حكم الصلاة على النبي عليه السلام عند البيع والشراء

تاريخ الفتوى: 29 نوفمبر 2022 م
رقم الفتوى: 7224
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الذكر
حكم الصلاة على النبي عليه السلام عند البيع والشراء

ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء؟ وهل ذلك يُعدُّ من البدعة؟

الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء أمر مشروع، يثاب عليه فاعله؛ ما دام أن نيته هي ابتغاء رضوان الله تعالى وتحصيل أجر فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وزيادة الرزق والبركة، والقول بأن ذلك بدعة هو ابتداعٌ في الدين بتضييق ما وسَّعه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

أما إن كان البائع يفعل ذلك عبثًا أو بغرض شهرة المبيع، وجذب الأنظار، وبيع الأشياء الرديئة؛ فهو مكروه كراهة تحريمية؛ لكونه يُشعِر بعدم التوقير والاحترام للجناب النبوي العظيم.

المحتويات

 

فضل الصلاة على سيدنا النبي عليه السلام

من المعلوم أنَّ الصلاة على النبي المختار سيد الأنام، سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأعمال وأعظم القربات والطاعات، أمر بها المولى عزَّ وجلَّ؛ فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وحضَّ عليها رسوله الكريم فقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا» رواه أصحاب "السنن" الأربعة، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «البَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» رواه الإمام الترمذي في "سننه".

وجاء في حديث الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ» قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ «فَقَالَ: مَا شِئْتَ» قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، «قَالَ: مَا شِئْتَ؛ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: النِّصْفَ، «قَالَ: مَا شِئْتَ؛ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، «قَالَ: مَا شِئْتَ؛ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا، «قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» رواه الإمام الترمذي في "سننه".

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتي يطول المقال لذكرها؛ وما ذلك إلا من أنها أجلُّ العبادات وأعظم الوسائل لغفران الذنوب، وقبول الدعاء والحاجات؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: "إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ" أخرجه الإمام الترمذي في "السنن".

وقال سهل بن عبد الله: "الصلاة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل العبادات؛ لأن الله تعالى تولّاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، وسائر العبادات ليس كذلك".

وقال أبو سليمان الداراني: "من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يسأل الله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يردّ ما بينهما". ذكرهما الإمام القرطبي في "تفسيره" (14/ 235، ط. دار الكتب المصرية).

حكم الصلاة على النبي عليه السلام عند البيع والشراء

لا خلاف بين أهل العلم في أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرضٌ في العمر مرة، وسنة مؤكدة في كل حين، لا يسعُ المسلم تركها، ولا يَغفُلُهَا إلا مَن لا خير فيه. ينظر: "تفسير القرطبي" (14 /232-233).

والصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء أمر مشروع حسن؛ داخل في عموم الأمر المطلق بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم؛ ومن المقرر أنَّ "المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال"، فلا يجوز تقييد هذا الإطلاق إلا بدليل، وإلا كان ذلك ابتداعًا في الدين بتضييق ما وسَّعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

وبالإضافة إلى ما نص عليه الفقهاء من مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم في مواضع مخصوصة، منها البيع والشراء؛ قال العلامة المغربي (ت: 1119هـ) في "البدر التمام شرح بلوغ المرام" (10/ 394-403، ط. هجر): [تشرع الصَّلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم في أمور مخصوصة، وهي ستة وأربعون.. الخامس عشر: عند عقد البيع؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلّ أَمرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبدَأ فِيهِ بِحَمْدِ الله والصلاة عَلَيّ فَهُوَ أَقْطَعُ مَمْحُوقٌ مِن كُلّ بَرَكَةٍ»] اهـ.

وقال الحافظ السخاوي في "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" (ص: 215، ط. دار الريان للتراث): [(الصلاة عليه عند عقد البيع) وأما الصلاة عليه عند عقد البيع، فقد قال الأردبيلي في "الأنوار" أنه لو قال المشتري بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله قبلتُ البيع صح، قال: لأن المضر ما ليس من مصالح العقد ولا من مقتضياته ولا من مستحباته، قلت: وهو حسن، ومع ذلك فلا دليل على استحباب الصلاة عند البيع] اهـ. فأفاد ذلك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء مشروعة حسنة غير بدعة كما يدعي البعض.

وهذه المشروعية مقيدة بأن يكون ذلك بقصد العبادة واحتساب الأجر وجزيل الثواب، أما إن كان ذلك يُفعل عبثًا أو بغرض شهرة المبيع، وجذب الأنظار، وبيع الأشياء الرديئة؛ فهو مكروه كراهة تحريمية؛ لكونه يُشعِر بعدم التوقير والاحترام للجناب النبوي العظيم.

قال العلامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (5 /310، ط. دار الكتب العلمية): [كمن جاء إلى آخر يشتري منه ثوبًا، فلما فتح التاجر الثوب سبح الله تعالى، أو صلى على النبي عليه السلام؛ أراد به إعلام المشتري جودة ثوبه وذلك مكروه، فهذا كذلك، حارس يقول: لا إله إلا الله، أو قال فقاعي عند فتح الفقاع: لا إله إلا الله، أو قال: صلى الله على محمد؛ يأثم؛ لأنه يأخذ لذلك ثمنًا بخلاف العالم إذا قال في مجلس العلم: صلوا على النبي، أو قال الغازي للقوم: كبروا، حيث يثاب] اهـ.

وقال العلامة الموصلي الحنفي في "الاختيار لتعليل المختار" (4/ 179، ط. مطبعة الحلبي): [(ويكره فعله للتاجر عند فتح متاعه)، وكذلك الفقاعي عند فتح الفقاع يقول: لا إله إلا الله صلى الله على محمد فإنه يأثم بذلك لأنه يأخذ لذلك ثمنًا، بخلاف الغازي أو العالم إذا كبر عند المبارزة وفي مجلس العلم لأنه يقصد به التفخيم والتعظيم وإشعار شعائر الدين] اهـ.

وقال العلامة الحصكفي في "الدر المختار" ومعه "حاشية ابن عابدين" (1/ 518، ط. دار الفكر): [وحرامًا عند فتح التاجر متاعه ونحوه] اهـ.

قال العلامة ابن عابدين محشِّيًا عليه: [(قوله وحرامًا إلخ) الظاهر أن المراد به كراهة التحريم، لما في كراهية "الفتاوى الهندية": إذا فتح التاجر الثوب فسبَّح الله تعالى أو صلَّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد به إعلام المشتري جودة ثوبه فذلك مكروه. وكذا الحارس لأن يأخذ لذلك ثمنًا، وكذا الفقاعي إذا قال ذلك عند فتح فقاعة على قصد ترويجه وتحسينه يأثم.. اهـ] اهـ.

وقال العلامة ابن الحاج المالكي في "المدخل" (4 /100، ط. دار التراث): [وبعضهم تكون سلعته رديئة فيمدحها ويثني عليها.. وبعضهم يزيد على ذلك فيصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ندائه على سلعته وبيعها وشرائها] اهـ.

وجاء في "مواهب الجليل" للعلامة الحطاب (1 /18-19، ط. دار الفكر): [(فرع) ذكر ابن ناجي في شرح "المدونة" في كتاب الذبائح أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكره عند الذبح وعند العطاس والجماع والعثرة والتعجب وشهرة المبيع وحاجة الإنسان، وذكرها الشيخ يوسف بن عمر إلا شهرة المبيع وذكر بدله عند الأكل.. قال الشيخ أبو عبد الله محمد الرصاع: لما ذكر شهرة البيع، ويلحق هذا عندي ما يصدر من العامة في الأعراس وغيرها، فإنهم يشهرون أفعالهم للنظر إليها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع زيادة عدم الوقار والاحترام بل بضحك وبلعب] اهـ.

ويظهر من هذه النصوص أن مناط المنع الذي قرره الفقهاء في خصوص الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند البيع والشراء دائر مع القصد؛ فيمنع إذا صحبه ما يُشعِر بضد توقير الجناب النبوي الشريف وإجلال مقامه المنيف، من جعل الصلاة على النبي تكأةً للترويج والتدليل على جودة السلع، أما إن جرى اللسان بالصلاة على النبي عند البيع أو الشراء بقصد الذكر والتفاؤل ورجاء البركة واحتساب الأجر الجزيل فلا محل حينئذٍ للقول بالكراهة، بل يتوجه القول بالاستحباب؛ لما تقرر أن "الأمور بمقاصدها".

قال الإمام سحنون المالكي في "العتبية" في المواضع التي يشرع فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: [ولا يصلى عليه إلا في موضع احتساب أو رجاء ثواب] ينظر: "مواهب الجليل" للعلامة الحطاب (1/ 19).

وهو ممَّا أورده العلامة ابن نجيم الحنفي في "الأشباه والنظائر" (ص:23، ط. دار الكتب العلمية) في سياق نظائر وتطبيقات هذه القاعدة المقاصدية.

فإذا انضاف إلى ذلك قصد البائع أو المشتري إحداث حالة يلفت فيها نظر المستمعين له إلى أن تلهج ألسنتهم أيضًا بالصلاة على النبي؛ فيؤجر على ذلك من حيث فضيلة الذكر في السوق ومواضعِ الازدحام بين الغافلين؛ ولا يخفى ما في ذلك من تحصيل الأجر وكسب الثواب، وإن لم يحصل بيع أو شراء.

وقد جرى فعل المصريين منذ أمدٍ بعيدٍ على ذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند بيعهم وشرائهم، مبتغين في ذلك رضوان الله سبحانه وفضل الصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن لم يتمّ البيع والشراء؛ قال إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي في "الخواطر" (17/ 10281، ط. مطابع أخبار اليوم) عند تفسير قوله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: 37]: [وقد كنا في الصِّغَر نسمع في الأسواق بين البائع والمشتري، يقول أحدهما للآخر: وحِّد الله، صَلِّ على النبي، مدَّح النبي، بالصلاة على النبي، كل هذه العبارات انقرضت الآن من الأسواق والتعاملات التجارية وحَلَّ محلَّها قيم وعبارات أخرى تعتمد على العَرْض والإعلان، بل الغش والتدليس. ولم نَعُدْ نسمع هذه العبارات، حتى إذا لم يتم البيع كنت تسمع البائع يقول: كسبنا الصلاة على النبي، فهي في حَدِّ ذاتها مكسب حتى لو لم يتم البيع] اهـ.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإن الصلاة على النبي صلوات الله وتسليماته عليه وآله أمر مشروع، يثاب عليه فاعله؛ طالما أن نيته هي ابتغاء رضوان الله تعالى وتحصيل أجر فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وزيادة الرزق والبركة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم تصدر غير الإمام والخطيب الراتب للخطابة والإمامة؟ لو كان الإمام في مسجد المنطقة عالِمًا ومفتيًا وهو يعظ وينصح الناس قبل صلاة الجمعة والخطبة فمن يستحق أن يقوم بالخطابة والوعظ: الرجل الذي عينَّاه للإمامة في المسجد، أم الرجل الذي يشتغل في التبليغ ونشر الدين؟


ما هي الأعمال المستحبَّة عند حدوث البَرْق والرَّعْد؟


نرجو منكم بيان فضل تعلم القرآن وتعليمه، وما القدر الذي يجب على المكلف حفظه من القرآن الكريم؟


ما حكم صلاة النافلة في جماعة؛ فنحن نقوم في بلدتنا بدعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة، ونخُصُّ من ذلك بعض الأيام والأزمان المباركة؛ مثل الاثنين والخميس والعشر الأوائل من ذي الحجة وغيرها، وندعوهم لقيام الليل والصلاة والتسبيح والأدعية في يوم ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ احتفالًا بمولد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال بعض الناس: هذا بدعة، وقالوا: إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى معه في غير رمضان صحابي أو اثنان كانوا حاضرين في وقت الصلاة مصادفة، أو دخلوا معه فيها وهو لم يدعهم إليها؛ وعلى ذلك فإن دعوة الناس إلى قيام الليل في جماعة بدعة. فما مدى صحة هذا الكلام؟


هل يجوز أن أهب ثواب قراءة القرآن الكريم للأحياء؟


ما حكم إلقاء السلام على الذاكر والداعي وحكم رده؟ حيث مرت بي إحدى صديقاتي وأنا أذكر الله تعالى وأتوجه إليه بالدعاء، فجلستْ بجانبي حتى انتهيتُ، وأخبرتني أنها كانت مترددة في إلقاء السلام عليَّ والحالة هذه، فهل يلزمها إلقاء السلام؟ وإذا فَعَلَتْ، هل يلزمني الرد؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 18 أبريل 2025 م
الفجر
3 :53
الشروق
5 :25
الظهر
11 : 54
العصر
3:30
المغرب
6 : 24
العشاء
7 :46