ما حكم بيع السيارات عن طريق كراسات الشروط؟ فنحن شركة توصلنا لفكرة تجارية، صورتها بضرب المثال: أن نقوم مثلًا بشراء عدد من السيارات، وليكن مثلًا عشرين سيارة، ولنفترض أن سعر السيارة مائة ألف جنيه، ثم نبيع هذه السيارات إلى عشرين مستفيدًا بدون مقدم، وبتقسيط مباشر معنا، وبتخفيض كبير عن السعر الأصلي؛ فبذلك يمكن للمشتري الاستفادة من السعر المخفض وامتلاك السيارة بتقسيط مباشر ومناسب ماديًّا.
وأما الربح المرتجى من هذه العملية فسيكون عن طريق قيامنا بطرح عدد معين من كراسات الشروط، والتي سنضع بها شروطًا للمستفيدين من العرض؛ بحيث يقوم المتقدمون للعرض بشراء كراسات الشروط، وبناء على العدد المطروح من كراسات الشروط، سيتم توفير المبلغ المطلوب لشراء العشرين سيارة وتغطية قيمة التخفيض.
ثم نقوم بإجراء قرعة علنية في مدة معينة لاختيار عشرين منهم ليتم بيع السيارات لهم بالمميزات المذكورة سابقًا لعملائنا.
وقد بحثنا في الشكل القانوني لإجراء مثل هذه القرعات العلنية، فوجدنا أنه يجب علينا إخطار وزارة التضامن وحقوق حماية المستهلك بميعاد القرعة وقيمة الجوائز، ودفع 15% من قيمتها مقدمًا، وتحديد البداية والنهاية لهذه الفترة التي يتم بعدها تحديد الفائزين.
فنرجو إفادتنا بالرأي الشرعي: هل هذه الصورة تصح أو لا؟
وهل يوجد اقتراح أو تعديل أو تحسين؟
لا يجوز بيع السيارات عن طريق كراسات الشروط بهذه الصورة الواردة في السؤال؛ وذلك لإغراء من عنده رغبة للفوز بسيارة من العشرين سيارة المقترح الإعلان عنها؛ لما فيها من المقامرة، والخداع، والغرر، والجهالة، والتعدي على أموال الناس بالباطل، وضياع أموال باقي المشتركين.
فإذا تم تصحيح واقع هذه المسابقة بطريقة يُراعى فيها انتفاء المحظورات الشرعية، واتباع الإجراءات والقواعد المقررة قانونًا- فلا مانع شرعًا.
المحتويات
الأصل في أحكام المعاملات المالية في الشريعة الإسلامية أنها شُرعت لتحقيق منافع الخلق وتلبية احتياجاتهم؛ وذلك في إطارٍ من الأوامر والنواهي الشرعية التي تعمل على تحقيق العدالة في تحصيل كل طرفٍ لمنفعته بتعامله مع الطرف الآخر، ولذلك يشترط أن تكون خالية من نحو: الغش والغرر والضرر والربا.
من أهم العقود التي أباحها الشرع الشريف: عقد البيع، ويمكن تعريفه بأنه: عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربة؛ انظر: "حاشية الجمل على شرح المنهج" (3/ 4، ط. دار الفكر).
ومن المقرر شرعًا حِلُّ البيع والشراء في أصلهِما؛ فقال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]؛ فبيَّن سبحانه أَنَّ جنس البيع حلال؛ قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (3/ 356، ط. دار الكتب المصرية): [قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾؛ هذا من عموم القرآن، والألف واللام للجنس لا للعهد؛ إذ لم يتقدم بيعٌ مذكور يرجع إليه] اهـ.
وقال الإمام الشوكاني في "فتح القدير" (1/ 339، ط. دار الكلم الطيب): [﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾: أي أن الله أحلَّ البيع، وحرَّم نوعًا من أنواعه، وهو البيع المشتمل على الربا] اهـ.
وهذا الحِلُّ ينسحبُ على كلِّ أنواع البيوع إلّا ما نصَّ الشرع على حرمته واستثناه من حكم الأصل؛ وذلك كالبيوع المشتملة على الرَّبا أو غيره من المحرمات؛ قال الإمام الشافعي في "الأم" (3/ 3، ط. دار المعرفة): [فأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايِعَيْن الجائزي الأمر فيما تبايعا، إلا ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها. وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرم بإذنه داخل في المعنى المنهي عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى] اهـ.
فإذا تحققت أركان البيع؛ من العاقدين (البائع والمشتري)، والمعقود عليه (الثَّمَن والمُثَمَّن)، والصيغة (الإيجاب والقبول) وخلا ممَّا يُفسده أو يُبطله: فقد صَحّ العقد.
بالنظر إلى ما تضمنه وصف المعاملة المسؤول عنها، نجد أنها قائمة على أساس اختيار عشرين شخصًا فقط من الذين قاموا بشراء الكراسات، لفوز كل واحد منهم بسيارة عن طريق الاقتراع من بين عدد المتقدمين لنيل هذه الفرصة، فهذه المعاملة -بناءً على ما ذكر في السؤال- تشتمل على عدة محاذير تقضي بحرمتها؛ أهمها:
أولًا: أنّ من شروط البيع الصحيح أن يكون البائع مالكًا لما يبيع، وفي هذه المعاملة السيارات -محل التعاقد- ليست موجودة عند البائع، وإنما ستُشْتَرى مستقبلًا من الأموال التي سيتم جمعُها بعد بيع كراسات الشروط؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع غير المملوك، والذي يعبر عنه بالمعدوم أو المجهول؛ فروى الترمذي والنسائي وأبو داود في "سننهم" عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: يأتيني الرجل يسألني مِنَ البيع ما ليس عندي؛ أبتاع له من السوق، ثم أبيعه؟ قال: «لَا تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ».
ثانيًا: أن هذه المعاملة كما أنها غير مملوكة للبائع عند التعاقد، فإنها أيضًا تشتمل على غررٍ وجهالة؛ لخفاء الحال عن المشتركين عند الإقدام على ذلك من القدرة على الشراء، وتسليم السيارات من عدمها؛ توقفًا على ما ستجمعه الكراسات من أموال، والغرر والجهالة من الأمور المنهي عنها شرعًا؛ لما رَوى مسلمٌ في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ"؛ قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (10/ 156، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأما النهي عن بيع الغرر فهو أصلٌ عظيمٌ من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه مسلمٌ، ويدخل فيه مسائلُ كثيرةٌ غير منحصرة؛ كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهمًا، وبيع ثوبٍ من أثواب، وشاة من شياه، ونظائر ذلك؛ وكل هذا بيعه باطل] اهـ.
وقال الإمام أبو إسحاق الشيرازي في "المهذب" (2/ 12، ط. دار الكتب العلمية): [ولا يجوز بيع المعدوم؛ كالثمرة التي لم تخلق؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الغرر"؛ وَالْغَرَرُ مَا انْطَوَى عَنْهُ أَمْرُهُ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ عَاقِبَتُهُ، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها في وصف أبي بكر رضي الله عنه: "فردٌ نشر الإسلام على غُرِّه"؛ أي على طيّه، والمعدوم قد انطوى عنه أمره، وخفي عليه عاقبته؛ فلم يجز بيعه] اهـ.
ثالثًا: أن هذه المعاملة بما تشتمل عليه؛ من أن الاعتماد الأساسي يتعلق بقدر ما يتمُّ بيعه من كراسات قد تصل إلى آلاف الكراسات التي لن يستفيد من بيعها إلا أصحاب عشرين كراسة فقط، وهذا يشتمل على تعدٍّ على أموال الناس، وأكلٍ لها بالباطل، وهذا من الأمور المنهي عنها شرعًا؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]، ويقول سبحانه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]؛ قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (2/ 338) عند هذه الآية: [الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق. فيدخل في هذا: القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه؛ كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك] اهـ.
والفطرة الإنسانية السوية التي جاء الشرع متسقًا معها تستقبح أكل أموال الناس بالباطل وتنفر منه، ولقد خاطبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في معرض نهيه عن صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل، وهي: الْخَرْص، فقال فيما أخرجه الإمام أحمد في "مسنده": «أَرَأَيْتُمْ إِنْ هَلَكَ الثَّمَرُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ؟».
رابعًا: أن هذه المعاملة بما تشتمل عليه من أنَّ الأشخاص الذين يقومون بشراء الـكراسات، يشترونها بغرض الحصول على فرصة للحصول على السلعة محل التعاقد -وهي هنا السيارات-. فأكثرُ هؤلاء الأشخاص لن ينالوا هذه الفرصة، والمشارك في هذا الأمر يُراهن إما على المكسب لهذه الفرصة، وإما الخسارة لقيمة هذا الاشتراك، وهذا من قبيل المقامرة التي حرمها الشرع الشريف وعبر عنها بالميسرِ.
ضابطه: أن يؤخذ مال الإنسان وهو على مخاطرة؛ لا يدري هل يحصل له عوضه أو لا؟
قال العلامة الكمال بن الهمام في "فتح القدير" (4/ 493، ط. دار الفكر): [الميسر حاصلُهُ: تعليق الملك أو الاستحقاق بالخطر] اهـ.
وقال العلامة الماوردي في "الحاوي الكبير" (15/ 192، ط. دار الكتب العلمية): [هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانمًا إن أخذ، أو غارمًا إن أعطى] اهـ.
وقد حرم الشرع اتخاذ الميسر وسيلةً لكسب المال؛ فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].
والميسر هو القمار، وإنما سمي القمار بالميسر اشتقاقًا من اليسر؛ لتحصيل المال فيه بيسر وسهولة من غير كدٍّ ولا تعب.
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (6/ 400، ط. دار إحياء التراث العربي): [المسألة الثالثة: في حقيقة الميسر؛ فنقول: الميسر: القمار، مصدر من يسر؛ كالموعد والمرجع مِن فِعلهما، يقال: يسرته إذا قمرته، واختلفوا في اشتقاقه على وجوه؛ أحدها: قال مقاتل: اشتقاقُه من اليسرِ؛ لأنه أخذٌ لمال الرجل بيسر وسهولة من غير كدٍّ ولا تعبٍ] اهـ.
وأخرج الإمام البيهقي في "سننه" وفي "معرفة السنن والآثار" عن قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن ربي حَرَّمَ عَلَيَّ الخمرَ، والميسر، والقِنِّينَ، والكُوبَةَ».. ثم قال: ورُوِّينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "الميسر: القمار".
ونقل الإجماع على تحريمه غير واحد من العلماء:
قال العلامة ابن مازه في "المحيط البرهاني" (5/ 324، ط. دار الكتب العلمية): [والقمار حرام بالإجماع، وبنص التنزيل] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في "تفسيره" (3/ 52): [إجماع العلماء أن القمار كله حرام] اهـ.
وقال العلامة ابن القَطّان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 304، ط. الفاروق): [والقمار فيها -أي في النرد- وفي غيرها محرم] اهـ.
وقد اختلفت الأنظار في علة تحريم القمار؛ فقيل: علته تعبدية، وإلى هذا المعنى أشار العلامة كمال الدين بن الهُمام في "فتح القدير" (6/ 298)؛ حيث قال: [ولقائل أن يقول: القمار ما حرم لمعنى الخطر، بل باعتبار تعليق الملك بما لم يضعه الشرع سببًا للملك؛ فإن الشارع لم يضع ظهور العدد الفلاني في ورقة مثلًا سببًا للملك، والخطر طرد في ذلك لا أثر له] اهـ.
وقيل: إنه لا يخلو من معنى معقول يصلح لأن يُناط التحريم به، وهو ما فيه من إذهاب المال من غير أن يقابَل بغرض صحيح، وقد أفاد بهذا المعنى الشيخُ ابن أمير حاج في "التقرير والتحبير" (1/ 137، ط. دار الكتب العلمية) في أثناء مناقشته لما أورده الكمال بن الهُمام في "فتح القدير" من كلامه الذي أسلفنا نقله؛ فقال: [وأقول: ولقائل أن يقول: سلمنا أن القمار حرم لكون الشارع لم يضعه سببًا للملك، لكن الظاهر أنه ليس بأمر تعبدي محض، بل لاشتماله على أمر معقول يصلح مناطًا للتحريم، فإذ لم يظهر أنه الخطر فلعلَّةِ ما فيه من إذهاب المال لا في مقابلة غرض صحيح عند العقلاء، وتملكه على صاحبه كذلك. ثم كون الخطر فيه أمرًا طرديًّا لا يمنع ثبوته علة لفساد ما دخل عليه في باب إثبات ملك المال بالنظر إلى النهي عن أمور أخرى اشتمل عليها وخُيل فيها عِلِّيَّتُه للتحريم؛ كالنهي عن بيع الملامسة والمنابذة والحصاة] اهـ.
وعلى كل تقدير فالقمار والميسر من أكل أموال الناس بالباطل؛ قال الإمام ابن أبي زيد القيرواني في "الرسالة" (ص: 151، ط. دار الفكر): [وحرم الله سبحانه أكل المال بالباطل، ومن الباطل: الغصب، والتعدي، والخيانة، والربا، والسحت، والقمار، والغرر، والغش، والخديعة، والخلابة] اهـ.
الحكمة من تحريمه ظاهرة في معان كثيرة؛ منها: ما يترتب عليه من إلحاق الضرر بالمجتمع؛ لأن تَرَبُّحَ المال بمثل هذه الأساليب من أسباب حصول اضطراب التوازن الاقتصادي في المجتمع، وتفشي سلوكيات التحاسد والتباغض بين الأفراد، وفقدان آليَّات الأخذ بالأسباب لتحقيق الربح في الأموال، وهذه المعاني هي المشار إليها في قول الباري سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾، ثم عقَّب سبحانه بتعبير بلاغي بديع مزج بين الحثِّ على الامتثال والتعفُّف، مع كمال الشفقة بالمكلَّف، وتمام الوعيد لمن يتخلَّف؛ فقال جلَّ شأنه: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 91].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (3/ 676، ط. دار هجر): [وأما في الميسر؛ فما فيه من الشغل به عن ذكر الله، وعن الصلاة، ووقوع العداوة والبغضاء بين المتياسرين بسببه] اهـ.
وقال الشيخ الطاهر بن عاشور في "مقاصد الشريعة الإسلامية" (3/ 470-488، ط. وزارة الأوقاف القطرية): [والمقصد الشرعي في الأموال كلها خمسة أمور: رواجها، ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها؛ فالرواج: دوران المال بين أيدي أكثرِ مَن يمكن مِن الناس بوجه حق.. وأما وضوح الأموال: فذلك إبعادُها عن الضرر والتعرض للخصومات بقدر الإمكان.. وأما العدل فيها: فذلك بأن يكون حصولها بوجه غير ظالم، وذلك إما أن تحصل بعملِ مُكتسبِها، وإما بعوض مع مالكها أو تبرع، وإما بإرث، ومن مراعاة العدل: حفظ المصالح العامّة ودفع الأضرار] اهـ.
والحاصل أن من مقاصدِ الشرع الشريف التي نصَّ عليها أئمَّةُ الأصول حِفْظَ المال؛ قال الإمام القرافي في "الفروق" (3/ 249، ط. عالم الكتب): [ومقصود الشرع: حفْظُ المال عن الضياع] اهـ.
بناءً على ما سبق: فكلُّ معاملةٍ مالية لا بدَّ فيها من أن تكونَ موافقةً للشرع الشريف ومتماشية مع مقصد حفظ المال؛ بأن توافقَ الشروطَ الشرعيةَ للتعاقد، ولا تشتمل على أي شرط يخالفُ القواعدَ والمقاصدَ الشرعية؛ ولذا فينبغي مراعاة هذه الأحكام الشرعية في ممارسة مثل هذه المسابقات وتنظيمها حتى تتحقق مشروعيتها بعدم شوبها بالمقامرة أو الخداع أو الغرر أو الجهالة أو التعدي على أموال الناس بالباطل ونحو ذلك ممَّا من شأنه ألَّا يُخلّ بالنظام العام والآداب العامة، وهو ما اعتبره المُقَنِّنُ المصري أحكامًا آمرةً وضابطةً لهذا المجال؛ كما هو مفاد مواد القانون رقم (93) لسنة 1973م الخاص بنظام اليانصيب، والمواد (13) و(14) و(57) من قانون رقم (181) لسنة 2018م بشأن جهاز حماية المستهلك، ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس الوزراء رقم (822) لسنة 2019م.
وعليه وفي واقعة السؤال: فإن هذه المعاملة ممنوعة شرعًا، فلا يجوز بيع هذه الكراسات بهذه الصورة الواردة لإغراء من عنده رغبة للفوز بسيارة من العشرين سيارة المقترح الإعلان عنها، ثم ضياع أموال باقي المشتركين. فإذا تمَّ تصحيح واقع هذه المسابقة بطريقة يُراعى فيها انتفاء المحظورات الشرعية واتباع الإجراءات والقواعد المقررة قانونًا- فلا مانع شرعًا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تصرفات الأب في مال ولده الصغير؟ فقد سُئِل بما صورته: المسألة الأولى: هل ينوب الأب عن ولده الصغير إنابةً مطلقةً من غير قيدٍ ولا شرطٍ في التصرفات الشرعية التي يعقدها مع الغير بشأن أموال ولده الصغير سواء كانت منقولًا أو عقارًا، فيعتبر الأب في هذه الحالة حالًّا محلَّ ولده الصغير حلولًا شرعيًّا يترتب عليه آثاره، فتنفذ تصرفات هذا الأب في مال ولده على اعتبار هذا الأخير كأنه غير موجود، ولا يجوز للصغير نقض ما حصل من هذه التصرفات بعد بلوغه سن الرشد؟
المسألة الثانية: هل إذا باع الأب بما له من الولاية الشرعية على ولده الصغير عقارًا للصغير بثمن لا غبن فيه ولم يقبض كل الثمن، ثم أهمل مطالبة المشتري بباقي الثمن حتى مضت المدة المانعة من سماع الدعوى، فهل للصغير بعد بلوغه الرشد أن يطالب المشتري بباقي الثمن الذي لم يمكن إلزامه به قضاء لمضي المدة المانعة من سماع الدعوى قبل بلوغ الصغير سن الرشد، أم يرجع الصغير على والده بحساب ما أضاعه عليه بسبب إهماله المطالبة قبل مضي المدة من سماع الدعوى ولا رجوع له على المشتري؟
المسألة الثالثة: هل للأب غير الفاسد بما له من الولاية الشرعية على ولده الصغير أن يبيع كلَّ أو بعضَ عقار ولده بثمن لا غبن فيه وفاءً لديون عليه شخصيًّا؟ وهل له أن يرهن كلّ أو بعض عقار ولده الصغير لوفاء ذلك؟ وهل ينعقد البيع أو الرهن ويصبح نافذًا على الصغير بعد بلوغه سن الرشد ولو كان المشتري أو المرتهن يعلم بأن ثمن البيع أو الرهن سيوفي به الأب ديونًا ترتبت في ذمته لحساب نفسه لا لحساب ولده الصغير؟ وهل ينعقد هذا الرهن ويصبح نافذًا على الصغير ولو بعد بلوغ سن الرشد إذا كان العقار المرهون يملك فيه الأب جزء على الشيوع والجزء الآخر لولده الصغير فخلط الأب قيمة الرهن التي قبضها من المرتهن عمّا يخصه بحسب نصيبه في العقار المرهون، وما يخص ولده الصغير وتصرف فيه لحساب نفسه بأن دفعه لديون شخصية عليه لآخرين، أو تصرف فيه لمصلحة نفسه أو أضاعه؟ وهل للصغير في هذه الحالة الرجوع على والده بحساب ما قبضه من قيمة الرهن أو البيع الذي لا غبن فيه، أم يرجع على المشتري والمرتهن؟ أفتونا بالجواب، ولكم الأجر والثواب.
ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما طُلِب منه التسعير: «إنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الرَّازِقُ..» إلخ الحديث؟ وهل هناك في التسعير ما هو ظلم محرّم، وما هو عدل جائز؟ وما هو رأي الشرع في مسألة السعر أو التسعيرة؟ وهل رفع السعر حرام أم جائز؟ وإذا كان في التسعير مصلحة عامة للأمة فهل يجوز شرعًا لولي الأمر أن يضبط الأسعار بنفسه؟ وما هي حدود تدخله؛ هل ذلك مطلَق له في أي وقت، أم أن تدخله في حالة الخلل فقط؟
هل يجوز انتفاع المشتري بالمبيع عند التأخر في دفع باقي الثمن؟ حيث باع رجل ثمانية أفدنة بمبلغ 1200 جنيه بعقد ابتدائي بتاريخ 2/ 8/ 1944م، قبض من ثمنها 200 جنيه عند تحرير العقد، واشتَرَط دفع باقي الثمن عند التوقيع على العقد النهائي الذي اشترط أن يحرره بمعرفة المشتري، ويُقَدَّم له لتوقيعه، كما اشترط أنه في حالة تأخير المشتري عن تحرير العقد المذكور لغاية نهاية أكتوبر سنة 1944م يكون ملزمًا بدفع 300 جنيه أخرى من الثمن، ولم يذكر بالعقد الابتدائي شيئًا عن موعد دفع باقي الثمن. وقد استمر المشتري ابتداءً من نوفمبر سنة 1944م في دفع أقساط من الثمن بلغ مجموعها 800 جنيه حتى نهاية مايو سنة 1945م ، ثم في 5/ 6/ 1945م حرَّر العقد النهائي، ودفع باقي الثمن. ونظرًا لأن المشتري وضع يده على الأطيان المذكورة واستغلَّها ابتداءً من تاريخ العقد الابتدائي ولم يدفع باقي الثمن ومقداره 400 جنيه إلا بعد انقضاء نحو ثلثي سنة 1945م الزراعية، فضلًا عن أن 800 جنيه التي دفعها من الثمن كانت تُدفع أقساطًا في مدة عشرة أشهر؛ لذلك قد أخذ من المشتري علاوة على 1200 جنيه الثمن المتفق عليه مبلغ عشرين جنيهًا كإيجار للقدر الذي استغله قبل أن يدفع ثمنه. فهل يحلُّ له أخذ مبلغ العشرين جنيهًا المذكورة، أو أنه لا يحلُّ له أخذها وتعتبر من قبيل الربا المحرم؟
ما حكم هلاك المبيع عند المشتري في فترة الخيار؟ فقد اشترى رجل جاموسة من أحد الأشخاص على فرجة بمبلغ 73 جنيهًا، ودفع من ثمنها مبلغ 60 جنيهًا وقت استلامها، وبقي من الثمن 13 جنيهًا على حساب المعاينة والفرجة، وأحضرها إلى منزله الساعة 12 ظهرًا، فلما وضع لها الأكل أكلت خفيفًا، وعند المساء وقت الحلاب عاكست، وفي منتصف الليل أراد أن يضع لها برسيمًا فوجدها ميتة، وقد طالبه البائع بباقي الثمن وهو 13 جنيهًا، وطلب السائل الإفادة عن الحكم الشرعي في هذا الموضوع.
ما حكم التجارة في السلع بشرائها لمن يطلب وبيعها له بالتقسيط مع زيادة في الربح؟ حيث يوجد بعض الأشخاص يريدون شراء بعض السلع والأجهزة، فأقوم بشرائها لهم من الشركة أو من البائع، ثم أبيعها لهم بالتقسيط، مع وضع نسبةِ ربحٍ لي على ذلك؛ فهل هذا النوع من التجارة جائزٌ شرعًا؟
هل يجوز أن أبيع للأقارب والأصدقاء والفقراء بسعر منخفض عمَّا أبيع به لغيرهم، أم يجب عليّ المساواة في السعرِ بين الجميع؟