نرجو منكم بيان الحكم الشرعي لما يفعله بعض الحجاج والمعتمرين من كثرة الانشغال بالتصوير خلال أداء مناسك الحج والعمرة؛ حيث إن هناك بعض الزائرين لهذه البقاع الطاهرة لأداء المناسك يُكثر من التصوير بهواتفهم بشكل فوق المعتاد كلَّما مرّوا على أحد المشاعر والأماكن المقدسة، وهذا قد يؤدي إلى تعطيل الفوج عن أداء المناسك في الوقت المطلوب، ويسبِّب أيضًا حرجًا للبعض من كبار السن والعجزة، فلمَّا طُلب منهم التخفيف من كثرة التصوير، فكان رد أحدهم عليَّ بأنه حريص على التقاط صور تذكارية مع المشاعر والأماكن المقدسة، واستمروا في ذلك حتى بلغ الأمر مسؤول تنظيم الرحلة، وهو بدوره تضجَّر من ذلك الفعل؛ لأنه يعطله أيضًا عن عمله ومهمته بسبب تأخر حركتنا، فما حكم الشرع في ذلك؟
التصوير أثناء مناسك الحج جائز شرعًا بشرط ألَّا يؤدي إلى تعطيل الحجاج الآخرين، والتصوير المبالغ فيه قد يوقعهم مع الحرج، خاصة في وجود كبار السن وأصحاب الحالات الخاصة الذين يتأخرون بسبب التقاط الكثير من الصور التذكارية؛ بالإضافة إلى أن الواجب على المرء المحرم وغير المحرم أن يلتزم الأدبَ والوقارَ أثناء وجوده في الأماكن المقدسة كالبيت الحرام؛ حيث أمر المولى سبحانه وتعالى بأن نعظم هذا البيت ونحترم قدسيته، كما أن اللائق بالحاج أن يكون منشغلًا بالخشوع في أداء المناسك، حتى يكافئه المولى سبحانه وتعالى بالأجر والثواب، فيكون حجُّه مبرورًا مقبولًا.
المحتويات
التصوير الفوتوغرافي مصطلح مشتق من اللغة اللاتينية اليونانية مكون من شقين: الشق الأول كلمة "photo " وتعني: الضوء، والشق الثاني كلمة "Graphic "، وتعني الرسم أو الكتابة، فكلمة "Photographic " تعني بالعربية: الرسم بالضوء.
وحقيقية التصوير: أن يستخدم المصوِّر آلة -عدسة- مصممة بطريقة تسمح بعكس المشهد الذي أمامها في وَسَطٍ يمكنه الاحتفاظ به؛ وذلك بواسطة تأثيرات ضوئية، ثم يمكنها بعد ذلك الاحتفاظ بذلك الانعكاس بداخلها.
والتصوير بهذا المفهوم في أصله جائز شرعًا شريطة ألَّا يشتمل على محظورٍ؛ كتصوير جسدٍ عارٍ أو عورة واجب سترها، أو التسبب في إلحاق الضرر بالآخرين.. إلخ.
من المقرر أن من أجلِّ العبادات القلبية التي يُستدل بها على تقوى القلوب وخضوعها لله عزَّ وجلَّ: تعظيم شعائره؛ حيث قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
وتعظيم شعائر الله تعالى يشمل إبراز معاني التوقير والإجلال والاحترام لها، وامتثال الأمر بإقامتها والتعبد لله بها؛ فإن تعظيمها من تعظيمه سبحانه وتعالى؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير قول الله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: 13]: "مَا لَكُمْ لَا تَعْلَمُونَ حَقَّ عَظَمَتِهِ؟"؛ كما في "بحر العلوم" للإمام السمرقندي (3/ 407، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (26/ 264، ط. دار إحياء التراث العربي): [إنَّ الخالقَ ابتداءً مالكٌ، والمالكُ يجب على المملوك إكرامُه وتعظيمُه] اهـ. وتعظيم الله تعالى يحصل بتعظيم كل ما دَلَّ عليه من شعائر أو عبادات.
ولَمَّا كان الحج شعيرة من شعائر الله؛ اقتضى ذلك تعظيمه بإبراز أقصى معاني الاحترام والإجلال، بالتأدب وحفظ الوقار أثناء القيام بالمناسك، سواء كان ذلك أثناء الطواف حول البيت الحرام، أو في السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، وعند رمي الجمار، وهذا الاحترام لا يتأتَّى في حال كون الإنسان منشغلًا بالتصوير في كلِّ مكانٍ من أماكن المشاعر المقدسة بشكلٍ مُبالَغٍ فيه؛ بحيث يتسبب في تعويق حركة الحجاج في أداء المشاعر من طوافٍ وسعيٍ، أو حتى في الأمور التنظيمية الخاصة بالفوج الذي يشترك فيه الناس معًا كالتنقل من وإلى المسكن والمشاعر الأخرى، فإذا نتج عن التصوير ضرر بتعطيل حركة الآخرين أو أي نوع من الإيذاء، عُدَّ التصوير ممنوعًا شرعًا؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه ابن ماجه في "سننه".
والضرر المنهي عنه في الحديث يشمل قليل الضرر وكثيره، فهو لفظٌ عامٌّ يشمل عدم الضرر في كلِّ الأمور إلَّا ما دلَّ الشرع على إباحته لمصلحة شرعية.
قال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (7/ 191، ط. دار الكتب العلمية): [قال ابن حبيب: الضرر عند أهل العربية الاسم، والضرار الفعل، قال: والمعنى لا يدخل على أحد ضررًا.. وهو لفظ عام متصرف في أكثر أمور الدنيا، ولا يكاد أن يحاط بوصفه] اهـ.
إن المبالغة في التصوير أثناء مناسك الحج فيها نوع من الإيذاء وعدم مراعاة أحوال الآخرين، قد يوقعهم في الحرج المنهي عنه شرعًا؛ بل إنه يُعَدُّ من الأفعال المنافية للحال التي ينبغي أن يكون عليها مَن يزور بيت الله الحرام، سواء كان مُحْرِمًا بالحج أو غير محرم؛ لذا فلا يليق أن ينشغل المحرم بالحج عن أداء المناسك بأي أمر آخر من أمور الدنيا؛ كالتقاط الصور التذكارية؛ لأن الأصل أن يكون حاله في هذا الوقت منقطعًا عن الملهيات والشهوات متعلقًا قلبه بربه، ومنشغلًا فكره برضا مولاه، راجيًا قبول حجه؛ لينال بذلك الأجر، فيرجع كيوم ولدته أمه، لا ذنب ولا إثم عليه، فيكون حجه مبرورًا.
ويتأكد هذا التقرير -منع المبالغة في التصوير أثناء المناسك- في حقِّ كلِّ مَن دخل الحرم المكي الشريف مُحْرِمًا أو غير محرم؛ لقدسيته وهيبته وإجلاله، والذي قال عزَّ وجلَّ في شأنه: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96-97]، فكيف بالحرم الشريف؟! وقد قال تعالى في حقِّ المساجد عامة: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ [النور: 36-37].
قال الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (6/ 56-57، ط. دار الكتب العلمية): [أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها] اهـ. ولا شك أن إيذاء الحجيج والمعتمرين وتعطيلهم عن أداء مناسكهم يُعَدُّ من الأفعال التي لا تليق ولا تناسب الحال الذي ينبغي أن يكون عليه مَن يَرِد هذه الأماكن المباركة.
وقد روي عن عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ المخزومي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ، مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ، هَلَكُوا». أخرجه ابن ماجه في "سننه".
قال الإمام الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن" (6/ 2049، ط. مكتبة نزار): [إن الحرمة المعظمة المعهودة عند العرب قاطبة هي حرمة بيت الله وبلده الحرام] اهـ.
وقال الإمام الزركشي في "إعلام الساجد بأحكام المساجد" (ص: 128، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية -القاهرة): [ذهب جماعة من العلماء إلى أن السيئات تضاعف بمكة كما تضاعف الحسنات. ممن قال ذلك: مجاهد وابن عباس وأحمد بن حنبل وابن مسعود وغيرهم؛ لتعظيم البلد. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن مقامه بغير مكة، فقال: ما لي ولبلد تضاعف فيه السيئات كما تضاعف الحسنات؟ فحمل ذلك منه على مضاعفة السيئات بالحرم، ثم قيل: تضعيفها كمضاعفة الحسنات بالحرم] اهـ.
فالالتزام بكامل الأدب والوقار في بيت الله الحرام يُعَدُّ من تعظيم حرمات الله؛ يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30].
قال الإمام الطبري في "جامع البيان في تأويل القرآن" (18/ 617، ط. مؤسسة الرسالة): [الحرمات: المَشْعَر الحرام، والبيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، هؤلاء الحُرُمَات] اهـ.
بناء على ذلك: فالتصوير أثناء مناسك الحج جائز شرعًا بشرط ألَّا يؤدي إلى تعطيل أحد الحجاج، والتصوير المبالغ فيه قد يوقعهم مع الحرج، خاصة في وجود العجزة وكبار السن الذين يتأخرون بسبب التقاط الكثير من الصور التذكارية؛ بالإضافة إلى أن الواجب على المرء المحرم وغير المحرم أن يلتزم الأدب والوقار أثناء وجوده في الأماكن المقدسة كالبيت الحرام، حيث أمر المولى سبحانه وتعالى بأن نعظم هذا البيت ونحترم قدسيته، كما أن اللائق بالحاج أن يكون منشغلًا بالخشوع في أداء المناسك، حتى يكافئه المولى سبحانه وتعالى بالأجر والثواب، فيجعل حجه مبرورًا مقبولًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الحج عن المريض؟ فبرجاء التكرم والتفضل من سيادتكم بإعطائي الفتوى الشرعية عن حكم قيامي بالحج وحالتي الصحية غير منتظمة؛ حيث إنني مصاب بالتهاب كبدي -فيروس c- مزمن، وتضخم وتليف بالكبد، ومضاعفات عملية إزالة ورم حميدي نشط بالمخ، واضطراب في إفرازات الغدد الصماء، وكسل في الغدة الدرقية، وخشونة شديدة في المفاصل والعمود الفقري، وسيولة في الدم، وصرع، ويتم علاجي بالمُكَمِّلات الغذائية والمُسَكِّنات -24 صنف علاج يوميًّا-، ولا أقدر على الصلاة واقفًا، فأصلي على كرسي، وأتحرك دائمًا بالتوك توك -أعاذكم الله مِن مِثل هذه الأمراض-، مع ملاحظة أني تقدمت للحج في أكثر من جهة عن طريق القرعة والشركات السياحية منذ ثلاث سنوات. فهل عليَّ وزرٌ إذا لم أحج؟ وهل إذا ذهبت للحج يكون في ذلك إهلاك لنفسي؟ وماذا أفعل في حالتي هذه؟
هل يجب على المسلم أن يغتسل قبل إحرامه بالحج أو العمرة؟
ما حكم التبرع بنفقة الحج لأم الزوجة؟ حيث تقول السائلة: زوج إحدى بناتي يريد أن يتبرع لي بالمال اللازم لأداء فريضة الحج هذا العام، فإنه يعمل وموسر الحال، فهل يجوز ذلك أم لا؟
هل الترتيب بين السعي والطواف بالبيت أمر لا بد منه في أداء مناسك الحج والعمرة؟ وما العمل لو سعى الناسك قبل أن يطوف وعاد إلى بلده؟
ما حكم أداء السعي للحائض؟ حيث توجد امرأة ذهبت لأداء العمرة، وبعد الانتهاء مِن الطواف وصلاة ركعَتَي سُنَّة الطواف، وقبل البدء في السعي داهمها الحيض، ولم تتمكن مِن انتظار الطهر؛ لأنَّ للسفر موعدًا محددًا، فأتمَّت سعيَها على هذه الحال، وتسأل: ما حكم سَعيها وعُمرتها؟ وهل يجب عليها شيء؟
نحيطكم عِلمًا بأن صندوق خاص بإحدى الجهات الرسمية يقوم بتنظيم بعثة سنوية للحج، وذلك حسب البرنامج التالي ذكره، فبرجاء التفضل بإبداء الرأي في مدى صحة هذا البرنامج من الناحية الشرعية:
تقوم البعثة بالسفر بالملابس العادية إلى المدينة أولًا، وتمكث البعثة بالمدينة لمدة خمسة أيام، قبل التوجه إلى مكة لأداء مناسك الحج، ونقوم بشراء صكوك الهدي من المدينة، والإحرام من فندق الإقامة بنية القران بين الحج والعمرة.
ثم نقوم بعد ذلك بالتوجه إلى الحرم المكي لأداء طواف القدوم والسعي بعده، فهل يجزئ هذا السعي عن سعي الحج؟
في يوم التروية نذهب ليلًا مباشرة إلى عرفة، ولا نبيت بمِنى ولا ندخلها، ونبيت ليلة عرفة بمقر البعثة بعرفة والذي يكون داخل حدود عرفة، ونمكث بالمخيَّم داخل عرفة دون الذهاب إلى جبل الرحمة، وعند غروب الشمس نبدأ في التحرك إلى المزدلفة، فنصل إليها ليلًا، ونصلي المغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء، ونسرع بجمع الحصى من المزدلفة، ثم نبادر بعد ذلك وفي منتصف الليل بمغادرة المزدلفة إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، ويمكن لكبار السن والسيدات التوكيل في رمي الجمرات، ثم نتوجه إلى مكة المكرمة لطواف الإفاضة، وبعدها نتوجه إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة.
ثم نتوجه في ظهيرة يوم النحر من مكة إلى منى للمبيت بها حتى الساعة 12 صباحًا، ثم نقوم برمي الجمرات ليلة أول أيام التشريق وثاني أيام العيد، ثم التوجه إلى فندق الإقامة لمَن يرغب. وفي ظهر أول أيام التشريق وثاني أيام العيد نتوجه إلى منى ونقيم بها حتى نرمي جمرات اليوم الثاني من أيام التشريق في حدود الساعة 12 صباحًا، ونتعجل اليوم الثالث، ونقوم بمغادرة مِنى إلى مكة ليلة ثاني أيام التشريق بعد رمي الجمرات.
ننصح الكثير من أعضاء البعثة وخاصة كبار السن بالذهاب بعد العشاء بساعة أو ساعتين ليلة 12 من ذي الحجة بالذهاب إلى الجمرات ورمي جمرات اليوم الأول، ثم يمكثون إلى أن ينتصف الليل ويرمون لليوم الثاني. كما ننصح كبار السن والنساء ومن لا يستطع الذهاب إلى منى أن يبقى بمكة ويوكِّلَ من يرمي عنه الجمرات. ويمكن لمن أحب عمل أكثر من عمرة أن يقوم بذلك بعد الرجوع إلى مكة والتحلّل الأكبر، ويقوم أعضاء البعثة بطواف الوداع في يوم 13 من ذي الحجة، أي: قبل المغادرة بيوم.
كما ننصح كبار السن والمرضى أن يجمعوا في طواف الإفاضة بين نية الإفاضة ونية الوداع.
وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام