المقابل المادي لمن يجد شيئا ضائعا

تاريخ الفتوى: 03 ديسمبر 2018 م
رقم الفتوى: 4651
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الإجارة
المقابل المادي لمن يجد شيئا ضائعا

لو عثر شخص على شيء ذي قيمة لا يُعرَف صاحبُه، فأخذه، وبحث عن صاحبه حتى اهتدى إليه، فهل له الحق في أن يطالبه بمكافأة على ما فعل؟

الواجب على من وجد شيئًا ضائعًا مما له قيمةٌ ماليةٌ أن يبادر بتسليمه إلى الشرطة، ولو علم صاحبه فله أن يطلب منه أن يتبرع له بشيءٍ دون أن يشترط ذلك عليه، ولو بذل صاحب الشيء الضائع مكافأةً للملتقط ابتداءً دون طلبٍ منه فهو جائزٌ أيضًا، وتقدير المكافأة في الحالين موكولٌ لصاحب الشيء.

المحتويات

 

بيان مفهوم اللقطة

إن السَّعي في مصالح المسلمين، والاجتهاد في إيصال الحقوق الضائعة إلى أصحابها، عَمَلٌ مَشكورٌ مُثابٌ عليه صاحبه؛ وقد روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهُ في عَونِ العَبدِ ما كانَ العَبدُ في عَونِ أَخيه».

ومن ذلك السعي المشكور: إعادة اللقطة لصاحبها.

واللُّقَطَة: هي الشيء الضائع الذي فقده صاحبه، ووجده آخر فالتقطه.

ويمكن أن نُعَرِّفها شرعًا بعبارة أدق فنقول: "هي ما وُجِد مِن حَقٍّ مُحترم غيرِ مُحْتَرَزٍ لا يَعرفُ الواجِدُ مُستَحِقَّه". انظر: "حاشية البجيرمي على الإقناع" (3/ 273، ط. دار الفكر).

المقابل المادي لمن يجد شيئا ضائعا وضوابط ذلك

من أحكام اللقطة الشرعية المتقررة أن ضياعها من صاحبها لا يخرجها عن ملكه، بل هي لا تزال في ملكه، والمجتمع مكلَّف ما استطاع بإيصالها إليه، والشرع الإسلامي إنما أَذِنَ في التقاطها لتيسير ذلك، ولذلك وضع من الضوابط في تناول اللقطة ما يكفل -بقدر المستطاع- عدم التقصير والخيانة في البحث عن صاحبها.

وقد تكلم الفقهاء عن أنَّ الإذن بالالتقاط مرهون بأمانة الملتقِط، وأنّ من علم من نفسه الخيانة فليس له أن يلتقطها، وإلا فهو كالغاصب لها.

وذكروا أن مَن نوى التقاطَها لنفسه فإنه يضمنها؛ لأنه أخذها بدون إذن صاحبها وبدون إذن الشرع.

كما تكلموا عن صور تعريفها وأنَّ ملتقطها إذا كان فاسقًا، فإن الحاكم يضم إليه آخر أمينًا في تعريفها وحفظها، إلى غير ذلك مما يبين أن مراد الشرع وغرضه في الالتقاط هو العمل على حفظ الأمانة ووصول اللقطة إلى صاحبها.

وكذلك ذكروا أنه إذا جعل صاحب الحق الضائع جُعلًا معينًا لمن يأتيه به جاز له ذلك، وجاز قبوله لمن يحقق مأربه، ولا عبرة بالعمل الواقع قبل إعلان الجُعل، فهو محض تبرع.

قال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (8/ 71، ط. دار الفكر): [إنما يجوز الجُعل على طلب آبق يجهل مكانه، وأما من وجده آبقًا أو ضالًّا أو ثيابًا؛ فلا يجوز له أخذ الجُعل على رده، ولا على أن يدل على مكانه؛ إذ ذلك واجب عليه، فأما مَن وَجَده بعد جَعل رَبِّه فيه جُعلًا فله الجُعل، علم بما جعل فيه أو لم يعلم ما تكلف طلب هذه الأشياء أو لم يتكلفه] اهـ.

وقال العلامة الشَّمس الرمليّ الشافعي في "نهاية المحتاج" (5/ 471، ط. دار الفكر): [ولو قال: (مَن دَلَّني على مالي فله كذا)، فدَلَّه غير من هو بيده استحق؛ لأن الغالب أنه تلحقه مشقة بالبحث عنه، كذا قالاه -يعني: الرافعي والنووي-. قال الأَذرَعي: ويجب أن يكون هذا فيما إذا بحث عنه بعد جعل المالك، أما البحث السابق والمشقة السابقة قبل الجُعل فلا عبرة بهما] اهـ.

وقال الشيخ البُهوتي في "شرح منتهى الإرادات" من كتب الحنابلة (4/ 281، ط. مؤسسة الرسالة): [(فمَن بَلَغه) الجُعل (قبل فِعله)؛ أي: العمل المجعول له عليه ذلك العوض (استحقه)؛ أي: الجعل (به) أي: العمل بعده؛ لاستقراره بتمام العمل؛ كالربح في المضاربة. فإن تلف فله مثل مثله وقيمة غيره، ولا يحبس العامل العين حتى يأخذه، (و) من بلغه الجُعل (في أثنائه) أي: العمل (فـ) له من الجُعل (حصة تمامه) أي: بقسط ما عمله بعد بلوغه (إن أتمه بنيّة الجعل)؛ لأن عمله قبل بلوغه غير مأذون فيه، فلا يستحق عنه عوضًا؛ لتبرعه به، (و) من بلغه (بعده)؛ أي: بعد تمام العمل (لم يستحقه) أي: الجُعل ولا شيئًا منه؛ لما سبق، (وحَرُم) عليه (أخذه) إلا إن تبرع له به ربه بعد إعلامه بالحال] اهـ.

وكذلك ذكروا أن الأصل أن الملتقط يقوم بتعريف اللقطة بنفسه، وأنه إن استناب غيره ليقوم بالتعريف جاز له ذلك، ولكن أجرة الوكيل حينئذٍ تقع على الملتقط لا على صاحب اللقطة الأصيل؛ قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (6/ 5، ط. دار إحياء التراث العربي): [وللملتقط أن يتولى ذلك -أي: التعريف- بنفسه، وله أن يستنيب فيه، فإن وجد متبرعًا بذلك، وإلا إن احتاج إلى أجرٍ فهو على الملتقط. وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي.. ولنا: أن هذا أجر واجب على المعرّف، فكان عليه، كما لو قصد تملكها، ولأنه لو وليه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها، فكذلك إذا استأجر عليه لا يلزم صاحبها شيء، ولأنه سبب لتملكها، فكان على الملتقط، كما لو قصد تملكها] اهـ.

وأما الشائع بين الناس مِن أن مَن وَجَد شيئًا فله 10% من قيمته فأصله: ما جاء في الأمر العالي الصادر في 18 مايو سنة 1898م، والذي يقضى بأن من يعثر على شيء أو حيوان ضائع؛ فإنه يجب عليه أن يبلغ عنه أمام أقرب نقطة للشرطة في المُدُن وأمام العُمَد في القُرى، وأن يُسَلِّمَه، فإذا لم يُطالِب به مالكه بيع الشيء في خلال سنةٍ مِن تسليمه، أو الحيوان في خلال عشرة أيامٍ، في المزاد العلني بواسطة الإدارة، ويصح تقصير الميعاد الذي يتم فيه البيع إذا كان الشيء الضائع يُخشى عليه من التلف، ويكون لمن عثر على الشيء الضائع عُشر الثَّمَن، وتحتفظ الإدارة بالباقي لحساب المالك مدة ثلاث سنوات، فإذا لم يَتَقَدَّم المالِك في خلال هذه المدة لتسلمه فإنه يؤول إلى الدولة، أما إذا احتفظ مَن عَثَر على الشيء الضائع به ولم يبلغ عنه ولم يسلمه في خلال ثلاثة أيام في المدن، وثمانية أيام في القرى؛ فإنه يُحرَم مِن حَقِّه في العُشر، ويُحكَم عليه بغرامة، وإذا احتفظ به بنية تملكه فإنه يُعَدُّ سارقًا -بالاصطلاح القانوني الذي يوسع من مفهوم السرقة عن المفهوم الشرعي-.
وهذا القانون إنما هو في خصوص اللُّقَطَة، وهي: الشيء الضائع الذي يفقده صاحبه ولا يُعثَر عليه، فيَعثُر عليه غيره ويلتقطه، وهي لا تكون إلا في المنقولات التي لها مالِكٌ، فتضيع منه؛ بأن يفقد حيازته المادية لها، وتخرج من حوزته تمامًا، وتنتفي سيطرته عليها، مع ثبوت ملكيته لها. انظر: "الوسيط في شرح القانون المدني للسنهوري" (9/ 35-36، ط. دار النشر للجامعات).

ولو طلب الملتقط من أصحاب الحق أن يتبرعوا له بشيء دون أن يشترط ذلك عليهم فلا حرج عليه من أخذه حينئذٍ، ومن باب أولى لو بذلوا هم شيئًا له على سبيل المكافأة دون طلب منه، وتقدير المكافأة في الحالين موكول لهم؛ لأنه تبرع منهم وليس واجبًا عليهم.

مراعاة العرف في الأحكام الشرعية وأثره في الفتوى

الناظر في نصوص الفقهاء التي تناولت أحكام تعريف اللقطة يرى ارتباط ذلك بالعُرف ارتباطًا وثيقًا، بداية من تحديد مفهوم اللقطة التي يجب تعريفها والفرق بينها وبين المتروكات التي يمكن أخذها، وانتهاءً بكيفية التعريف ومُدَّته التي يغلب على الظن بعدها عدم وُجدان صاحبها؛ فإذا تغير الواقع كان ذلك مستلزِمًا لتطور مفهوم التعريف حسب ما آلت إليه أعرافُ الناس في هذا العصر وصار هو المألوف والمتبع لديهم في البحث عن الأشياء والأشخاص -وهو أقسام الشرطة-، فإذا كان أصحاب الأشياء الضائعة يتجهون للتبليغ عنها في أقسام الشرطة، فإن من البَدَهي أن التعريف بها ممن عثر عليها لا يتم ولا يبرأ الملتقط من عهدته إلا بالتبليغ عنها في أقسام الشرطة أيضًا.

وقد فَطِن المقنن المصري إلى ذلك وأن التنظيم الفقهي لأحكام اللُّقطَة هو من باب السياسة الشرعية التي قد تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأعراف، فوضع من اللوائح في ذلك ما يتناسب مع طبيعة العصر ويحقق غرض الشرع في العمل على إيصالها لصاحبها؛ فنصت المادة 873 من القانون المدني المصري على أن: [الحق في صيد البحر والبر، واللُّقَطة، والأشياء الأثرية، تنظمه لوائح خاصة] اهـ.

وصدرت لوائح في هذا الصدد تحدد مكان التعريف الذي تُسَلَّم إليه اللُّقَطة وهو أقسام الشرطة، والمدة التي تحفظ في خلالها الأشياء الضائعة، وتنظم كيفية التصرف في هذه الأشياء بعد انقضاء المدة، وحفظ ثمنها لحساب المالك، ومتى تؤول هذه المبالغ للدولة إذا لم يتقدم أصحاب الأشياء الضائعة لتسلمها.
ومن اللوائح المعمول بها في ذلك: الأمر العالي الذي سبق ذكره، كما نصت المادة 321 مكرر من قانون العقوبات المصري على أنه: [كل من عثر على شيء أو حيوان فاقد ولم يَرُدَّه إلى صاحبه متى تيسر ذلك أو لم يسَلِّمه إلى مقر الشرطة أو جهة الإدارة خلال ثلاثة أيام يُعاقَب بالحبس مع الشغل مدة لا تُجاوزُ سنتين إذا احتبسه بنية تَمَلُّكِه، أما إذا احتبسه بعد انقضاء تلك الفترة بغير نية التملك فيستحق الغرامة التي لا تتجاوز مائة جنيه] اهـ.

ومن المقرر شرعًا أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، وأن للحاكم تقييد المباح، وأن له أن يتخير ما شاء من أقوال المجتهدين، والعمل به واجب؛ إقرارًا للنظام العام وحفظًا للحقوق.

الخلاصة

عليه: فإنه على من وجد شيئًا ضائعًا مما له قيمة مالية أن يبادر بتسليمه إلى الشرطة، ولو علم صاحبه فله أن يطلب منه أن يتبرع له بشيء دون أن يشترط ذلك عليه، ولو بذل صاحب الشيء الضائع مكافأةً للملتقط ابتداءً دون طلبٍ منه فهو جائزٌ أيضًا، وتقدير المكافأة في الحالين موكولٌ لصاحب الشيء.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم امتداد عقد الإيجار بقوة القوانين المعمول بها في البلاد؟ وموقف الشريعة الإسلامية من غلاء ورخص وسيط التبادل بين الناس؟


ما حكم بيع مالك الأرض الأسمدة المدعمة للمستأجر بسعر السوق؟ فأنا مالك لأرضٍ زراعية، والجمعيات الزراعية تقوم بإعطائي الكيماوي والسِّمَاد بأسعار مدعمة، وقد أجَّرتُ أرضي لأحد الأشخاص، وأقوم بأخذ حصتي من الكيماوي من الجمعية وأبيعها بسعر السوق للمستأجر، فما حكم ذلك؟


ما حكم الإجارة بأجرة شهرية متزايدة كل سنة؟ فإن لي زميلًا يقوم باستئجار شقق سكنية لمدة خمس سنين فقط، وهي قابلة للزيادة وفقًا لما يتفق عليه الطَّرَفان نهاية هذه المدة، لكنه فوجئ بوضع صاحب العقار بندًا في عقد الإيجار بينهما يَقضِي بزيادة الأُجْرة الشهرية كل عام خلال هذه المدة بنسبة 10%، وتَمَّ التوافق بينهما على هذا البند، فما مدى جواز هذا الإجراء في هذه الزيادة؟


يقول السائل: ما قولكم دام فضلكم فيما يأتي: وقف شخصٌ أعيانًا على الوجه المبين بُحجَجِ أوقافه، وفي حياة الواقف أجَّر شخص آخر بصفته وكيلًا عن المغفور له الواقف في إدارة أوقافه طرف أول إلى شخصين وهما من رعايا الحكومة المحلية متضامنَين طرف ثاني - الأطيان الزراعية البالغ قدرها 631 فدانًا، و8 قراريط، و12 سهمًا.
ومن ضمن ما جاء بعقد الإيجار البند الثاني، ونصه: "مدة هذه الإجارة ثلاث سنوات ابتداءً من أول أكتوبر سنة 1937م لغاية آخر سبتمبر سنة 1940م، وإذا قام المستأجر بجميع واجباته التي التزم بها في هذا العقد -وعلى الأخص بسداد الإيجار في مواعيد استحقاقه مع محافظته على العين المؤجرة وملحقاتها ومواظبته على العناية بها وتحسينها- تتجدد الإجارة لمدة سنة رابعة تنتهي في آخر سبتمبر سنة 1941م بدون تنبيهٍ أو إنذارٍ وبنفس هذه الشروط"؛ وذلك بمقتضى عقد الإيجار الصادر في أوائل سنة 1937م.
وقد وضع المستأجر يده على أطيان الوقف المؤجَّرة ابتداءً من مدة الإيجار، وقام بتنفيذ ما نص عليه البند الثاني من عقد الإيجار المذكور، وقد توفي الواقف في مارس سنة 1938م، فهل مع قيام الطرف الثاني بتنفيذ ما جاء بالبند الثاني من عقد الإيجار يكون له الحقُّ في تجديد إجارة الأطيان سنةً رابعةً نهايتُها آخر سبتمبر سنة 1941م؛ كما هو نص البند الثاني من عقد الإيجار المذكور، أم تكون الإجارة قاصرةً على ثلاث سنوات فقط؟
نرجو التكرم بالإجابة عما ذُكر.


سأل في ناظرةٍ على وقف أجرت أطيانًا لمدة طويلة مقدارها ثلاث عشرة سنة بإذن من القاضي الشرعي الذي يملك ذلك، وبعد مضي سنتين تقريبًا من هذا العقد مات المستأجر للأطيان المذكورة، فأجرت الناظرة الأطيان المذكورة لشخص ليس من ورثة المستأجر الأول مدة تبتدئ والأرض خالية من الزرع، واقتصرت في التأجير الثاني على ثلاث سنين فقط، فهل تأجيرها للمستأجر الأول انفسخ بموته، أو يحتاج لفسخ القاضي له حيث إنه كان بإذن منه؟ وهل تأجيرها للمستأجر الثاني بعد موت المستأجر الأول وخلو الأرض من الزراعة صحيح شرعًا أو لا؟ أرجو إفادتي عن الحكم الشرعي في ذلك. أفندم.


نقوم بتأجير أرض زراعية نظير مبلغ نقدي متفق عليه يتم سداده عقب المحصول الصيفي، وفي كثير من الأحيان يتلكأ المستأجر في السداد. فهل إذا قلت له إن المبلغ المتفق عليه الآن هو ما قيمته الشرائية كذا إردبًّا، فأعطِني هذه الكمية أتصرف أنا فيها. فهل هذا يجوز؟

 


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 أبريل 2025 م
الفجر
3 :56
الشروق
5 :27
الظهر
11 : 55
العصر
3:30
المغرب
6 : 23
العشاء
7 :44