حكم الخروج من صلاة الفريضة بسبب مدافعة الأخبثين

تاريخ الفتوى: 04 يناير 2024 م
رقم الفتوى: 8230
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم الخروج من صلاة الفريضة بسبب مدافعة الأخبثين

ما حكم الخروج من صلاة الفريضة بسبب مدافعة الأخبثين؟ فقد كنت على سفر، وفي الطريق توقفت السيارة في مكان للاستراحة، ونزل الركاب لأداء الصلاة، وكنت أشعر بأني أريد الذهاب لقضاء حاجتي، لكن أجَّلت ذلك بسبب الزحام على دخول الحمامات، ودخلت المسجد لأدرك صلاة الفريضة في جماعة، وأثناء الصلاة لم يكن في مقدرتي التحمُّل في دفع حاجتي، وذهب خشوعي في الصلاة بالكلية، فخرجت مضطرًّا من الصلاة، وذهبت للحمام؟

الصلاة مع احتباس الريح أو الغائط -مدافعة الأخبثين- مكروهة إذا كانت تُخِلُّ بخشوعه وحضور قلبه في الصلاة، لكن إذا شرع في الصلاة ليلحق بالجماعة، وتمالك نفسه، وكانت مدافعته للأخبثين خفيفة فصلاته صحيحة، أما في حالة إذا لم يقدر على أن يدافع الأخبثين فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة لتلك الضرورة، ثم يقضي الصلاة بعد ذلك، ولا حرج عليه شرعًا في كونه قَطَعَ صلاة الجماعة أو خرجتِ الصلاة عن وقتها، فهو معذورٌ لتلك الضرورة.

المحتويات

 

مذهب الحنفية في حكم الصلاة مع مدافعة الأخبثين

من المقرر شرعًا أن أداء صلاة الفريضة مستوفيةً أركانَها وشروطَها يجعلها صحيحة شرعا؛ فقد قال عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون ۝ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: 1- 2].

قال الإمام النَّسَفِي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (2/ 458، ط. دار الكلم الطيب): [﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾؛ خائفون بالقلب ساكنون بالجوارح، وقيل: الخشوع في الصلاة: جمع الهمة لها، والإعراض عما سواها، وألَّا يجاوز بصره مصلاه، وألَّا يلتفت ولا يعبث ولا يُسدِل ولا يُفرقِع أصابعه ولا يُقلِّب الحصى ونحو ذلك، وعن أبي الدرداء: هو إخلاص المقال، وإعظام المقام، واليقين التام، وجمع الاهتمام] اهـ.

والخشوع في الصلاة لا يتأتَّى إلَّا إذا كان ذهن المصلي خاليًا من الشواغل؛ لذا فقد ذهب فقهاء الحنفية إلى أن صلاة الشخص الحاقن -الذي يدافع الأَخْبَثَيْن (البول والغائط) أو أحدَهما- مكروهٌ كراهة تحريم؛ سواء كان قبل شروعه أو بعده، وقرروا أنه إن شَغلته تلك المدافعة عن الصلاة قَطَعَها خروجًا من الخلاف إن لم يخف فوات الوقت، وإن أتمها على هذه الحالة أَثِمَ.

قال العلامة الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 89، ط. دار الكتب العلمية) في أسباب قطع الصلاة: [ويستحب لمدافعة الأَخْبَثَيْن، وللخروج من الخلاف إن لم يَخَفْ فوت وقتٍ أو جماعة] اهـ.

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار" (1/ 654، ط. دار الفكر) مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: ويستحب لمدافعة الأَخْبَثَيْن).. من أنه إن كان ذلك يشغله -أي يشغل قلبه عن الصلاة وخشوعها- فأتمها يأثم لأدائها مع الكراهة التحريمية، ومقتضى هذا أن القطع واجبٌ لا مستحبٌّ، ويدل عليه الحديث المار: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» اللهم إلا أن يُحمَل ما هنا على ما إذا لم يشغله، لكن الظاهر أن ذلك لا يكون مسوغًا؛ فليُتأمل، ثم رأيت الشُّرُنْبُلَالي بعدما صرح بندب القطع كما هنا قال: وقضية الحديث توجبه] اهـ.

مذهب المالكية في حكم الصلاة مع مدافعة الأخبثين

ذهب فقهاء المالكية إلى بطلان صلاة الحاقن والحاقب إذا كان في الإتيان بها معه مشقة أو مشغلة، أما إذا كان شيئًا خفيفًا لا يُعجِلُ فلا يؤثر في صحة الصلاة.

جاء في "المدونة" للإمام مالك (1/ 139، ط. دار الكتب العلمية): [في الصلاة بالحقن، قال: وسألت مالكًا عن الرجل يصيبه الحقن.

قال: إذا أصابه من ذلك شيء خفيف رأيت أن يصلي، وإن أصابه من ذلك ما يشغله عن صلاته فلا يصلي حتى يقضي حاجته ثم يتوضأ ويصلي.. وقد بلغني ذلك عن مالك ثم قال: قال عمر بن الخطاب: "لا يصلي أحدكم وهو ضامٌّ بين ورِكَيْه"، قال يحيى بن أيوب، عن يعقوب بن مجاهد، أن القاسم بن محمد وعبد الله بن محمد حدثاه، أن عائشة حدثتهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ: الْغَائِطُ وَالْبَوْلُ»] اهـ.

وقال الإمام أبو زيد القَيْرَوَاني المالكي في "النوادر" (1/ 241، ط. دار الغرب الإسلامي): [ولا بأس أَنْ يصلي بالحقن والغائط يحبسه، إذا كان شيئًا خفيفًا، لا يُعجِلُه، وإذا عَجِلَه فليجعل يده على أنفه كالراعف، ويخرج فيتوضأ ويبتدئ. قال ابن حبيب: ومعنى ما نهي عنه من الصَّلَاة بحضرة الطعام أَنْ يكون جائعًا قد جهد واشتهاه، فيشغله ذلك في الصَّلَاة، وكذلك وهو يدافعه الأخبثان: الغائط والبول] اهـ.

مذهب الشافعية والحنابلة في حكم الصلاة مع مدافعة الأخبثين

ذهب الشافعية -في مشهور المذهب- والحنابلة إلى صحة صلاة الحاقن مع الكراهة، وهذه الكراهة مختصة بما إذا بدأ الصلاة وهو على هذه الحالة، أما إذا طرأت له مدافعة الأخبثين وهو في الصلاة فليس له الخروج من الصلاة إذا كانت مفروضة إلَّا إن ظَنَّ حصول ضررٍ بكتمه، ومع ذلك فقد قرر الشافعية أنه يُستحب أن يفرغ نفسه من ذلك إذا اتسع الوقت وإن فاتته الجماعة، بل حُكِي قولٌ في المذهب بأنه يستحب ذلك وإن فات الوقت.

قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 105-106، ط. دار الفكر): [يُكره أن يصلي وهو يدافع البول أو الغائط أو الريح، أو يحضره طعام أو شراب تتوق نفسه إليه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» رواه مسلم، قال أصحابنا: فينبغي أن يزيل هذا العارض ثم يشرع في الصلاة، فلو خاف فوت الوقت فوجهان: الصحيح الذي قطع به جماهير الأصحاب: أنه يصلي مع العارض محافظة على حرمة الوقت، والثاني حكاه المتولي: أنه يزيل العارض فيتوضأ ويأكل وإن خرج الوقت ثم يقضيها؛ لظاهر هذا الحديث، ولأن المراد من الصلاة الخشوع، فينبغي أن يحافظ عليه، وحكى أصحابنا الخراسانيون وصاحب "البيان" عن الشيخ أبي زيد المروزي: أنه إذا انتهى به مدافعة الأخبثين إلى أن ذهب خشوعه لم تصح صلاته، وبه جزم القاضي حسين، وهذا شاذ ضعيف، والمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء: صحة صلاته مع الكراهة، وحكى القاضي عِيَاض عن أهل الظاهر بطلانها] اهـ.

وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (1/ 422، دار الكتب العلمية): [(و) تكره (الصلاة حاقنًا) -بالنون- أي: مدافعا للبول (أو حاقبًا) -بالموحدة- أي: مدافعا للغائط أو حازقًا -بالقاف- وهو مدافع الريح، أو حاقنًا بهما، فيُستحب أن يفرغ نفسه من ذلك إذا اتسع الوقت وإن فاتته الجماعة.. وقيل يستحب وإن فات الوقت] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (1/ 450-451، ط. مكتبة القاهرة): [مسألة: قال: (وإذا حضرت الصلاة، وهو يحتاج إلى الخلاء، بدأ بالخلاء) يعني إذا كان حاقنًا كُرهت له الصلاة حتى يقضي حاجته، سواء خاف فوات الجماعة أو لم يَخَفْ.. والمعنى في ذلك أن يقوم إلى الصلاة وبه ما يشغله عن خشوعها وحضور قلبه فيها، فإن خالف وفعل صحت صلاته في هذه المسألة وفي التي قبلها، وقال ابن أبي موسى: إن كان به من مدافعة الأخبثين ما يزعجه ويشغله عن الصلاة أعاد في الظاهر من قوله؛ لظاهر الحديثين اللذين رويناهما] اهـ.

فهذه النصوص وغيرها تفيد أن الشريعة الإسلامية مبناها على التيسير، والشرع الشريف قد نهى أن يُحمِّل الإنسانُ نفسَه فوق طاقتها، وقد نص على ذلك المعنى الإمام العز ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" (2/ 26، ط. مكتبة الكليات الأزهرية) فقال: [أن يُنهَى عن الشيء لفوات فضيلة في العبادة، فلا يقتضي الفساد، كالنهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين، فإنه يُنهَى عن ذلك؛ لما فيه من تشويش الخشوع، ولو ترك الخشوع عمدًا لصحت الصلاة] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الصلاة مع احتباس الريح أو الغائط -مدافعة الأخبثين- مكروهة إذا كانت تُخِلُّ بخشوعه وحضور قلبه في الصلاة، لكن إذا شرع في الصلاة ليلحق بالجماعة، وتمالك نفسه، وكانت مدافعته للأخبثين خفيفة فصلاته صحيحة، أما في حالة إذا لم يقدر على أن يدافع الأخبثين فإنه يجب عليه أن يقطع الصلاة لتلك الضرورة، ثم يقضي الصلاة بعد ذلك، ولا حرج عليه شرعًا في كونه قَطَعَ صلاة الجماعة أو خرجتِ الصلاة عن وقتها، فهو معذورٌ لتلك الضرورة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم تقدم الصفوف على الإمام وانخفاضها عند توسعة مسجد؟ فمساحة مسجدٍ أربعةٌ وستون مترًا مربعًا، ولكنه بلا دورة مياه ولا غرف لمقيمي الشعائر، وقد تبرع أحد المصلين بمساحة جانبية جهة يمين هذا المسجد ولكنها منخفضة عنه في ارتفاع الأرض وضعفه في المساحة وتتسع جهة القبلة بحيث إن الصفوف الأولى بها ستكون متقدمة عن الإمام في محرابه بالمسجد لو تمَّ ضمُّ التوسعة إلى المسجد، فما حكم الشرع في ذلك؟


ما كيفية سجدة التلاوة؟ وهل عند وجود سجدة في القرآن الكريم يجب ترك القرآن والوقوف كما كأننا سوف نصلي ونسجد، أم نسجد في مكاننا؟ وهل يجب أن نكون في اتجاه القبلة أم لا؟ وأشكركم جزيل الشكر على الموقع الرائع الذي سوف يخدم المسلمين في جميع أنحاء العالم. وجزاكم الله كل الخير.


سائل يقول: توضأتُ ولبستُ جوربين، ثم بعد مدة قصيرة لبستُ جوربين آخَرَين فوقهما قبل أن يَنتقض وضوئي، فهل يجوز لي المسح عليهما أو عليَّ نزعُهما والمسح على الأوَّلَين؟


ما حكم صلاة العيد في المنزل للمنفرد بدون خطبة؟ فكثيرًا ما تفوتني صلاة العيد في المصلى، فهل يجوز لي أن أصلي العيد بدون خطبة في البيت؟


ما حكم الشرع في جمع النقود في المسجد ما بين الخطبة الأولى والخطبة الثانية؟


ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 14 أبريل 2025 م
الفجر
3 :59
الشروق
5 :29
الظهر
11 : 55
العصر
3:30
المغرب
6 : 22
العشاء
7 :42