ما حكم الفطر للصائم الذي نام وفاته الإفطار والسحور واشتد عليه الجوع والعطش؟ فهناك شخص يعمل في مجال صناعة الملابس، ويبدأ موسم العمل والإنتاج بقوة في شهر رمضان الكريم، بحيث يستغرق وقت العمل يوميًا ثماني عشرة ساعة تقريبًا، وغالبًا ما يؤذن المغرب والفجر على العمال أثناء العمل، وفي يوم نسي أحد العمال أن يتناول فطوره واقتصر على شرب المياه وبعض التمرات بعد أذان المغرب حتى أذن عليه الفجر وفاته تناول السحور، فلما دخل اليوم التالي لم يقوَ على الصيام بسبب شدة الجوع والعطش؟
العامل الذي يشتغل في نهار رمضان وهو صائم، إذا فاته تناول الإفطار والسحور لانشغاله بعمله وتحصيل رزقه حتى دخل عليه فجر اليوم التالي، فإنه يبدأ يومه صائمًا، ولا يفطر لمجرد الوهم أو الإحساس بالجوع، فإذا شق عليه الصيام بسبب شدة الجوع والعطش، وخشي على نفسه الهلاك والتعب الشديد أو المرض، فإنه يجوز له في هذه الحالة أن يفطر، ويجب عليه أن يقضي ذلك اليوم بعد رمضان، مع التوصية بأن يحرص على سُنَّة تناول الفطر والسحور ليتقوى على عبادة الصيام، وينال الأجر والثواب من المولى عزَّ وجلَّ على صيامه.
المحتويات
المقرَّر شرعًا أن تعجيل الصائم للفطور وتأخير السحور والمحافظة عليهما من الأمور المستحبة شرعًا؛ فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» أخرجه أحمد في "مسنده".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 199، ط. دار المعرفة): [وفيه بيان العلة في ذلك، قال المهلب: والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل، ولأنه أرفق بالصائم، وأقوى له على العبادة] اهـ.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» متفقٌ عليه.
قال الإمام النووي الشافعي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (7/ 206، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه الحث على السحور، وأجمع العلماء على استحبابه وأنه ليس بواجب، وأما البركة التي فيه فظاهرة؛ لأنه يقوي على الصيام وينشط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام؛ لخفة المشقة فيه على المتسحر، فهذا هو الصواب المعتمد في معناه] اهـ.
أما بالنسبة للصائم الذي فاته تناول الإفطار والسحور ولم ينتبه لذلك، لانشغاله بعمله وتحصيل رزقه حتى أذن فجر اليوم التالي، فيجب عليه الصوم إن قدر عليه، ولا يقدم على الفطر إلا بحصول المشقة لا لمجرد الوهم أو الإحساس بالجوع، فيبدأ يومه صائمًا، فإذا قدر أنه لم يستطع إكماله، وخاف على نفسه الهلاك أو المرض جاز له الفطر حينئذ؛ لدفع الضرر عن نفسه، ويجب عليه أن يقضي ذلك اليوم بعد ذلك، وهذا ما جاءت به نصوص الفقهاء.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 97، ط. دار الكتب العلمية): [وأما الجوع والعطش الشديد الذي يخاف منه الهلاك: فمبيح مطلق بمنزلة المرض الذي يخاف منه الهلاك بسبب الصوم] اهـ.
وقال الإمام ابن جزي المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 82، ط. دار ابن حزم): [وأما من أرهقه الجوع والعطش فيفطر ويقضي. فإن خاف على نفسه حرم عليه الصيام] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 369، ط. المكتب الإسلامي): [في مبيحات الفطر في رمضان وأحكامه، فالمرض والسفر مبيحان بالنص والإجماع، وكذلك من غلبه الجوع أو العطش فخاف الهلاك، فله الفطر وإن كان مقيمًا صحيح البدن] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" (1/ 435، ط. دار الكتب العلمية): [والصحيح إذا خاف على نفسه لشدةِ عطش أو جوع...، فله الفطر ويقضي؛ لأنه خائف على نفسه، أشبه المريض] اهـ.
بناء على ذلك: فإن العامل الذي يشتغل في نهار رمضان وهو صائم، إذا فاته تناول الإفطار والسحور لانشغاله بعمله وتحصيل رزقه حتى دخل عليه فجر اليوم التالي، فإنه يبدأ يومه صائمًا، ولا يفطر لمجرد الوهم أو الإحساس بالجوع، فإذا شق عليه الصيام بسبب شدة الجوع والعطش، وخشي على نفسه الهلاك والتعب الشديد أو المرض، فإنه يجوز له في هذه الحالة أن يفطر، ويجب عليه أن يقضي ذلك اليوم بعد رمضان، مع التوصية بأن يحرص على سُنَّة تناول الفطر والسحور ليتقوى على عبادة الصيام، وينال الأجر والثواب من المولى عزَّ وجلَّ على صيامه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما هو وقت إخراج فدية صيام رمضان لغير المستطيع للصيام بعذرٍ دائمٍ؟ وهل يجوز إخراجها قبل حلول الشهر الكريم؟
ما كيفية ابتداء وإتمام صيام كفارة شهرين متتابعين إذا بدأ الصوم أثناء الشهر؟ فقد وجب عليَّ صيام شهرين متتابعين كفارةً، فهل يجوز لي أن أبدأ صيام الكفارة في أثناء الشهر الهجري، وكيف يُحْسَبُ الشهران إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر؟
ما هي مفطرات رمضان؟
ما حكم صيام أيام التشريق للمتمتع؟ حيث إن هناك بعض الحجاج يحُجُّون متمتعين ولا يقدرون على شراء هدي التمتع، ويريدون أن يصوموا عِوَضًا عن الهدي ثلاثة أيام في الحج، فهل يجوز صيام هذه الأيام الثلاثة في أيام التشريق؛ الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة؟
ما هو توقيت الفطر والفجر للصائم؟ حيث طلبت وزارة العدل المصرية الاستفسار عن الرأي الفقهي والفلكي بالنسبة لموعدي الإفطار والإمساك والفجر للصائم، وبيان صحة المواعيد المعمول بها حاليًّا.
ما حكم صيام مرضى السكر؛ حيث تم إعداد برنامج جديد بالنسبة لتقييم حالة مرضى السكر، يحتوي على كل العوامل المسببة للخطورة، وإعطائها نقاطًا مختلفة حسب أهميتها، بشكل متناسب مع وضع كل مريض، ويقوم الأطباء بمراجعة حالة المريض بالتفصيل، وتضاف النقاط حسب المعلومات (عوامل الخطورة تتحدد بناءً على مدة المرض، ونوعه، ونوع العلاج، والمضاعفات الحادة من الحمض الكيتوني وارتفاع السكر الشديد مع الجفاف، والمضاعفات المزمنة، وهبوط السكر، وخبرة الصوم السابقة، والصحة الذهنية والبدنية، وفحص السكر الذاتي، ومعدل السكر التراكمي، وساعات الصيام، والعمل اليومي والجهد البدني، ووجود الحمل).
ويتم بعدها جمع النقاط لكل مريض لتحديد مستوى الخطورة في حال قرر صيام رمضان كما يلي: من 0: 3= خطورة خفيفة، ومن 3.5: 6= خطورة متوسطة، وأكبر من 6= خطورة مرتفعة.
نصائح وإرشادات:
أولًا: يجب تقديم النصائح الطبية لكل المرضى مهما كان مستوى الخطورة عندهم، وتعديل العلاج الدوائي بما يناسب كلِّ حالةٍ.
ثانيًا: يجب تقديم النصائح والمتابعة الدقيقة لكل المرضى، حتى في حال الإصرار على الصيام ضد نصيحة الطبيب.
ثالثًا: يُنصح المرضى الذين يقدر وضعهم على أنه مرتفع الخطورة بعدم الصيام مع توضيح احتمالات الضرر عليهم.
رابعًا: في حال المرضى متوسطي مستوى الخطورة، يتم التشاور بين الطبيب والمريض ومراجعة الوضع الصحي وخبرات المريض السابقة وأدويته، ويجب توضيح احتمال الخطورة المرافق، بشكل عام يسمح للمريض بالصيام مع الانتباه لضرورة المراقبة المستمرة لمستوى السكر في الدم حسب تعليمات الطبيب، وفي حال خوف المريض الشديد، دون وجود سبب طبي مقنع يتم اللجوء إلى الاستشارة الدينية.
خامسًا: في حال مستوى الخطورة المنخفض، يشجع المرضى على الصيام، مع ضرورة المراقبة الطبية الموصوفة.
سادسًا: يجب على كل المرضى الذين قرروا الصيام بنصيحة طبية أو حتى ضد النصيحة الطبية معرفة ضرورة التوقف عن الصيام في الحالات التالية:
حدوث ارتفاع السكر إلى أكثر من ٣٠٠ مع/ دل.
انخفاض السكر أقل من ٧٠ مع/ دل.
وجود أعراض الانخفاض أو الارتفاع الشديدة.
وجود أمراض حادة تسبب حدوث الحرارة أو الإسهال أو التعب أو الإرهاق العام.
الخلاصة: يجب على الأطباء مراجعة كل عوامل الخطورة المذكورة عند مرضاهم للوصول إلى تحديد مستوى الخطورة الصحيح، وستساعد هذه الوسيلة في تقييم خطورة الصيام عند المرضى في الوصول إلى تقييمات حقيقية للمرضى، حتى وإن اختلف الأطباء واختصاصاتهم، وستساعد الأطباء الأقل خبرة في الوصول إلى تقييم أقرب إلى الدقة؛ فنرجو من فضيلتكم بيان الرأي الشرعي في هذا الأمر.