ما أثر تركيب درنقة جراحية على الوضوء؟ فهناك شخصٌ أجرى عملية استئصال كيسٍ دهنيٍّ، وتم تركيب درنقةٍ جراحيةٍ له؛ فهل خروج الدَّم من موضع الجرح ونزوله في هذه الدرنقة ينقض الوضوء شرعًا؟
لا ينتقض وضوء الشخص المذكور بخروجِ الدم مِن موضع الجرح ونزولِهِ فيما يُعرف بـ"الدرنقة الجراحية"، قليلًا كان هذا الدم أو كثيرًا، ولا حرج عليه في ذلك شرعًا.
المحتويات
"الدرنقة الجراحية" أو "أنبوب التصريف الجراحي" (Drainage Tube): عبارة عن أنبوب بلاستيكي يوضع بعد الجراحة داخل الجرح الموجود في جسم المريض؛ لتصريف القيح أو الدم أو أيِّ سوائل أخرى، ومَنْع تراكمها داخل الجرح، وتقليل فرص الإصابة بالعدوى. ينظر: "معجم المصطلحات الطبية" للجنة المصطلحات الطبية بمجمع اللغة العربية، تحت مصطلح "المنزحة" (2/ 68، ط. الأميرية)، و"المهارات والتقنيات الجراحية الأساسية Basic Surgical Skills and Techniques" (ص: 70-73، ط. جايبي براذرز للمنشورات الطبية).
من المقرر شرعًا أنَّ الخارج المعتاد من السبيلين ناقضٌ للوضوء، وذلك بإجماع الفقهاء؛ كما في "الإقناع في مسائل الإجماع" للعلامة ابن القطان (1/ 71، ط. الفاروق الحديثة)، و"البناية" لبدر الدين العيني (1/ 257، ط. دار الكتب العلمية).
اتفق الفقهاء على أنَّ الدَّم السائل من جسد الإنسان بكثرةٍ، يعدُّ من جملة النجاسات؛ كما في "مراتب الإجماع" للعلامة ابن حزم (ص: 19، ط. دار الكتب العلمية)، و"التمهيد" للعلامة ابن عبد البر (22/ 230، ط. وزارة الأوقاف المغربية)، و"بداية المجتهد" للعلامة ابن رشد (1/ 83، ط. دار الحديث)، و"المجموع" للإمام النووي (2/ 55، ط. دار الفكر)، و"فتح الباري" للحافظ ابن حجر (1/ 352، ط. دار المعرفة).
ومع اتفاقهم على نجاسته، إلَّا أنهم اختلفوا في اعتبار الدَّم الخارج من غير السبيلين من نواقض الوضوء أو لا. والمختار للفتوى: أنه غير ناقضٍ للوضوء؛ قليلًا كان هذا الدم أو كثيرًا، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، وهو المروي عن أم المؤمنين السيدة عائشة، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وابن أبي أوفى، وجابر، وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد، وطاوس، وعطاء، ومكحول، وربيعة، وأبي ثور رحمهم الله جميعًا.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "اغْسِلُوا أَثَرَ الْمَحَاجِمِ عَنْكُمْ وَحَسْبُكُمْ".
وعن القاسم بن محمد قال: "لَيْسَ عَلَى الْمُحْتَجِمِ وُضُوءٌ" أخرجهما الإمامُ البيهقي في "السنن الكبرى".
وأخرج الإمام مالك في "الموطأ" عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أنه قال: "رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَرْعُفُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ الدَّمُ، حَتَّى تَخْتَضِبَ أَصَابِعُهُ مِنَ الدَّمِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَنْفِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ".
وعن طاوس قال: "إِذَا رَعَفَ الْإِنْسَانُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ انْصَرَفَ، فَغَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَأَتَمَّ مَا بَقِيَ عَلَى مَا مَضَى إِذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَلَا وُضُوءَ عَلَيهِ" أخرجه الإمام عبد الرزاق الصنعاني في "المصنف".
وأخرج الإمام البخاري في "صحيحه" معلَّقًا قال: قال طاوس، ومحمد بن علي، وعطاء، وأهل الحجاز: "لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ"، وعَصَرَ ابنُ عمر رضي الله عنهما بثرةً، فخرج منها الدَّم ولم يتوضَّأ، وبَزَقَ ابن أبي أوفى رضي الله عنه دمًا فمضى في صلاته"، وقال ابن عمر رضي الله عنهما، والحسن فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: "لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا غَسْلُ مَحَاجِمِهِ".
قال العلامة أبو البركات الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (1/ 114-115، ط. دار الفكر): [(نقض الوضوء بحدث، وهو الخارج المعتاد).. وخرج بالمعتاد ما ليس معتادًا؛ كدمٍ وقيحٍ] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 54): [مذهبنا أنه لا ينتقض الوضوء بخروج شيء من غير السبيلين؛ كدم الفصد، والحجامة، والقيء، والرعاف؛ سواء قلَّ ذلك أو كَثُر، وبهذا قال ابن عمر، وابن عباس، وابن أبي أوفى، وجابر، وأبو هريرة، وعائشة رضي الله عنهم، وابن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد، وطاوس، وعطاء، ومكحول، وربيعة، ومالك، وأبو ثور، وداود، قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة والتابعين] اهـ.
والقول بعدم نقض الوضوء بخروج الدَّم من غير السبيلين هو الأوفق لسِمَة التخفيف والتيسير ورفع الحرج عن المكلفين في الشريعة الإسلامية؛ لعموم قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].
وأخرج الإمام أحمد في "مسنده" من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ».
فإذا أضيف إلى ذلك كون المكلَّف مريضًا؛ فإن المرض يُعَدُّ مِن أَوْلَى أسباب التيسير في الشرع الشريف، حتى اختص اللهُ المريضَ بالذكر في رفع الحرج؛ فقال سبحانه: ﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور: 61]، ويكون المريض المبتلى بخروج الدم من الجرح ونزوله فيما يعرف بـ"الدرنقة الجراحية" أحوج لهذا التيسير والتخفيف؛ إذ يشق عليه التحرز عن خروج الدم، والقاعدة الشرعية تقضي بأنَّ "الْمَشَقَّة تَجْلِب التَّيْسِير" و"إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 7، 83، ط. دار الكتب العلمية).
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فلا ينتقض وضوء الشخص المذكور بخروجِ الدم مِن موضع الجرح ونزولِهِ فيما يُعرف بـ"الدرنقة الجراحية"، قليلًا كان هذا الدم أو كثيرًا، ولا حرج عليه في ذلك شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
رجلٌ يُكرِمُه اللهُ تعالى بقيام الليل والصلاة فيه، فكيف يَعرف وقتَ نصف الليل، والثلث الأول والأخير، وكذلك الأَسْدَاس الرابع والخامس والسادس منه؟
سائل يقول: نرجو منكم بيان ما ورد في السنة النبوية ممَّا يقال في دعاء الاستفتاح في الصلاة.
ما حكم قضاء صلاة العيد لمَن فاتته؟
رجلٌ يصلي مع الجماعة في المسجد مأمومًا، ويسأل: ما حكم قراءته آيةً فيها سجدةٌ، وذلك في صلاته السرية خلف الإمام؟ وهل يلزمه بذلك سجود التلاوة؟
رجل كان يكثر من آداء فريضة الحج والعمرة، ولكنه كان مقصرًا في صلاته، وآداء فريضة الزكاة، فهل يجوز لأولاده بعد وفاته أن يصلوا ما على والدهم من فرائض الصلاة، وأن يخرجوا الزكاة عن والدهم بأثر رجعي؟
الأذان يوم الجمعة هل هو أذان واحد عندما يصعد الخطيب المنبر أم أنه أذانان أحدهما عند أذان الظهر والآخر بعد صعود الإمام إلى المنبر؟