حكم الدعاء الجماعي عقب الصلاة

تاريخ الفتوى: 15 مارس 2018 م
رقم الفتوى: 4319
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الذكر
حكم الدعاء الجماعي عقب الصلاة

ما حكم الدعاء الجماعي عقب الصلاة؟ وهيئته أن يدعو الإمام بعد الانتهاء من ختام الصلاة وقراءة الأذكار ويُؤَمِّنُ المصلون خلفه، وقد اعتاد الناس في بلادنا ذلك الأمر، غير أن هناك من ينكر علينا ذلك. فهل هذا موافق للشرع؟

الذكر والدعاء الجماعي والتأمين عليه أمرٌ مشروعٌ في المسجد وفي غيره، وتبديعه في الحقيقة نوعٌ من البدعة؛ لأنه تضييقٌ لِمَا وسَّعه الشرع الشريف، ومخالفةٌ لما ورد في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وعلماء الأمة المتبوعين، وجرى عليه عمل المسلمين مِن غير نكير، لكن مع مراعاة الضوابط واللوائح التي وضعها القائمون على نظارة المساجد؛ حتى يتم ذلك بشكلٍ منظمٍ لا تشويشَ فيه على المصلين والذاكرين وقُرَّاء كتاب الله تعالى؛ استِرشادًا بالأدب النبوي الكريم في هذا المقام.
والواجب على المسلمين أن لا يجعلوا ذلك مثار فُرقة وخلاف بينهم؛ حتى لا يقعوا في الفُرقة المحظورة شرعًا؛ فإنه لا إنكار في مسائل الخلاف، والصواب في ذلك تَركُ الناسِ على سَجاياهم: فمَن شاء جَهَرَ، ومَن شاء أَسَرَّ، ومن شاء فعله فرادى أو جماعة؛ لأن أمر الذكر والدعاء على السعة، والعبرة فيه حيث يجد المسلمُ قلبَه.

المحتويات

حكم الدعاء الجماعي عقب الصلاة

الدعاء من أعظم العبادات التي أمر بها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جاء الأمر به مطلقًا؛ فيشمل ذلك كل هيئاته؛ سرًّا أو جهرًا، فرادى أو جماعات.
والجهر بختام الصلاة والإسرار به الأمر فيها واسع، والخلاف فيها قريب، وقد ورد الأمر الرباني في الذكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: ﴿فإذا قَضَيتم الصلاةَ فاذكُرُوا اللهَ قِيامًا وقُعُودًا وعلى جُنُوبِكم﴾ [النساء: 103]، والمطلق يؤخذ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّدُه في الشرع، ومن المقرر أن الأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال، فإذا شرع الله سبحانه وتعالى أمرًا على جهة الإطلاق وكان يحتمل في فعله وكيفية إيقاعه أكثرَ من وجهٍ (فرادى أو جماعة، سرًّا أو جهرًا) فإنه يؤخذ على إطلاقه وسعته ولا يصح تقييده ولا تخصيصه بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك ابتداعًا في الدين بتضييق ما وسَّعه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن الأدلة على الذكر الجماعي: قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: 28]، وامتثال الأمر بمعية الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء، ويحصل بالتأمين عليه، ويحصل بمجرد الحضور.
والتأمين على الدعاء دعاء فهو تابع لهُ وجارٍ مَجراهُ؛ وذلك لأنَّ المؤمن يَطلبُ من الله أن يستجيبَ الدعاء؛ فعن حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه أنه سمع رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يقول: «لَا يَجْتَمِعُ مَلَأٌ فَيَدْعُو بَعْضُهُمْ وَيُؤَمِّنُ سَائِرُهُمْ إِلَّا أَجَابَهُمُ اللهُ» أخرجه الطبراني في "المعجم"، والحاكم في "المستدرك".
وأخرج الحاكم في "المستدرك" من حديث شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت حاضرٌ يُصدِّقه، رضي الله عنهما، قال: إنا لَعِند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذْ قال: «هَلْ فِيكُمْ غَرِيبٌ؟» يعني أهلَ الكتاب، قلنا: لا يا رسول الله، فأمر بغَلْق الباب، فقال: «ارْفَعُوا أَيْدِيكُمْ فَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» فرفعنا أيديَنا ساعةً، ثم وضع رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يده، ثم قال: «الْحَمْدُ للهِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَأَمَرَتْنِي بِهَا، وَوَعَدْتَنِي عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ» ثم قال: «أَبْشِرُوا؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ».. إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
وقد وَرَدَ في السُّنّة ما يدل على الجهر بالذكر عقب الصلاة؛ فروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رَفعَ الصَّوتِ بالذِّكرِ حين ينصرفُ الناسُ مِن المَكتُوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كنتُ أَعلَمُ إذا انصَرَفُوا بذلكَ إذا سَمعِتُه". وفي لفظ: "كنتُ أَعرِفُ انقِضاءَ صَلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بالتَّكبِيرِ".
قال العلامة ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (2/ 325-326، ط. دار المعرفة): [وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة، قال الطبري: فيه الإبانه عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة.. ثم نقل عن ابن حبيب في "الواضحة" أنهم كانوا يستحبون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيرًا عاليًا ثلاثًا، قال: وهو قديم من شأن الناس] اهـ.
فمَن أخذ مِن العلماء بظاهر ذلك قال بمشروعية الجهر بالذكر والدعاء عقب الصلاة، ومَن تَأَوَّلَه على التعليم رأى الإسرار بالذكر والدعاء أولى، مع اتفاق الجميع على جواز كلا الأمرين، بل إن من حمله على الدوام أسعد بالصواب؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد أدرك وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو صغير، فإخباره بسماع الذكر وصف لحال الصلاة في السنوات الأخيرة من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والت عليم لا يستمر كل هذه المدة.
وخَير ما يُقال في هذا المَقام ما قاله صاحب "حاشية الطحطاوي على مَراقِي الفَلاح" (ص: 318، ط. دار الكتب العلمية بيروت) في الجمع بين الأحاديث وأقوال العلماء الذين اختلفوا في المفاضلة بين الإسرار بالذكر والدعاء والجهر بهما؛ حيث قال: [أن ذلك يختلف بحسب الأشخاص، والأحوال، والأوقات، والأغراض، فمتى خاف الرياءَ أو تَأَذّى به أحدٌ كان الإسرارُ أفضل، ومتى فُقِد ما ذُكِر كان الجهر أفضل] اهـ بتصرف.
والدعاء في الجمع أرجى للقبول وأيقظُ للقلب وأجمعُ للهمة وأَدعى للتضرع والذلة بين يدي الله تعالى؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَدُ اللهِ مع الجَماعةِ» رواه الترمذي وحسَّنه والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما.

الخلاصة

على ذلك: فالذكر والدعاء الجماعي والتأمين عليه أمرٌ مشروعٌ في المسجد وفي غيره، وتبديعه في الحقيقة نوعٌ من البدعة؛ لأنه تضييقٌ لِمَا وسَّعه الشرع الشريف، ومخالفةٌ لما ورد في الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح وعلماء الأمة المتبوعين، وجرى عليه عمل المسلمين مِن غير نكير، لكن مع مراعاة الضوابط واللوائح التي وضعها القائمون على نظارة المساجد؛ حتى يتم ذلك بشكلٍ منظمٍ لا تشويشَ فيه على المصلين والذاكرين وقُرَّاء كتاب الله تعالى؛ وذلك استِرشادًا بالأدب النبوي الكريم في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ» رواه الإمامان مالك في "الموطأ" وأحمد في "المسند".
ويجب على المسلمين أن لا يجعلوا ذلك مثار فُرقة وخلاف بينهم؛ حتى لا يقعوا في الفُرقة المحظورة شرعًا؛ فإنه لا إنكار في مسائل الخلاف، والصواب في ذلك تَركُ الناسِ على سَجاياهم: فمَن شاء جَهَرَ، ومَن شاء أَسَرَّ، ومن شاء فعله فرادى أو جماعة؛ لأن أمر الذكر والدعاء على السعة، والعبرة فيه حيث يجد المسلمُ قلبَه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

حكم قراءة صحيح البخاري وكتب السنة لرفع الوباء حيث ورد سؤال يقول صاحبه: في ظِلِّ ما يمرُّ به العالمُ من تفشِّي وباء كورونا يقومُ بعضُ العلماء وطلبة العلم بتنظيم قراءة "صحيح البخاري" بتقسيمه على من يحِبُّ المشاركةَ في ختمه، عن طريق وسائلِ التواصل الاجتماعي؛ تبرُّكًا وتوسُّلًا إلى الله تعالى لكشْف وباء كورونا، جريًا على ما اعتاده علماءُ الأزهر من قراءته في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ومواجهة الغلاء.
لكن خرج بعضُ مدَّعي العلمِ على بعض المواقع زاعمًا أن التَّعبُّدَ بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التِّلاوة بدعة، وأن التبرُّك والتوسُّل به حرام، وأنه لا فرقَ في ذلك بين "صحيح البخاري" و"مسلم" مثلًا، وأنها مجرَّد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، وأنَّ توظيف "صحيح البخاري" للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمرٌ متكلَّف، وأنَّ من ضرورياتِ الدين أنَّ المقصودَ مِن كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هو العمل بِمَا فيهما مِن الأوامرِ والنَّواهي، والإيمان بِمَا فيهما مِن الأخبار، وليس المقصود مجرَّد تلاوتهما ألفاظًا وتعبُّدًا.. فبَيِّنوا لنا الصوابَ في ذلك مشكورين.
1- عادة إقراء "صحيح البخاري" عند النوازلِ من الكوارثِ والأوباء قديمة، جرت على لسان السراج البلقيني في اليقظة والمنام.
2- لعل أمر هذه الظاهرة يعودُ إلى أقدم من وباء الطاعون الذي عمَّ الدنيا سنة 749هـ، واشتهرت هذه الظاهرة عند قدوم تيمورلنك إلى بلاد المسلمين.
3- أشهر الإمام سراج الدين البلقيني العمل بها، ودوَّنتها كتب التراجم والتأريخ، ونقلنا ذلك عنه فيما مضى.
4- التحقيق أن هذا العمل ليس موصولًا بعصور السلف، وأنَّ شيوعَه وذيوعَه بحكم وقوعه ووجوده لا يعطيه الحجِّية، وأنه ما زال يحتاجُ للدليل، وأن مجرَّد رؤيةِ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يأمرُ به لا يكفي مُستَدلًّا؛ فالمنامات يُسْتَأنس بها وليست -عند أهل السنة والجماعة- حجةً وبرهانًا، وأن الاتِّكاء عليها مع ترْك الأخْذ بالأسباب بدعةٌ في الدين، ومضادَّة لمقاصدِ الشريعة الكلية، والله المستعان وهو الواقي والعاصم.


ما حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة؟ فقد سمعت في بعض دروس العلم أن قراءة السورة بعد الفاتحة في غير الركعتين الأُوليَيْن؛ كالركعة الثالثة في المغرب، أو الركعتين الأخيرتين في الصلوات الرباعية لا يُؤثر على صحة الصلاة، فما مدى صحة هذا الكلام؟


ما حكم تحسين الصوت عند قراءة القرآن الكريم؟ فهناك البعض عند الاستماع لبعض القُرَّاء أصحاب الصوت الحسن نجد الناس يُنكر عليهم تحسين أصواتهم؛ فما حكم تحسين الصوت عند قراءة القرآن الكريم؟


يقول السائل: ما حكم الشرع في ما يقوم به بعض المؤذنين من مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة والسلام عليه بعد الأذان؟


ما حكم ذكر اسم الشخص في الدعاء في الصلاة؟ فهناك بعض الناس من أهل الفضل عليَّ، فهل يجوز لي أن أقوم بالدعاء لأحدهم في الصلاة مع تعيينه بالاسم؟


ما حكم قراءة القرآن الكريم في الليل فقط في رمضان من أجل إتمام الورد اليومي؟ وهل يُعَدُّ ذلك هجرًا له في أوقات النهار؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 16 أبريل 2025 م
الفجر
3 :56
الشروق
5 :27
الظهر
11 : 55
العصر
3:30
المغرب
6 : 23
العشاء
7 :44