ما حكم العمرة؟ وهل أكون آثمًا إذا لم أفعلها رغم الاستطاعة؟
العمرة مختلفٌ في حكمها ما بين الوجوب والسُّنِّيَّة، والمختار للفتوى أنها سُنَّة مؤكدة في العمر مرةً واحدةً، وينبغي القيام بأدائها متى توفرت الاستطاعة البدنية والمالية؛ كما هو شرط في وجوب الحج، ولو استطاع المسلم العمرة ولم يستطع الحج؛ فليُبادر بالعمرة.
المحتويات
العمرة شعيرة تشتمل على الإحرام والنية والطواف حول الكعبة المشرفة والسعي بين الصفا والمروة والتحلل بالحلق أو التقصير، وقد تقرر مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع؛ ولأجل ذلك جاءت الأحاديث النبوية الشريفة التي تحثُّ على فعلها وبيان فضلها. فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ للهِ﴾ [البقرة: 196].
ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أنَّه إذا ورد الأمر بالتمام، فإنه يدل على المشروعية مِن باب أولى. فأخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ».
ويُبيِّنُ فضلها أيضًا: ما أخرجه ابن ماجه في "سننه" عن عمر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإنَّ المُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الفَقْرَ والذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ».
وقد نقل غيرُ واحدٍ من العلماء الاتفاق على جوازها في كلِّ الأوقات.
ومن ذلك ما ذكره الإمام ابن رشد في "بداية المجتهد" (2/ 90، ط. دار الحديث) حيث قال: [وأما العمرة: فإن العلماء اتفقوا على جوازها في كلِّ أوقات السَّنَة] اهـ.
وقد ذهب الحنفية -في الصحيح من مذهبهم- والمالكية، والشافعية في قولٍ، والحنابلة في روايةٍ إلى أن العمرة سُنَّة مؤكدة في العمر مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو مندوب.
قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية" (4/ 461، ط. دار الكتب العلمية): [(.. والعمرة سُنَّة) ش: وفي "الينابيع": أي سُنَّة مؤكدة، وفي "البدائع": اختلف أصحابنا فيها.
فمنهم مَن قال: إنها واجبة كصدقة الفطر، والأضحية، والوتر، ومنهم مَن أطلق عليها اسم السُّنَّة، وهي لا تنافي الوجوب، وفي "التحفة"، و"القنية": اختلف المشايخ فيها، قيل: هي سُنَّة مؤكدة، وقيل: واجبة، وقيل في "التحفة": وهما متقاربان، وفي "الذخيرة": لا يوجد في كتب أصحابنا أن العمرة تطوع، إلا في كتاب "الحجر".
وقال بعض المشايخ -ومنهم محمد بن الفضل-: فرض كفاية ذكره في "المنافع"، وبالأول قال الشعبي، والنخعي، ومالك، وأبو ثور رحمهم الله، وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه، ومنهم مَن قال: العمرة تطوع] اهـ.
وقال الإمام الميداني الحنفي في "اللباب" (1/ 221، ط. المكتبة العلمية): [(والعمرة سُنَّة) مؤكدة في الصحيح، وقيل: واجبة] اهـ. وقال الإمام الخرشي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (2/ 281، ط. دار الفكر): [وأما العمرة فهي سُنَّة في العمر مرة على المشهور، وهي آكد من الوتر] اهـ.
ودليلهم على ذلك: ما ورد عن جابر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن العمرة: أَوَاجِبَةٌ هي؟ قال: «لاَ، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ» أخرجه الإمام الترمذي في "سننه".
وأيضًا ما ورد عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» أخرجه الإمام ابن ماجه في "سننه".
وهذان الحديثان -وإن كان فيهما مقال- لا ينزلان عن درجة الحسن، ولا شك أن الحَسَنَ حجةٌ؛ كما حرَّر الإمام الكمال بن الهمام في "فتح القدير" (3/ 140- 414، ط. دار الفكر).
وذهب الشافعية في الأظهر، والحنابلة في الصحيح من المذهب إلى أنها واجبة؛ كالحج. قال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (3/ 17، ط. المكتب الإسلامي): [في العمرة: قولان، الأظهر الجديد: أنها فرضٌ؛ كالحج، والقديم: سُنَّة] اهـ.
وقال العلامة البُهُوتيُّ الحنبلي في "كشاف القناع" (2/ 376، ط. دار الكتب العلمية): [(وتجب) العمرة (على المكي كغيره) أي غير المكي؛ لقوله تعالى ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196].. (ويجبان في العمر مرة واحدة)] اهـ.
وقال العلامة ابن مفلح في "المبدع" (3/ 80، ط. دار الكتب العلمية): [وما ذكره من وجوب العمرة هو نص أحمد، وقول جمهور الأصحاب.. وظاهره لا فرق بين المكي وغيره] اهـ.
وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (3/ 387، ط. دار إحياء التراث العربي): [والعمرة إذا قلنا تجب فمرة واحدة بلا خلاف، والصحيح من المذهب: أنها تجب مطلقًا، وعليه جماهير الأصحاب، منهم المصنف في "العمدة"، و"الكافي". قال المجد: هذا ظاهر المذهب.
قال في "الفروع": والعمرة فرض كالحج. ذكره الأصحاب.
قال الزركشي: جزم به جمهور الأصحاب، وعنه: أنها سُنَّة، اختاره الشيخ تقي الدين، فعليها يجب إتمامها إذا شرع فيها، وأطلقهما في الشرح، وعنه: تجب على الآفاقي دون المكي، نص عليه في رواية عبد الله، والأثرم، والميموني، وبكر بن محمد، واختارها المصنف في "المغني" والشارح.
قال الشيخ تقي الدين: عليها نصوصه، وأطلقهنَّ في "الفائق"] اهـ.
وقد استدل الشافعية والحنابلة على ما ذهبوا إليه من وجوب العمرة بالآية المذكورة سابقًا في بيان المشروعية من الأمر بإتمام الحج والعمرة من دون شرط الشروع فيهما بخلاف مَن قال بكونها سُنَّةً؛ فالإتمام عنده مشروط بالشروع؛ كما قال الإمام الفخر الرازي في "مفاتيح الغيب" (5/ 296، ط. دار إحياء التراث العربي).
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 206، ط. دار الكتب العلمية): [(وكذا العمرة) فرض (في الأظهر) لقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196] أي ائتوا بهما تامَّيْن] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 218، ط. مكتبة القاهرة): [ولنا قول الله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، ومقتضى الأمر الوجوب، ثم عطفها على الحج، والأصل التساوي بين المعطوف والمعطوف عليه] اهـ.
وقد أجاب الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 369، ط. دار الكتب المصرية) على ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة؛ حيث قال: [قالوا: وأما الآية فلا حجة فيها للوجوب، لأن الله سبحانه إنما قرنها في وجوب الإتمام لا في الابتداء، فإنه ابتدأ الصلاة والزكاة فقال: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ [المزمل: 20].
وابتدأ بإيجاب الحج فقال: ﴿وَللهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ﴾ [آل عمران: 97] ولما ذكر العمرة أمر بإتمامها لا بابتدائها، فلو حج عشرَ حجج، أو اعتمر عشرَ عُمَرٍ، لزم الإتمام في جميعها، فإنما جاءت الآية لإلزام الإتمام لا لإلزام الابتداء، والله أعلم] اهـ.
واستدلوا أيضًا بما أخرجه الأئمة: الترمذي والنسائي وابن ماجه في "السنن" عن رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ، أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ».
وهذا الحديث عمدة أدلة الشافعية والحنابلة في وجوب العمرة؛ حتى قال عنه الإمام أحمد: "لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا ولا أصح منه ولم يُجوِّده أحد كما جوده شعبة"؛ كما نقله عنه غيرُ واحدٍ من العلماء، ومنهم: الإمام البيهقي في "السنن الكبرى".
ثم إن العمرة سواءً أكانت على سبيل السُّنِّيَّة أم على سبيل الوجوب -قد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة- يُشترط فيها الاستطاعة كما تُشترط في الحج. أنظر: "بدائع الصنائع للكاساني" (2/ 121، 227، ط. دار الكتب العلمية)، "القوانين الفقهية" لابن جزي (ص: 107، ط. دار الكتب العلمية)، "البيان" للعمراني (4/ 25، ط. دار المنهاج)، "الكافي" لابن قدامة (1/ 464، ط. دار الكتب العلمية).
وبناءً على ما سبق: فإن العمرة حكمها مختلفٌ فيه ما بين الوجوب والسُّنِّيَّة، والمختار للفتوى أنها سُنَّة مؤكدة في العمر مرةً واحدةً، وهو مذهب جمهور الفقهاء.
وفي واقعة السؤال: ينبغي أن تؤدي العمرة متى توفرت الاستطاعة البدنية والملاءة المالية، وكذلك الحج، ولو استطاع المسلم العمرة ولم يستطع الحج؛ فليبادر بالعمرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الأضحية بالنسبة للمسافر عن بلده، وكذا الحاج؟ وهل هي مشروعة في حقهما؟
ما المقصود من عبارة (حاضري المسجد الحرام)؟ حيث أعيش في مكة المكرمة، وسافرتُ إلى زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية شهر ذي القعدة، ثم رجعتُ فأحرمتُ من آبار عليٍّ بالعمرة، علمًا بأني قد نويتُ أن أحج هذا العام، فهل ينطبق عليَّ وصف حاضري المسجد الحرام الوارد في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ لِمَن لَمْ يَكُن أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ﴾؟
ما هي السنة التي فَرض الله تعالى فيها فريضة الحج؟ فأنا كنت أتكلم مع أخي؛ فقال لي: إن الحج فُرض في السنة العاشرة من الهجرة؛ أي: في السنة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقلت له: بل فُرض قبل ذلك؛ وجرى نقاشٌ بيننا في ذلك، وأريد أن أعرف الرأي الصحيح في هذا الأمر؟
هل يجوز للمسافر الذي وصل إلى مكة صائما أن يفطر ليتقوى على أداء العمرة؟ فهناك رجلٌ سافر في رمضان قبل الفجر لأداءِ العمرةِ، على أن يمكُثَ في مكَّة ثلاثةَ أيامٍ وفي المدينة مثلَها، ثمَّ إنه نوى الصيام وهو في الطائرةِ وشَرَع فيه، ولمَّا وصل إلى مكَّة أراد أن يتقوى على أداءِ العمرةِ بالفطر، فهل يجوز له ذلك شرعًا؟
ما حكم الأضحية بالشاة المغصوبة؟
ما حكم تلبية الدعوة إلى الوليمة للعائد من الحج؟ فأحد جيراني أنعم الله عليه بأداء فريضة الحج، وعاد إلى أرض الوطن بالسلامة، وعزم على إقامة وليمة في بيته بهذه المناسبة، ودعاني إليها. فما حكم إجابة تلك الدعوة؟ وهل عليَّ حرج إذا لم أحضر؟