبارًا من نوفمبر سنة 1969م للآن. وطلبت السائلة بيان الحكم الشرعي فيما إذا كان يحق لها شرعًا أن تتزوج بآخر استنادًا إلى:
أ- القرار السالف الذكر رقم 72 سنة 1969م الخاص باعتبار الغائبين مفقودين وصرف معاش ثابت للمستحقين عنهم.
ب- خطاب ورد إلى والد زوجها من قلم خسائر الحرب يقضي باعتبار الغائبين مفقودين.
ج- أنه مضى على عقد زواجها بالمفقود المذكور خمس سنوات وهي معلقة بين السماء والأرض.
د- أن زوجها المفقود من قبل يونيه سنة 1967م حتى اليوم لم تصل أنباء أو معلومات تفيد بأنه موجود على قيد الحياة.
هـ- أن غياب الزوج المذكور كان غيابًا متصلًا من قبل يونيه سنة 1967م إلى الآن، ولم ينقطع هذا الغياب خلال تلك المدة الطويلة.
ما حكم إفطار الطالب الصائم للمذاكرة في أيام الامتحانات؟
ما حكم صيام تارك الصلاة؟ وهو الذي يصوم ولا يصلي؟ وهل يؤثر تركه الصلاة على صيامه؟