ما تفيده إشارة الجارية إلى السماء عند سؤال النبي لها «أَيْنَ اللهُ؟»

تاريخ الفتوى: 06 ديسمبر 2022 م
رقم الفتوى: 7284
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: السمعيات
ما تفيده إشارة الجارية إلى السماء عند سؤال النبي لها «أَيْنَ اللهُ؟»

سائل يسأل عن معنى إشارة الجارية إلى السماء وماذا يُستفاد منها وذلك عندما سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟»؟ وهل إقرار النبي لها يدلّ على إثبات المكان للخالق سبحانه وتعالى؟

غاية ما يفُهم من حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء هو إيمان الجارية لا مكان الله تعالى؛ فإنَّ الله سبحانه وتعالى لا يحويه مكان؛ لأن المكان مخلوق، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كلِّ شيء، وهو المحيط بكل شيء.

الأصل الثابت المقرر في عقيدة المسلمين أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يحويه مكان ولا يحدّه زمان؛ لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كلِّ شيء، وهو المحيط بكل شيء، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا يُنكره منهم مُنكِرٌ، وقد عبَّر عن ذلك أهل العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان".

وأما حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبها: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» رواه الإمام مسلم في "صحيحه"، فليس فيه إثبات المكان لله، ولا يُظَنُّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطلب من أحد أن يثبت لله مكانًا، فغاية ما يستدل به من هذا الحديث هو إيمان الجارية لا مكان الله تعالى.

والوارد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في اختبار إيمان الناس سؤالهم عن الإقرار بالشهادتين لا سؤالهم عن مكان الله عز وجل؛ ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ الله عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».

وإنما قَبِلَ صلى الله عليه وآله وسلم من الجارية هذا الجواب من باب مجاراة الناس ومخاطبتهم على قدر عقولهم وعلمهم؛ يقول ابن الحاج المالكي في "المدخل" (3/ 153-154، ط. دار التراث) ما مُحَصَّلُه: [قَنَعَ عليه الصلاة والسلام بجواب الجارية وأقر بإيمانها لما سألها: «أَيْنَ اللهُ؟» فقالت: في السماء؛ باعتبار أن ذلك إقرار بأن الله واحد موجود، وذلك ينفي ما كانوا يعتقدون من أن الأصنام هي الآلهة في الأرض، فإله السماء وإله الأرض هو الله الواحد الأحد الموجود، لا أنه سبحانه وتعالى حَلَّ في السماء تعالى الله عزَّ وجلَّ عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ إذ إن السماء مخلوقة له، ولا يحلّ الصانع في صنعته] اهـ بتصرف.

فالعوام معذورون في اللفظ الموهم اعتدادًا بأصل اعتقادهم بالله سبحانه وتعالى وإن أوهم بعض إيهام في وصفه تعالى، ويؤيِّدُ ذلك ما تقرَّر من أن المراد بالعلو هنا مثل سائر النصوص الموهمة هو المعنوي لا الحسي؛ لأنَّ السماء قبلة الدعاء، وجهة العلو هي أشرف الجهات، لا أن الله جل وعلا محصور فيها، حاشاه سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ لذلك قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مسلم" وهو يتحدث عن مسلك التأويل (5/ 24، ط. دار إحياء التراث العربي): [كان المراد امتحانها، هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده، وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة؟ وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصرًا في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين، أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم؟ فلما قالت: في السماء، علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان. قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ [الملك: 16] ونحوه ليست على ظاهرها، بل متأولة عند جميعهم] اهـ.

وما سبق في إيضاح رواية الإمام مسلم كان على سبيل الفهم والدراية، أما في خصوص الرواية؛ فقد وردت رواية أخرى لفظها مختلفٌ في "موطأ الإمام مالك" برواية يحيى بن يحيى الليثي، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ لَهُ سَوْدَاءَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَإِنْ كُنْتَ تَرَاهَا مُؤْمِنَةً أُعْتِقُهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَشْهَدِينَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟» قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَعْتِقْهَا».

فهذه الرواية ليس فيها ذكرٌ للمكان والجهة في حق الخالق سبحانه وتعالى، لكن وعلى كلِّ حالٍ: فلو قال مسلمٌ: الله في السماء فإنه يُحمل قولُه على معنى أن الله له صفة العلو المطلق في المكانة على خلقه؛ لأن الله تعالى منزه عن الحلول في الأماكن، فهو سبحانه بكل شيء محيط، ولا يحيط به شيء، والقول بأن الله تعالى في السماء معناه: علوه على خلقه لا أنه حال فيها حاشاه سبحانه وتعالى، أما من يعتقد أن الله تعالى في السماء بمعنى أنها تحيط به إحاطة الظرف بالمظروف فهذا أمر لا يجوز اعتقاده، ويجب تعليمه حينئذ الصواب من الخطأ في ذلك وكشف الشبهة العالقة بذهنه.

قال القاضي ابن العربي المالكي في "القبس في شرح موطأ مالك بن أنس" (ص: 965-967، ط. دار الغرب الإسلامي): [فلم يأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعتقها حتى اعتبر حالها بالإيمان.. وكذلك قال في حديث السوداء: «أَتَشْهَدِينَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله؟ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله؟ أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ؟» قالت: "نعم ذلك كله"؛ ليبين عليه السلام شرط الإيمان وحقيقة الإيمان.

فإن قيل: فهل يثبت الإيمان عندكم بهذه الصفات التي اعتبرَها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أم بغيرها؟

قلنا: يثبت الإيمان بما أثبته النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي: شهادة الحق (لا إله إلَّا الله، محمَّد رسول الله)؛ فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما اختبر حال هؤلاء القوم المسؤولين في الإيمان بما علم من حال زمانهم وأغراضهم.. وأما هذه الجارية فعلم من حالها أنها كانت متعلقة بمعبودٍ في الأرض، فأراد أن يقطع علاقة قلبها بكل إلهٍ في الأرض، فإن قيل: فقد قال لها أينَ الله؟ وأنتم لا تقولون بالأيْنَيَة والمكان.

قلنا: أما المكان فلا نقول به، وأما السؤال عن الله بأينَ فنقول بها؛ لأنها سؤال عن المكان وعن المكانة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أطلقَ اللفظ وقصد به الواجب لله، وهو شرف المكانة الذي يسأل عنها بأين، ولم يجز أن يريد المكان؛ لأنه محالٌ عليه، وأما قوله للجارية الثانية: "أَتُوقِنِينَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ؟" فعلِمَ أيضًا من حالِها ما دعاهُ إلى أن يسألها هل تعتقد الدار الآخرة، وتوقن أنها المقصودة وأن هذه الدار الدنيا قنطرة إليها؟ فإن مَنْ علمَ ذلك وبنى عليه صح اعتقاده وسلَمَ عمله] اهـ.

وهذه الإطلاقات الواردة في الشرع الشريف قال فيها السلف الصالح: "أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف"، وقالوا: "تفسيرها قراءتُها". يُنظر: "تفسير السراج المنير" للعلامة الخطيب الشربيني (4/ 42، ط. بولاق بالقاهرة)، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: [آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله] اهـ. يُنظر: "لمعة الاعتقاد" للإمام موفق الدين بن قدامة الحنبلي (ص: 7، ط. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد-السعودية).

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن غاية ما يفُهم من حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: «أَيْنَ اللهُ؟» فأشارت بأصبعها إلى السماء هو إيمان الجارية لا مكان الله تعالى.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما الأحداث التي وقعت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في رحلة الإسراء والمعراج؟ وما الواجب على المسلم في اعتقاده تجاه هذه الرحلة المباركة؟


ما حكم قراءةُ القرآن من خلال جهاز مكبر الصوت قبل صلاة الفجر والجمعة؟ فهناك مسجد مجاور لنا يتم فيه قراءة القرآن الكريم بشكلٍ يوميٍّ مِن خلال جهاز مكبِّر الصوت قبل أذان الفجر بعشر دقائق وكذلك قبل الأذان في صلاة الجمعة فقال البعض: إن هذا بدعة ويأثم من يفعل ذلك؛ فنرجو منكم بيان حكم ذلك.


ما مدى صحة عبارة: "لا شرع إلا بنص"؟ حيث إن هذه العبارة تجري على ألسنة بعض الناس وذلك في مقام الترجيح بين أقوال الفقهاء واختلافهم في مسألة من المسائل؛ فما مدى صحة هذه العبارة المشار إليها؟ خاصة في الأحكام التي تنبني على العوائد والأعراف، أرجو البيان ولكم الأجر والإحسان.


هل يجوز القول بأن الله موجود في مكان أو متحيز في جهة؟ فأنا طالب بكلية الشريعة، وقد تعلمت ودرست في علم العقيدة أن الله موجود بلا مكان ولا يتحيز في أي جهة. فأفتوني في ذلك؛ حيث إن هناك بعض من يتهجم على عقيدة الأزهر.


يعد "اليوم الآخر" من العقائد الإسلامية التي لا خلاف فيها، وهو اليوم الذي يبعث فيه كل الأموات ويعرضون للحساب وتجري محاكمتهم، وهذا يعني -على حسب فهمي- أن كل الأموات تبقى في قبورهم حتى ذلك اليوم، ولكنني أتوهم أن تفكيري ربما يعتريه الخطأ وليس صحيحًا، وذلك للسببين التاليين:
أولًا: كل جسم مادي يتحلل بالكامل بعد فترة زمنية محددة ويصير ترابًا، وما لا يموت في الإنسان هو النفس، أي مادة الروح الإلهية التي نفخها الله بقول القرآن في كل إنسان. والإسلام يعلِّم –على حد علمي– أنه عندما ينام الإنسان أو عندما يموت يقبض الله الروح إليه، فيرسلها إليه ثانيةً في حالة النوم ويمسكها في حالة الموت، وهذا يعني أن النفس بعد الموت مباشرة تكون موجودة عند الله وليس في القبر.
ثانيًا: روي في حادثة الإسراء بالنبي محمد أن النبي صلى بالأنبياء إمامًا ثم بعد ذلك قابل على سبيل المثال موسى في إحدى السموات وتكلم معه. لقد مات هؤلاء الأنبياء منذ وقت طويل ورغم ذلك قابلهم محمد، فهم أحياء، فهل قامت قيامتهم؟ وهل نستطيع أن نخلص من ذلك -وبذلك أصل إلى النقطة المحورية في سؤالي- أن اليوم الآخر وفقًا للتفكير الإنساني ليس يومًا محددًا، وإنما هو حادثة موجودة تحدث باستمرار، بحيث أن كل أنفس الموتى التي ترجع إلى الله مباشرة يتم حسابها مباشرة؟ فعند الله مفاهيم زمنية أخرى كما نعرف ذلك من القرآن؟


يقوم بعض المتطرفين بتكفير رؤساء الدول والحكومات والملوك والأمراء، والمشايخ، ويزعم أنهم مِن الطواغيت، وأنهم من أبواب الفتنة، فما حكم الشرع في ذلك؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 08 أبريل 2025 م
الفجر
4 :7
الشروق
5 :36
الظهر
11 : 57
العصر
3:30
المغرب
6 : 18
العشاء
7 :38