ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة؟
سجود التلاوة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها جائزٌ، ولا كراهةَ فيه.
المحتويات
سجود التلاوة: هو الذي سببه تلاوة آيةٍ من آيات السجود في القرآن، وهو مشروعٌ باتفاقِ الفقهاءِ. ينظر: "المبسوط" للسرخسي (2/ 4، ط. دار المعرفة)، و"حاشية الدسوقي" (1/ 308، ط. دار الفكر)، و"المجموع" للنووي (4/ 61، ط. دار الفكر)، و"الإقناع في فقه الإمام أحمد" للحجاوي المقدسي (1/ 154، ط. دار المعرفة).
والأصلُ في ذلكَ: قولُه تعالى: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [الإسراء: 107-109].
قال العلامة الزمخشري في "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل" (2/ 699، ط. دار الكتاب العربي): [فإذا تُلِىَ عليهم خرّوا سجدًا، وسبحوا الله؛ تعظيمًا لأمرهِ، ولإنجازه ما وعد في الكتبِ المنزلةِ، وبشَّرَ بِهِ من بعثةِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وإنزالِ القرآنِ عليهِ، وهو المرادُ بالوعدِ في قوله: ﴿إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا﴾.. ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ أي: يَزِيدُهُم القرآنُ لينَ قلبٍ ورطوبةَ عينٍ] اهـ.
وما رواه البخاري في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ علينا السورة، فيها السجدة فيَسْجُد ونَسْجُد، حتى ما يجد أحدنا موضع جبهته".
قال العلامة الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 311، ط. دار الحديث): [الحديث دليل على مشروعية سجود التلاوة، وقد أجمع على ذلك العلماء] اهـ.
والمراد بالأوقات المنهي عن الصلاةِ فيها، أي: الأوقات التي يُمْنَع الصلاة فيها، على تفصيلٍ بين الفقهاء في عَدِّها، ومدى المنع هل هو للتحريم أو للكراهة؟ ينظر: "الاختيار" للموصلي (1/ 41، ط. مطبعة الحلبي)، و"مواهب الجليل" للحطاب (1/ 416، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" للنووي (1/ 192، ط. المكتب الإسلامي)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 450، 451، ط. دار الكتب العلمية).
وقد اختلف الفقهاء في حكم سجود التلاوة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها؛ فذهب الشافعية، والحنابلةُ في روايةٍ إلى أنَّ سجود التلاوة في أوقات النهي جائزٌ بلا كراهةٍ؛ سواء كان سببه مُتقدِّم على الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، أو مقارِن لها، ووافقهم الحنفيةُ في ذلك إذا تلا القارئُ آيةَ السجدةِ في وقت الكراهة، وكذا المالكيةُ إذا سجدَ القارئُ بعدَ صلاةِ الفجرِ قبل الإسفار، أو بعدَ العصرِ قبل اصفرارِ الشمس.
قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 85، ط. الأميرية): [ومُنِعَ عن الصلاةِ وسجدةِ التلاوةِ وصلاة الجنازة عندَ الطلوع والاستواء والغروب... والمرادُ بسجدةِ التلاوةِ ما تلاها قبل هذه الأوقات؛ لأنَّها وجَبَتْ كاملةً فلا تتأدى بالناقص. وأما إذا تلاها فيها جاز أداؤها فيها من غيرِ كراهةٍ؛ لكن الأفضل تأخيرها ليؤديها في الوقت المستحب؛ لأنها لا تفوت بالتأخير] اهـ.
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 251، ط. دار الفكر): [(ويسجُدُها من قَرَأَهَا) في غيرِ صلاةٍ ولو (بعدَ الصبحِ ما لم تسفر الشمس) أي: يظهر الضوء.. (و) سجدها (بعد) أداء فرض (العصر ما لم تَصْفَرَّ الشمس) على الجدران] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (4/ 72، ط. دار الفكر): [مذهبنا أنَّه لا يُكْرَه سجودُ التلاوةِ في أوقاتِ النهي عن الصلاةِ، وبه قال سالم بن عمر والقاسم بن محمد وعطاء والشعبي وعكرمة والحسن البصري] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 446، ط. مكتبة القاهرة): [وعن أحمد روايةٌ أخرى: أنَّه يسجد. وبه قال الشافعي. وروي ذلك عن الحسن، والشعبي، وسالم، والقاسم، وعطاء، وعكرمة؛ ورخَّصَ فيه أصحابُ الرأي قبلَ تَغَيُّر الشمس] اهـ.
وقد كَرِهَ الحنفية للقارئ أنْ يَسجُد للتلاوةِ في أوقاتِ الكراهةِ إنْ كانت تلاوته قبلَ أوقاتِ الكراهةِ؛ لأنَّها سجدةٌ وجَبَت كاملةً فلا تتأدَّى بالناقص؛كسائرِ الصلواتِ، وهو ما يُسْتَفَاد من نَصِّ الإمام الزيلعي السابق ذكره.
ويرى الحنابلةُ في المذهب حرمةَ سجودِ التلاوةِ وعدم انعقاده في وقتِ الكراهةِ، وحُرْمَةَ إتمامهِ إذا دخَلَ وقتُ الكراهةِ بعدَ الشروعِ فيه، وبه قال المالكيةُ إذا سجدَ القارئ سجدةَ التلاوةِ عندَ خطبةِ الجمعةِ وعندَ طلوعِ الشمسِ أو غروبها.
قال العلامة الصاوي في " بلغة السالك" (1/ 419، ط. دار المعارف): [فليسَ الإسفارُ والاصفرارُ بوقتٍ لسجدةِ التلاوةِ، بل تُكْرَه فيهما. وتُمْنَع عندَ خُطْبَة الجمعةِ وعندَ طلوع الشمس وعند غروبها] اهـ.
وقال العلامة البهوتي في "دقائق أولي النهى" (1/ 258، ط. عالم الكتب): [(ولا ينعقد) التطوع (إن ابتدأه) مصلٍّ (فيها) أي: في أوقاتِ النهي (ولو) كانَ المصلي (جاهلًا) بالتحريمِ، أو بكونهِ وقتَ نهي؛ لأنَّ النهي في العباداتِ يقتضي الفساد. وظاهره: أنَّه لا يَبْطُل تطوع ابتدأه قبله بدخوله، لكنْ يأثَم بإتمامه (حتى ما له سبب) من التطوعِ؛ (كسجودِ تلاوةٍ)] اهـ.
وقد استدل مَن قالَ بالكراهةِ بعمومِ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا صلاةَ بعد الصبحِ حتى ترتفعَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد العصرِ حتى تغيبَ الشمسُ» رواه البخاري في "صحيحه".
وفي استدلالهم بعمومِ الحديثِ نظرٌ؛ لأنَّ عمومه خُصَّ بالإجماعِ على جوازِ صلاةِ عصر اليومِ، وقضاء المنسيةِ والفائتةِ، قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (5/ 226، ط. دار إحياء التراث): [النهيُ إنَّما هو عمَّا لا سببَ له؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بعدَ العصرِ ركعتين قضاءَ سنةِ الظهرِ فخَصَّ وقتَ النهي، وصَلَّى به ذاتَ السببِ، ولم يترك التحيةَ في حالٍ من الأحوالِ، بل أمرَ الذي دخلَ المسجدَ يوم الجمعةِ وهو يخطبُ فجلسَ أن يقوم فيركع ركعتين؛ مع أنَّ الصلاةَ في حالِ الخطبةِ ممنوعٌ منها] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/ 153-155، ط. دار ابن الجوزي): [وحديثُ النهي عن الصلاةِ في أوقاتِ النهي، عامٌّ مجمل قد خُصّ منه عصرُ يومه بالإجماع، وخُصّ منه قضاءُ الفائتة والمنسية بالنَّص، وخصّ منه ذواتُ الأسبابِ بالسنةِ، كما قضى النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وسلم سنة الظهرِ بعد العصرِ، وأقرَّ مَنْ قضى سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وقد أعْلَمَهُ أنَّها سنةُ الفجرِ، وأمر مَن صلَّى في رَحْله ثم جاء مسجد جماعة أن يُصلِّيَ معهم وتكونُ له نافلةً، وقاله في صلاةِ الفجرِ، وهي سببُ الحديث، وأمرَ الداخلَ والإمامُ يخطب أن يصلِّيَ تحيةَ المسجدِ قبل أن يَجلس] اهـ.
بناءً على ذلك: فإنَّ سجود التلاوة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها جائزٌ، ولا كراهةَ فيه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم دعاء المصلين أثناء صلاة القيام بقولهم: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح، نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وإقالة العثرات، وحب المساكين، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا"؟ حيث إن هناك من يقول: إنها بدعة.
ما حكم الوقوف على القبر والدعاء للميت؟
ما المراد من الدعاء المأثور عند نزول المطر: «اللَّهُم صَيِّبًا نَافِعًا»؟
ما حكم من يترك صلاة التراويح مضطرًّا بسبب ظروف العمل؟ وهل عليه وزر؟
ما حكم كتابة الآيات القرآنية بالذهب على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف والكعبة المشرفة؟
هل يمكن لفجر القاهرة أن يسبق فجر مكة ؟ فقد أثار بعض الناس التشكيك في صحة توقيت الفجر في مصر؛ بدعوى أن الأذان في مكة المكرمة يحين في بعض الأحيان بعد القاهرة مع أنها تقع غرب مكة بنحو تسع درجات طولية، وكل درجة طولية تستغرق حوالي أربع دقائق زمنية، فكان يقتضي ذلك أن يكون الفجر في القاهرة بعد مكة بأكثر من نصف ساعة.
وكمثال على ذلك: يوم الاثنين (12 رمضان 1439هـ، الموافق 28 مايو 2018م)؛ حيث حان أذان الفجر في القاهرة الساعة 3:12 صباحًا، بينما حان في مكة المكرمة الساعة 3:13 صباحًا بتوقيت القاهرة. فكيف نرد على هذا الاعتراض؟