هل تحسب عدة المتوفى عنها زوجها بالتاريخ الهجري أم الميلادي، ومتى يحق لها الزواج بعد انقضاء عدتها؟
عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملًا، والثابت بالكتاب والسنة والإجماع أن حسابها إنما يكون بالأشهر القمرية، لا الميلادية، وهو ما عليه العمل إفتاءً وقضاءً، فإن كانت حاملًا فعدتها وضع حملها، فإذا انقضت عدتها جاز لها الزواج بعد ذلك.
أوجب الشرع الشريف على المرأة المتوفى عنها زوجها من غير ذوات الحمل أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]، سواء أكانت الزوجة صغيرة أو كبيرة، مدخولًا بها، أو غير مدخول بها.
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 115، ط. مكتبة القاهرة): [أجمع أهل العلم على أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفاة زوجها أربعة أشهر وعشر، مدخولًا بها، أو غير مدخول بها، سواء كانت كبيرة بالغة، أو صغيرة لم تبلغ] اهـ.
فإن كانت حاملًا: فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل؛ لقوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4].
قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (8/ 115): [وأجمعوا أيضًا على أن المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملًا، أجلها وضع حملها] اهـ.
وحساب العدة إنما يكون بالأشهر التي اعتبرها الشرع لمواقيت الناس في الحج والنحر والعدة، وهي الأشهر القمرية، التي تعرف بدايتها بالأهلة، وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وهو ما عليه العمل في القضاء المصري.
فأما الكتاب:
فقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾؛ يعلمون بها حِلَّ دَيْنِهم، وعِدَّةَ نسائهم، ووقتَ حَجّهم" أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في "التفسير".
وقال الإمام الشافعي في "تفسيره" (1/ 298، ط. دار التدمرية): [فأعلم الله تعالى بالأهلة جُمَل المواقيت، وبالأهلة مواقيت الأيام من الأهلة، ولم يجعل علمًا لأهل الإسلام إلا بها، فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم، والله أعلم] اهـ.
وقال فيه أيضًا (2/ 927): [وكانت الأعاجم، تعد الشهور بالأيام لا بالأهِلَّة، وتذهب إلى أن الحساب -إذا عدت الشهور بالأهِلَّة- يختلف، فأبان اللهُ تعالى أن الأهلة هي المواقيت للناس والحج، وذكر الشهور فقال: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ﴾ [التوبة: 36] الآية، فدل على أن الشهور بالأهلة؛ إذ جعلها المواقيت، لا ما ذَهَبَتْ إليه الأعاجمُ من العدد بغير الأهلة] اهـ.
وقال الإمام القرطبي المالكي في "تفسيره" (8/ 133، ط. دار الكتب المصرية): [أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط] اهـ.
ومن السنة:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» -يَعْنِي: ثلاثين- ثم قال: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» -يعني تسعًا وعشرين- يقول: مَرَّةً ثَلاَثِينَ، وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشرِينَ. متفق عليه.
قال الإمام ابن بطال المالكي في "شرح البخاري" (4/ 32، ط. مكتبة الرشد): [هذا الحديث ناسخ لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول على الرؤية في الأهلة التي جعلها الله مواقيت للناس في الصيام والحج والعِدَد والديون] اهـ.
وأما الإجماع:
فقد اتفقت نصوص المذاهب الفقهية المتبوعة على أن المأمور به في الاعتداد بالأشهر، هو الاعتداد بالأهلة؛ إذ الهلال هو الأصل للمواقيت الشرعية، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك.
قال الإمام الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/ 195، ط. دار الكتب العلمية): [فجملة الكلام فيه: أن سبب وجوب هذه العدة من الوفاة، والطلاق، ونحو ذلك إذا اتفق في غرة الشهر اعتبرت الأشهر بالأهلة وإن نقصت عن العدد في قول أصحابنا جميعًا؛ لأن الله تعالى أمر بالعدة بالأشهر] اهـ.
وقال العلامة برهان الدين بن مازه البخاري الحنفي في "الذخيرة البرهانية" (4/ 290، ط. دار الكتب العلمية): [وذكر الصدر الشهيد في "فتاوى الصغرى": أن في باب العدة يعتبر الشهور بالأهلة بالإجماع] اهـ.
وقال العلامة الزيلعي في "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (3/ 24، ط. المطبعة الأميرية الكبرى): [وأهل الشرع إنما يتعارفون الأشهر والسنين بالأهلة] اهـ.
وقال العلامة أبو بكر الحدادي الحنفي في "الجوهرة النيرة" (2/ 74، ط. المطبعة الخيرية): [العدة بالشهور في الطلاق والوفاة إذا اتفقا في غرة الشهر اعتبرت الشهور بالأهلة إجماعًا، وإن نقصت في العدد] اهـ.
وقال العلامة ابن شاش المالكي في "عقد الجواهر" (2/ 574، ط. دار الغرب الإسلامي): [حيث كانت العدة بالأشهر اعتبرت بالأهلة، فإن انكسر الشهر الأول تمّمَ ثلاثين من الشهر الأخير، واعتبر في الشهرين الأوسطين بالأهلة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (8/ 398، ط. المكتب الإسلامي): [وتعتبر الأشهر بالأهلة ما أمكن] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (8/ 105): [والأصل الهلال؛ فإذا أمكن اعتبار الهلال اعتبروا، وإذا تعذر رجع إلى العدد] اهـ.
وهذا هو المعمول به في القضاء المصري وفق ما قررته المادة الثالثة من مواد الإصدار بالقانون (1) لسنة 2000م من العمل بأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة.
وهذا ما نص عليه العلامة محمد قدري باشا في كتاب "الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية" الذي ألفه للمحاكم المصرية جامعًا فيه أرجح الأقوال في المذهب الحنفي في مسائل الأحوال الشخصية؛ حيث جاء فيه: [(مادة 312): فإذا وجبت العدة في غرة الشهر تعتبر الشهور بالأهلة.. وإذا وجبت في خلاله تعتبر العدة بالأيام] اهـ.
فإذا قضت المرأة المتوفى عدتها جاز لها الزواج حينئذ؛ قال تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 234].
قال مجاهد في تفسير قوله تعالى: ﴿فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 234]: «هو النكاح الحلال الطيب» أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره".
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فعدة المتوفى عنها إن لم تكن حاملًا أربعة أشهر وعشرة أيام، والثابت بالكتاب والسنة والإجماع أن حسابها إنما يكون بالأشهر القمرية، لا الميلادية، وهو ما عليه العمل إفتاءً وقضاءً، وأما إن كانت المتوفى عنها زوجها حاملًا فعدتها وضع حملها، فإذا انقضت عدتها جاز لها الزواج بعد ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما الحكم الشرعي فيمن تزوجت بزوجٍ وهي على عصمة زوج آخر، هل تلزمها العدة بعد طلاقها من الزوج الثاني أم لا؟
أنا امرأة مسيحية يونانية في سن الحيض، تزوجت من رجل مصري مسلم، ثم قام بطلاقي طلاقًا رجعيًّا أول، ومرت فترة العدة دون أن يراجعني. وكل هذه الأحداث قد مر عليها أكثر من عشر سنوات. وعندما توجهت للسلطات اليونانية لإثبات طلاقي رفضوا بحجة أنه طلاق رجعي، وأن بإمكان الزوج مراجعتي، وقاموا بالقياس على نظام التفريق في الشريعة المسيحية.
والسؤال الآن: هل طلاقي هذا أصبح بائنًا ونهائيًّا؟ وهل بإمكان المطلق مراجعتي مرة أخرى رغم مرور فترة العدة؟ وهل بإمكاني الزواج مرة أخرى، علمًا بأنني قد تزوجت بالفعل بعد طلاقي بحوالي خمس سنوات؟
سائلة تقول: تزوجت في 17/ 11/ 1983م، ثم طلقني زوجي غيابيًّا في 24/ 1/ 1987م، وبعد تسلمي وثيقة الطلاق علمت أن طليقي قد سافر، ثم في 4/ 11/ 1989م قابلني طليقي وقال لي: إنه أرجعني إلى عصمته في شهور العدة ولم يعلمني، مع العلم أنني كنت قد تزوجت في 2/ 5/ 1989م. فما حكم الشرع في ذلك؟
ما حكم عدة المرأة التي توفي عنها زوجها قبل الدخول؟ فقد عقد رجل على امرأة، ومات عنها قبل الدخول بها، وقبل حصول خلوة شرعية معتبرة، فهل يجب عليها أن تعتد؟ وكيف تكون عدتها؟
ما حكم انتهاء نفقة العدة بإسقاط الحمل؟ حيث يوجد مطلقة طلقت في مارس 1948م طلاقًا بائنًا مكملًا للثلاث، واعترفت بالحمل بخطاب رسمي بخط يدها لدينا، علاوة على اعترافها في مجلس الطلاق بالحمل، ثم وصل إلينا خطاب آخر بخط والدتها تقسم فيه بأنها عرضتها على دكتور وقرر أنها حامل، وكنا قد اتفقنا اتفاقًا وديًّا على أن تأخذ نفقة قدرها ثلاثة جنيهات شهريًّا ابتداءً من تاريخ الطلاق حتى انقضاء عدتها وهي مدة سنة، ولكنها اعترفت في أكتوبر 1948م بأنها أجهضت في سبتمبر 1948م، وكان هذا السقط كامل الخلقة، وحددت أنه ذكر على مسامع الناس في مجالس عدة. فهل بسقطها هذا خرجت من العدة أم لا؟ وهل بانقضاء عدتها لها حق المطالبة بالنفقة؟
ما هي عدة المرأة التي تحيض إذا كان الطلاق على الإبراء؟ فزوجة مدخول بها أبرأت زوجها من جميع حقوقها من نفقة ومؤخر صداق ونفقة عدة، وسألته الطلاق على ذلك، فأجابها بأنها طالق، ومضى على ذلك تسعةٌ وسبعون يومًا لغاية 3 فبراير سنة 1945م جاءها فيها الحيض ثلاث مرات. فهل يعتبر هذا الطلاق رجعيًّا، أم بائنًا؟ وهل يصح أن يردها إلى عصمته بدون رضاها، أو لا بد من رضائها ومهر وعقد جديدين؟ وهل تصدق الزوجة في أن الحيض المذكور جاءها في هذه المدة، أم لا؟ وهل بعد هذه المدة تعتبر الزوجة زوجته أمام القانون أم لا إذا كان قد جاءها الحيض ثلاث مرات فيها؟