حكم التعجيل بدفن الميت

تاريخ الفتوى: 12 أبريل 2020 م
رقم الفتوى: 8092
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الجنائز
حكم التعجيل بدفن الميت

ما حكم المسارعة بتجهيز الميت ودفنه؟ وهل هذا من السنة؟

المحتويات

من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان بعد موته

جعل الله تعالى أهم مظاهر تكريم الإنسان بعد خروج روحه: التعجيلَ بتغسيلِه، وتكفينِه، والصلاةِ عليه، ودفنِه، وهذا ما أجمعت عليه أمة الإسلام إلى يومنا هذا؛ حتى سمّاها الفقهاء: الأركان الأربعة التي تجب على الحي في حق الميت.

وأوجب الله دَفنَ الميت ومُوارَاة بَدَنِهِ؛ إكرامًا للإنسان وصيانة لحرمته وحفظًا لأمانته؛ حتَّى تُمنَع رائحتُه وتُصانَ جُثَّتُه وتُحفَظَ كرامتُه؛ لأن حرمته ميتًا كحرمته حيًّا، وجعله حقًّا مفروضًا لكل ميتٍ، وفرض كفاية على المسلمين: إن قام البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن تركوه أثموا جميعًا، وهذا من الأحكام الشرعية القطعية التي دلت عليها أدلة الوحي وإجماع الأمة سلفًا وخلفًا:
فأما الكتاب؛ فقال تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: 31]؛ فكان إرسال الغراب إعلامًا بوجوب الدفن؛ قال الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (4/ 301، ط. دار الكتب المصرية): [وأما دفنه في التراب ودسه وستره فذلك واجب؛ لهذه الآية] اهـ بتصرف.
وأما الإجماع؛ قال الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" (1/ 244، ط. مطبعة الحبي): [وأجمَعوا على وجوبِ الدَّفنِ] اهـ.
وقال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" (ص: 44، ط. دار المسلم): [وأجمعوا على أن دفن الميت لازم واجب على الناس، لا يسعهم تركُه عند الإمكان] اهـ.

حث الشريعة الإسلامية على تعجيل دفن الميت

لم تكتف الشريعة بفرض حق الدفن للميت، حتى شددت على سرعة استيفائه، ودعت إلى المبادرة بأدائه؛ حفظًا لكرامته وصونًا لحرمته؛ فأجمعت الأمة على مشروعية الإسراع بالجنازة؛ لما ورد من الأمر النبوي المؤكد بسرعة دفن الميت والنهي عن التباطؤ أو التلكؤ فيه، وعلى ذلك مضى عمل الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم؛ حتى حمل بعضُ الفقهاء ذلك على الوجوب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ؛ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» متفق عليه.

قال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى بالآثار" (3/ 382، ط. دار الفكر): [ويجب الإسراع بالجنازة، ونستحب أن لا يزول عنها من صلى عليها حتى تدفن، فإن انصرف قبل الدفن: فلا حرج، ولا معنى لانتظار إذن ولي الجنازة. أما وجوب الإسراع: فلِمَا رُوِّينَاهُ من طريق مسلم.. فذكر الحديث ثم قال: وهو عمل الصحابة، كما رُوِّينَا من طريق أحمد بن شعيب.. عن أبي بكرةَ رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنا لنكاد نَرمُلُ بالجنازة رَملًا"] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدامة المقدسي الحنبلي في "المُغني" (2/ 352، ط. مكتبة القاهرة): [لا خلاف بين الأئمة رحمهم الله في استحباب الإسراع بالجنازة، وبه وردَ النَّص] اهـ. وقال أيضًـــا (2/ 337): [قال أحمد: كَرامَةُ الميتِ تَعجِيلُهُ] اهـ.
وروى الإمام أبو داود في "السنن": أن طلحة بن البراء رضي الله عنه مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فقال: «إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ بِهِ الْمَوْتُ؛ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ».
قال الإمام الطيبي في "شرح المشكاة" (4/ 1376، ط. مكتبة الباز): [قوله: «لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ»: وصف مناسب للحكم بعدم الحبس؛ وذلك أن المؤمن عزيز مكرم، فإذا استحال جيفة ونتنا استقذره النفوس وتنبو عنه الطباع فيهان، فينبغي أن يسرع فيما يواريه، فيستمر على عزته؛ فذكر الجيفة ها هنا كذكر السوأة في قوله تعالى: ﴿لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾، السوأة: الفضيحة؛ لقبحها] اهـ.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ» أخرجه الطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وإسناده حسن؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/ 184، ط. دار المعرفة): [قال القرطبي: "مقصود الحديث: أن لا يُتَبَاطَأَ بالميتِ عن الدفن"] اهـ.
وعن علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «يَا عَلِيُّ، ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْهَا: الصَّلاَةُ إِذَا آنَتْ، وَالجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْؤًا» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، والترمذي وابن ماجه في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، والضياء في "المختارة".
وقال الزبير بن العوام رضي الله عنه: "إنما كرامة الميت تعجيلُه" رواه ابن شبة في "تاريخ المدينة".
وقال أيوب السختياني: "كان يقال: مِن كرامة الميت على أهله تعجيلُه إلى حُفرَتِه" رواه ابن أبي الدنيا.
وقال أبو الصدِّيق الناجي: "إن كان الرجل لينقطع شِسْعُهُ في الجنازة، فما يدركها أو ما كاد أن يدركها" رواه ابن أبي شيبةَ في "المُصنف".

التخفيف في صلاة الجنازة للتعجيل بدفن الميت

قد بالغت الشريعة المطهرة في استيفاء حق الدفن للميت وقدمته على ما عداه؛ حتى خفَّفت لأجله صلاة الجنازة؛ فلم تجعل لها أذانًا ولا إقامة، ولا ركوعًا ولا سجودًا، ولم تشرع بعد الفاتحة فيها قراءةً، واستثنت أداءها في أوقات الكراهة.
وأفتى جماعةٌ من الفقهاء بمشروعية صلاة الجنازة على من مات قبل صلاة الجمعة دون انتظار الجمعة، وأن فريضة الجمعة تسقط عن أهله ومن يتبعهم ويصلونها ظهرًا؛ لضرورة الإسراع بالجنازة؛ قال الإمام ابن الحاج المالكي في "المدخل" (2/ 220، ط. دار التراث): [وقد وردت السنة أن من إكرام الميت تعجيلَ الصلاةِ عليه ودفنِه. وقد كان بعض العلماء رحمه الله ممن كان يحافظ على السنة إذا جاءوا بالميت إلى المسجد، صلى عليه قبل الخطبة، ويأمر أهله أن يخرجوا إلى دفنه ويعلمهم أن الجمعة ساقطة عنهم إن لم يدركوها بعد دفنه، فجزاه الله خيرا عن نفسه على محافظته على السنة والتنبيه على البدعة، فلو كان العلماء ماشين على ما مشى عليه هذا السيدُ لانسدَّتْ هذه الثُّلْمةُ التي وقعت] اهـ.
وقال العلَّامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (1/ 602، ط. دار الكتب العلمية): [وقد جرت عادة الناس في هذا الزمان بتأخير الجنائز إلى بعد الجمعة، فينبغي التحذير عن ذلك. وقد حكى ابن الرفعة: أنَّ الشيخ عز الدين بن عبد السلام لما ولي الخطابة بجامع مصر كان يصلي على الجنازة قبل الجمعة، ويفتي الحمَّالين وأهل الميت بسقوط الجمعة عنهم؛ ليذهبوا بها. بل ينبغي أن يُراد بهم: كل من يشق عليه التخلف عن تشييعه منهم] اهـ.
وقد علَّق على ذلك العلَّامة الحصني الدمشقي الشافعي في "كفاية الأخيار" (ص: 142، ط. دار الخير) فقال: [وقد صرح بذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وهي مسألةٌ حَسَنة] اهـ.
ومما ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم

توجد مقبرة للعائلة في قرية صغيرة بمحافظة المنوفية، ونظرًا لامتلاء المقبرة بالجثث عن آخرها، وأصبحت منخفضة عن سطح الأرض كثيرًا؛ بحيث يصعب النزول دون المساس بالجثث، لذا فلقد رأينا هدم المقبرة وإعادة بنائها من جديد نظرًا لضيق زمام القرية وصعوبة الحصول على مقبرة جديدة، وأشار أصحاب الرأي بأن يتم تغطية الجثث بثوب من الدبلان ويفرش وتغطيتُه بطبقةٍ سميكةٍ من الرمل حتى نتمكن من هدم المقبرة، وإعادة بنائها وتعليتها؛ مع العلم بأن المقبرة صغيرة، ومساحتها بوصة واحدة ولا تسمح بعمل (عظَّامة).
ونظرًا لعدم درايتنا في هذا الشأن فلقد أشار الورثة (وكلهم أبناء رجل واحد) بأن نحصل على فتوى مكتوبة من دار الإفتاء بصحة ما سنقوم به؛ حتى نستفيد بها ويستفيد بها من لا يعلم. لذا أرجو من سيادتكم التكرم بإعطائنا فتوى مكتوبة؛ حتى تكون القول الفصل في هذا الموضوع.


ما حكم الشرع في قراءة القرآن وهبة أجرها للمتوفى؟ أفادكم الله.


ما حكم الإعلام بالجنازة في المساجد؟ فقد اعتاد الناس في بعض البلاد والقرى المصرية عند حدوث حالة وفاة استخدام مكبرات الصوت في المساجد لإعلام أهل البلدة وجيران الميت بوفاته؛ وذلك حتى يحضُر أكبرُ عددٍ من الناس لصلاة الجنازة وتأدية واجب العزاء، فما حكم ذلك شرعًا؟



سائل يقول: سأذهب لأصلي بالمسجد النبوي الشريف، وأريد زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم. فنرجو منكم بيان حكم هذه الزيارة وذكر فضلها؟


ما هي السنة في حمل الجنازة إلى المقابر؟ فقد سُئِل بخطاب المحافظة بما صورته: ‏لا يخفى على فضيلتكم أن مدينة ‏القاهرة قد أصبحت مترامية ‏الأطراف، وأن المباني اتسعت فيها ‏اتساعًا كبيرًا؛ بحيث إن الإنسان قد ‏يقضي بضعة ساعات سائرًا على ‏الأقدام لأجل الوصول من جهة إلى ‏أخرى، كذلك لا يخفى على فضيلتكم ‏أن موتى المسلمين ينقلون إلى الجبانات ‏المراد الدفن فيها بطريقة الحمل على ‏الأكتاف، ويسير المشيعون خلف ‏النعش من الجهة التي حصلت فيها ‏الوفاة إلى المدفن، ويتحمل المشيعون ‏في هذا السبيل الكثير من العناء ‏والمتاعب.