مدى اشتراط إعلام الشخص الذي وقعت عليه الغيبة عند التوبة منها

تاريخ الفتوى: 20 أبريل 2023 م
رقم الفتوى: 7607
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: آداب وأخلاق
مدى اشتراط إعلام الشخص الذي وقعت عليه الغيبة عند التوبة منها

ما مدى اشتراط إعلام الشخص الذي وقعت عليه الغيبة عند التوبة منها؟ حيث إن هناك من يغتاب الناس، ثم يندم ويتوب إلى الله، ويسأل هل من شروط التوبة أن يتحلل ممن اغتابه، ويُعلمه ويطلب منه المسامحة؟

التوبة من الغيبة تتحقق بشروطها؛ من الندم على ما صدر من غيبة، والإقلاع عنها، والاستغفار من هذا الذنب الجسيم، والإخلاص في التوبة إلى الله عزَّ وجلَّ منه، مع العزم على عدم الرجوع إليه مرة أخرى، حتى تكون التوبة توبة نصوحًا، كما يلزم الدعاء والاستغفار لِمَن وقعت عليه الغيبة، ومحاولة ذكر محاسنه ومدحه في مواطن غيبته، ولا يلزم التحلل بإعلام مَنْ اغْتِيب؛ كما هو المختار للفتوى؛ لأن إعلامه مما يدخل الكدر والغم على قلبه، وربما أورث ضررًا وعداوة بينهما تؤدي إلى شرٍّ أكبر من الغيبة، وهذا مما يناقض مقصود الشارع في تحقق التعاطف والتراحم والمحبة بين الناس؛ إذ اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، فكانت المفسدة في إعلام من اغتيب بالغيبة أعظم من التحلل منها، وقد تقرر في قواعد الشرع الشريف: "دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ".

المحتويات

مفهوم الغيبة وكيفية التوبة منها

الغيبة شرعًا هي: وصف الشخص وهو غائب عن المجلس بوصفٍ يكرهه إذا سمعه.

وبخصوص كيفية التوبة من الغيبة، وهي مما اجتمع فيه حق الله وحق العبد؛ أما حق الله: فلكون المغتاب قد فعل ما نهى الله تعالى عنه، وأما حق العبد: فلكون المغتاب قد وقع في محارم العباد.

والتوبة منها تكون بالندم عليها، والإقلاع عنها، والاستغفار من هذا الذنب الجسيم، وكذا الدعاء والاستغفار لمن اغتيب.

آراء العلماء في مدى اشتراط إعلام الشخص الذي وقعت عليه الغيبة عند التوبة منها

أما استحلال المغتاب وطلبه العفو ممن اغتيب؛ فقد اختلف العلماء في لزومه وفق اعتبار وصول الغيبة لمن اغتيب أو عدم ذلك:

فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في رواية أن مَن اغتيب إذا لم يعلم بالغيبة: فلا يلزم المغتاب التحلل منه، بل يكفي الاستغفار له؛ لأن إعلامه مما يدخل الغم والكدر على قلبه، وربما كان سببًا لعدم عفوه وصفحه عن المغتاب، بخلاف ما لو علم بالغيبة: لزم المغتاب التحلل ممن اغتيب.

واسْتُدِل على ذلك بما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» أخرجه البخاري في "الصحيح".

وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ من كَفَّارَةِ الْغِيبَةِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنِ اغْتَبْتَهُ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَه» أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق"، والبيهقي في "الدعوات" واللفظ لهما، والدينوري في "المجالسة"، وله شواهد من عدة طرق.

قال علاء الدين الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (6/ 410، ط. دار الفكر) في أحكام الغيبة: [إذا لم تبلغه يكفيه الندم، وإلا شرط بيان كل ما اغتابه به] اهـ.

قال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (6/ 410، ط. دار الفكر) محشِّيًا عليه: [(قوله وإلا شرط بيان كل ما اغتابه به): أي مع الاستغفار والتوبة، والمراد أن يبين له ذلك ويعتذر إليه ليسمح عنه بأن يبالغ في الثناء عليه والتودد إليه ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه، وإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده حسنة يقابل بها سيئة الغيبة في الآخرة، وعليه أن يخلص في الاعتذار، وإلا فهو ذنب آخر ويحتمل أن يبقى لخصمه عليه مطالبة في الآخرة، لأنه لو علم أنه غير مخلص لما رضي به] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (4/ 357، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويستغفر الله) تعالى (من الغيبة) إن لم يعلم صاحبها بها (فإن علم صاحبها) بها (استحل منه لا من وارثه) بعد موته. عبارة الأصل: فإن تعذر استحلاله لموته، أو تعسر لغيبته البعيدة: اسْتَغْفَرَ الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة] اهـ.

وقال الشيخ البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (6/ 115، ط. دار الكتب العلمية): [(وقيل) يشترط إعلامه (إن علم به المظلوم، وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه. ذكره الشيخ عن أكثر العلماء)] اهـ.

وذهب المالكية إلى وجوب التحلل ممن اغتيب سواء علم بالغيبة أو لم يعلم، ولو بالبراءة المجهول متعلقها، نحو قول المغتاب للذي اغتيب: قد اغتبتك فاجعلني في حِلٍّ دون أن يبين له ما اغتابه به.

قال شهاب الدين النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (2/ 280، ط. دار الفكر): [الغيبة لها جهتان: إحداهما من حيث الإقدام عليها، والأخرى من حيث أذية المغتاب، فالأولى: تنفع فيها التوبة بمجردها، والثانية: لا بد فيها مع التوبة من طلب عفو المغتاب عن صاحبها، ولو بالبراءة المجهول متعلقها عندنا] اهـ.

وذهب الحسن البصري ومجاهد وأبو عبد الله الحناطي من الشافعية والحنابلة في الصحيح عندهم إلى: أنه لا يلزم المغتاب التحلل ممن اغتيب مطلقًا سواء علم أو لم يعلم، بل تكفي التوبة والندم والاستغفار.

قال محيي الدين النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (8/ 221، ط. دار الكتب العلمية): [وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب، فرأيت في "فتاوى الحناطي" أنه يكفيه الندم والاستغفار وإن بلغته] اهـ.

وقال حجة الإسلام الغزالي الشافعي في "إحياء علوم الدين" (3/ 153، ط. دار المعرفة): [اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته.. وقال الحسن: يكفيه الاستغفار دون الاستحلال، وربما استدل في ذلك بما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كَفَّارَةُ مَن اغْتَبْتَه أَن تَسْتَغْفِرَ لَهُ» وقال مجاهد: كفارة أكلك لحم أخيك أن تثني عليه وتدعو له بخير] اهـ.

وقال علاء الدين المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (10/ 225، ط. دار إحياء التراث العربي): [لا يشترط لصحة توبة من قذف وغيبته ونحوهما: إعلامه، والتحلل منه على الصحيح من المذهب] اهـ.

المختار للفتوى في مدى اشتراط إعلام الشخص الذي وقعت عليه الغيبة عند التوبة منها

الذي نختاره للفتوى وعليه العمل: أنه لا يشترط لصحة التوبة من الغيبة تحلل المغتاب ممن اغتيب؛ كما هو مذهب الحسن البصري، ومجاهد، وأبو عبد الله الحناطي من الشافعية والحنابلة في صحيح مذهبهم، واختاره الشيخ ابن تيمية؛ لأن إعلامه مما يدخل الكدر والغم على قلبه، وربما أورث ضررًا وعداوة بينهما تولد شرًّا أكبر من الغيبة، وهذا مما يناقض مقصود الشارع في تحقق التعاطف والتراحم والمحبة بين الناس؛ إذ اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، فكانت المفسدة في إعلام من اغتيب بالغيبة أعظم من التحلل منها، وقد تقرر في قواعد الشرع الشريف: "دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي (ص: 87، ط. دار الكتب العلمية).

قال الشيخ البهوتي في "كشاف القناع" (6/ 115): [وقال) الشيخ -يعني: ابن تيمية- (وعلى الصحيح من الروايتين: لا يجب الاعتراف) للمظلوم] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن التوبة من الغيبة تتحقق بشروطها؛ من الندم على ما صدر من غيبة، والإقلاع عنها، والاستغفار من هذا الذنب الجسيم، والإخلاص في التوبة إلى الله عزَّ وجلَّ منه، مع العزم على عدم الرجوع إليه مرة أخرى، حتى تكون التوبة توبة نصوحًا، كما يلزم الدعاء والاستغفار لِمَن وقعت عليه الغيبة، ومحاولة ذكر محاسنه ومدحه في مواطن غيبته، ولا يلزم التحلل بإعلام مَنْ اغْتِيب؛ كما هو المختار للفتوى؛ لعظم المفسدة في إخباره كما سبق بيانه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

يريد السائل معرفة فضل المساجد ومكانتها من خلال ما ذُكِر عنها في القرآن الكريم.


ما حكم صلاتي في المنزل بدلًا من المسجد خوف الوقوع في الرياء وحبّ الظهور؟ وما الذي يجب عليَّ فعلُه؟

 


ما حكم نظر الرجل للمرأة الأجنبية بغير شهوة؟


هل يعد غير الراغب في القطيعة من المشاحنين والمخاصمين الذين لا يغفر لهم في ليلة النصف من شعبان؟ حيث إنه قد حصل بين أحد الأشخاص وأخيه بعض الخلافات، حتى أدى ذلك إلى القطيعة التامة بينهما، ومرَّ على ذلك شهر أو أكثر، وبعد أن راجع نفسه قرر الصلح وعزم على وصله، لكنه يمتنع عن ذلك كلما يراد الكلام معه، ونحن الآن في أيام مباركة وليلة عظيمة؛ هي ليلة النصف من شعبان، وقد علمنا أن الله يغفر لكلِّ الناس فيها إلا المشاحن، وقد بيَّن هذا الشخص رغبته في وصل أخيه وامتناع الأخ عن ذلك، فهل يكون ممن لا يغفر الله له في هذه الليلة المباركة بسبب المشاحنة والمقاطعة الحاصلة بينه وبين أخيه؟


ما حكم هجر المصرّ على الأذى والضرر في ليلة النصف من شعبان؟ فقد حصل بين أحد الأشخاص وصاحب له خلافات ومشاكل، وتعاظم الأمر حتى أدى ذلك إلى القطيعة بينهما، ومَرَّ على ذلك بعض الأيام، وقد هلَّ علينا شهر شعبان المبارك، وعلم أن الله يغفر لكلِّ الناس في ليلة النصف منه إلا المشاحن، فسعى للصلح معه، إلا أنه بادره بالسب والأذية بالكلام والأفعال، واختلاق المشاكل، والخوض في الأعراض، وغير ذلك من الأمور السيئة التي تؤدي للفتنة بينه وبين جيرانه وأقاربه، ويتكرر ذلك كلما سعى في الصلح معه وإصلاح ما فسد بينهما، وبعد معاناة من هذا الأمر قرر مجانبته وهجره وعدم الحديث معه؛ تجنبًا للمشاكل والأذية، لحين أن تهدأ نفسه، أو يجد فرصة مناسبة للصلح. فهل يكون من المشاحنين الذين لا يغفر الله لهم في هذه الليلة المباركة بسبب هجره صاحبَه هذا وتجنبه؟


ما هي القواعد التي نصَّت عليها الشريعة الإسلامية في التذكية -أي: الذبح- الشرعي للحيوانات والطيور؟