حكم إخراج الزكاة بالتقسيط على مدار العام

تاريخ الفتوى: 27 ديسمبر 2021 م
رقم الفتوى: 5922
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الزكاة
حكم إخراج الزكاة بالتقسيط على مدار العام

هل يجوز لمن وجبت الزكاةُ في ماله أن يخرِجَها مقسطةً في صورة دفعات شهرية على مدار العام إلى مَنْ يعرف أنهم يستحقونها لسدِّ حاجتهم شهرًا بشهر؟

يجوز شرعًا إخراج الزكاة مقسطةً على مدار العام بعد مرور الحول الذي وجبت بمروره الزكاة إلى من يعرفهم من مستحقيها الذين يحتاجون إليها في سد احتياجاتهم شهرًا بشهر، مع مراعاة عدم بلوغ الحول التالي إلا وقد أخرجها كلَّها، ولا يعد هذا من تأخير إخراج الزكاة عن موعدها كما نص عليه جماعة من الفقهاء.

المحتويات

 

بيان وجوب إخراج الزكاة على الفور

شرع الله تعالى الزكاة فجعل لها مقاصد وأسبابًا وشروطًا، ومِن مقاصد الزكاة: التعاون والتكافل في المجتمع بسدِّ حاجة المستحقين لها ومواساتهم، وإغناؤهم عن السؤال، ومِن أسبابها: ملك النصاب، وقابليته للنماء، وكونه فائضًا عن الحوائج الأصلية، ومن شروطها: الوقت؛ وهو مرور الحول.

ومتى بلغ المال النصاب -وهو ما يساوي 85 جرامًا من الذهب عيار 21- وكان فائضًا عن حاجة صاحبه الأصلية، ثم حال عليه الحول: فإنه يجب إخراج الزكاة إلى مستحقيها على الفور، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء؛ من الحنفية في المختار عندهم والمالكية والشافعية والحنابلة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ» أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي في "السنن"، والبزار في "المسند".

قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/ 250، ط. الأميرية): [والوجه المختار: أن الأمر بالصرف إلى الفقير معه قرينة الفور؛ وهي أنه لدفع حاجته وهي معجلة، فمتى لم تجب على الفور لم يحصل المقصود من الإيجاب على وجه التمام] اهـ.

وقال العلامة الزرقاني المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 324، ط. دار الكتب العلمية): [تفرقتها على الفور بموضع الوجوب] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (2/ 223، ط. المكتب الإسلامي): [إذا تمَّ حول المال الذي يشترط في زكاته الحول وتمكن من الأداء؛ وجب على الفور] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 510، ط. مكتبة القاهرة): [وتجب الزكاة على الفور؛ فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضررًا] اهـ.

مراعاة الشريعة الإسلامية لتحقيق مصالح العباد

من المقرر أن قوامَ الشريعة وعمادها تحقيقُ مصالح العباد عاجلها وآجلها، وأن التماس ذلك في إقامة أحكامها هو قدرٌ زائدٌ مستحسَنٌ شرعًا على مجرد الامتثال للأمر بها.

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 64، ط. دار الكتب المصرية): [ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية] اهـ.

وقال الشيخ ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/ 151، ط. دار الكتاب العربي): [فإن للحُكمِ في كُلِّ مسألة مِنْ مَسَائل العلم مُناديًا ينادي للإيمان بها علمًا وعملًا، فيقصد إجابة داعيها، ولكن مراده بداعي الُحكِم: الأسرار والحِكَم الداعية إلى شرع الحُكْم، فإجابتها قدرٌ زائدٌ على مجرد الامتثال] اهـ.

من أجلّ المقاصد الشرعية للزكاة سد حاجة الفقير

ومقصد سد خلة الفقير وحاجته الذي هو من أَجَلِّ مقاصد الزكاة وأسماها متفاوِتٌ في تحقيقه بتفاوُتِ حاجات الفقراء تبعًا لاختلاف أحوالهم وأنماط معيشتهم وتنوع التزاماتهم؛ فمنهم من تسدّ حاجته إذا ما دفعت إليه الزكاة جملة واحدة، ومنهم من لا تسدّ حاجته إلا إذا دفعت إليه مقسطة شيئًا فشيئًا على مدار الحول.

قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 3، ط. دار الكتب العلمية): [أداء الزكاة من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عز وجل عليه من التوحيد والعبادات، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروض] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 330، ط. دار الفكر): [المعتمد: أن مقصود الزكاة سدُّ خلة الفقير من مال الأغنياء شكرًا لله تعالى وتطهيرًا للمال] اهـ.

حكم إخراج الزكاة بالتقسيط على مدار العام

قد توسع جماعة من الفقهاء في بيان ما يقتضيه معنى الفورية في إخراج الزكاة، وأنها تتَّسعُ لتشمل الوقت من حين وجوب الزكاة بمرور الحول إلى ما قبل مرور حولٍ ثانٍ؛ منهم: الإمامان الكرخي ومحمد بن الحسن من كبار فقهاء الحنفية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد في المنصوص عليه عند الحنابلة، وهو المختار للفتوى؛ لما فيه من تحقيق المقصود الأعظم من الزكاة الذي هو كفاية المستحق لها وإغناؤه عن السؤال على مدار العام كلِّه، ومثاله: أن يتعيَّن المستحق للزكاة مع كونه ممن لا يحسن تدبير المال إذا دفعت إليه جملة واحدة، أو أن يكون ممن تتجدَّد حاجته إلى الزكاة بصفة شهرية لتوفير الدواء أو إيجار المسكن، وبحيث لو دُفِعَت إليه جملة واحدة أسرَفَ فيها وأَضَرَّ بمصلحته ومصلحة مَنْ يعول في الأجل القريب؛ فيكون إخراجُ الزكاة مقسطة إليه على مدار الحول بحسب احتياجاته محققًا لمقصدها من كفايته وسد حاجته على مدار العام.

قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" (2/ 3): [وأما كيفية فرضيتها؛ فقد اختلف فيها: ذكر الكرخي أنها على الفور، وذكر في "المنتقى" ما يدل عليه؛ فإنه قال: "إذا لم يُؤَدِّ الزكاةَ حتى مَضَى حَوْلَانِ فقد أساءَ وأَثِمَ ولم يَحِلَّ له ما صَنَع"] اهـ.

وقال العلامة بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية" (3/ 294، ط. دار الكتب العلمية): [في "المنتقى" عن محمد رَحِمَهُ اللهُ: إذا كان له مائتا درهم فحال عليها حولان ولم يزك فقد أساء؛ لا يحلّ له ما صنع] اهـ.

وقال العلامة ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (4/ 244، ط. مؤسسة الرسالة): [له أن يعطي قريبَهُ كلَّ شهرٍ شيئًا، وعنه: لا، وحمل أبو بكرٍ الأولى على تعجيلها؛ قال صاحب "المحرر": وهو خلاف الظاهر، وأطلق القاضي وابنُ عقيلٍ الروايتين] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فإن رعايةَ مصلحة المستحق للزكاة وسَدَّ حاجته من أهم مقاصد الزكاة، ولذا يجب إخراجها فور مرور الحول بعد بلوغ المال النصاب وكونه فائضًا عن حاجة صاحبه الأصلية، ويتسع معنى الفورية ليشمل طول العام، ويدخل فيه تقسيط الزكاة بإخراجها في صورة دفعات شهرية لمستحقيها بحسب حاجتهم، والتي تختلف من شخصٍ إلى آخر، بشرط أن تخرج كُلُّها قبل أن يحول الحول التالي.

وفي واقعة السؤال: فيجوز للسائل شرعًا إخراج الزكاة مقسطةً على مدار العام بعد مرور الحول على ماله الذي بلغ النِّصاب إلى من يعرفهم من مستحقيها الذين يحتاجون إليها في سد احتياجاتهم شهرًا بشهر، مع مراعاة عدم بلوغ الحول التالي إلا وقد أخرجها كلَّها، ولا يُعَدُّ هذا من تأخير إخراج الزكاة عن موعدها كما نص عليه جماعة من الفقهاء، وهو ما عليه الفتوى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الزكاة في جهاز طبي اشترك فيه عدد من الممولين؟ حيث تم شراء جهاز طبي يتم تأجيره للمستشفيات، اشترك في شرائه عدد من الممولين، ويتم دفع صافي الأرباح لهم كل ستة أشهر. فكيف تحسب الزكاة؛ هل تخرج عن رأس المال، أو عن الأرباح فقط، أو عن الاثنين معًا؟


ما حكم صرف التبرعات في غير ما حدده المتبرع؟ حيث توجد لجنة الإغاثة الإسلامية بنقابة أطباء مصر قامت بجمع تبرعات مادية لإغاثة شعب الصومال في محنته التي كانت أكثر ما يكون نقصًا في الغذاء والدواء.
وقد قمنا بإرسال العديد من التبرعات الغذائية والطبية إليهم، والآن لدينا مبلغ مالي كبير من هذه التبرعات المخصصة لأهل الصومال؛ فهل يجوز تخصيص جزء من هذه المبالغ للإخوة السوريين؟ مع العلم أن كل التبرعات التي جُمعت لأشقَّائنا السوريين لا تفي احتياجاتهم.


ما حكم إعطاء صدقة الفطر لزوجة الأب وابنتها المريضة؛ فأنا لي زوجة أب أرملة، وليس لها دخل سوى معاش شهري لا يكفيها، ولها ابنان موسران وبنت مصابة بمرض يمنعها من الحركة، والابنان المذكوران يقومان بالإنفاق عليها وعلى أختهما المريضة في حدود دخلهما.
فهل يجوز إعطاء صدقة الفطر لزوجة أبي ولأختي المذكورة؟


هل يحتسب ما يدفع للأخت المحتاجة من الزكاة؛ فأنا لي أخت تجاوزت السبعين من عمرها، وهي مريضة لا تقدر على الحركة، وتقيم بمفردها بمنزل الأسرة بالقرية؛ حيث لا زوج لها ولا أبناء، ويقوم على خدمتها خادمة، وأنا أسافر إليها كل عشرين يومًا، وأدفع لها مبلغًا يفي بثمن الدواء ويضمن لها حياة كريمة، كما أدفع أجرة الخادمة التي تقوم على خدمتها، وقد يصل المبلغ الذي أدفعه على مدار العام ثلث ما أخرجه عن ذات المدة من زكاة المال، علمًا بأنه لا دخل لها، ولا يساعدها بقية إخوتي إلا بالقليل. فهل يعتبر ما أنفقه عليها من زكاة المال؟ وهل يعد ما أدفعه على الوجه السابق كثيرًا مقارنًا بالثلثين التي توجه إلى مصارف شرعية أخرى؟


هل يمكن أن أقوم بدفع زكاة المال على أقساطٍ شهرية؟ علمًا بأنني كنت مقصِّرًا قبل هذا في إخراج الزكاة وقد تراكمت عليَّ سنواتٍ طويلة.


نجد بعض الناس يستهين بعقد الزواج مع كونه عقدًا وصفه الله سبحانه وتعالى بالميثاق الغليظ؛ فنرجو منكم بيان أهمية هذا العقد وخطورته في الشرع الحنيف.