ما حكم تخزين أدوية المناعة المستخدمة في علاج كورونا؛ ففي ظل ما يعانيه معظم بلاد العالم من "فيروس كوفيد-19" وفي ضوء ما قامت به وزارة الصحة من وضع بروتوكولات علاج لهذا الفيروس؛ يقوم البعض بتخزين أدوية المناعة وغيرها من الفيتامينات المدرجة ضمن هذه البروتوكولات دون الحاجة إليها تَحسُّبًا لزيادة ثمنها فيما بعد؛ فما حكم هذا التخزين بهذه الكيفية؟
يحرم شرعًا تخزين أدوية المناعة وغيرها من الفيتامينات المدرجة ضمن بروتوكولات علاج "فيروس كوفيد-19" أو غيره من الأمراض دون الحاجة إليها تَحسُّبًا لزيادة ثمنها فيما بعد، بل هذا الفعل من كبائر الذنوب؛ لما يُلْحِقه بالناس من التضييق والإضرار، فإذا انضاف إلى ذلك كون هذا الاحتكار مرتبطًا بصحة الناس ودوائهم؛ فهو أشد في الحُرْمة وأَغْلَظ في المنع، إضافة لما في تخزين الأدوية بهذه الطريقة من استغلال لضروريات الناس وقت الأزمات واشتداد عِوَزهم للعلاج والذي لا يتنافى فقط مع معاني الرحمة والتعاون والمواساة التي نادى بها الدين الإسلامي الحنيف، بل فيه أيضًا دليل قاطع على شُحِّ صاحبه وتقصيره في المسئولية المجتمعية تجاه بني وطنه الحاملين لهذا الفيروس، ويستوجب ذلك عدم التهاون مع المحتكر في جريمته، بل يجب الضرب على أيدي العابثين بضرورات الناس خلال هذه الأزمة، ومن نَاحيةٍ أخرى فلولي الأمر أن يُعَزِّر المحتكر بما يراه رادعًا عن جريمته بغرامةٍ ماليةٍ أو بمصادرة ماله.
المحتويات
من أحد خصائص المعاملات المالية في الإسلام مراعاتها لمصالح أطراف المعاملة جميعًا بحيث لا يلحق ضرر مؤثِّر بأحد الأطراف، وتلك الخصيصة طبيعة لما يمليه العدل الكامل الذي رسَّخته الشريعة الإسلامية، وكل ذلك لأنَّ المعاملات في الإسلام مبناها على التشاحح لا المسامحة؛ ولأجل تحقيق هذا المقصد نهى الشارع عن بعض الممارسات التي قد تضر بمصالح بعض أطرافها، وسدَّ بطريقة محكمة منافذ هذه الممارسات بما يجفف منابعها، ومن تلك الممارسات ما يعرف بـ(الاحتكار) الذي هو أحد الأسباب الرئيسة في ظهور ما يعرف بـ(السوق السوداء).
والسلع التي يجري فيها الاحتكار: هي كل ما يقع على الناس الضرر بحبسها، وهذا قول المالكية، وأبي يوسف من الحنفية.
انظر: "الاختيار لتعليل المختار" للموصلي الحنفي (4/ 162، ط. الحلبي)، و"البيان والتحصيل" لابن رشد (17/ 284، ط. دار الغرب الإسلامي).
ومن الفقهاء مَن جَعَل الاحتكار جاريًا في أقوات الآدميين وأقوات البهائم فقط؛ لكن القول الأول هو المعوَّل عليه؛ لأنَّ الاحتكار إنما حَرُم للإضرار؛ لأنَّ فيه تضييقًا على الناس يُلْحق بهم ضررًا، فعلى ذلك: فكل ما يضر العامَّة حبسه من السلع فهو احتكار؛ ويكون ذلك عن طريق أن يشتري التاجر السلعة من داخل البلد، ويقوم بتخزينها لرفع ثمنها وبيعها للعامة؛ استغلالًا لندرتها، واحتياج العامة لها ونقصها من الأسواق، فالأصل الملاحظ في الاحتكار على ذلك: أَنَّ فيه حجب السلع عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتُها؛ فيحصل المحتكرون على الأرباح الباهظة دون منافسة تجارية عادلة.
قد نهى الشارع عن الاحتكار وحرَّمه، ودَلَّت النصوص الشرعية على أَنَّ الاحتكار من أعظم المعاصي، فقد اشتملت الأخبار على لعن المحتكر وتوعده بالعذاب الأُخْروي الشديد؛ ومن ذلك ما روى الإمام مسلم بسنده عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطئ».
وفي روايةٍ لمسلم أيضًا: «مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ».
ومنها: حديث أبي أمامة رضي الله عنه: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُحتَكَر الطعام" رواه الطبراني.
ومنها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ» رواه أحمد والحاكم والبيهقي.
وحديث معقل بن يسار رضي الله عنه: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أحمد والحاكم والبيهقي والطبراني.
وروى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ».
وقد حمل جمهور الفقهاء هذه الأحاديث على الحرمة؛ لأن نفي الاحتكار الوارد في حديث معمر أبلغ في الدلالة على التحريم من النهي، لأنه بمعنى لا ينبغي لأحدٍ أن يفعل هذا، كما أَنَّ المخطئ هو الآثم العاصي؛ يقول الشوكاني في كتاب "نيل الأوطار" (5/ 261، ط. دار الحديث) بعد إيراده أحاديث الاحتكار: [ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار، ولو فرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح فكيف وحديث معمر المذكور في "صحيح مسلم"، والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف في إفادة عدم الجواز] اهـ.
لا يثبت التحريم للاحتكار إلا بشروطٍ، يكاد يتفق الفقهاء على ثلاثة منها، وهي ما يلي:
1- الشراء وقت الغلاء، والمراد بالشراء شراء السلعة الموجودة في البلد.
2- حبس السلعة مع تَربُّص الغلاء.
3- إحداث ضرر بالناس جراء الحبس.
ينظر: "بدائع الصنائع" (5/ 129، ط. دار الكتب العلمية)، و"مواهب الجليل" (4/ 227، ط. دار الفكر)، و"أسنى المطالب" (2/ 37، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"المغني" (4/ 154، ط. دار الفكر)، و"الشرح الكبير" لابن أبي عمر (4/ 47، ط. دار الكتاب العربي).
فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فلا يكون احتكارًا؛ فلو حبس السلعة ولم يكن للناس في المحبوس حاجة، أو حبسها مع بيعها بثمن المثل، أو اشتراها في حال الضيق والغلاء ليَرْبَح فيها بلا حبسٍ، فلا يعد احتكارًا؛ وكذا لو استورد سلعة من خارج البلد وحبسها فلا يعد احتكارًا ولو مع غلو ثمنها، شريطة أن لا يكون بالناس ضرورة إليها بحيث يصيبهم ضرر بالحبس؛ لأنَّ المقصد من منع الاحتكار إنما هو الضرر الواقع على مجموع المستهلكين جراء حبس السلعة وقت الضيق والغلاء، وهذه الصور نصَّ عليها فقهاء الشافعية وبعضها تُفْهَم من ظاهر عباراتهم.
فالحاصل أَنَّ العلة في منع الاحتكار ليست ذات الاحتكار، بل الإضرار بالناس، فالفقهاء ينيطون تحريم الاحتكار بحصول الضرر الحاصل منه، واختلافهم في تحريم بعض صور الاحتكار ناتج عن تفاوت أنظارهم في تحقيق مناط الضرر فيها؛ فإنَّ ما لا ضرر فيه لا تحريم فيه؛ ولهذا يقول الإمام البيهقي في "المعرفة" (8/ 206، ط. دار الوعي بحلب بالاشتراك) بعد ذكره حديث معمر: [إنما أراد -والله أعلم- إذا احتكر من طعام الناس ما يكون فيه ضرر عليهم دون ما لا ضرر فيه] اهـ.
والإضرار بالناس الحاصل باحتكار السلع التي يحتاجون إليها أوقات الأزمات والذي يُلْجِئهم الاحتكار إلى مرتبة الضرورة؛ هو الاحتكار المحرَّم والذي يتَحقَّق باحتكار أي شيءٍ.
قيام البعض بتخزين أدوية المناعة وغيرها من الفيتامينات المدرجة ضمن بروتوكولات علاج "فيروس كوفيد-19" دون الحاجة إليها تَحَسُّبًا لزيادة السعر؛ هو من صور الاحتكار المُحَرَّم الذي اكتملت فيه أركان الحرمة؛ فهو شراء للدواء الموجود في البلد وحبسه لتَربُّص غلائه، وإحداث ضرر بالمصابين نتيجة نقص تلك الأدوية من الصيدليات جَرَّاء هذا الحبس.
بل إن تخزين أدوية المناعة بهذه الطريقة هو من الكبائر؛ فقد عَدَّ الإمام ابن حجر احتكار السلع من الكبائر؛ فقال في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1/ 387، ط. دار الفكر): [الكبيرة الثامنة والثمانون بعد المائة: الاحتكار] اهـ؛ وذلك لأن الإضرار بالغير الذي لا يُحْتَمل عادةً هو من الكبائر؛ فإذا انضاف إلى ذلك كون هذا الاحتكار مرتبطًا بصحة الناس ودوائهم؛ فهو أشد في الحُرْمة وأَغْلَظ في المنع.
ورغم احتواء تخزين أدوية المناعة بهذه الطريقة على التحريم الشرعي وكونه من الكبائر؛ فإنَّه أيضًا يدل على خِسِّة صاحبه، ونقص مروءته؛ فهو استغلال لضروريات الناس وقت الأزمات التي تستدعي أصالةً توافر الجهود من أبناء المجتمع والتفافهم حول التعليمات الرسمية والقاضية بعدم شراء وتخزين أدوية المناعة دون حاجةٍ إليها.
من أجل عِظَم مسألة الاحتكار وقت الأزمات فإن الشرع أجاز لولي الأمر سلطة الردع عن الاحتكار والحيلولة دون وقوعه وإزالته إذا وقع؛ فأجاز الشرع لولي الأمر إن رأى أَنَّ المحتكر لا يرتدع إلَّا بالحبس ونحوه أن يحبسه أو يُعَزِّره بما يراه رادعًا له ولأمثاله، بل له أَنْ يُعَزِّره بالمال أيضًا، وهو جائزٌ عند جمعٍ من الفقهاء؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة: 89]، فهذه الآية أصل دال على مشروعية التغريم بالمال شرعًا؛ إذ الحنث معصية ليست لها عقوبة مقدَّرة تماثلها في الصورة.
ومن السنة النبوية ما رواه أبو داود والنسائي والحاكم بسندهم عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن الثَّمر المعلَّق؟ فقال: «مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ».
والخُبْنَة: مِعطَف الإزار وطَرَف الثوب، وهو ما يأخذه الرجل في ثوبه فيرفعه إلى فوق. والمعنى: أَنَّ مَن أكل مِن ثمر مضطرًّا دون أن يأخذ منه شيئًا فلا عقوبة عليه، وإن أخذ منه شيئًا فعليه الغرامة والعقوبة، وذلك إذا لم يكن من حرزٍ وبلغ النصاب.
ومنها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ».
فهذا صريح في أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هَمَّ بتحريق بيوت الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، وما مَنَعه عليه الصلاة والسلام من ذلك إلا لما فيها من النساء والذرية، والحرق عقوبة مالية بالإتلاف.
ومنها: ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «فِي كُلِّ إِبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ لَا تُفَرَّقُ إِبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا مِنْهُ وَشَطْرَ إِبِلِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ». ومعنى عَزْمَة؛ أي: حقًّا.
كما يُستدل لجواز التعزير بالمال بعمل بعض الصحابة رضي الله عنهم؛ كتحريق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه المكان الذي يباع فيه الخمر، وتحريقه قصر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما احتجب فيه عن الرعية وصار يحكم من داره، ومصادرته عمالَه بأخذ شطر أموالهم، وإراقته اللبن المغشوش.
وبجواز العقوبة بالمال أخذ القانون المصري كما في المادة (22 عقوبات)، حيث نصَّت على أَنَّ العقوبة بالغرامة إلزام للمحكوم عليه بأن يدفع إلى خزينة الحكومة المبلغ المقدَّر في الحكم، ثمَّ فصَّل القانونُ حدودَ الغرامة لكل جريمة على حدة.
وعلى ذلك: فيجوز تعزير المحتكر بغرامة مالية أو بمصادرة ماله؛ وعلى ذلك نص قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية رقم (3) لسنة (2005) مع تعديلاته بالقانون رقم (56) لسنة 2014؛ ففي المادة رقم (8): [يحظر على من تكون له السيطرة على سوق معينة القيام بأي مما يأتي:
فعل من شأنه أن يؤدي إلى منع كلي أو جزئي لعمليات التصنيع أو الإنتاج أو التوزيع لمنتج لفترة أو فترات محددة.. وفعل من شأنه أن يؤدي إلى الاقتصار على توزيع منتج دون غيره على أساس مناطق جغرافية أو مراكز توزيع أو عملاء أو مواسم أو فترات زمنية، وذلك بين أشخاص ذوي علاقة رأسية.. الامتناع عن إنتاج أو إتاحة منتج شحيح متى كان إنتاجه أو إتاحته ممكنة اقتصاديًّا] اهـ باختصار.
ثم قَرَّر القانون العقوبات المترتبة على هذه الأفعال في المادة رقم (22) ونصه: [مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر يعاقب على كل مخالفة لأحكام أي من المواد (6، 7، 8) من هذا القانون بغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه. وللمحكمة بدلًا من الحكم بالمصادرة أن تقضي بغرامة بديلة تعادل قيمة المنتج محل النشاط المخالف] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا يجوز شرعًا تخزين أدوية المناعة وغيرها من الفيتامينات المدرجة ضمن بروتوكولات علاج "فيروس كوفيد-19" دون الحاجة إليها تَحسُّبًا لزيادة ثمنها فيما بعد؛ فهو من كبائر الذنوب؛ وذلك لما يُلْحِقه بالناس من التضييق والإضرار، فإذا انضاف إلى ذلك كون هذا الاحتكار مرتبطًا بصحة الناس ودوائهم؛ فهو أشد في الحُرْمة وأَغْلَظ في المنع، إضافة لما في تخزين الأدوية بهذه الطريقة من استغلال لضروريات الناس وقت الأزمات واشتداد عِوَزهم للعلاج والذي لا يتنافى فقط مع معاني الرحمة والتعاون والمواساة التي نادى بها الدين الإسلامي الحنيف؛ بل فيه أيضًا دليل قاطع على شُحِّ صاحبه وتقصيره في المسئولية المجتمعية تجاه بني وطنه الحاملين لهذا الفيروس، ويستوجب ذلك عدم التهاون مع المحتكر في جريمته؛ بل يجب الضرب على أيدي العابثين بضرورات الناس خلال هذه الأزمة، ومن نَاحيةٍ أخرى فلولي الأمر أن يُعَزِّر المحتكر بما يراه رادعًا عن جريمته بغرامةٍ ماليةٍ أو بمصادرة ماله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
هل هناك مفهوم لحقوق الإنسان في الإسلام؟ وما سنده الفلسفي إن وجد؟ وما العلاقة بينه وبين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما تبعه من إعلانات ومواثيق؟ وهل حال المسلمين اليوم حجة على الإسلام في هذا المجال؟
ما حكم التبرع ببلازما الدم؟ فقد أثبتت التجارب العلمية التي أعلنت عنها وزارة الصحة المصرية نجاح علاج المصابين بفيروس كورونا عن طريق حقنهم بالبلازما المستخلصة من دماء المتعافين منه، حيث ظهرت النتائج المبشرة من خلال زيادة نسب الشفاء للمرضى، وتقليل احتياجهم لأجهزة التنفس الصناعي. وبدأت هذه التجارب منذ إعلان هيئة الغذاء والدواء الأمريكية عن إمكانية استخدام البلازما الخاصة بالمرضى المتعافين من فيروس كورونا المستجد في علاج الحالات الحرجة، نظرًا لكونها تحتوي على الأجسام المضادة للفيروس، مما يمنح احتمالية لتحسن تلك الحالات خاصة مع الشواهد البحثية في العديد من دول العالم.
وقد ناشدت وزيرة الصحة المتعافين من فيروس كورونا، التوجه إلى أقرب مركز نقل دم تابع لخدمات نقل الدم القومية بوزارة الصحة والسكان؛ وذلك للتبرع ببلازما الدم، بعد مرور 14 يومًا على شفائهم، حيث تم تفعيل العمل بخمسة مراكز نقل دم على مستوى الجمهورية.
فما حكم تبرع المتعافين من الوباء بالبلازما في هذه الحالة؟ وهل يسوغ لهم الامتناع من التبرع مع المناشدة الوطنية والاستنفار القومي لإنقاذ الأعداد الكثيرة المصابة بوباء كورونا؟
ما حكم صلاة الجمعة بأقل من أربعين في زمن الوباء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما بعد..
فإن من نوازل العصر ومتقلبات الأحوال: جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره، أسأل الله تعالى السلامة منه لجميع الناس.
وهذه الأزمة تجعل المتغيرات إلى المرونة والتمسك بيسر الدين الإسلامي وملامح رحمته ومحاسن تشريعه، فيما نقوم به من الطاعات كالجمعة والجماعة والتجمع لأداء العبادات والتباعد في الصفوف، وتقليل عدد التجمع في الأماكن العامة ودور العبادات.
وقد أعلنت وزارة الصحة التابعة لسيريلانكا والجهات المختصة بمنع التجمع بأكثر من خمسة وعشرين شخصًا في الأماكن العامة ودور العبادات، وفي إطار هذه الأزمة أفتت هيئة الإفتاء التابعة لجمعية علماء سيريلانكا بإقامة الجمعة في أماكن مختلفة، وذلك بناءً على جواز تعدد الجمعة في بلدٍ واحدٍ عند الحاجة في المذهب الشافعي.
ولكن لا يزال العلماء يناقشون مسألة التجمع بأقل من أربعين رجلًا في هذه الحالة الراهنة، علمًا بأن المعتمد في المذهب الشافعي أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر، فاختلفت آراء العلماء على اتجاهين:
الاتجاه الأول: الإنكار بإقامة الجمعة بأقل من أربعين رجلًا؛ اعتمادًا على القول الراجح المعتمد في المذهب الشافعي، وتعليلًا بأن العدد غير مكتمل.
الاتجاه الثاني: تنفيذ إقامة الجمعة بالعدد المسموح؛ تعظيمًا لشعائر الله، ومراعاة للمصلحة الدينية.
وبينما هو كذلك قد عثرتُ على مخطوطٍ لعالم جليل وعلم من كبار علماء سيريلانكا، وركن من أركان علم الفلك، ومؤسس الكلية الحسنية العربية الشيخ العلامة عبد الصمد رحمه الله، الذي كان رئيسًا لجمعية علماء سيريلانكا فترة طويلة، وله عدة مؤلفات من المطبوع والمخطوط.
وقد ألف كتابًا في عام 1912م، بخطه وسماه بـ "ضوء الشرعة بعدد الجمعة"، وقد ناقش الأدلة والآراء ورجح القول بأن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين رجلًا فأكثر.
وما حاصله: وإذا كان أهل البلد أقل من الأربعين، فإن كانوا (الشافعية) بأربعة فصاعدًا وأرادوا تقليد الإمام أبي حنيفة في صحة الجمعة بأربعة، فيجوز أن يصلوا الجمعة إن قلدوه تقليدًا صحيحًا؛ بأن يحافظوا كلهم على جميع الشروط المعتبرة عنده، ولكنه تُسنّ إعادتها ظهرًا خروجًا من الخلاف القوي. وإذا أرادوا أن يعملوا باختيار بعض الأئمة الشافعية في صحة الجمعة بدون أربعين وصلوا الجمعة فلا بأس بذلك، ولكن يلزمهم أن يعيدوا الظهر بعدها لوجوب العمل بالراجح، فإن لم يعيدوا الظهر جماعة أو فرادى فينكر عليهم إنكارًا شديدًا.
أطلب من سماحتكم إبداء موقف دار الإفتاء في إعادة الظهر بعد الجمعة: هل هي لازمة إذا عملوا في هذه المسألة على المرجوح في المذهب الشافعي؟ أو هل هي مسنونة إذا قلدوا في هذه المسألة مذهب الحنفية أو المالكية حفاظًا على جميع شروطهم؟ ولكم جزيل الشكر ومن الله حسن الثواب.
أنا طالب مسلم أدرس الفيزياء في جامعة في أمريكا، وكنت قد سمعت من أحد الأساتذة في إحدى المحاضرات: أنه توجد عملية تسمى Time travel وتترجم إلى العربية السفر عبر الزمن وهي إلى المستقبل والماضي أو إلى المستقبل فقط، وقد أصبح ذلك ممكنًا عن طريقة نظرية Twin paradox.
وأما السفر إلى الماضي فغير ممكن حاليًا. لكن بعض العلماء يقولون إن من الممكن أن يحدث هذا في المستقبل؛ لأن الاكتشافات كانت في الأسس أحلامًا، فمن غير المستبعد حدوث هذا في المستقبل. وعندما قلت هذا لإمام أحد المساجد وجدته يعترض بشدة، بل قال: إن هذا لم يحدث ولن يحدث؛ لأنه يوجد نصوص في القرآن والسنة تنفي حدوث هذه الفكرة صراحة، وإن اعتقدت بهذه الفكرة فأنت آثم؛ لأنك تعتقد بحدوث أمر الله، وقال إنه لن يحدث، وعندما قلت له: إن بعض المشايخ قال هذا على عملية الاستنساخ قبل حدوثها، رد بأن العلماء قالوا إن من يحاول إنجاح الفكرة آثم، ولم يقولوا إن هذه الفكرة مستحيل حدوثها، بخلاف فكرتك السابقة فإنه يوجد نصوص تمنع حدوث مثل هذه الفكرة. فما القول الصحيح؟ هل يوجد نصوص تقول إن هذه الفكرة لم تحدث، أو من المكن أن تحدث لكن أصحابها آثمون أم من الممكن حدوثها؟
ما حكم التيمم للجنب في البرد الشديد؟ فقد أصابتني جنابة في وقت برد شديد ولا يوجد وسيلة لتسخين الماء، فما حكم التيمم من الجنابة للصلاة؛ خوفًا من المرض أو الأذى بسبب الاغتسال بالماء البارد؟
ما حكم استغلال بعض المتعافين حاجة المرضى بطلب مقابل مادي لإعطاء البلازما المستخلصة من دمه في ظل انتشار هذا الوباء الذي يهدد أمن البشرية واستقرارها؟