ما الحكم الشرعي للعقود الفورية مؤجلة التنفيذ لظرف طارئ بعد إبرامها وقبل تنفيذها؟ فنحنُ مكتب بيع قطع غيار سيارات، وتعاقدنا مع أحد الأشخاص على بيع صفقة بمواصفات محدَّدة بعد وصولها من الخارج، وتَمَّ الاتفاق على أن يدفع العميل كامل مبلغ الصفقة، على أن يتم التسليم الفعلي بعد شهرين، لكن فوجئنا بظروف استثنائية حالت دون وصول البضاعة في الوقت المحدد للتسليم، وقابل ذلك ارتفاع سعر الدولار مما أدى إلى زيادة أسعار مشمولات هذه الصفقة، بشكل يجعل تنفيذ هذا التعاقد غير مُجْدٍ اقتصاديًّا لنا، ونقع جراء ذلك في إرهاق مالي. فهل يجوز تعديل سعر هذا التعاقد نظرًا لهذا العارض الطارئ أو لا؟
المعاملة المسؤول عنها تندرج تحت عقد السَّلَم، وما دام أنَّه قد حصل ظرفٌ استثنائيٌّ خارج عن إرادة المتعاقدَين أَدَّى لارتفاع مشمولات الصفقة قبل تسليمها ارتفاعًا يجعل تنفيذها غير مُجْدٍ اقتصاديًّا بحيث يُسبِّب إرهاقًا مادِّيًّا للبائع -فيجوز حينئذٍ رجوع البائع المتضرر على المشتري في هذه الحالة لتعديل سعر الصفقة، وذلك على سبيل الصلح والتراضي، وإلَّا فللبائع اللجوء للقضاء المختص، على أنَّ تقدير الضرر مَرَدُّه إلى أهل الخبرة والرأي المحايدين، ويمكن أن يكون آلية ذلك القضاء المختص الذي يحدد مقابل الضرر الفعلي، أو المُحَكَّم الذي يرتضيه الطرفان.
المحتويات
شرعت الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات المالية وغيرها والتي تؤدي بدورها إلى تحقيق منافع الخلق وتلبية احتياجاتهم من خلال تلك المعاملات، وذلك في إطار من الأوامر والنواهي الشرعية التي تعمل على تحقيق العدالة في تحصيل كلِّ طرفٍ لمنفعته بتعامله مع الطرف الآخر، ومنع ما يؤدي إلى الشقاق والخلاف والنزاع بين الطرفين.
والمعاملة المسؤول عنها تكيف من حيث طبيعة العلاقات التعاقدية بين أطرافها على أنَّها عقدُ سَلَمٍ، فهي عبارة عن شراء سلع محددة المواصفات تسلم لاحقًا في مدة شهرين بثمنٍ مدفوعٍ مُقَدَّمًا؛ وذلك لأنَّ السَّلَم شرعًا عبارة عن بيع شيءٍ موصوف في الذمة ببدلٍ يُعطى عاجلًا، وهذه خاصته المتفق عليها، وقد سُمي سَلَمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسَلَفًا لتقديم رأس المال، كما في "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (5/ 209، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح الخرشي على مختصر خليل" (5/ 210، ط. دار الفكر)، و"المهذب" للإمام الشيرازي (2/ 76، ط. دار الكتب العلمية)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (4/ 219، ط. مكتبة القاهرة).
أما بالنسبة لما حدث من تأخر تسليم البضاعة المتفق عليها عن موعدها المحدد للسبب المذكور في السؤال والمتمثل في الحدث الطارئ الاستثنائي، يُدخل هذه الحالة نظرية "الظروف الطارئة" كما يعبِّر عنها أهل القانون.
ومن المعلوم أن "الظروف الطارئة" نظرية قانونية أصلها مستمدٌّ من نَصِّ القانون رقم 131 لسنة 1948م، وقد جاء في المادة رقم (147- فقرة ب) ما نصه: [إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعُها، وترتب على حدوثها أنَّ تنفيذ الالتزام التعاقدي -وإن لم يصبح مستحيلًا- صار مرهقًا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلًا كل اتفاق على خلاف ذلك] اهـ، فالمفهوم مِن ذلك أنَّ الظرف الطارئ هو: ما يَحْدُث من أمرٍ استثنائي خارج توقعات أطراف العقد، بحيث تختلف قيمة الالتزام الذي التزمه أحدهما تجاه الآخر اختلافًا جسيمًا مِن شأنه أن يجعل هذا الالتزام مُرْهِقًا للمُلتزِم إرهاقًا شديدًا، وبسبب ذلك التَّغيُّر حال تنفيذ العقد يَحصُل له خسارة فادحة.
والحكم الشرعي في هذه الحالة مبني على أمرين:
أولهما: انعقاد البيع عند حدوث هذا الظرف الطارئ الذي تسبب في ارتفاع سعر البضاعة، وهو منعقد بالإجماع كما نقله العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 448، ط. دار الكتب العلمية) بقوله: [(لو نقصت قيمتها قبل القبض فالبيع على حاله) إجماعًا ولا يتخير البائع (و) عكسه (لو غلت قيمتها وازدادت فكذلك البيع على حاله، ولا يتخير المشتري...) "فتح"] اهـ.
والثاني: في كيفية إتمام هذا العقد، بمعنى أنه هل يجب الالتزام بما وقع عليه الاتفاق بين طرفي العقد، ولا ينظر إلى ما عَرَض بعده مِن الغلاء أو الرخص، أو يجب تعديل العقد وَفْق ما آل إليه الأمر مِن تغيُّر الثمن؟
فبالأول أَخَذ جمهور الفقهاء من الحنفية في غير المفتى به -وهو قول الإمام أبي حنيفة- والمالكية في المشهور والشافعية والحنابلة، أي: يجب عليهما الالتزام بما وقع عليه الاتفاق، كما أفاده العلامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (6/ 304، ط. دار الكتب العلمية)، والإمام أبو البركات الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (3/ 45، ط. دار الفكر)، والإمام المحلي الشافعي في "شرحه على المنهاج" (2/ 203، ط. دار الفكر)، والإمام السيوطي الشافعي في رسالته "قطع المجادلة عند تغيير المعاملة" (1/ 166، ط. دار الفكر، مطبوع ضمن "الحاوي في الفتاوي")، والإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (4/ 244).
وبالقول الثاني أخذ الإمام أبو يوسف وهو المفتى به في مذهب الحنفية، أي: يَجب قيمة المبلغ في تاريخ التعاقد.
قال العلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (6/ 219، ط. دار الكتب العلمية): [وفي "البزازية" معزيًّا إلى "المنتقى": غلت الفلوس القرض أو رخصت، فعند الإمام الأول والثاني: أولا ليس عليه غيرها، وقال الثاني: ثانيًا عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض، وعليه الفتوى، وهكذا في "الذخيرة" و"الخلاصة" بالعزو إلى "المنتقى"] اهـ.
وقد عقَّب عليه العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (4/ 533-534، ط. دار الفكر) بقوله مختصرًا لِمَا قرره الإمام التمرتاشي الحنفي في رسالته: "بذل المجهود في مسألة تغير النقود": [فحيث صرح بأن الفتوى عليه في كثير من المعتبرات، فيجب أن يعول عليه إفتاء وقضاء، ولم أر من جعل الفتوى على قول الإمام، هذا خلاصة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في رسالته: "بذل المجهود في مسألة تغير النقود"] اهـ.
لكن مع ذلك فقد استظهر العلامة الرهوني المالكي قيدًا لمشهور مذهب المالكية، مُفَرقًا في ذلك بين ما إذا كان التَّغَيُّر يسيرًا أو فاحشًا، فإن كان الأَوَّل، فيُلْتَزَم بما وَقَع عليه التعاقد، وإن كان فاحشًا فالمصير للقيمة، وذلك رَفْعًا للضرر، حيث قال في "حاشيته على شرح الزرقاني على المختصر" (5/ 121، ط. الأميرية) عند الحديث عن تَغيُّر النقود بالرخص أو الغلاء: [قلتُ: وينبغي أن يقيَّد ذلك بما إذا لم يكثر ذلك جدًّا حتى يصير القابض لها كالقابض لما لا كبير منفعة فيه] اهـ.
كما ألزم الإمام ابن عابدين وقوع الصلح والتراضي بين طرفي العقد على الأوسط مِن القيمة، قائلًا في رسالته "تنبيه الرقود على مسائل النقود" (2/ 88، ط. دار الكتب العلمية) عند تفصيله الكلام على مسائل الكساد والانقطاع للنقد: [أَمَّا إذا صار ما كان قيمته مائة من نوعٍ يساوي تسعين، ومن نوع آخر خمسة وتسعين، ومن آخر ثمانية وتسعين، فإن ألزمنا البائع بأخذ ما يساوي التسعين بالمائة فقد اختص الضرر به، وإن ألزمنا المشتري بدفعه بتسعين اختص الضرر به، فينبغي وقوع الصلح على الأوسط] اهـ.
وما قرره العلامة الرهوني والعلامة ابن عابدين يعتبر الوَسَط بين القولين الأَوَّلين، لما فيه من رفع الضرر الحاصل على أحد المتعاقدين، إعمالًا لمبدأ التوازن بين مصالح أطراف العقد، والذي هو أحد خصائص عقد البيع، ومع اجتماع رأيهما في القول بدفع قيمة المبلغ في تاريخ التعاقد، إلا أننا نلاحظ العلامة الرهوني قد ضبط ذلك بأن يكثر فيه التغير ويفحش حتى يترتب عليه الضرر الفادح لا فيما يكون يسيرًا.
جريًا على هذه المقاصد أعطى القانون المصري سلطة للقاضي للتدخل في شؤون العقد وتعديل بعض أحكامه بعد اللجوء إليه؛ ليعاد للعقد توازنه حال حدوث "حوادث استثنائية تطرأ على تنفيذ الالتزام التعاقدي"، فنصت المادة (147 مدني) على أنَّ: [1- العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون.
2- إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعُها، وترتب على حدوثها أنَّ تنفيذ الالتزام التعاقدي -وإن لم يصبح مستحيلًا- صار مرهقًا للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعًا للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلًا كل اتفاق على خلاف ذلك] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فالمعاملة المسؤول عنها تندرج تحت عقد السَّلَم، وما دام أنَّه قد حصل ظرفٌ استثنائيٌّ خارج عن إرادة المتعاقدَين أَدَّى لارتفاع مشمولات الصفقة قبل تسليمها ارتفاعًا يجعل تنفيذها غير مُجْدٍ اقتصاديًّا بحيث يُسبِّب إرهاقًا مادِّيًّا للبائع -فيجوز حينئذٍ رجوع البائع المتضرر على المشتري في هذه الحالة لتعديل سعر الصفقة، وذلك على سبيل الصلح والتراضي، وإلَّا فللبائع اللجوء للقضاء المختص، على أنَّ تقدير الضرر مَرَدُّه إلى أهل الخبرة والرأي المحايدين، ويمكن أن يكون آلية ذلك القضاء المختص الذي يحدد مقابل الضرر الفعلي، أو المُحَكَّم الذي يرتضيه الطرفان.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم العمل في شركة تعطي مرتبًا شهريًّا، ثم يُكتَب في العقد مبلغًا أقل لتكون الضرائب عليه أقلّ، فهل يكون المرتب حلالًا؟ وهل يتحمل العامل معهم الإثم فيما يفعلونه؟
ما مدى استحقاق العامل الربح إذا لم يحصل في المضاربة ربح؟ فهناك رجلٌ أعطى لصاحِبٍ له مالًا ليَتَّجِر فيه بالبيع والشراء، على أن يكون الربحُ الحاصلُ مِن ذلك مناصفةً بينهما، والسؤال: هل يستحق الصاحِبُ المذكورُ رِبْحًا إذا لَمْ يَتمَّ بَيْعُ تلك البضاعة؟
ما حكم بيع الأدوية المرسومة بسعر قديم بسعرها الجديد؟ فهناك رجلٌ يملِك صيدلية، وفي ظلِّ ارتفاع الأسعار تُوَرَّدُ إليه الأدوية مُسَعَّرَةً بأسعارها الجديدة، ويوجد في الصيدلية أدويةٌ أخرى بأسعارها القديمة، فهل يجوز له بيع الأدوية المُسَعَّرَة بالسِّعر القديم بسِعر التوريد الجديد مِن باب توحيد سِعر الدواء؟ علمًا بأنه يسدد ثمن الدواء القديم لشركات الأدوية بالسِّعر القديم المنقوش عليه ولو كان السداد بعد تحرُّك الأسعار.
ما حكم إقامة مشاريع لحل مشاكل الإسكان؟ فيسأل مدير شركة تخصصت في دراسة وتصميم وتنفيذ المشروعات، وكذلك في تسويق الاختراعات محليًّا وعالميًّا، وإعطاء الأولوية للدول الإسلامية، وتقترح الشركة مشروعًا يساهم في حل مشاكل الإسكان وهو كالتالي:
1- سيقوم مدير الشركة وأعضاؤها بدعوة المواطنين إلى التكافل لحل مشكلة الإسكان، وهو أن يتبرع كل من يريد -وبشرط أن يكون راضيًا- بسداد مبلغ عشرة جنيهات مثلًا للمساهمة في مشروع التكافل الإسكاني، ويعطي له إيصالًا بالمبلغ ورقمًا مسلسلًا، ويتم سحب بطريق الكمبيوتر، وبحضور مندوب من الدولة لتخصيص 80٪ من التبرعات الشهرية لشراء شقق ذات مستوًى متوسط لمن يفوز من المشتركين في المناطق التي يحددونها.
2- يخصص 10٪ من حصيلة التبرعات لإصلاح مرافق الحي أو القرية من طرق ومجاري وكهرباء وغير ذلك.
3- يخصص 2.5٪ لمساعدة الأسر المحتاجة بشدة، وبعد التأكد من حاجتها، وسوف يتم اشتراك الأشخاص الذين لم يفوزوا في أي شهر في سحب الأشهر التالية، ولن يتم تسليم أي شقة إلا بعد التأكد من أن الشخص الفائز لا يمتلك شقة أخرى، ثم يقول صاحب الرسالة إنه على علم بأن اليانصيب حرام، ولكن هذه صورة أخرى، وهي أن يتبرع كل مواطن ليتكافل مع أخيه بنفس راضية لحل مشكلة الإسكان وإصلاح المرافق ومساعدة المحتاجين. ويسأل عن حكم الشرع في هذا المشروع المعروض.
سائل يقول: اشتريت من أخي قطعة أرض تابعة لجمعية العاملين بهيئة معينة، ودفعت له الثمن، وأخي كان قد اشترى الأرض من شقيق زوجته، وتمَّ تحرير العقد مع المالك الأول الذي يعمل بالهيئة، وعند مطالبة الأرض تم رفض الاعتراف بهذا العقد، لأن لائحة الجمعية تنصُّ على أنَّ الأرض للعاملين بها، ولا يجوز بيعها للآخرين، وقد حاولت استرداد ما دفعته دون جدوى.
وسؤالي: ممَّن أطلب مالي الذي دفعته؟ وما رأي الشرع فيمَن يمتنع عن ردّ مالي ممَّن يثبت في حقه أنه مطالبٌ بالسداد؟
ما حكم الاشتراك في صندوق الزمالة وأخذ المنحة التي تُصرَف منه؟