حكم من ترك الحلق والتقصير في العمرة

تاريخ الفتوى: 09 فبراير 2020 م
رقم الفتوى: 5139
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الحج والعمرة
حكم من ترك الحلق والتقصير في العمرة

ما حكم من ذهب لأداء العمرة وترك الحلق أو التقصير وحلَّ من إحرامه، هل عليه شيء؟

الذي عليه جمهور الفقهاء أن الحلق أو التقصير من مناسك العمرة؛ فمن ترك هذا النسك فقد ترك واجبًا يُجبر بدم، وهذا هو الأصل، ومن العلماء من قال بعدم نسكيَّتِهما، بل هما استباحة محظور كان محرَّمًا؛ كاللباس والطيب وسائر المحظورات، فيحصل التحلل بدونهما، ولا شيء على من تركهما، فمن لم يتيسر له الذبح فليأخذ بهذا القول.

المحتويات

 

كيفية التحلل من العمرة

اتفق الفقهاء على أن العمرة لها تحلُّلٌ واحد، ويحصل بأمرين: الطوف والسعي، وكذلك بالحلق أو التقصير عند من يقول بِنُسُكِيَّتهِ؛ قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (8/ 232، ط. دار الفكر): [وأما العمرة: فليس لها إلا تحلُّلٌ واحد بلا خلاف، وهو بالطواف والسعي، ويُضم إليهما الحلق إن قلنا هو نسك، وإلَّا فلا] اهـ.

آراء الفقهاء في حكم الحلق والتقصير في العمرة

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، وهو قول عند الشافعية ورواية للحنابلة، إلى أنَّ الحلق أو التقصير نُسُكٌ من مناسك العمرة؛ فلا يحصل التحلل منها إلا بفعل واحد منهما، ومن تركه فعليه دم.
بينما ذهب بعض الفقهاء؛ كأبي ثور، وأبي يوسف، وبعض المحققين من الحنفية والمالكية، وهو قول عند الإمام الشافعي ورواية عند الإمام أحمد: إلى أنَّ الحلق أو التقصير ليس نُسُكًا؛ بل هما استباحة محظور كان محرَّمًا؛ كاللباس والطيب وسائر المحظورات، فيحصل التحلل بدونهما، ولا شيء على من تركهما.
قال العلَّامة ابن رُشد الحفيد في "بداية المجتهد" (2/ 132، ط. دار الحديث): [وبالجملة: فمن جعل الحِلَاق أو التقصير نُسُكا: أوجب في تركه الدم، ومن لم يجعله من النسك: لم يوجب فيه شيئًا] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدامة الحنبلي في "المُغني" (3/ 387، ط. مكتبة القاهرة): [فصلٌ: والحلق والتقصير نُسُكٌ في الحج والعمرة، في ظاهر مذهب أحمد، وقول الخرقي، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي. وعن أحمد: أنه ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور كان محرمًا عليه بالإحرام، فأطلق فيه عند الحل، كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام. فعلى هذه الرواية: لا شيء على تاركه، ويحصل الحل بدونه، ووجهها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بالحل من العمرة قبله] اهـ.
وقد استدل الجمهور على نُسُكِيَّتِهما بعموم النصوص الواردة بالأمر بهما في الحج والعمرة؛ كقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ﴾ [الفتح: 27].
وحديث عبد الله بن عُمرَ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم حلقَ يَوم الْحدَيبِيَةِ وطائفة من أصحابه وقصَّر بعضهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» فقالَ رجلٌ: وللمُقصِّرين؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ» حتى قالها ثلاثًا أو أربعًا، ثم قال: «وَلِلْمُقَصِّرِينَ» متفقٌ عليه.
وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند" وغيره، من حديث عائشة رضي الله عنها.
واستدل من يرى من الفقهاء عدم نُسُكيتهما بما ورد أنَّ المعتمر يحلُّ من عمرته إذا طاف وسعى، وإن لم يكن حلق ولا قصَّر، بل نقل بعض المحققين اتفاق أئمة الفتوى على ذلك؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالبطحاء وهو مُنِيخٌ فقال: «أَحَجَجْتَ؟» قلت: نعم، قال: «بما أهْلَلْتَ؟» قلت: لبيك بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ» متفق عليه.
فإنه صلى الله عليه وآله وسلم يخبر أنَّ المعتمر: يحل بعد الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة؛ كما قال العلَّامة بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (10/ 129، ط. دار إحياء التراث العربي).
وعن جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما، في حديث الحج الطويل: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمّا سعى بين الصفا والمروة قال: «فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» أخرجه مسلم.
قال الإمام ابن بطال المالكي في "شرح صحيح البخاري" (4/ 447، ط. دار الرشد): [اتفق أئمة الفتوى على أن المعتمر يحلُّ من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وإن لم يكن حلق ولا قصَّر، على ما جاء في هذا الحديث، ولا أعلم في ذلك خلافًا، إلا شذوذًا رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "العمرة الطواف". وتبعه عليه إسحاق بن راهويه، والحجة في السنة لا في خلافها.. قال الطبري: وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه بيان فساد قول من قال: إن المعتمر إن خرج من الحرم قبل أن يقصر أنَّ عليه دمًا، وإن كان قد طاف وسعى قبل خروجه منه] اهـ.
وقال الإمام ابن رشد الحفيد في "بداية المجتهد" (2/ 134): [واتفقوا على أنَّ المعتمر يحلُّ من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وإن لم يكن حلق ولا قصَّر؛ لثبوت الآثار في ذلك، إلا خلافًا شاذًّا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه يحل بالطواف] اهـ
وقال العلَّامة مجد الدين ابن الأثير في "الشافي في شرح مسند الشافعي" (3/ 419، ط. مكتبة الرشد): [معنى قوله: «فَلْيَحِلل وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً»: أنهم كانوا قد أحرموا بالحج، فلما وصلوا إلى مكة وطافوا وسعوا بقي عليهم من أعمال الحج: الوقوف والرمي والحلق وغير ذلك من باقي أعماله، فأمرهم أن ينقضوا فيه الحج ويجعلوا بدله عمرةً ويحلوا] اهـ.
وقد رجَّح هذا القولَ بعضُ العلماء:
قال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي" (4/ 161، ط. دار الكتب العلمية): [وفي الحلاق قولان: أحدهما: نسك يتحلل به.. والثاني: أنه إباحة بعد حظر، وهو أقيس؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾، فحظر الحلق وجعل لحظره غاية وهو التحلل، فلم يجز أن يكون نسكا يقع به التحلل. ولأن الأمر الوارد بعد الحظر يقتضي الإباحة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾، فكذا الأمر بالحلق بعد تقدم حظره يقتضي الإباحة. ولأن كل شيء لو فعله في غير وقته لزمته الفدية لم يكن فعله في وقته نسكًا؛ كالطيب واللباس وتقليم الأظافر. وينعكس بالرمي والطواف والسعي من حيث كان نسكا في وقته لم تجب فيه الفدية بتقدمه قبل وقته، فلما كان الحلق موجبًا للفدية قبل وقته: ثبت أنه ليس بنسك في وقته] اهـ.
وقال العلَّامة الدَّميري في "النجم الوهاج" (3/ 528، دار المنهاج): [قوله: (والحلق نسك على المشهور) وكذلك التقصير.. والثاني: أنه استباحة محظور كسائر محرمات الإحرام لا ثواب فيه؛ لأنه محرم في الإحرام فلم يكن نسكًا كلبس المخيط، واختاره القاضي أبو الطيب، وقال الماوردي: إنه الأقيس، وقال أبو يوسف: إنَّه سنة] اهـ.

الواجب على من ترك الحلق والتقصير في العمرة

العلماء مختلفون في نُسُكِيّة الحلق والتقصير في العمرة؛ فالقائلون بأنه نُسُكٌ أوجبوا على تاركه الدم، ومن رأوا أنه استباحة محظور وليس نسكًا جوَّزوا للمعتمر الإحلال بدونه؛ اكتفاءً بالطواف والسعي، والقولُ بأن التحلل من العمرة يحصل بدون الحلق أو التقصير قال به أئمة مجتهدون وعلماء محققون من أصحاب الفتوى والاجتهاد في مختلف المذاهب الفقهية، وقد تقرر أن تصرُّفات المكلفين بعد صدورها منهم محمولة على ما صحَّ من مذاهب المجتهدين وأقوالهم، ومتى وافق عمل العامي قول أحد المجتهدين ممن يقول بالصحة أو الحل كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه باتفاق العلماء، وهذا هو المعتمد في الفتوى، والذي جرت عليه دار الإفتاء المصرية؛ قال العلامة محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق في "الفتاوى" (1/ 225، ط. دار وهبة): [متى وافق عمل العامي مذهبًا من مذاهب المجتهدين ممن يقول بالحل أو بالطهارة كفاهُ ذلك، ولا إثم عليه اتفاقًا] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالذي عليه جمهور الفقهاء أن الحلق أو التقصير من مناسك العمرة؛ فمن ترك هذا النسك فقد ترك واجبًا يُجبر بدم، وهذا هو الأصل، ومن العلماء من قال بعدم نسكيَّتِهما، فمن لم يتيسر له الذبح فليأخذ بهذا القول.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم الحج عن المريض؟ فبرجاء التكرم والتفضل من سيادتكم بإعطائي الفتوى الشرعية عن حكم قيامي بالحج وحالتي الصحية غير منتظمة؛ حيث إنني مصاب بالتهاب كبدي -فيروس c- مزمن، وتضخم وتليف بالكبد، ومضاعفات عملية إزالة ورم حميدي نشط بالمخ، واضطراب في إفرازات الغدد الصماء، وكسل في الغدة الدرقية، وخشونة شديدة في المفاصل والعمود الفقري، وسيولة في الدم، وصرع، ويتم علاجي بالمُكَمِّلات الغذائية والمُسَكِّنات -24 صنف علاج يوميًّا-، ولا أقدر على الصلاة واقفًا، فأصلي على كرسي، وأتحرك دائمًا بالتوك توك -أعاذكم الله مِن مِثل هذه الأمراض-، مع ملاحظة أني تقدمت للحج في أكثر من جهة عن طريق القرعة والشركات السياحية منذ ثلاث سنوات. فهل عليَّ وزرٌ إذا لم أحج؟ وهل إذا ذهبت للحج يكون في ذلك إهلاك لنفسي؟ وماذا أفعل في حالتي هذه؟


نحيطكم عِلمًا بأن صندوق خاص بإحدى الجهات الرسمية يقوم بتنظيم بعثة سنوية للحج، وذلك حسب البرنامج التالي ذكره، فبرجاء التفضل بإبداء الرأي في مدى صحة هذا البرنامج من الناحية الشرعية:
تقوم البعثة بالسفر بالملابس العادية إلى المدينة أولًا، وتمكث البعثة بالمدينة لمدة خمسة أيام، قبل التوجه إلى مكة لأداء مناسك الحج، ونقوم بشراء صكوك الهدي من المدينة، والإحرام من فندق الإقامة بنية القران بين الحج والعمرة.
ثم نقوم بعد ذلك بالتوجه إلى الحرم المكي لأداء طواف القدوم والسعي بعده، فهل يجزئ هذا السعي عن سعي الحج؟
في يوم التروية نذهب ليلًا مباشرة إلى عرفة، ولا نبيت بمِنى ولا ندخلها، ونبيت ليلة عرفة بمقر البعثة بعرفة والذي يكون داخل حدود عرفة، ونمكث بالمخيَّم داخل عرفة دون الذهاب إلى جبل الرحمة، وعند غروب الشمس نبدأ في التحرك إلى المزدلفة، فنصل إليها ليلًا، ونصلي المغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء، ونسرع بجمع الحصى من المزدلفة، ثم نبادر بعد ذلك وفي منتصف الليل بمغادرة المزدلفة إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، ويمكن لكبار السن والسيدات التوكيل في رمي الجمرات، ثم نتوجه إلى مكة المكرمة لطواف الإفاضة، وبعدها نتوجه إلى الفندق لأخذ قسط من الراحة.
ثم نتوجه في ظهيرة يوم النحر من مكة إلى منى للمبيت بها حتى الساعة 12 صباحًا، ثم نقوم برمي الجمرات ليلة أول أيام التشريق وثاني أيام العيد، ثم التوجه إلى فندق الإقامة لمَن يرغب. وفي ظهر أول أيام التشريق وثاني أيام العيد نتوجه إلى منى ونقيم بها حتى نرمي جمرات اليوم الثاني من أيام التشريق في حدود الساعة 12 صباحًا، ونتعجل اليوم الثالث، ونقوم بمغادرة مِنى إلى مكة ليلة ثاني أيام التشريق بعد رمي الجمرات.
ننصح الكثير من أعضاء البعثة وخاصة كبار السن بالذهاب بعد العشاء بساعة أو ساعتين ليلة 12 من ذي الحجة بالذهاب إلى الجمرات ورمي جمرات اليوم الأول، ثم يمكثون إلى أن ينتصف الليل ويرمون لليوم الثاني. كما ننصح كبار السن والنساء ومن لا يستطع الذهاب إلى منى أن يبقى بمكة ويوكِّلَ من يرمي عنه الجمرات. ويمكن لمن أحب عمل أكثر من عمرة أن يقوم بذلك بعد الرجوع إلى مكة والتحلّل الأكبر، ويقوم أعضاء البعثة بطواف الوداع في يوم 13 من ذي الحجة، أي: قبل المغادرة بيوم.
كما ننصح كبار السن والمرضى أن يجمعوا في طواف الإفاضة بين نية الإفاضة ونية الوداع.
وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام
 


ما حكم حج المرأة بدون محرم؟ فقد ذهبت إلى الحج عن طريق قرعة جمعيات الشؤون الاجتماعية دون محرم لي؛ علمًا بأني تعديت سن خمسة وأربعين سنة، ولكن كان يرافقني زوج أختي، وهذا هو المتبع. فما حكم ذلك؟


ما حكم قصر الصلاة في الحج؟ حيث وفقني الله تعالى للحج هذا العام، وكنت أظن أن الحجاج لا يقصرون الصلاة في الحج إلا الظهر والعصر في عرفة، والعشاء في مزدلفة، ثم وجدت كثيرًا من الحجاج يقصرون الصلاة في أيام منى وجميع أيام المناسك، فهل فعلهم هذا صحيح؟


ما حكم لُبس القفازين بالنسبة للمرأة المُحْرِمة؟


ما سنن العمرة؟ وما الحكم لو ترك المعتمر شيئًا من هذه السنن؟