حكم التعامل مع جثث أصحاب الأمراض المعدية التي تنتقل بعد الوفاة بحرقها

تاريخ الفتوى: 26 ديسمبر 2021 م
رقم الفتوى: 5860
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الجنائز
حكم التعامل مع جثث أصحاب الأمراض المعدية التي تنتقل بعد الوفاة بحرقها

ما حكم التعامل مع جثث أصحاب الأمراض المعدية بالحرق إذا قرر الأطباء انتقال العدوى من المريض بعد وفاته؟

الأصل أنه لا يجوز حرق جثة الميت، لكن إذا كان هناك خطر على الأحياء لا يتم تفاديه إلا بحرق جثة الميت، كما هو الحال في السؤال، جاز أن تُحرَق جثة المريض بمرض معدٍ ينتقل بعد موته؛ وذلك من أجل الحَدِّ من انتشار الوباء في الأحياء، على أن يتم دفنها بعد ذلك، والمرجع في ذلك كله هو قول أهل الاختصاص المعتبرين.

المحتويات

حكم حرق جثة الميت

الأصل أنه لا يجوز حرق جثة الميت؛ لتكريم الله تعالى له بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70]، والحرق ينافي التكريم؛ ولأن له حرمة كحرمة الحي؛ وقد روى أبو داود عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا»؛ قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (13/ 144، ط. وزارة الأوقاف المغربية): [هذا كلام عام يراد به الخصوص؛ لإجماعهم على أن كسر عظم الميت لا دية فيه ولا قَوَد، فعلمنا أن المعنى ككسره حيًّا في الإثم، لا في القَوَد ولا الدية؛ لإجماع العلماء على ما ذكرت لك]. اهـ.

لكن إذا عورض هذا الأصل بما كانت المصلحة فيه أقوى من المصلحة المتغياة بدفن الميت -من تكريمه ونحوه-؛ مثل أن يكون الحرق هو الوسيلة المتعينة للحَدِّ من انتشار الوباء في الأحياء إن لم يتم إحراق جثة الميت المصاب بهذا الداء، فإنه يشرع حينئذٍ حرق الجثث التي يخشى انتشار المرض إذا لم تحرق، والمصلحة هنا تكون حفظ كُلِّيٍّ من أهم الكليات الخمسة الضرورية التي ورد الشرع بحفظها، وهو النفس؛ قال الإمام الغزالي في "المستصفى" (ص: 174، ط. دار الكتب العلمية): [مقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة، ودفعها مصلحة]. اهـ.

بيان أقوال العلماء في حكم حرق جثة الميت

كثير من العلماء في ترتيبهم للمقاصد قد جعلوا حفظ النفس هو المقدم على الأربعة الباقية؛ كالإمام الرازي، والقرافي، والبيضاوي. انظر: "المحصول" للرازي (5/ 160، 458، ط. مؤسسة الرسالة)، و"شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: 304، ط. دار الفكر)، و"منهاج الوصول" للبيضاوي (ص: 59، ط. مطبعة السعادة بمصر).

وهذا الترتيب يستقيم بناءً على تفسير الدِّين بما يُقابِل الإسلام بتمامه؛ كفروع الدِّين والشعائر ونحوها، وتقديم النَّفس مُبَرِّرُهُ: أن بها تحصل العبادات، وليس المقصود بالدين هنا هو الإسلام، بل الإسلام في هذا الاصطلاح أعم من الدين بذلك المفهوم، ويدل عليه موقف عَمَّار مع المشركين، وِإذْن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بأن ينطق بكلمة الكفر؛ حفاظًا على النفس؛ ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: 106]. انظر: "المدخل" للدكتور علي جمعة (ص: 126، ط. المعهد العالمي للفكر الإسلامي).

وكذلك، فإن قواعد الشرع الأخرى تدعم ذلك وتدل عليه؛ من نحو قاعدة: "الضرورات تبيح المحظورات"، وقاعدة: "ما أُبيح للضرورة يُقَدَّر بقدرها"، وقاعدة: "الضرر يزال"، وقاعدة: "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"، وقاعدة: "الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف"، وقاعدة: "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما"، وقاعدة: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح". انظر: "المنثور في القواعد" للزركشي (2/ 317-320، ط. وزارة الأوقاف الكويتية)، و"الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: 84-87، ط. دار الكتب العلمية)، و"شرح القواعد الفقهية" للشيخ أحمد الزرقا (ص: 179-197، ط. دار القلم).

وقد تقرر في الشريعة الإسلامية أن حق الحي مقدم على حق الميت إذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما؛ لأن الحي أهم، والأهم مقدم على المهم، ومما يشهد لذلك ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: "أنها دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: أرجو فيما بيني وبين الليل -يعني: أتوقع أن تكون موتتي فيما بين ساعتي هذه وبين الليل-، فنظر إلى ثوب عليه، كان يُمَرَّض فيه به رَدع من زعفران -يعني: أثر-، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها، قلت: إن هذا خَلَق -يعني: قديم بالٍ-، قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمُهلة -يعني الصديد الذي يخرج من جثة المتوفى بعد موته-، فلم يتوفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح".

وقد وردت تطبيقات لهذا الأصل في كلام الفقهاء؛ من ذلك: ما قاله فقهاء الحنفية فيما إذا ماتت امرأة وهي حامل، فاضطرب الولد في بطنها؛ قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (8/ 233، ط. دار الكتاب الإسلامي): [فإن كان أكبر رأيه أنه حي يشق بطنها؛ لأن ذلك تسبب في إحياء نفس محترمة بترك تعظيم الميت، فالإحياء أولى] اهـ.

وقال الشيخ الجرجاني فيمن ابتلع درة أو دنانير لآخر، فمات المبتلع، ولم يترك مالًا: [إنه يشق بطن الميت لاستخراج ما ابتلعه]؛ قال العلامة ابن نجيم في "البحر الرائق" (8/ 233) -مُعَلِّلًا هذا الرأي-: [لأن حق الآدمي مُقَدَّمٌ على حق الله تعالى إن كان حرمة الميت حقًّا لله تعالى، وإن كان حق الميت، فحق الآدمي الحي مقدم على حق الميت؛ لاحتياج الحي إلى حقه] اهـ.

وقال الشيخ محمد عليش في "منح الجليل شرح مختصر خليل" من كتب المالكية (1/ 530-532، ط. دار الفكر): [(وبُقِر) -بضم الموحدة، وكسر القاف-؛ أي: شق بطن الميت (عن مال) ابتلعه في حياته ومات، وهو في بطنه، سواء كان له أو لغيره (كُثر).. و(لا) تبقر بطن ميتة عن (جنين) حي رُجِي لإخراجه؛ لأن سلامته مشكوكة، فلا تنتهك حرمتها له، والمال محقق الخروج] اهـ.

وقال العلامة الجمل في "حاشيته على شرح المنهج" في فقه الشافعية (2/ 212، ط. دار الكتب العلمية): [ولو بلع مالًا لنفسه ومات لم ينبش؛ لاستهلاكه له حال حياته، أو مال غيره، وطلبه مالكه، نبش، وشق جوفه، وأخرج منه، ورُدَّ لصاحبه] اهـ. بتصرف.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "الكافي" في فقه الإمام أحمد (1/ 359، ط. دار الكتب العلمية): [ومَن مات في بئر ذات نفس أُخرج، فإن لم يمكن إلا بمُثْلة، وكانت البئر يحتاج إليها أخرج أيضًا؛ لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه عن المُثلة، وإن لم يحتج إليها طمت عليه، فكانت قبره] اهـ.

الخلاصة

الخلاصة: أنه يجوز أن تُحرَق جثة مريض بمرض معدي ينتقل بعد موته؛ خوفًا من نشر الوباء بين الأحياء، إن كان الحرق هو الوسيلة المتعينة للحَدِّ من انتشار الوباء في الأحياء، على أن يتم دفنها بعد ذلك، والمرجع في ذلك كله هو قول أهل الاختصاص المعتبرين.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم وضع بلاط (سراميك) على المقابر من الخارج؛ لأن الرطوبة تأكل الجدران من الخارج؟


ما هي علامات حسن الخاتمة؟ فرجلٌ اعتاد جدُّه -رحمه اللهُ- كثرةَ الدعاءِ، وكان يُكثر مِن التضرع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ بطَلَب حُسن الخاتمة، وقد توفَّاه اللهُ في آخِر جُمُعة مِن رمضان، ويسأل: هل يُعدُّ الموت في الأيام المبارَكات -كالموت في رمضان أو في ليلة الجمعة أو يومها أو في يوم عاشوراء أو في يوم عرفة- مِن علامات حُسن خاتمة الإنسان؟


من أحق بصلاة الجنازة على الميت؛ إمام المسجد أم أقرباء الميت؟


ما حكم زيارة أهل البقيع بعد الانتهاء من أداء مناسك الحج؟


استفتاء عن حكم الشرع في طريقة الدفن المقدمة من إحدى الشركات المتخصصة بمدينة سيدني باستراليا، ونص استفتاء الشركة جاء كالتالي: حفاظًا وصونًا لكرامة موتى المسلمين بعد دفنهم في استراليا بخاصة وفي جُلِّ بلاد العالم بصفة عامة، حيث تُغْمَرُ وتمتلئ المقابر بالمياه الجوفية والأمطار مما يجعل الميت مغمورًا في بركة من المياه، وهي مشكلة يترتب عليها ما يلي:
- الضرر والأذى الذي يحل بالموتى، فهل للميت حرمة كحرمته حيًّا؟
- هذه الحالة تحول دون تحلُّل الجثة وفنائها مع تراب الأرض بطريقة طبيعية.
- حالة التعفن والتحلُّل داخل المياه يترتب عليها مخاطر بيئية وصحية بيولوجية.
- استنفاد المساحة المخصصة لدفن موتى المسلمين مما يضطرهم إلى البحث عن أماكن نائية خارج المدن فضلًا عن ارتفاع تكلفة الدفن في استراليا والبلاد الغربية.
ملحوظة: طبيعة الأرض في استراليا صلصالية صوانية غير مسامية وتحتفظ بالماء زمنًا طويلًا.
لهذه الأسباب وغيرها.. وفَّق الله تعالى شركتنا لاختراع وابتكار واستحداث طريقة علمية عملية لحماية موتى المسلمين وغيرهم من هذه الأضرار، كما تمنح الجاليات الإسلامية فرصة أكبر من الاستفادة من مساحة الأرض.
وتسمح للعائلات المسلمة من دفن موتاهم في مقبرة واحدة حسب تعاليم الشريعة الإسلامية.
وهذا الإنجاز والابتكار يتمثل في وحدة دفن مستطيلة على حجم الجثمان من مادة خاصة واقية من تسرب أية نسبة من الماء تمامًا بالتجربة والمعاينة، وقد أطلق عليها مصطلح (OBS) بينما سيكون جسد الميت متصلًا بالأرض الطبيعية مباشرة.
ونفس الطريقة يتم دفن ميت آخر بوضع فاصل ترابي بين الوحدتين مع تغطية القبر بالتراب كاملًا بعد الدفن بطريقة مُعتادة. كما هو موضَّح في نص الفتوى التفصيلية.
فما هو حكم الشريعة الإسلامية فيما طرحناه؟ لنتمكن من تطبيقه وتعميمه واستخدامه بين المسلمين. وجزاكم الله خيرًا. مع فائق الاحترام.


ما الحكم لو أوصى رجلٌ أن يُدفَن مع زوجته، بالرغم من وجود مقابر خاصة بالرجال؛ فهل تُنفَّذ وصيته؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54