ما حكم تأخير الفطر وترك السحور لكسر الشهوة؟ فأنا شابٌّ لم يمنَّ الله عليَّ بالزواج بعدُ، والصيام لا يكسر شهوتي؛ فهل يجوز لي تأخير الفطر في رمضان والصيام من غير سحور لكسر الشهوة؟
يجوز للمُكلَّف تأخير الفطر، وكذلك الصوم من غير سحور؛ إعانةً له على كسر الشهوة، ما لم يترتب على ذلك إلحاق الضرر ببدنه، كما أنَّ سنة تعجيل الفطر والسحور تحصل ولو بتناول قليل من الماء.
المحتويات
شَرَع الله تعالى الصوم رحمةً بعباده وإحسانًا إليهم؛ إذ جعل فيه جملةً من المنافع الدينية والدنيوية؛ ومن ذلك أن جعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وِجاءً لمن اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوَّج، فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصَّوْم، فإنَّه له وِجَاءٌ» أخرجه الشيخان.
قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/ 173، ط. دار إحياء التراث العربي): [أمَّا الوِجاء فبكسر الواو وبالمد، وهو رَضُّ الخصيتين، والمراد هنا: أنَّ الصوم يقطع الشهوة ويقطع شرَّ المَنِيِّ كما يفعله الوِجاء] اهـ.
قد أجمعت الأمة على أنَّ تعجيل الفطر مندوبٌ إليه وأنَّه من سنن النبي المختار؛ فقد أخرج الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، قال: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر».
قال الإمام ابن رشد المالكي في "بداية المجتهد" (2/ 69، ط. دار الحديث): [وأجمعوا على أنَّ من سنن الصوم تأخير السحور وتعجيل الفطر] اهـ.
وقال الإمام المَرْداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 329، ط. دار إحياء التراث العربي): [(ويُستَحَبُّ تعجيل الإفطار) إجماعًا، يعني: إذا تحقَّق غروب الشمس] اهـ.
كما أجمعوا على أنَّ السحور مندوبٌ إليه؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «تسَحَّروا فإنَّ في السَّحور بركة» أخرجه الشيخان.
والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي: اتباع السنة، والتَّقَوِّي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخُلُق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مَظِنَّة الإجابة، وتدارك نيَّة الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام. كما في "فتح الباري" للإمام ابن حجر العسقلاني (4/ 140، ط. دار المعرفة).
قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 49، ط. دار المسلم): [أجمعوا على أنَّ السحور مندوبٌ إليه] اهـ.
المكلَّف إن أخَّر الفطر -أو ترك السحور- حِميَةً لكسر الشهوة لم يكن فعله مكروهًا؛ إذ إنَّه يُكرَه إن كان على وجه التَّدَيُّن والاستنان أو التشديد، فأمَّا لغير ذلك فلا؛ كما قرَّره فقهاء المالكية والشافعية.
قال العلامة ابن ناجي التنوخي المالكي في "شرحه على متن الرسالة" (1/ 275، ط. دار الكتب العلمية): [قال الباجي: وتعجيل الفطر هو ألَّا يُؤخَّر بعد غروب الشمس على وجه التشديد والمبالغة... وأما مَن أخَّرَه لأمرٍ عارضٍ أو اختيارًا مع اعتقاد أن صومه قد كَمُلَ بغروب الشمس فلا يكره له ذلك. رواه ابن نافع عن مالك في "المجموعة"] اهـ.
وقال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 399، ط. دار الفكر): [قال في "النوادر": قال أشهب: وواسع تعجيل الفطر، وتأخيره للحاجة تنوب، ويكره أن يؤَخِّره تَنَطُّعًا يتَّقِي أن لا يجزئه، وهو معنى الحديث في أن لا يُؤخِّر، ثم قال: وإنَّما يُكرَه تأخير الفطر استنانًا وتَدَيُّنًا، فأمَّا لغير ذلك فلا، كذلك قاله أصحاب مالك] اهـ.
وقال العلامة العدوي في "حاشيته على شرح الخرشي مختصر خليل" (2/ 240، ط. دار الفكر): [يكره تأخير الفطر إذا كان على وجه التشديد... وأمَّا من أخَّرَه لأمرٍ عرض، أو اختيارًا مع اعتقاد كمال صومه فلا يكره كذا قالوا، والظاهر أنَّ المراد نفي الكراهة فقط فلا ينافي في أنَّه خلاف الأَوْلى] اهـ.
وقال الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 106، ط. دار المعرفة): [وأحبُّ تعجيل الفطر وترك تأخيره وإنَّما أكره تأخيره إذا عمد ذلك كأنَّه يرى الفضل فيه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 360، ط. دار الفكر): [قال القاضي أبو الطيب في "المجرد": قال الشافعي في "الأم": إذا أخَّر الإفطار بعد تحقق غروب الشمس، فإن كان يرى الفضل في تأخيره كرهت ذلك لمخالفة الأحاديث، وإن لم يرَ الفضل في تأخيره فلا بأس؛ لأنَّ الصوم لا يصلح في الليل] اهـ.
وعلى فرض التسليم بالكراهة -ولو لم يكن على جهة التدين-، فإنَّ الكراهة تزول بأدنى حاجة؛ كما قرَّره فقهاء الحنفية والحنابلة.
قال الإمامُ ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (5/ 403، ط. دار الكتب العلمية) في معرض حديثه عن كراهة الخرقة التي تُحمل ويمسح بها العرق: [والحاصل أن من فعل شيئًا من ذلك تكبرًا فهو مكروه وبدعة، ومن فعل ذلك لحاجة لا يكره] اهـ.
وقال العلامةُ السفاريني في "غذاء الألباب" (2/ 22، ط. مؤسسة قرطبة): [(ويكره حقن المرء) أي الإنسان من ذكر وأنثى (إلا ضرورة) يعني حاجة؛ إذ الكراهة تزول بأدنى حاجة على قاعدة المذهب] اهـ.
غير أنَّ جواز تأخير الفطر وترك السحور مقيَّدٌ بألَّا يترتب عليه إلحاق ضررٍ ببدن المكلَّف؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «قَضَى أَنْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" وابن ماجه في "سننه".
وهو أصلٌ عام في الشريعة الغراء تحول مراعاته بين الإنسان وبين كل ما يمكن أن يسبب له الضرر؛ على مستوى الأفراد والجماعات.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ سنة تعجيل الفطر تحصل بالشيء اليسير ولو بقليل الماء، وهو ما نصَّ عليه فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية.
قال الإمام الشُّرُنْبُلَالِي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 257، ط. المكتبة العصرية): [(وتعجيل الفطر في غير يوم غيم)... ولو بالماء] اهـ.
وقال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 398): [قال الجزولي: إنَّه يفطر بالشيء اليسير ويصلي وحينئذٍ يأكل؛ لأنَّه يُستَحبُّ له تعجيل الفطر قبل الصلاة ولو بالماء] اهـ.
وقال العلامة جلال الدِّين المحلي في "كنز الراغبين" (2/ 78، ط. دار الفكر، ومعه "حاشيتا قليوبي وعميرة"): [(ويُسَنُّ تعجيل الفطر) إذا تحقَّقَ غروب الشمس] اهـ.
قال الشيخ قليوبي مُحَشِّيًا عليه: [قوله: (تعجيل الفطر) بغير الجماع ولو على الماء، وإن رجي غيره] اهـ.
ويدل على ذلك: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «ما رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قَطُّ صلَّى المغرب حتى يُفطِر، ولو على شربةٍ من ماء» أخرجه ابن حبان في "صحيحه".
قال الإمام المُنَاوي في "فيض القدير" (5/ 186، ط. المكتبة التجارية): [(كان لا يصلي المغرب) إذا كان صائمًا (حتى يفطر) على شيء (ولو على شربة ماء) بالإضافة، لكنَّه كان إن وجد الرطب قدَّمَه وإلَّا فالتمر وإلا فحلو، فإن لم يتيسَّر فالماء كافٍ في حصول السنة] اهـ.
كما أنَّ سنة السحور تحصل كذلك بالشيء اليسير ولو بشرب قليل الماء، كما نصَّ عليه فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة.
قال الإمام الحَطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 401): [يحصل السحور بقليل الأكل وكثيره ولو بالماء] اهـ.
وقال النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 360): [يحصل السحور بكثير المأكول وقليله ويحصل بالماء أيضًا] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (3/ 174، ط. مكتبة القاهرة): [كلُّ ما حصل من أكلٍ أو شُربٍ حصل به فضيلة السحور] اهـ.
ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
بناءً على ذلك: فيجوز للمُكلَّف تأخير الفطر، وكذلك الصوم من غير سحور؛ إعانةً له على كسر الشهوة، ما لم يترتب على ذلك إلحاق الضرر ببدنه، كما أنَّ سنة تعجيل الفطر والسحور تحصل ولو بتناول قليل من الماء.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم إتمام من شَرَع في صومِ التطوعِ وحكم قضائه إن أفسده؟ فأنا اعتدتُ على الإكثار من صيام التطوع كنحو يومي الإثنين والخميس من كلِّ أسبوع ما أمكن ذلك، ولكن أفسدت صومي في أحد هذه الأيام بعد الشروع فيه، فهل عليَّ إثم في ذلك؟ وهل يجب عليَّ قضاء هذا اليوم؟
هل مَن يقضي يومًا من رمضان أفطره متعمدًا بلا عذر يحصل على مثل الثواب لو كان صامه في رمضان؟
ما حكم صيد السلاحف البحرية وتهديدها بالانقراض؟ ففي إطار التعاون الوثيق بين دار الإفتاء المصرية وجهاز شئون البيئة، يطيب الإشارة إلى أنه في إطار قيام جهاز شئون البيئة برصد وتقييم المهددات التي تواجه وتؤثر على تواجد مجتمعات السلاحف البحرية في بيئاتها الطبيعية على السواحل المصرية بالبحر الأحمر المتوسط -أحد أهم مناطق تعشيش وتغذية السلاحف البحرية على مستوى الإقليم-، وذلك نظرًا للدور المهم الذي يقوم به هذا النوع في حفظ توازن وصحة النظام البيئي البحري، وفي ضوء دراسة تلك العوامل المهددة لها، تم تسجيل قيام فئة من الصيادين -سواء من خلال استهداف صيدها، أو خروجها بصورة عرضية في الشباك أو السنانير- بالاتجار بها في أسواق (حلقات) الأسماك بالمناطق الساحلية المتوسطية الرئيسية مثل: بورسعيد، دمياط، الإسكندرية؛ لاستغلاها في ظاهرة (شرب دم السلاحف) كأحد التقاليد الشعبية التي لا أساس لها من الصحة الطبية، أو الدينية؛ حيث تؤكد التقارير والشهادات أن هذا النوع من السلوكيات يتم تنفيذها على النحو التالي:
- تُنفذ هذه الظاهرة في صباح يومي الجمعة والأحد من كل أسبوع، وبناءً عليه: يتم تخزين السلاحف التي يتم صيدها قبل تلك الأيام بصور غير أخلاقية؛ حيث يتم قلبها على ظهرها مما يصيبها بالشلل التام، وكذلك التأثير على دورتها الدموية.
- تنفذ هذه العملية بصورة سرية؛ وذلك لإدراك الصيادين والتجار والمستهلكين بمخالفة القانون بالاتجار في السلاحف البحرية، بحكم قانون حماية البيئة رقم (4) لسنة 1994م، والمعدل بالقانون رقم (9) لسنة 2009م، ولائحته التنفيذية، لحمايتها من الانقراض، وحفاظًا على سلامة النظام البيئي البحري.
- يقوم التاجر أو الجزار بتعليق السلحفاة حيَّة، ويقوم بقطع جزء من الذيل حتى يتم تصفية الدم في أكواب، وبعد تصفية دمها يقوم بذبحها وتقطيع لحمها وبيعه. فهل هذا الذبح مطابق للشريعة الإسلامية ويجوز أكل لحمه في هذه الحالة؟
- يعتقد المستهلكون أن هذا الدم له قدرة على تحقيق كافة الرغبات والأمنيات، للرجال والنساء على حد سواء؛ مثل: الحمل، الجمال، القدرة الجنسية.. الخ.
- بسؤال مجموعة من المستهلكين لهذا الدم، أفادوا باعتقادهم أن هذا الدم هو من سمكة وهو حلال، علمًا بأن السلاحف البحرية ليست سمكة، وإنما هي من أنواع الزواحف، فهل شرب دمها حلال؟
وفي هذا الصدد، وفي ضوء ما سبق، وفي إطار حرص جهاز شئون البيئة على حماية البيئة والأنواع المهددة بخطر الانقراض، وكذلك حماية الإنسان من السلوكيات الخاطئة التي تخالف الشرع والعقل على حد سواء، فإننا نهيب بسيادتكم لاستصدار فتوى موثقة، بما يتراءى لكم من أدلةٍ شرعية بحكم الشرع في هذا السلوك إجمالًا؛ نظرًا لتهديده سلامة النظام البيئي، وحكم الذبح، وكذلك شرب الدم على الحالة المشار إليها بعاليه.
ونحن على ثقة من أن إظهار الحكم الشرعي لهذه الظاهرة سيكون له أثر إيجابيّ في القضاء عليها بصورة تفوق محاولات تشديد الرقابة وتطبيق القانون.
شاكرين لسيادتكم خالص تعاونكم معنا، ودعمكم الدائم لقضايا البيئة والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
هل استعمال بخاخة الربو للمريض عند الاحتياج إليها يُعدُّ من المُفطِّرات في الصوم؟
يقول السائل: نرجو منكم بيانًا شافيًا في التحذير من الاحتكار وبيان خطورته على الفرد والمجتمع.
ما حكم من أفطر في رمضان بسبب المرض؟ ثم شفاه الله، وتمكن من قضاء الصوم الذي عليه، إلا أنه لم يقم بالقضاء حتى تُوفِّي؟