مدى وقوع الطلاق عن طريق الكتابة في الرسائل الإلكترونية

تاريخ الفتوى: 27 أغسطس 2023 م
رقم الفتوى: 7931
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الطلاق
مدى وقوع الطلاق عن طريق الكتابة في الرسائل الإلكترونية

ما مدى وقوع الطلاق من عدمه عن طريق كتابة الزوج لفظ الطلاق في رسالة إلكترونية (رسائل الـ Sms، أو الواتساب، أو البريد الإلكتروني، ونحوها)؟

قيام الزوج بكتابة رسالة موجهة إلى زوجته بلفظ طلاقٍ صريحٍ عبر وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة -كالرسائل النصية (Sms)، ومراسلات الواتساب (WhatsApp)، ومراسلات البريد الإلكتروني (Email) ونحوها- يُرجع فيه إلى نيته وقت الكتابة سواء وجهه إلى الزوجة أو غيرها؛ لأن الكتابة من أقسام الكناية على المختار في الفتوى؛ وهو مذهب فقهاء الشافعية والحنابلة، ووافقهم المالكيةُ فيما إذا وجهه إلى غير الزوجة.

ويراعى في الحكم بوقوع مثل هذه الصور الكتابية من مسائل الطلاق: أن يكون الزوج هو صاحب الرسالة المكتوبة بالفعل، وأن تكون الرسالة موجهة من الزوج لمعلومٍ قاصدًا إيصال مضمونها إلى زوجته (سواء أرسلها للزوجة أو غيرها)، وأن يكون اللفظ المكتوب في الرسالة هو ممَّا يستعمل في الطلاق، أن يتوفر لدى الزوج قصد إيقاع طلاق زوجته وقت كتابة الرسالة وإرسالها لا قبله ولا بعده، فإن كان عازمًا حينئذٍ على الطلاق، وقع الطلاق، وإن كتب ذلك ولم يكن ناويًا للطلاق، لم يقع الطلاق، وأن يقصد الزوج إنشاءَ طلاقٍ في الحال، لا الإخبار بطلاقٍ سابقٍ يعتقد وقوعه، أو مجرد الكتابة أو أراد شيئًا آخر غير الطلاق كغَمِّ الزوجة وإدخال الحزن عليها ونحو ذلك.

وهذا كله مع مراعاة قواعد الإثبات والاعتداد بالمراسلات عبر البرامج المذكورة واستيفاء الشروط والضوابط الفنية والتقنية المنصوص عليها في قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني ولائحته التنفيذية الصادرة رقم (١٠٩) لسنة (٢٠٠٥م) وفقًا لآخر تعديل صادر في (٢٣) إبريل عام (٢٠٢٠م)؛ فإذا توافرت هذه الشروط مجتمعة: حُكِمَ بوقوع الطلاق، وإن افتُقدت أو أحدها: صُرفَ الطلاق إلى غيره، بأن يكون بدافع الغضب أحيانًا، أو التهديد، أو الهزل، أو مجرَّد رد فعل في موقف معين أحيانًا أخرى، دون وجود أيِّ نية لإيقاع الطلاق، أو قاصدًا بها الإخبار بطلاقٍ سابقٍ لا إنشاءه.

 

بيان أن الكتابة وسيلة من وسائل الطلاق

الطلاق هو رفع قيد النكاح، وركنه اللفظ الدال عليه، أو ما يقوم مقامه من الكتابة، حيث اعتبر الفقهاء الكتابة بالطلاق وسيلةً من الوسائل المعتبرة التي تقوم مقام اللفظ، وهي ليست مقصورةً على الكتابة على الأوراق فقط، بل تمتدُّ أيضًا لتشملَ كلَّ كتابة، ومنها: الكتابات الإلكترونية عبْر برامج الاتصال والتواصل الحديثة، كالرسائل النصية (Sms)، ومراسلات الواتساب (WhatsApp)، ومراسلات البريد الإلكتروني (Email) ونحوها، وحكمها حكم التواصل الطبيعي إذا تحققت شروط حجيتها الشرعية والقانونية.

وهذا النمط من رسائل الاتصال والتواصل مشمولٌ بما نصت عليه المادة (1) من قانون رقم (15) لسنة (2004م) بشأن تنظيم التوقيع الإلكتروني، حيث نصت الفقرة (أ) منها على: [الكتابة الإلكترونية: كلُّ حروف أو أرقام أو رموز أو أي علامات أخرى تثبت على دعامة إلكترونية أو رقْمية أو ضوئية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للإدراك] اهـ.

كما نصت الفقرة (ب) منها على: [المحرر الإلكتروني: رسالة بيانات تتضمن معلومات تُنشأ أو تُدمج، أو تُخَزَّن، أو تُرْسَل أو تُسْتقبل كليًّا أو جزئيًّا بوسيلة إلكترونية، أو رقْمية، أو ضوئية، أو بأية وسيلة أخرى مشابهة] اهـ، ممَّا يدلُّ على أنَّ الكتابة الإلكترونية بصورها المتنوعة يترتَّب عليها من الآثار ما يترتَّب على الكتابة الخطية على الورق.

صور الطلاق عن طريق الكتابة عند الفقهاء وحكم وقوع الطلاق بها

فَرَقَ الفقهاء في كتابة لفظ الطلاق بين صورتين:

الصورة الأولى: أن تكون الكتابة فيه غير مستبينةٍ، بحيث لا تبقى صورتها بعد الانتهاء منها (كالكتابة على الهواء أو الماء)، أو لا يمكن فهمُها أو قراءتُها: فهذه لا عبرةَ بها، أي: لا يقع بها طلاق حتى وإن نوى صاحب الكتابة، كما هو مقرَّر فقهًا؛ "لأن ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة فكان ملحقًا بالعدم"، كما قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/ 109، ط. دار الكتب العلمية).

قال العلامة المُحقِّق ابن عابدين الحنفي في "الدر المختار" (3/ 246، ط. دار الفكر): [ففي غير المستبينة: لا يقع الطلاق، وإن نوى] اهـ.

وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 463، ط. دار الكتب العلمية): [(لو كتب ناطق) على ما يثبت عليه الخط، كرقٍّ وثوبٍ وحجرٍ وخشبٍ، لا على نحو ماء، كهواءٍ (طلاقًا) أو نحوه ممَّا لا يفتقر إلى قبول كالإعتاق والإبراء، والعفو عن القصاص، كأن كتب: زوجتي أو كل زوجة لي طالق، أو عبدي حر (ولم ينوه) أي الطلاق أو نحوه: (فلغوٌ) لا يعتدُّ به على الصحيح] اهـ.

وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (5/ 345، ط. المكتب الإسلامي): [(وإن كَتَب صريح طلاقها) أي: امرأته (بما يبين) أي: يظهر (بخلافه) أي: بخلاف ما لو كَتَب صريح طلاق امرأته بما لا يُبين؛ كأن كتبه (بأصبعه على نحو وسادة) كعلى بساط أو حصير أو على شيء لا يثبت عليه الخط؛ كالكتابة على الماء أو في الهواء؛ فإنه لا يقع طلاقه] اهـ.

والصورة الثانية: أن تكون الكتابة مستبينةً، أي: واضحةً في كلماتها وحروفها، وباقية في صورتها (كالكتابة على الورق ونحوها)، فهذا النوع من الكتابة فرَّق فيه الفقهاء بين المرسومة -وهي الموجهة إلى شخصٍ بعينه والمعنونة باسمه- وغير المرسومة -وهي غير المُصدَّرة ولا المعنونة-، كما جاء في "الفتاوى الهندية" (1/ 378، ط. دار الفكر).

وحكم الكتابة المستبينة غير المرسومة: تتوقف على نية صاحبها، إن نوى بها طلاقًا: وقع، وإلَّا: فلا.

قال الإمام برهان الدين ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (3/ 275، ط. دار الكتب العلمية): [وإن كانت مستبينة على وجهٍ يمكن قراءتها وفهمها؛ بأن كَتَبَ على الأرض أو الحجر، إلا أنه غير مُصدَّرٍ ولا مُعَنْوَن، وفي هذا الوجه: إن نوى الطلاق، يقع، وإن لم ينْوِ، لا يقع] اهـ.

وأمَّا الكتابة المستبينة المرسومة (المُصدَّرة والمُعنونة): فقد اختلف الفقهاء في توقُّف وقوع الطلاق بها على النيَّة من عدمه، والمختار للفتوى هو ما ذهب إليه الشافعية في الأصح والحنابلة في رواية (خرجها القاضي الشريف، وصوبها المرداوي)، حيث قرروا أنَّ الكتابة كنايةٌ من كنايات الطلاق لا يقع الطلاق بمجرَّدها؛ بل يتوقف وقوع الطلاق فيها على النية المصاحبة لها؛ وذلك لأن الكتابة محتملة، فقد يقصد بها أمورًا غير الطلاق؛ كتجربةِ وسيلةِ الكتابة أو أراد غمِّ الزوجة وإدخال الحزن عليها بتوهم الطلاق دون إرادة حقيقته، ومن ثَمَّ فلا يكون ناويًا للطلاق.

قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (3/ 13، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: إذا كتب طلاق امرأته بلفظ صريح ولم ينْوِ: لم يقع الطلاق؛ لأن الكتابة تحتملُ إيقاعَ الطلاق، وتحتمل امتحان الخط، فلم يقع الطلاق بمجردها] اهـ.

وقال الإمام السيوطي الشافعي في "الأشباه والنظائر" (ص: 295، ط. دار الكتب العلمية): [ولو كَتَب الطلاق، فهو كناية، فلو كتب كناية من كناياته، فكما لو كَتَبَ الصريح، فهذا كنايةٌ عن الكناية] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "الغرر البهية" (4/ 252، ط. الميمنية): [أخذ الناظم في بيان الكناية، وهي ما يحتمل الطلاق وغيره فقال: (وبكناية، ككتب).. وبالكناية، ككتابة لفظٍ من ألفاظه صريًحا أو كنايةً لاحتمالها الطلاق، وتجربة القلم وغيرهما، سواء صدرت من حاضرٍ أم ناطقٍ أم غيرهما] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 486-487، ط. مكتبة القاهرة): [فأما إن كان كَتَبَ ذلك من غيرِ نيةٍ، فقال أبو الخطاب: قد خرَّجها القاضي الشريف في "الإرشاد" على روايتين.. والثانية: لا يقع إلا بنية، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، ومنصوص الشافعي؛ لأن الكتابة محتملة، فإنه يقصد بها تجربة القلم، وتجويد الخط، وغمِّ الأهل، من غير نيةٍ، ككنايات الطلاق، فإن نوى بذلك تجويد خطه، أو تجربة قلمه: لم يقع؛ لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع، فالكتابة أولى.. ويحتمل أن لا يقع؛ لأنه أراد غمَّ أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته، فلا يكون ناويًا للطلاق] اهـ.

وقد صوَّب جماعة من محققي الحنابلة القول بعدم الوقوع، حيث قال العلَّامة المرداوي في "الإنصاف" (8/ 472-473، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (وإن) (كتب طلاق امرأته) يعني: صريح الطلاق.. والثاني: أنه كناية، فلا يقع من غير نية. جزم به في "الوجيز". قال في "الرعاية": وهو أظهر. قلت: وهو الصواب. تقدم تخريج بأنه لغو مع النية] اهـ.

وقال في "التحبير شرح التحرير" (5/ 2157-2158، ط. مكتبة الرشد): [كَتَبَ صريح الطلاق من غير نيةٍ الطلاق به فللأصحاب في وقوع الطلاق بذلك وجهان.. والوجه الثاني: أنه كناية لا صريح، اختاره جماعة من أصحابنا منهم صاحب "الوجيز" وابن حمدان، وهو أظهر وأصح] اهـ.

وهو ما قرره متأخرو الحنابلة:

قال العلامة البهوتي في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 86، ط. عالم الكتب): [(فلو قال) كاتب الطلاق (لم أُرِد إلا تجويد خطي أو) لم أرد (إلا غمَّ أهلي) قُبِل؛ لأنه أعلم بنيته وقد نوى محتملًا غير الطلاق، أشبه ما لو نوى باللفظ غير الإيقاع، وإذا أراد غمَّ أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته لا يكون ناويًا للطلاق (أو قرأ ما كتبه، وقال: لم أقصد إلا القراءة قُبِلَ) منه ذلك حُكْمًا] اهـ.

وقال العلامة مرعي الكرمي الحنبلي في "دليل الطالب لنيل المطالب" (ص: 261، ط. دار طيبة): [ومن كَتَب صريح طلاق زوجته، وقع، فلو قال: لم أُرِدْ إلَّا تجويد خطي أو غمَّ أهلي، قُبِل حُكْمًا] اهـ.

كما أن للحنابلة وجهًا مخرَّجًا بعدم وقوع شيء بالكتابة، نوى الطلاق أم لا، وقد مال إليه العلامة المرداوي أيضًا، حيث قال في "الإنصاف" (8/ 472-473): [قوله: (وإن كتب طلاق امرأته) يعني: صريح الطلاق.. قال في "الفروع": ويتخرج أنه لغو، اختاره بعض الأصحاب؛ بناء على إقراره بخطه. وفيه وجهان. قال: ويتوجه عليها صحة الولاية بالخط، وصحة الحكم به. انتهى. قال في "الرعاية": ويتخرج أنه لا يقع بخطه شيء، ولو نواه؛ بناء على أن الخط بالحق ليس إقرارًا شرعيًّا في الأصح. انتهى. قلتُ: النفس تميل إلى عدم الوقوع بذلك] اهـ.

وقال في "التحبير شرح التحرير" (5/ 2157): [ذكر الأصحاب أنه لو كتب صريح الطلاق ونوى به الطلاق.. وخرَّجوا قولًا بعدم وقوع الطلاق ولو نوى به الطلاق، بل هو لغوٌ] اهـ.

كما نصَّ محققو المالكية اعتبار كتابة لفظ الطلاق من الكنايات في حالة ما إذا وجهتِ الرسالة لأحدٍ غير الزوجة، ففرقوا في ذلك بين الفتوى والقضاء، فقرروا أنه لا يقع بذلك طلاق في الفتوى إذا لم يُرِد الزوج طلاقًا أو قصد به الهزل دون شَرَطٍ، أما في القضاء فيُشترط في عدم الوقوع أن يُشهِد على أنه لم يقصد بكتابة لفظ الطلاق حَلَّ العصمة أو تصدقه الزوجة في ذلك.

قال العلامة الزرقاني في "شرحه على مختصر خليل" (4/ 149، ط. دار الكتب العلمية، ومعه "حاشية البناني"): [وفي عج: مسائل حسنة منها: كتابته لأبي زوجته أنه طلقها ليحضر لاشتياقها له، لا تُطَلَّق عليه في الفتوى أَشَهَدَ أنه لم يُرِد طلاقًا أو أقرَّتِ الزوجةُ معه بذلك، ولا ينافي ما تقدم من أن قوله: "وقصد" معناه: قصد التلفظ به وإن لم يقصد حَلَّ العصمة؛ لأنه لم يحصل لفظ هنا؛ بل كتابة من غير عزمٍ، ولا يَرِد على وصول الكتاب قوله الآتي: "وبالكتابة عازمًا أو لا؛ إن وصل"؛ لأن معناه: إن وصل للمحلوف بطلاقها، وهنا وصل لأبيها من غير ترددٍ في الطلاق، بل مع جزمه بعدمه] اهـ. ورمزُ (عج) يشار به إلى العلامة علي الأُجْهُوريّ [ت 1066هـ/ 1656م].

قال العلامة البَنَّاني مُحَشِّيًا عليه: [قول ز: لا تطلق عليه في الفتوى إن أشهد أنه لم يرد طلاقًا إلخ فيه نظرٌ؛ بل لا تطلق عليه في الفتوى مطلقًا أَشَهْد أو لا، وإنما هذا قَيدٌ فيما إذا أقيم عليه بخطه عند القاضي فإن كان أَشْهَدَ قُبِلَ أنه لم يقصد بما كتبه الطلاق فلا يلزمه أيضًا، وإن لم يكن أشهد بذلك لزمه] اهـ. ورمز (ز) يشار به إلى العلامة عبد الباقي الزرقاني [ت 1099هـ/ 1687م)].

فإن قيل: إننا مؤاخذون بما نتكلم به أو نعمل، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

قلنا: دلالة الحديث تؤيد ما قررناه؛ لأن المؤاخذة تكون النيةُ فيها مقارنةً عند العمل به، ومَن استعمل اللفظ وكتبه على نيةِ غير إيقاع الطلاق فهو لم ينو طلاقًا يؤاخذ به، قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 487): [والخبر إنما يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به، أو الكلام، وهذا لم ينو طلاقًا، فلا يؤاخذ به] اهـ.

مدى وقوع الطلاق في صورة كتابة الزوج لفظ الطلاق في رسالة على وسائل التواصل وضوابط ذلك

مما سبق يتقرر أنه: إذا كتب الزوج رسالة موجهة إلى زوجته بلفظ طلاقٍ صريحٍ عبر وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل الحديثة -كالرسائل النصية (Sms)، ومراسلات الواتساب (WhatsApp)، ومراسلات البريد الإلكتروني (Email) ونحوها-، فهذا يُرجع فيه إلى نيته وقت الكتابة سواء وجهه إلى الزوجة أو غيرها؛ لأن الكتابة من أقسام الكناية على المختار في الفتوى؛ وهو مذهب فقهاء الشافعية والحنابلة، ووافقهم المالكيةُ فيما إذا وجهه إلى غير الزوجة.

ويراعى في الحكم بوقوع مثل هذه الصور الكتابية من مسائل الطلاق -بناء على ما رسَّخته دار الإفتاء المصرية من منهجية التحقيق في ألفاظ الطلاق الكنائي- الآتي:

أولًا: أن يكون الزوج هو صاحب الرسالة المكتوبة بالفعل، وأن تكون الرسالة موجهة من الزوج لمعلومٍ قاصدًا إيصال مضمونها إلى زوجته (سواء أرسلها للزوجة أو غيرها).

ثانيًا: أن يكون اللفظ المكتوب في الرسالة هو ممَّا يستعمل في الطلاق.

ثالثًا: أن يتوفر لدى الزوج قصد إيقاع طلاق زوجته وقت كتابة الرسالة وإرسالها لا قبله ولا بعده، فإن كان عازمًا حينئذٍ على الطلاق، وقع الطلاق، وإن كتب ذلك ولم يكن ناويًا للطلاق، لم يقع الطلاق.

رابعًا: أن يقصد بها إنشاءَ طلاقٍ في الحال، لا الإخبار بطلاقٍ سابقٍ يعتقد وقوعه، أو مجرد الكتابة أو أراد شيئًا آخر غير الطلاق كغَمِّ الزوجة وإدخال الحزن عليها ونحو ذلك.

وهذا كله مع مراعاة قواعد الإثبات والاعتداد بالمراسلات عبر البرامج المذكورة واستيفاء الشروط والضوابط الفنية والتقنية المنصوص عليها في قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني ولائحته التنفيذية الصادرة رقم (١٠٩) لسنة (٢٠٠٥م) وفقًا لآخر تعديل صادر في (٢٣) إبريل عام (٢٠٢٠م)؛ حيث نصت المادة التاسعة من اللائحة المذكورة على: [مع عدم الإخلال بالشروط المنصوص عليها في القانون، تتحقق حجية الإثبات المقررة للكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية لمنشئها، إذا توافرت الضوابط الفنية والتقنية الآتية:

(أ) أن يكون متاحًا فنيًّا تحديد وقت وتاريخ إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية، وأن تتم هذه الإتاحة من خلال نظام حفظ إلكتروني مستقلٍّ وغير خاضعٍ لسيطرة منشئ هذه الكتابة أو تلك المحررات، أو لسيطرة المعني بها.

(ب) أن يكون متاحًا فنيًّا تحديد مصدر إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية ودرجة سيطرة مُنشئها على هذا المصدر وعلى الوسائط المستخدمة في إنشائها.

(ج) في حالة إنشاء وصدور الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية بدون تدخل بشري، جزئي أو كلي، فإن حجيتها تكون متحققةً متى أمكن التحقق من وقتِ وتاريِخ إنشائها ومن عدم العبث بهذه الكتابة أو تلك المحررات] اهـ.

فإذا توافرت هذه الشروط مجتمعة: حُكِمَ بوقوع الطلاق، وإن افتُقدت أو أحدها: صُرفَ الطلاق إلى غيره، بأن يكون بدافع الغضب أحيانًا، أو التهديد، أو الهزل، أو مجرَّد رد فعل في موقف معين أحيانًا أخرى، دون وجود أيِّ نية لإيقاع الطلاق، أو قاصدًا بها الإخبار بطلاقٍ سابقٍ لا إنشاءه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

قلت لزوجتي: أقسم بالله كل كذبة -أي منك- بيمين واقع -أي طلاق مني- إذا تذكرت هذا اليمين، ولم يكن لدي نية شيءٍ معين عندما قلت لها هذا، ولا أعرف هل كنت أريد فقط أن أمنعها من الكذب أم وقوع الطلاق في حالة الكذب، فقسمي هذا كان رد فعل سريع على رفضها أن تقسم لي بأنها لن تكذب علي مرةً أخرى، فما الحكم؟


تزوج رجل امرأة جعل عصمتها في يدها، وإنها طلقت نفسها واحدة في 29/ 9/ 1955 وثانية في 26/ 10/ 1955 وإنه راجعها بعقد 31/ 10 سنة 1955. فهل يجوز لها تطليق نفسها قبل مراجعتها بعد الطلقة الأولى؟ وهل تملك تطليق نفسها أكثر من مرة؟ وهل تنتقل العصمة إليه بعد مراجعتها أو لا؟


امرأة صدر لها حكم قضائي بالطلاق من زوجها طلقة بائنة للضرر، وذلك بتاريخ 23/ 9/ 2002م، واستأنف الزوج الحكم، وحددت جلسة 29/ 4/ 2003م للنظر في الاستئناف، إلا أن المنية قد وافت الزوج المستأنف في 27/ 3/ 2003م. والمطلوب: بيان الحكم الشرعي في هذا الطلاق الذي أوقعه القاضي؛ هل يعتبر بائنًا نظرًا لوفاة الزوج قبل موعد النظر في الاستئناف؟


ما حكم طلب الزوجة الطلاق من زوجها المحكوم عليه ولم يُحبس؟ فالرجل صدرت ضده أحكام في قضايا شيكات بدون رصيد وتبديد بالحبس وغيرها، وهذه الأحكام بعضها نهائي وبعضها مع الإيقاف الشامل وبعضها لا زال منظورًا، ولم يُنفَّذ عليه حكم بالحبس ولم يُحبس إطلاقًا.
وطلب السائل بيان: هل من حق زوجته أن تطلب الطلاق منه مستندة إلى الأحكام الصادرة ضده؟


سئل بإفادة من قاضي إحدى المديريات، مضمونها: أنه بإحالة صورة المرافعة طيه على حضرة مفتي المديرية للإفادة عن الحكم الشرعي فيها، وردت إفادته بأنه حصل عنده اشتباه في ذلك؛ ولذا يرغب القاضي المذكور الاطلاع عليها، والإفادة بما تقتضيه الأصول الشرعية، ومضمون صورة المرافعة المقيدة بمحكمة المديرية مرافعات: صدور الدعوى الشرعية بعد التعريف الشرعي من رجل على امرأة ورجل آخر كلاهما من أهالي ومتوطني قرية أخرى؛ بأنه من نحو عشر سنين -مضت قبل الآن- تزوج المدعي بالمرأة هذه بعقد نكاح صحيح شرعي، ودخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج بعد إيفائها جميع صداقها، وأنها في عصمته وعقد نكاحه إلى الآن، وأنها في 15 رمضان سنة 1313هـ خرجت من طاعته بغير وجه شرعي، وتزوجت وهي على عصمته وعقد نكاحه برجل آخر، وأنه طلب منها توجهها لمحل طاعته فعارضته في ذلك، وعارضه الزوج الثاني. وأنه يطلب الآن منها أن تتوجه معه إلى محل طاعته، وتسلم نفسها إليه.
ويطلب المدعي من هذا الزوج الآخر المذكور رفع يده عنها، وعدم معارضته له في معاشرتها. ويسأل سؤال كل منهما وجوابه عن ذلك.
وبسؤالهما عن ذلك أجابت المرأة المذكورة طائعة بأنها كانت متزوجة بهذا المدعي -الزوج الأول- بعقد نكاح صحيح شرعي، وعاشرها معاشرة الأزواج، وأوفاها جميع معجل صداقها، ومكثت معه مدة عشر سنين، وأنه في شهر ربيع الأول سنة 1313هـ طلقها طلاقًا ثلاثًا، وبعد انقضاء عدتها منه بالحيض تزوجت في 15 رمضان من السنة المذكورة بهذا الرجل الآخر -الزوج الثاني- بعقد نكاح صحيح شرعي، وبعد العقد المذكور دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج إلى الآن.
وأجاب هذا الرجل الآخر طائعًا بأنه تزوج بها في نصف رمضان سنة 1313هـ بعد طلاقها من المدعي، وانقضاء عدتها منه بعقد نكاح شرعي، وبعد العقد عليها دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج إلى الآن.
ثم أحضرت المرأة المذكورة شاهدين على الطلاق المذكور: شهد أحدهما على المدعي بأنه طلق المرأة بالثلاث من نحو تسعة شهور، وشهد الثاني شهادة غير مقبولة.
وبطلب شاهد سواه منها عرفت بأنه لم يكن حاضرًا وقت الطلاق سواهما، وأنها عاجزة عن إحضار غيرهما عجزًا كليًّا.


كلَّف أخٌ أخاه بشراء قطعة أرضٍ لصالحه وسافر، وتعرض الأخ المُكَلَّف لعملية نصبٍ اشترى على إثرها قطعة أرض معيبة بمرور تيار الضغط العالي عليها، مما يفقدها قيمتها، مما أثار مشاكل كثيرة بين الأخ وأخيه. قام الأخ الذي اشترى بتعويض أخيه بقطعة أرضٍ أخرى ومبلغ ستة آلاف جنيه مقابل القطعة المعيبة، وكان الاتفاق النهائي أن يدفع الأخ الأصغر مبلغ ستة آلاف جنيه كفارق سعرٍ على فتراتٍ زمنيةٍ وحسب حاجة الأخ الأكبر، حتى تبقى مبلغ 450 أربعمائة وخمسون جنيهًا، وقد ثارت مشاكل كثيرة بين الأخوين، ونتيجة للشجار بينهما حدث ما يلي:
1- أراد الأخ الأصغر أن يرجع عن الاتفاق النهائي المبرم بينهما والشاهد عليه شهود.
2- أقسم الأخ الذي من المفروض عليه أن يدفع 450 جنيهًا الباقية يمينًا بالطلاق؛ حيث إنه قال: "علي الطلاق من مراتي ما تخدهم، ولا ليك عندي حاجة".
ويطلب السائل بيان الحكم الشرعي في الآتي:
1- هل يجوز للأخ الأصغر أن يرجع عن الاتفاق النهائي المبرم بينهما والشاهد عليه شهود؟
2- هل يعتبر يمين الطلاق الذي حلفه يمينًا يقع به طلاق أم لا؟