هل يشترط لوجوب الزكاة العلمُ بفرضيتها؟ وإن وجد إنسان مسلم في بلاد المسلمين يجهل وجوبها، ومرَّ عليه أعوام، فهل يجب عليه قضاء ما فات؟
ليس من شروط وجوب الزكاة العلمُ بها؛ فإنَّ المُكلّف إذا اكتملت عنده شروطها وهو مسلم، حرّ، مالك للنصاب، وحال على هذا النصاب الحول، وكان هذا المال فائضًا عن حاجته، وحاجة من يعول؛ فإنَّه يجب عليه إخراجها، فإن تركها لعامٍ أو أعوامٍ لعدم علمه بوجوبها، ثم علم ذلك، فإنَّه يجب عليه إخراجُها عن ما مضى من الأعوام.
المحتويات
تقرَّر في الشرع الشريف أنَّ الزكاة واجبة على كل مسلمٍ، حرٍّ، مالكٍ للنصاب، وحال على هذا النصاب الحول، وكان هذا المال فائضًا عن حاجته وحاجة مَن يعول؛ وذلك لما أخرجه البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن، فقال: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».
وروى أبو داود في "سننه" عن علي -رضي الله عنه وكرم وجهه- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ -يَعْنِي- فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ»، قال: فلا أدري أعليٌّ يقول: فبحساب ذلك، أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وزاد المالكية في شروط الوجوب فيما يتعلق بزكاة الماشية: مجيء الساعي. انظر: "الشرح الصغير" لسيدي أحمد الدردير (1/ 590، ط. دار المعارف).
وشرط الوجوب: هو الذي نكلف به؛ أي: بسببه، فدخول الوقت شرطٌ في وجوب الصلاة، والنقاء من الحيض شرطٌ في وجوب الصلاة والصوم والطواف، وبلوغ بعث الأنبياء شرط في وجوب الإيمان. انظر: "فتح الودود" للشيخ يحيى الولاتي (ص: 18-19، ط. المطبعة المولوية بفاس).
وأما شرط الأداء: فكل ما هو شرط في الوجوب فهو شرط في الأداء، ويزيد شرط الأداء بالتمكن من الفعل. انظر: "نشر البنود" للشيخ الشنقيطي (1/ 44، ط. مطبعة فضالة بالمغرب).
المقرر عند جماهير الفقهاء أنَّ العلم ليس شرطًا من شروط وجوبها؛ ففي "المدونة" من كتب المالكية (1/ 334، ط. دار الكتب العلمية): [قال: وسألت مالكًا عن الرجل يعلم الإمام أنه لا يؤدي زكاة ماله الناض، أترى أن يأخذ منه الإمام الزكاة؟ فقال: إذا علم ذلك أخذ منه الزكاة. قلت: أرأيت قومًا من الخوارج غلبوا على بلد من البلدان، فلم يؤدوا زكاة مواشيهم أعوامًا، أيأخذ منهم الإمام إذا كان عدلًا زكاة تلك السنين إذا ظفر بهم؟ فقال: نعم. قلت: وهذا قول مالك؟ فقال: نعم] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 337، ط. دار الفكر): [إذا مضت عليه سنون، ولم يؤدّ زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها؛ سواء علم وجوب الزكاة أم لا، وسواء كان في دار الإسلام أم دار الحرب، هذا مذهبنا. قال ابن المنذر: لو غلب أهل البغي على بلد، ولم يؤد أهل ذلك البلد الزكاة أعوامًا، ثم ظفر بهم الإمام، أخذ منهم زكاة الماضي في قول مالك والشافعي وأبي ثور] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 512، ط. مكتبة القاهرة): [ولو أسلم في دار الحرب، وأقام بها سنين لم يؤدّ زكاة، أو غلب الخوارج على بلدة، فأقام أهله سنين لا يؤدون الزكاة، ثم غلب عليهم الإمام أدوا الماضي، وهذا مذهب مالك والشافعي] اهـ.
والحجة في وجوب الزكاة لمن اكتملت عنده شروط وجوبها -حتى ولو لم يعلم بوجوبها- أن الزكاة من أركان الإسلام، وهذه الأركان يجب عليه العلم بها، وعدم علمه بها تقصير منه، ولهذا فلم تسقط كالصلاة والصيام.
قال الإمام ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (1/ 42، ط. دار الفكر- بيروت): [قال العلامي في "فصوله": من فرائض الإسلام تعلمه ما يحتاج إليه العبد في إقامة دينه، وإخلاص عمله لله تعالى، ومعاشرة عباده. وفرض على كل مكلف ومكلفة بعد تعلمه علم الدين والهداية، تعلم علم الوضوء، والغسل، والصلاة، والصوم، وعلم الزكاة لمَن له نصاب، والحج لمَن وجب عليه، والبيوع على التجار؛ ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات. وكذا أهل الحرف، وكل مَن اشتغل بشيء يفرض عليه علمه وحكمه ليمتنع عن الحرام فيه] اهـ.
وقال العلامة القرافي المالكي في "الفروق" (2/ 149-150، ط. عالم الكتب) في الفرق الرابع والتسعين بين قاعدة ما لا يكون الجهل عذرًا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذرًا فيه: [اعلم أن صاحب الشرع قد تسامح في جهالات في الشريعة فعفا عن مرتكبها، وآخذ بجهالات فلم يعف عن مرتكبها. وضابط ما يعفى عنه من الجهالات: الجهل الذي يتعذر الاحتراز عنه عادة، وما لا يتعذر الاحتراز عنه ولا يشق لم يعف عنه] اهـ.
بناءً على ما سبق: فإنَّ الزكاة ليس من شروط وجوبها العلم بها، فإنَّ المكلف ما إذا اكتملت عنده شروط الوجوب المقرّرة عند الفقهاء فإنه يجب عليه إخراجها، فإن تركها لعامٍ أو أعوامٍ لعدم علمه بوجوبها، ثم علم ذلك، فإنَّه يجب عليه إخراجها عن ما مضى من الأعوام.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل يجوز تعجيل إخراج زكاة المال قبل تمام الحول؟
ما حكم زكاة الزرع المخصص لإطعام للنحل؟ حيث سُئل عن زكاة زرع أرض عشرية -أي تُروَى بدون تعب ولا آلة- يباع محصولها طعامًا للنحل، وهو نية صاحبها؛ بأن يزرعها لتكون قوتًا للنحل؟
ما هو وقت إخراج زكاة الفطر؟ وهل يجوز إخراجها مالًا نقديًا؟ حيث يرى البعض أنه لا يجوز إخراج زكاة الفطر إلا بعد رؤية هلال شوال، وحتى قبل صلاة العيد فقط، وأنَّها لا تُخْرَج إلا في صورة حبوب فقط، ولا تخرج بالقيمة، فما مدى صحة هذا الكلام؟
هل يجوز إخراج زكاة المال لإغاثة أهلنا في فلسطين بالغذاء والدواء؟
هل يجوز صرف أموال الزكاة في تعليم وتدريب وتأهيل ذوي الهمم من المكفوفين وضعاف البصر؟
يقول السائل: أنا رجل أضارب في أسهم بعض الشركات من خلال البورصة، وربما أشتري الأسهم وأنتظر فترة طويلة حتى يرتفع سعر الأسهم ثم أبيعها، وقد يستمر الانتظار فترة طويلة بعد حلول الحول، وهو ما يجعلني مضطرًّا لتأجيل إخراج الزكاة حتى يتمّ بيع هذه الأسهم، فكيف أُخْرِج الزكاة في هذه الحالة؟