حكم الخروج من المسجد بعد الأذان

تاريخ الفتوى: 15 مايو 2023 م
رقم الفتوى: 7652
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الصلاة
حكم الخروج من المسجد بعد الأذان

ما حكم الخروج من المسجد بعد الأذان؟ فأنا دخلت المسجد لأصلي الظهر، ثم حدث أمرٌ طارىء فخرجت من المسجد قبل الصلاة؛ فما حكم الشرع في الخروج من المسجد بعد الأذان؟

اتفق الفقهاء على أنه يُرخَّص للمصلي في الخروج من المسجد قبل الشروع في الإقامة، إذا صاحب الخروجَ نيةُ الرجوع، أو كان الخروج لعذرٍ؛ كأن يكون المصلي قد صلَّى وحده، أو كان إمامًا لمسجدٍ آخر، أو أراد بخروجه أن يُدرك الصلاة في مسجدٍ آخر لحضور مجلس علمٍ أو نحو ذلك.

أما إذا لم يصاحب الخروج نيةُ الرجوع أو لم يكن ثمة عذر، فالمختار للفتوى: هو قول جمهور الفقهاء من أنَّ الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة مكروهٌ؛ حملًا للنهي الوارد عن الخروج من المسجد بعد الأذان على الكراهة.

المحتويات

 

فضل التبكير في الذهاب إلى المساجد وانتظار الصلاة

حثَّ الشرع الشريف على التبكير في الذهاب إلى المساجد وانتظار الصلاة، وعلى اغتنام الوقت الذي بين الأذان والإقامة؛ بصلاة السنن والنوافل، والإكثار مِن الدعاء والاستغفار وقراءة القرآن وذِكر الله تعالى والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في أحاديث كثيرة؛ منها:

ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» متفقٌ عليه.

قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 280، ط. مكتبة الرشد): [يدخل في معنى التهجير: المسارعة إلى الصلوات كلها قبل دخول أوقاتها؛ ليحصل له فضل الانتظار قبل الصلاة] اهـ.

وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، حَتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه".

حكم الخروج من المسجد بعد الأذان لعذر

إذا بادر المسلم إلى المسجد لأداء الصلاة؛ امتثالًا للأمر ورجاءً في الفضل، فلا ينبغي له أن يخرج منه بعد الأذان وقبل الشروع في الإقامة؛ لما ثبت عن أبي الشعثاء رضي الله عنه أنه قال: "كنا قعودًا في المسجد مع أبي هريرة رضي الله عنه، فأذَّن المؤذِّن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتَّى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: "أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ" رواه مسلم في "صحيحه".

وأخرجه الإمام الترمذي في "السنن" عن أبي الشعثاء رضي الله عنه بلفظ: "خرج رجل مِن المسجد بعد ما أذن فيه بالعصر"، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم"، وقال عَقِبه: [وعلى هذا العمل عند أهل العلم مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومَن بعدهم: ألَّا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان، إلَّا من عذر: أن يكون على غير وضوءٍ، أو أمرٍ لا بد منه. ويروى عن إبراهيم النخعي، أنه قال: "يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة"، وهذا عندنا لمَن له عذرٌ في الخروج منه] اهـ.

وفي رواية شريك عن المسعودي رضي الله عنه، ثم قال: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ»" أخرجها الإمام أحمد في "مسنده".

قال الإمام ابن عبد البر المالكي في "التمهيد" (24/ 213، ط. أوقاف المغرب): [أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يُصَلِّ وكان على طهارة، وكذلك إذا كان قد صلَّى وحده إلَّا لما لا يعاد من الصلوات.. فلا يحلُّ له الخروج من المسجد بإجماع إلَّا أن يخرج للوضوء وينوي الرجوع] اهـ.

وقال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (1/ 518، ط. دار الكتب العلمية): [والحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد ما أُذِّنَ فيه؛ لكنه مخصوص بمن ليس له ضرورة؛ يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج وقد أُقِيمَتِ الصلاة وَعُدِّلَتِ الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يُكَبِّرَ انصرف قال: (على مكانكم)؛ فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً وقد اغتسل. رواه البخاري وغيره. فهذا الحديث يدل على أن حديث الباب مخصوص بمن ليس له ضرورة؛ فيلتحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم، وكذا مَن يكون إمامًا لمسجد آخر ومَن في معناه] اهـ.

آراء الفقهاء في حكم الخروج من المسجد بعد الأذان من دون عذر

إن لم يكن هناك ثمة ضرورة للخروج من المسجد بعد الأذان فقد اختلف الفقهاء في حكم الخروج من المسجد حينئذٍ، هل هو للتحريم أو الكراهة؟ ومبنى خلافهم هو حقيقة النهي الوارد في الأحاديث السابقة.

فذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، وبعض الحنابلة إلى كراهة الخروج من المسجد في غير الحالات والأعذار المسموح بها شرعًا؛ وهو ما ذهب إليه الحنفية غير أنهم رفعوا درجة الكراهة حيث جعلوها كراهة تحريمية، إلَّا إذا كان الخروج لعذرٍ أو حاجةٍ، وأن عندهم -أي: الحنفية- لا يكره الخروج بعد الأذان لمَن كان صلَّى وحده في جميع الصلوات إلا في الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشروع في الإقامة فقط لا قبله.

قال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" (2/ 54-55، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين"): [(وكره) تحريمًا للنهي (خروج مَن لم يُصَلِّ من مسجد أُذِّنَ فيه) جرى على الغالب، والمراد دخول الوقت أُذِّنَ فيه أو لا (إلا لمَن ينتظم به أمرُ جماعةٍ أخرى) أو كان الخروج لمسجدِ حيِّه ولم يُصَلُّوا فيه، أو لأستاذه لدرسه، أو لسماعِ الوعظ، أو لحاجةٍ، ومَن عزمه أن يعود. "نهر" (و) إلَّا (لمَن صلى الظهر والعشاء) وحده (مرة) فلا يكره خروجه؛ بل تركه للجماعة (إلَّا عند) الشروع في (الإقامة) فيكره لمخالفته الجماعة بلا عذرٍ؛ بل يقتدي متنفلًا لما مر (و) إلا (لمَن صلى الفجر والعصر والمغرب مرة) فيخرج مطلقًا (وإن أقيمت) لكراهة النفل بعد الأوليين، وفي المغرب أحد المحظورين البتيراء أو مخالفة الإمام بالإتمام] اهـ، و"البتيراء": الركعة الواحدة.

قال العلامة ابن عابدين محشِّيًا عليه: [والحاصل أنه لا يكره الخروج بعد الأذان لمَن كان صلى وحده في جميع الصلوات إلَّا في الظهر والعشاء فإنه يكره الخروج عند الشروع في الإقامة فقط لا قبله. تنبيه: المراد بالإقامة هنا شروع المؤذن في الإقامة كما في "الهداية" لا بمعنى الشروع في الصلاة] اهـ.

وقال الإمام النفراوي المالكي في "الفواكه والدواني" (1/ 172، ط. دار الفكر): [أمَّا الخروج بعد الأذان فمكروه إلَّا أن يريد الرجوع إليه] اهـ.

وقال العلامة الحطاب في "مواهب الجليل" (1/ 467، ط. دار الفكر) معلقًا على قول ابن عبد البر السابق "لا يحل له الخروج من المسجد بإجماع": [(قلت) قوله: "لا يحل" أي: يكره له الخروج؛ لأن المكروه ليس بحلال؛ لأن الحلال المباح، وظاهر اللفظ التحريم، وكذلك قوله: "عصى أبا القاسم" وليس كذلك إنما يحرم الخروج بالإقامة، وأما قبلها فيجوز] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (2/ 179، ط. دار الفكر): [يكره الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلِّي إلَّا لعذر] اهـ.

وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 428، ط. دار إحياء التراث العربي): [وكرهه أبو الوفا، وأبو المعالي، ونقل ابن الحكم: أحب إليَّ ألَّا يخرج] اهـ.

بينما ذهب فقهاء الحنابلة في الصحيح من المذهب والإمام ابن حزم الظاهري إلى حرمة الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة ما لم يكن هناك عذر.

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 296-297، ط. مكتبة القاهرة): [ولا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان إلَّا لعذر.. فأما الخروج لعذر فمباح؛ بدليل أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج من أجل التثويب في غير حينه. وكذلك من نوى الرجعة؛ لحديث عثمان رضي الله عنه] اهـ.

وقال الإمام المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (1/ 427): [لا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر أو نية الرجوع على الصحيح من المذهب] اهـ.

وقال الإمام ابن حزم الظاهري في "المحلى بالآثار" (2/ 183، ط. دار الفكر): [ومَن كان في المسجد فاندفع الأذان لم يحل له الخروج من المسجد إلَّا أن يكون على غير وضوء أو لضرورة] اهـ.

ومقتضى ذلك أنَّ الفقهاء متفقون على أنه يُرخَّص للمصلي في الخروج من المسجد قبل الشروع في الإقامة، إذا صاحب الخروجَ نيةُ الرجوع، أو كان الخروج لعذرٍ؛ كأن يكون المصلي قد صلَّى وحده، أو كان إمامًا لمسجدٍ آخر، أو أراد بخروجه أن يُدرك الصلاة في مسجدٍ آخر لحضور مجلس علمٍ أو نحو ذلك.

أما إذا لم يصاحب الخروج نيةُ الرجوع أو لم يكن ثمة عذر، فالمختار للفتوى: هو قول جمهور الفقهاء من أنَّ الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الصلاة مكروه؛ حملًا للنهي الوارد عن الخروج من المسجد بعد الأذان على الكراهة.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فيكره الخروج من المسجد بعد الأذان وقبل الإقامة، إلا لحاجة أو عذر شرعيٍّ مقبول أو بنية الرجوع، كما سبق بيانه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

نرجو منكم بيان كيف حث الشرع الشريف على الإنفاق ومساعدة الفقراء والمساكين.


سائل يقول: أرى بعض أصدقائي يقومون بإيذاء وتعذيب الحيوانات الأليفة والتمثيل بهم من باب اللهو. فنرجو منكم بيان رأي الشرع في ذلك.


ما حكم صلاة المأمومين في طابق في المسجد غير الطابق الذي يصلي فيه الإمام؟ حيث يوجد مسجد مكون من طابقين، وتؤدى جميع الصلوات في الطابق الثاني، ولكن لظروف سن أو مرض عند بعض المصلين نقوم بفتح الدور الأول لهم لأداء الصلاة فيه، ويقوم بعض المصلين بأداء الصلاة معهم في الدور الأول في صفوف منتظمة رغم عدم اكتمال الصفوف بالدور الثاني. فهل تصح صلاتهم؟


سائل يقول: يحدث أثناء المحاضرة أن يقوم بعض الطلبة بترك المحاضرة للصلاة بعد الأذان مباشرة، ولما نبهت إلى أنه يمكن تأجيل الصلاة إلى ما بعد المحاضرة، فقام بعض الطلاب بكتابة رد يتضمن بعض المناقشات.

والسؤال: هل لا بد أن تؤدى الصلاة بعد وقت الأذان مباشرة؟ وهل واجب الإدارة أن تقوم بتوفير أوقات الصلاة وعدم شغلها بالمحاضرات؟ وهل أترك المحاضرة وقت الصلاة؟

وما الرأي في الآيات والأحاديث والحُجج التي أوردَها بعض الطلاب والتي ظاهرها يؤيد هذا الرأي وهي: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]؟

وحديث: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

وحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»

وأنه لو أبيح تأخير الصلاة عن وقتها ولو قليلًا لكان الأمر أولى أثناء الحروب، وهو ما لم يحدث فكانت صلاة الخوف.


ما حكم أداء الصلاة في جماعة؟ هل يجوز للرجل أن يؤديها في بيته مع زوجته وأبنائه بدلًا من أدائها في المسجد؟


سائل يسأل عن كيفية وقوف المأموم مع الإمام إذا كان المأموم فردًا واحدًا، وهل يقف إلى جوار الإمام أو عن يمينه أو عن يساره؟