ما حكم إعطاء الأقارب والجيران من النذر المطلق؟ حيث يوجد رجلٌ نذر أن يذبح شيئًا لله تعالى، ولم يُعيّنه للفقراء والمساكين، ولم يُحدّده بمكان، ولم ينو شيئًا من ذلك، بل كان مطلقًا باللفظ والنية؛ فهل يجوز له أن يعطي منه لجيرانه وأقربائه؟ علمًا بأن منهم محتاجين، ومنهم غير محتاجين.
ما دام النذر الذي نذره الرجلُ المذكورُ غير مُعيَّن للفقراء والمساكين، وغير مُحدّد بمكان، ولم ينو شيئًا من ذلك، بل كان نذرًا مطلقًا؛ لفظًا ونيةً؛ فإنه لا يجوز إعطاء ذوي القربى أو الجيران غير المحتاجين شيئًا منه، وإنما يجوز ذلك لمن يكون منهم من الفقراء أو المحتاجين؛ لأن النذر سبيله القُرْبَةُ والتصدق، والفقراء والمساكين هم مصرف القُرَبِ والصدقة، لا الأغنياء.
المحتويات
من المقرر شرعًا أنه يجب على المُكلَّف الوفاء بنذر الطاعة عند القدرة عليه؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة: 270]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29]، وقوله تعالى في بيان صفات الأبرار: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإِنسان: 7].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ» متفقٌ عليه.
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (6/ 156-157، ط. مكتبة الرشد): [النذر في الطاعة واجب الوفاء به عند جماعة الفقهاء لمَن قدر عليه، وإن كانت تلك الطاعة قبل النذر غير لازمة له فنذره لها قد أوجبها عليه؛ لأنه ألزمها نفسه لله تعالى، فكل مَن ألزم نفسه شيئًا لله تعالى؛ فقد تعيّن عليه فرض الأداء فيه، وقد ذمّ الله تعالى مَن أوجب على نفسه شيئًا ولم يَفِ به؛ قال تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد: 27]] اهـ.
ولا خلاف أنَّ النذر بالطاعة يلزم الوفاء به ولا كفارة فيه، واتفقوا أنَّ من نذر معصية فإنه لا يجوز له الوفاء بها. اهـ؛ كما قال الإمام ابن القطَّان في "الإقناع في مسائل الإجماع" (1/ 375، ط. دار الفاروق).
قد اتفق الفقهاء على أن النذر إذا كان مطلقًا من غير تعيين لأحد من الفقراء أو المساكين أو غيرهم، وكذا لم يك مُعَيَّنًا لمكانٍ ما؛ فإنه لا يجوز صرف شيءٍ منه للأغنياء ولو كانوا جيران الناذر أو من قرابته، إلا أن يكون منهم فقراء أو مساكين فيجوز حينئذ إعطاؤهم منه؛ لأن النذر سبيله القُرْبَةُ والتصدق، والفقراء والمساكين هم مصرف القُرَبِ والصدقة، لا الأغنياء.
قال العلامة زين الدين ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (2/ 321، ط. دار الكتاب الإسلامي): [مصرف النذر: الفقراء، وقد وجد المصرف، ولا يجوز أن يُصرف ذلك لغنيٍ غير محتاج، ولا لشريف منصب؛ لأنه لا يحل له الأخذ ما لم يكن محتاجًا أو فقيرًا، ولا لذي النسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيرًا، ولا لذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيرًا، ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء] اهـ.
وقال أيضًا (3/ 76): [كذا لا يجوز للأغنياء؛ لأن دم النذر دم صدقة] اهـ.
وقال الشيخ عليش المالكي في "فتح العلي المالك" (1/ 207، ط. دار المعرفة): [سئل سيدي أحمد الدرديري بما نصه: وهل يجوز لمَن نذر لله أو لوليٍّ شاةً الأكلُ منها وإطعام الغني أو لا، أو كيف الحال؟ فأجاب بما نصه: "الحمد لله، النذر إن عَيَّنَهُ للفقراء والمساكين بلفظه أو نيته؛ فليس له أن يأكل منه، وإن أطلق؛ جاز الأكل، وليس له أن يطعم منها الأغنياء، والله أعلم"، فتأمله] اهـ.
وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (20/ 22-23، ط. دار الفكر): [لو أطلق من نذرٍ نحره لهم: انصرف إلى الفقراء والمساكين دون الأغنياء؛ لاختصاصهم بالقرب، وجاز أن يُصرف في ستة أصنافٍ في مستحقي الزكاة: من الفقراء، والمساكين، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وسقط منهم صنفان: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم] اهـ.
وقال شمس الدين ابن مفلح الحنبلي في "الفروع" (1/ 360، ط. مؤسسة الرسالة): [ذكروا في صرف الوقف المنقطع روايةً: إلى المساكين، قالوا: لأنهم مصرفٌ للصدقاتِ وحقوقِ الله مِن الكفارات ونحوها، فإذا وُجِدَ صدقةٌ غيرُ معيَّنةِ المصرف: انصرفت إليهم؛ كما لو نذر صدقة مطلقة، وعلَّلوا رواية صرفه إلى فقراء قرابته: بأنهم أهل الصدقات دون الأغنياء] اهـ.
وقال أبو السعادات البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (6/ 278، ط. دار الكتب العلمية): [(وَمَصْرِفُهُ) أي النذر المطلق (للمساكين؛ كصدقةٍ مطلقة)، وتقدم في الحيض: أنَّ النذر المطلق يُجزئ لمسكينٍ واحدٍ] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فما دام النذر الذي نذره الرجلُ المذكورُ غير مُعيَّن للفقراء والمساكين، وغير مُحدَّد بمكان، ولم ينو شيئًا من ذلك، بل كان نذرًا مطلقًا؛ لفظًا ونيةً؛ فإنه لا يجوز إعطاء ذوي القربى أو الجيران غير المحتاجين شيئًا منه، وإنما يجوز ذلك لمَن يكون منهم من الفقراء أو المحتاجين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم أكل الناذر من نذره وادّخاره منه؛ فقد نذر مسلمٌ أن يذبح شاة لله أو ما شابه ذلك، فهل يجوز له أن يأكل منها مع الناس؟ وهل يجوز له أن يَدَّخِرَ شيئًا منها لنفسه؟ وهل يجوز له أن يدعوا إخوته وأقاربه للأكل من تلك الذبيحة؟
رجلٌ يملك بقرة، ونذر أنه إذا شفا اللهُ تعالى ابنَه المريض فسوف يذبحها لله تعالى ويوزعها على الفقراء والمحتاجين، وحين أكرمه الله بشفاء ولده وَفَّى بالنذر، فذبحها ووزعها على الفقراء والمحتاجين، لكنه أكل منها؛ فما حكم ما أكله من هذا النذر؟ وهل يجب عليه شيء؟
ما حكم الحلف بالله كذبًا؟
ما حكم استبدال الذبيحة المنذورة بما يوازيها وزنًا وثمنًا؟ فأنا نذرت ذبح ذبيحة كبيرة معينة إذا نجح ابني في السنة النهائية، وهو الآن في السنة النهائية، وأصبحت هذه الذبيحة حاملًا؛ فهل يجوز استبدالها بأخرى غيرها مساوية لها في الثمن والوزن؟
ما حكم تعليق النذر بما قبل مرض الموت؟ فقد نَذَر رجلٌ -وهو بكامل قُوَاه العقلية- لأخويه جميعَ ما يملك من حصصٍ في شركةٍ تجارية، وعلَّق النذرَ بما قبل مَرَضَ موته بثلاثة أيام عملًا بمذهبه الشافعي، وقام بتحرير هذا النذر وتوثيقه أمام الجهات المختصة، فهل هذا النذر صحيحٌ عند الشافعية أم لا؟
أنا سيدة متزوجة، وكنت قد نذرت قبل زواجي أن أصوم لله يومي الإثنين والخميس من شهرَي رجب وشعبان من كل عام، وقد وفيت بنذري طيلة سنوات ما قبل زواجي والحمد لله، ولكن بعد زواجي اضطررت أن أفطر بعض هذه الأيام في بعض الأحيان لظروف الحمل والرضاعة وعدم موافقة الزوج وأريد أن أعرف ما الحكم في ذلك؟ وما الحكم إذا كان زوجي يرفض هذا الصيام؟ هل أصوم وفاءً للنذر أو أطيع زوجي ولا أصوم؟