هل تسقط صلاة الجمعة وحضور الجماعة في المسجد عند حدوث الكوارث الطبيعية؛ من شدة رياح وكثرة أمطار، حيث اتخذت الدولة بعض الإجراءات الاحتياطية والقرارات الوقائية بسبب ما آلت إليه الشوارع والطرقات من الطين والوحل والبرد الشديد؟
أسقطت الشريعة الغراء وجوب الجمعة واستحباب الجماعة في مثل هذه الكوارث الطبيعية وتقلبات الأحوال الجوية؛ من شدة الرياح والأمطار وكثرة الطين والوحل، وأمرت المسلمين الصلاة في بيوتهم ورحلهم، ونص على ذلك العلماء سلفًا وخلفًا؛ رعايةً لسلامة الناس، ووقاية لهم من الأذى، وإبعادًا لهم عن المخاطر والمهالك.
ويجب على الكافة امتثال القرارات الاحتياطية والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة في تجنب الأسباب المؤذية والابتعاد عنها ما أمكن.
المحتويات
من إجراءات الرعاية وأساليب الوقاية التي سلكتها الشريعة الإسلامية للحفاظ على المجتمع: أن أجازت الصلاة في البيوت والرّحالِ حال حدوث الكوارث الطبيعية؛ كالأمطار والسيول والرياح والبرد ونحو ذلك؛ تجنُّبًا للأذى، ودفعًا للمشقة، ورفعًا للحرج، وجعلت من ذلك عُذرًا شرعيًّا مُبيحًا لسقوط صلاة الجمعة وصلاة الجماعة في المساجد، رخصة شرعية وإجراءً احترازيًّا للحد من تعرض الناس للمخاطر ووقوعهم في الأذى أو المهالك:
فعن أبي المليح، عن أبيه رضي الله عنْهما، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بالحديبية، فأصابنا مطرٌ، لم يبلّْ أسفل نعالنا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم: «صَلّوا فِي رِحَالِكُم» أخرجه عبد الرزاق في "مُصنِّفه"، وأحمد في "مسنده"، وابن ماجه والنسائي والبيهقي في "سننهم".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أذَّن بالصلاة في ليلة ذات بردٍ وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات بردٍ ومطرٍ، يقول: «ألا صَلّوا فِي الرِحَالِ» متفقٌ عليه.
وعن عمرو بن أوس، أن رجلًا من ثقيف أخبره أنه سمع مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في يوم مَطيرٍ يقول: «حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، وعبد الرزاق في "مُصنَّفه"، وابن أبي شيبة في "سننه"، وغيرهم.
وعن عمار ابن أبي عمار مولى بني هاشم قال: مررت بعبد الرحمن بن سمرة يوم الجمعة وهو على نهر أم عبد الله، وهو يسيل الماء على غلمانه ومواليه، فقلت له: يا أبا سعيد! الجمعة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إذَا كانَ المطَرُ وَابِلًا فَصَلّوا فِي رِحَالِكُم» أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: "إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلُّوا في بيوتكم"، قال: فكأن الناس استنكروا ذاك، فقال: "أتعجبون من ذا، قد فعل ذا من هو خيرٌ مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض" متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم. وفي رواية للحاكم وغيره: "وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والماء".
وعن أبي رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يوم الجمعة على هذا المنبر في يوم مطير يقول: "صلوا في رحالكم، ولا تأتوا بالخبث تنقلونه بأقدامكم إلى المسجد، فليس كل جِرَارِ المسجد يسع لطهوركم" رواه عبد الرزاق الصنعاني في "المُصنِّف".
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (2/ 492، ط. مكتبة الرشد): [وممن كان يتخلف عنها لذلك: ابن سيرين، وعبد الرحمن بن سمرة، وهو قول أحمد وإسحاق، واحتجوا بهذا الحديث] اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (6/ 84، ط. مكتبة الغرباء الأثرية): [وأكثر أهل العلم عَلَى أن المطر والطين عذر يباح مَعَهُ التخلف عَن حضور الجمعة والجماعات، ليلًا ونهارًا.
قَالَ الترمذي: قَدْ رخص أهل العلم فِي القعود عَن الجماعة والجمعة فِي المطر والطين. وسمى منهم: أحمد وإسحاق، وحكاه بعض أصحابنا عن جمهور العلماء] اهـ.
وعلى ذلك نص الأئمة أصحاب المذاهب المتبعة:
ذهب الحنفية في الصحيح إلى أن الوحل والبرد الشديد، والمطر والطين الكثيرين: أعذار تبيح التخلف عن حضور الجمعة والجماعة، وكذا الظلمة الشديدة:
قال العلامة الزيلعي الحنفي في "تبيين الحقائق" (1/ 133، ط. الأميرية): [قال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة، فقال: لا أحب تركها، والصحيح: أنها تسقط بعذر المرض، والطين، والمطر، والبرد الشديد، والظلمة الشديدة] اهـ.
وقال العلامة الشرنبلالي الحنفي في "مراقي الفلاح" (ص: 113، ط. المكتبة العصرية): [يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئًا: منها مطر وبرد شديد.. وظلمة شديدة في الصحيح.. ووحلٌ بعد انقطاع مطر] اهـ. قال العلامة الطحطاوي في "حاشيته" عليه (ص: 297، ط. دار الكتب العلمية): [ظاهره يعم جماعة الجمعة والعيدين؛ فيصلي الجمعة ظهرًا، وتسقط صلاة العيد] اهـ.
ذهب المالكية الى أن شدة الوحل والمطر عذرٌ يبيح ترك الجماعة، وكذلك الجمعة في رواية، وعللوا ذلك بأنها أعذارٌ تبيح الجمع بين الصلوات، فإباحتها ترك الجماعة أولى؛ لأن فضيلة الوقت أكبر من فضيلة الجماعة:
قال العلامة أبو عبد الله المواق في "التاج والإكليل" (2/ 555، ط. دار الكتب العلمية): [(وعذر تركها والجماعة شدة وحل فمطر): أما سقوط الجمعة بشديد المطر: فحكى ابن عرفة في ذلك روايتين ولم يشهر واحدة منهما، وأما ترك الجماعة من أجل ذلك: فهو سماع ابن القاسم؛ ونصه: سئل مالك إذا كان الطين والأذى في الطريق أيصلي الرجل في منزله؟ قال مالك: نعم.
ابن رشد: هذا من نحو إجازته الجمع بين المغرب والعشاء في الطين والوحل؛ لأن فضيلة الوقت أكبر من فضيلة الجماعة، فإذا جاز ترك فضيلة الوقت لهذه العلة: جاز ترك فضيلة الجماعة لها] اهـ.
ذهب الشافعية في الصحيح عندهم إلى أن المطر والوحل الشديد عذرٌ في ترك الجمعة والجماعة، وأن كل عذر سقطت به صلاة الجماعة تسقط به الجمعة، إلا الريح في الليل:
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 489، ط. دار الفكر): [كل عذر سقطت به الجماعة في غير الجمعة سقطت به الجمعة، إلا الريح في الليل؛ لعدم تصوره، وفي الوحل ثلاثة أوجه عند الخراسانيين: الصحيح عنهم وبه قطع العراقيون وجماعات من الخراسانيين: أنه عذرٌ في الجمعة والجماعة] اهـ.
وقال الحافظ زين الدين العراقي في "طرح التثريب" (2/ 322، ط. دار إحياء التراث العربي): [الأعذار المذكورة رخصة في مطلق الجماعة سواء فيه الجمعة وغيرها، وقد صرح في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه «في يوم جمعة»، ولم يفرق أصحابنا في أصحاب الأعذار بين الجمعة والجماعة، إلا ما حكاه صاحب "العدة" عن أئمة طبرستان: أنهم أفتوا أن الوحل الشديد عذر في الجماعة دون الجمعة، والصحيح: أنه عذر فيهما معا، ومن فرق بينهما محجوج بحديث ابن عباس رضي الله عنهما وهو متفق عليه.. وفيه حجة على رواية مالك حيث ذهب إلى أن المطر والوحل ليسا بعذر في الجمعة، وعنه رواية: أن المطر الشديد والوحل عذرٌ فيها] اهـ.
وقال الإمام القسطلاني في "إرشاد الساري" (2/ 38، ط. الأميرية): [(باب الرخصة) للرجل (في المطر) أي عند نزوله ليلًا أو نهارًا (و) عند (العلة) المانعة له من الحضور؛ كالمرض، والخوف من ظالم، والريح العاصف بالليل دون النهار، والوحل الشديد (أن يصلّي في رحله) أي في منزله ومأواه، وذكر العلة من عطف العامّ على الخاصّ؛ لأنها أعمّ من أن تكون بالمطر أو غيره] اهـ.
وذهب الحنابلة إلى أن خوف التأذي من المطر، أو الوحل الذي يشق المشي فيه، أو الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة: أعذارٌ تمنع وجوب الجمعة والجماعة:
قال العلامة أبو الخطاب الكلوذاني الحنبلي في "الهداية على مذهب الإمام أحمد" (ص: 102، ط. مؤسسة غراس): [ويعذر في ترك الجمعة والجماعة.. ومن يخاف التأذي بالمطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 252، ط. مكتبة القاهرة): [ولا تجب الجمعة على من في طريقه إليها مطر يبل الثياب، أو وحل يشق المشي إليها فيه] اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (8/ 155): [عن أحمد، أنَّهُ قالَ: إذا قالَ المؤذن في أذانه: (صلوا في الرحال) فلك أن تتخلف.. ولم يفرق بين جمعةٍ وغيرها] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فقد أسقطت الشريعة الغراء وجوب الجمعة واستحباب الجماعة في مثل هذه الكوارث الطبيعية وتقلبات الأحوال الجوية؛ من شدة الرياح والأمطار وكثرة الطين والوحل، وأمرت المسلمين الصلاة في بيوتهم ورحلهم، ونص على ذلك العلماء سلفًا وخلفًا؛ رعايةً لسلامة الناس، ووقاية لهم من الأذى، وإبعادًا لهم عن المخاطر والمهالك.
ويجب على الكافة امتثال القرارات الاحتياطية والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الدولة في تجنب الأسباب المؤذية والابتعاد عنها ما أمكن.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم الإلزام بارتداء الكمامة في زمن الوباء؟ فمع استمرار وباء كورونا في الانتشار واتجاه دول وحكومات العالم لضرورة التعايش معه، صدرت القرارات الرسمية بالإلزام بارتداء الكمامة للمواطنين في المواصلات، والمنشئات الحكومية والخاصة، والأسواق والمحلات والبنوك ونحوها؛ للوقاية من تفشي العدوى والحد من انتشار الوباء، فهل يعطي الشرعُ الحقَّ الحُكّام في إلزام المحكومين بارتداء الكمامات عند تفشي الوباء؟
ما حكم المرور بين المصلين يوم الجمعة في زمن الكورونا؟ في ظل الإجراءات الاحترازية من عدوى كورونا، والتزام المصلين بالتباعد بينهم في الصفوف؛ تحرزًا من الوباء، وخوفًا من انتقال عدواه؛ فهل والحالة هذه يجوز للمصلي المرور بين الجالسين يوم الجمعة في وقت الخطبة، إذا وجد مكانًا خاليًا في الأمام يريد أن يجلس فيه؟ وهل حكم الجمعة كغيرها من صلوات الجماعة؟
ما حكم المداومة على قراءة صحيح البخاري في زمن معين ومكان معين؟ حيث يقوم العلماء المسلمون في سيريلانكا بالتجمع في بعض المساجد مرةً بالعام ويجتمعون لقراءة "صحيح البخاري" باللغة العربية لمدة 30 يومًا من بعد صلاة العصر أو المغرب، بعد ذلك يقوم أحد العلماء ويلقى خطبة بلغتهم الأم. إن ذلك يحدث في بعض المساجد منذ أكثر من 90 عامًا. يقول بعض الناس إن ذلك يُعَدُّ مخالفًا للعقيدة وتحرم زيارة هذه الأماكن. لذلك أرجو السادة العلماء الأفاضل بدار الإفتاء المصرية الرد على هذا الأمر.
ما حكم إنكار عدوى كورونا؟ حيث يستنكر البعض الخوف والتحذير من عدوى كورونا، مستدلين بأن المرض من الله وحده وأنه لا عدوى في الإسلام، فكيف نرد على ذلك؟
في ظل ما يمرُّ به المجتمع من أزمة انتشار وباء فيروس كورونا، بدا جليًّا ما يقوم به الأطباء والممرضون من عمل جليل؛ حيث يتصدرون أول صفوف مواجهة انتشار هذا الفيروس، ويحرصون على تقديم عملهم على أتم وجه غير عابئين بأنهم أكثر الناس عرضةً للإصابة بالعدوى، مما يعرض حياتهم وذويهم للخطر، وذلك من أجل إغاثة المرضى والقيام بالواجب الوطني والمجتمعي. فكيف هي نظرة الإسلام لمن يقوم بمثل هذا العمل العظيم؟ وما واجب المجتمع تجاههم حينئذ؟
ما حكم تمثيل الآيات القرآنية بصور توضيحية لها؛ فلما كانت الصورة أوقع في النفس وأثبت في الذهن وأقرب إلى الأفهام عادة من الكلمة المقروءة التي ربما يستعصي فهمُها على آحاد الناس أو صغارهم، فقد بذلنا جهدنا في محاولة لتقريب فهم القرآن على هذه الطائفة من الناس؛ وذلك عن طريق كتابة الآية مقرونة بصورة توضيحية لها، على أن تكون الصورة متسقة مع مقررات الشريعة العامة ومقاصدها ومراعية حكم الإسلام في التصوير. فهل ما نفعله هذا يعد موافقًا للشرع الحنيف وروحه الذي جاء بالتيسير، أم أنه يتصادم مع نص شرعي أو إجماع أو اجتهاد معتبر؟