ما حكم تقديم الطعام والشراب لفاقد العقل في نهار رمضان؟
يجوز لولي فاقد العقل أن يقدم له الطعام والشراب في نهار رمضان، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن فاقد العقل غير مكلف بالصيام، وهو من أصحاب الأعذار الدائمة، ولا يلزمه الإمساك أثناء النهار، ولأن تقديم الطعام والشراب له من جملة مقتضيات العناية والرعاية التي يجب على وليه أن يؤديها له في الجملة.
المحتويات
من المقرر شرعًا أن الصوم ركن من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره، وقد فرضه الله تعالى على الأمة الإسلامية في العام الثاني للهجرة النبوية المشرفة، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
وقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ»، قال العلماء: إن هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده؛ فإنه قد جمع أركانه.
وقد أجمع العلماء على أن صيام شهر رمضان واجب، قال العلامة ابن القطان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 226، ط. الفاروق الحديثة): [ولا خلاف بين العلماء في أن صيام شهر رمضان واجب] اهـ.
والمقرر شرعًا أن العقل شرط من شروط التكليف بوجه عام؛ لأنه به يحصل فهم الخطاب.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" (ص: 67، ط. دار الكتب العلمية): [وأما أهلية ثبوت الأحكام في الذمَّة فمستفاد من الإنسانية التي بها يستعد لقبول قوة العقل الذي به فهم التكليف في ثاني الحال، حتى إن البهيمة لما لم تكن لها أهلية فهم الخطاب بالفعل ولا بالقوة لم تتهيأ لإضافة الحكم إلى ذمتها] اهـ.
وقال ابن النجار الفتوحي في "شرح الكوكب المنير" (ص: 498-499، ط. العبيكان): [وشرط في المكلف بالفعل -وهو الآدمي- عقل وفهم خطاب؛ لأن التكليف خطاب، وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال، ولأن المكلف به مطلوب حصوله من المكلف طاعة وامتثالًا؛ لأنه مأمور، والمأمور يجب أن يقصد إيقاع المأمور به على سبيل الطاعة والامتثال، والقصد إلى ذلك إنما يتصور بعد الفهم؛ لأن مَن لا يفهم لا يقال له: افهم، ولا يقال لمن لم يسمع: اسمع، ولا لمن لا يبصر: أبصِر] اهـ بتصرف.
أما بخصوص الصوم: فالصوم واجب على المسلم البالغ العاقل، الصحيح، المقيم، القادر على الصوم، العالم بدخول شهر رمضان، ويزيد على ذلك في المرأة: أن تكون خالية من الحيض، والنفاس، والرضاع، والولادة.
قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 39، ط. دار الكتب العلمية): [اتفقوا على أن صيام نهار رمضان على الصحيح المقيم العاقل البالغ الذي يعلم أنه رمضان، وقد بلغه وجوب صيامه، وهو مسلم، وليس امرأة لا حائضًا، ولا حاملًا، ولا مرضعًا -فرضٌ] اهـ بتصرف.
وفاقد العقل غيرُ مكلَّفٍ بالصوم؛ لما مر، وقد ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» رواه ابن ماجه في "سننه".
قال العلامة الصَّنْعاني في "سبل السلام" (2/ 265، ط. دار الحديث): [وفيه دليل على أن الثلاثة -أي: الصغير، وفاقد العقل، والنائم- لا يتعلق بهم تكليف] اهـ.
والعلماء مُجمِعون على أن الله تعالى إنما خاطب بالأوامر والنواهي البالغين من ذوي العقول دون غيرهم.
قال العلامة ابن القَطَّان في "الإقناع" (1/ 126): [واتفق علماء المسلمين على أن الله جلَّ ثناؤه لم يخاطب بالأحكام إلا العَقَلة البالغين، وأنه تعالى لم يقصد الأطفال ولا المجانين، واتفقوا أن الثواب والعقاب وسائر التكاليف إنما تتعلق بما هو من أفعال العباد العقلاء، لا المجانين] اهـ.
وتقديم الطعام والشراب لفاقد العقل في نهار رمضان هو تعامل مع غير مكلف بما لم يخاطب بفعله أو بتركه، فهو جائز شرعًا، ففاقد العقل من أصحاب الأعذار الدائمة، ولا يلزمهم الإمساك أثناء النهار.
قال العلامة السَّرَخْسِي الحنفي في "المبسوط" (3/ 58، ط. دار المعرفة): [الأصل عندنا أن مَن صار في بعض النهار على صفةٍ لو كان عليها في أول النهار يلزمه الصوم فعليه الإمساك في بقية النهار؛ لأن الإمساك مشروع خلفًا عن الصوم عند فواته لقضاء حقِّ الوقت؛ ولأنه لو أكل، ولا عذر به اتهمه الناس. والتحرز عن مواضع التهمة واجب] اهـ.
وقال العلامة الدسوقي المالكي في حاشيته على "الشرح الكبير" للإمام الدردير (1/ 514، ط. دار الفكر): [وحاصله أن الجنون عذر يباح لأجله الفطر] اهـ.
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (1/ 328، ط. دار الكتب العلمية): [لأنه أبيح لهما الفطر من أول النهار ظاهرًا وباطنًا فجاز لهما الإفطار في بقية النهار كما لو دام السفر والمرض] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 146، ط. مكتبة القاهرة): [لأنه أبيح له فطر أول النهار ظاهرًا وباطنًا، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار، كما لو دام العذر] اهـ.
كما أن فاقد العقل عاجز عن القيام بحاجاته الأساسية، فيجب على وَلِيِّه، أو مَن يقوم على خدمته أن يلي رعايته ويزيد من العناية به بما يسد حاجته، ومن جملة ذلك: القيام عليه فيما يتعلق بغذائه وإطعامه لتستقيم حياته، ويحفظه من الهلاك، وهو ما يعرف باسم "الكفالة"، وهي: حفظ من لا يستقل بحاجاته وتعهده بما يصلحه.
والكفالة تشمل فاقد العقل، والصغير، والكبير الذي لا يمكنه القيام بحاجاته.
قال العلامة الدَّمِيري الشافعي في "النجم الوهاج" (8/ 292، ط. دار المنهاج): [الحضانة: حفظ من لا يستقل عما يؤذيه، وتنتهي بالتمييز، ثم بعده إلى البلوغ تسمى كفالة، والمراد: من لا يستقل بأمر نفسه؛ لعدم تمييزه؛ ليشمل الطفل، والكبير، والمجنون، ومَن به خبل، وقلة تمييز] اهـ بتصرف.
بناءً على ذلك: فإنه يجوز لولي فاقد العقل أن يقدم له الطعام والشراب في نهار رمضان، ولا حرج عليه في ذلك؛ لأن هذا من جملة مقتضيات العناية والرعاية التي يجب عليه أن يؤديها له في الجملة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل تنظيم الأسرة يعتبر تدخلًا في قدر الله أو هروبًا من قضاء الله؟
ما الحكم فيمن صام رمضان ولكنه لا يصلي، هل ذلك يُفسِد صيامه ولا ينال عليه أجرًا؟
ما حكم الدعاء بالعتق من النار في شهر رمضان الكريم للأحياء والأموات؟ حيث يقنت إمام المسجد عندنا في شهر رمضان، ويقول في دعائه: «اللهم أعتق رقابنا ورقاب أمواتنا من النار»، فأنكر عليه أحد الناس هذا الدعاء؛ وذلك بحجة أنه لا توجد أحاديث صحيحة في السُّنَّة النبوية قد ذكرتْ أن الأحياء ولا الأموات يعتقون في رمضان، فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم الشرع في منح جائزة مالية ووسام رفيع لشخص تَهَجَّم في كتبه المنشورة الشائعة على نبي الإسلام ووصفه بالمزَوِّر ووصف دين الإسلام بأنه دين مُزَوَّر، وأن الوحي والنبوة اختراع اخترعه أبو طالب لكي يتمكن من انتزاع الهيمنة على قريش ومكة من الأمويين، وأن عبد المطلب استعان باليهود لتمرير حكاية النبوة -على حد تعبيره-. فهل يجوز أن تقوم لجنة بمنح مثل هذا الشخص وسامًا تقديريًّا تكريمًا له ورفعًا من شأنه وترويجًا لكلامه وأفكاره بين البشر وجائزةً من أموال المسلمين رغم علمها بما كُتِبَ في كتبه على النحو السابق ذكرُه وهي مطبوعة ومنشورة ومتداوَلة، وإذا كان ذلك غير جائز فمن الذي يضمن قيمة هذه الجائزة المهدَرة من المال العام؟
سائل يقول: ورد في الشرع الشريف أنه يجب على الوالدين أن يعلموا أولادهم أداء العبادات الواجبة عليهم من صيام وصلاة وغيرها تدريبًا لهم على العبادة، وتعويدًا لهم على أدائها؛ فما مسؤولية الوالدين شرعًا تجاه أولادهم في ذلك؟
ما حكم سداد ورثة الكفيل الدَّين المؤجل على الميت بالكفالة بمجرد وفاته؟ فإن رجلًا ضَمِنَ أخاه في سداد دَينٍ مؤجَّل، إلا أنَّه (الكفيل) توفاه الله قبل حلول موعد سداد الدَّين على أخيه (المدين) بخمسة أشهر، فهل يجب على ورثته سداد ذلك الدَّين من التركة بمجرد وفاته؟ علمًا بأن أخاه مُقِرٌّ بالدَّين وعازِمٌ على سداده في موعده بعد الأشهر الخمسة.