ما حكم الشُّهرة، وما ضَوابِطُها، وهل منها ما هو مذمومٌ؟
المحتويات
الشُّهْرَةُ: ظُهورُ الشيءِ في شُنْعَةٍ، والشَّهيرُ والمَشْهورُ: المَعْرُوفُ المكانِ المذكورُ، والنَّبيه. راجع: "القاموس المحيط" (ص: 412، ط. مؤسسة الرسالة).
قال ابن منظور في "لسان العرب" (4/ 332، مادة: ش هـ ر): [الشُّهْرَةُ: ظُهُور الشَّيء في شُنْعَة حَتَّى يَشْهَره النَّاس، قال الجَوْهري: الشُّهْرَة: وضوح الأَمر، والشَّهْرُ: القمر، سمي بذلك لشهرته وظُهوره، وقال الزَّجَّاج: سُمِّي الشهر شهرًا لشهرته وبيانه] اهـ.
الشهرة إن كانت من طلب الشخص فهي مكروهة؛ فقد روي عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «حَسَبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ -إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ- أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِالْأَصَابِعِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللهُ» رواه الطبراني في "مسند الشَّاميين".
وكان السلف الصالح يكرهون طلب الشهرة؛ فقد ورد في "التواضع والخمول" لابن أبي الدنيا (1/ 63): [قال أيوب السختياني رحمه الله: "مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ إِلا سَرَّهُ أَنْ لا يُشْعَرَ بِمَكَانِهِ"] اهـ.
وفي "سير أعلام النبلاء" (7/ 73): [عن عَبْد الرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ، عَنْ طَالُوْتَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَم يَقُوْلُ: "مَا صَدَقَ اللهَ عبدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ"] اهـ.
وإن كانت الشهرة من الله تعالى -من غير تكلُّف طلب الشهرة منه- لنشر دينه فهي محمودة.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء" (10/ 1830، 1834، ط. دار الشعب): [اعْلَمْ -أَصْلَحَكَ اللهُ- أَنَّ أَصْلَ الْجَاهِ هُوَ: انْتِشَارُ الصِّيتِ، وَالِاشْتِهَارِ. وَهُوَ مَذْمُومٌ، بَلِ الْمَحْمُودُ: الخُمُولُ، إِلَّا مَنْ شَهَرَهُ اللهُ تَعَالَى لِنَشْرِ دِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ طَلَبِ الشُّهْرَةِ مِنْهُ.. وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبَ بِالشُّهْرَةِ وَانْتِشَارِ الصِّيتِ هُوَ الْجَاهُ وَالْمَنْزِلَةُ فِي القُلُوبِ، وَحُبُّ الجَاهِ هُوَ مَنْشَأُ كُلِّ فَسَادٍ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَأَيُّ شَهْوَةٍ تَزيِدُ عَلَى شُهْرَةِ الأَنْبِيَاءِ وَالخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَأَئِمَّةِ العُلَمَاءِ، فَكَيِفَ فَاتَهُمْ فَضِيلَةُ الخُمُولِ؟
فَاعْلَمْ: أَنَّ المَذْمُومَ طَلَبُ الشُّهْرَةِ، فَأَمَّا وُجُودُهَا مِنْ جِهَةِ اللهِ سُبحانَهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ مِنَ الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِمَذْمُومٍ، نَعَمْ، فِيْهِ فِتْنَةٌ عَلَى الضُّعَفَاءِ دُوْنَ الأَقْوِيَاءِ، وَهُمْ كَالْغَرِيقِ الضَّعِيفِ إِذَا كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْغَرْقَى؛ فَالأَوْلَى بِهِ أَنْ لَا يَعْرِفَه أَحَدٌ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهمْ يَتَعَلَّقُونَ بِهِ فَيَضْعُف عَنْهُم، فَيَهْلِكَ مَعَهُمْ، وَأَمَّا القَوِيُّ فَالأَوْلَى أَنْ يَعْرِفَهُ الغَرْقَى؛ لِيَتَعَلَّقُوا بِهِ، فَيُنَجِّيهم، وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ] اهـ.
قال العلَّامة الخادمي الحنفي -بعد حديثِ أنسٍ رضي الله عنه- في "بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية" (2/ 52، ط. الحلبي): [ولِذا كانت الشُهرةُ آفةً -يعني في الدين والدنيا-:
- أمَّا الدِّيْن: فلكونه منبعًا لنحو العُجْبِ، والاعتمادِ على العمل والرِّياءِ وآلةً لجمع الدنيا، وقيل: إنَّ الشهرةَ فيه إنما تكونُ بإِحداثِ بِدعةٍ عظيمةٍ فيه خفاءً.
- وأما الدنيا: فلكونه منبعًا لنحو الظُّلمِ والكِبرِ والإِعراضِ عن الطَّاعاتِ والتَّعمُّقِ في الأَغراضِ الدنيويَّة] اهـ.
وعلى ذلك: فطلب الإنسان الشهرة لنفسه مذمومٌ كما يُكرَهُ ما يؤدِّي إلى الطَّلب، وإن لم يَطْلُب؛ كلبسهِ لباس الشهرة؛ أي: ما يَشتهِر به عند النَّاس ويُشار إليه بالأَصابِع؛ فقد رُوي -مرفوعًا- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشهرتين. فقيل: يا رسول الله، وما الشهرتان؟ قال: «رِقَّةُ الثِّيَابِ وَغِلَظُهَا، وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا، وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا، وَلَكِنْ سَدَادٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادٌ» أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان".
وأخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما -مرفوعًا- أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قال: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه أبو داود وغيره.
قال الشيخ البهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (1/ 278، ط. دار الفكر): [(وَيُكْرَهُ لُبْسُ مَا فِيهِ شُهْرَةٌ) أَيْ: مَا يَشْتَهِرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُشَارُ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ، فَيُشَارِكُهُمْ فِي إثْمِ الْغِيبَةِ.
(وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ: فِي ثَوْبِ الشُّهْرَةِ (خِلَافُ) زِيّهِ (الْمُعْتَادِ؛ كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا مَقْلُوبًا، أَوْ مُحَوَّلًا، كَجُبَّةٍ أَوْ قَبَاءَ) مُحَوَّلٍ (كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالسَّخَافَةِ).
وَكَانَ الْحَسَنُ رضي الله عنه يَقُولُ: "إنَّ قَوْمًا جَعَلُوا خُشُوعَهُمْ فِي اللِّبَاسِ، وَشَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ الصُّوفِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ بِمَا يَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الْمُطَرَّفِ بِمُطَرَّفِهِ".
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ: كَانَ الْعِلْمُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ، فَانْتَقَلَ إلَى جُلُودِ الضَّأْنِ، قُلْتُ: وَالْآنَ إلَى جُلُودِ السَّمُّورِ -وهو حيوان صغير الحجم-.
(وَيُكْرَهُ) لُبْسُ (خِلَافِ زِيِّ) أَهْلِ (بَلَدِهِ وَ) لُبْسُ (مُزْرٍ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّهْرَةِ (فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِارْتِفَاعَ وَإِظْهَارَ التَّوَاضُعِ حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ رِيَاءٌ)] اهـ.
ومن ضوابِطها - أي الشهرة-: التخلق بأحسن الأخلاق؛ لأنه قدوة، ولا يجوز له التَّدنِّي إلى مستوى العوام؛ حتى لا يفتن الناسَ في دينهم.
وَحَدُّهَا المذموم: أن تطلب لغير الله، فتكون لطلب الجاه والسمعة؛ فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ، وَمَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ» أخرجه مسلم في "صحيحه"، والطبراني في "الأوسط".
والأَوْلَى أن لا تُطْلَبَ أصلًا، بل يكون مطلوبًا لها، لا طالبًا؛ قال الإمام أبو حامد الغزالي في "إحياء علوم الدين" (10/ 1830، ط. دار الشعب): [بَلِ الْمَحْمُودُ: الخُمُولُ، إِلَّا مَنْ شَهَرَهُ اللهُ تَعَالَى لِنَشْرِ دِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفِ طَلَبِ الشُّهْرَةِ مِنْهُ] اهـ.
وهذا لا ينافي قول الحق بضوابطه ولو أدى إلى الشُّهرَة، بشرط أن لا يَقْصِدَ الشهرة، أو طلب الجاه، أو السمعة؛ فالشُّهرة هنا عارضة له، وليست مقصودة ولا مطلوبة ولا متشوفًا لها.
بناءً عليه: فإنَّ تكلُّفَ طلب الشهرة مذمومٌ، وهذا لا يمنعه من أمورٍ مشروعة، بل قد تكون واجبةً أو مستحبةً، مثل قول الحقِّ من غير التشوُّفِ إلى الشهرة أو استشرافِها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
تقول السائلة: تقدمت للحصول على عقد عمل بإحدى الدول، وكان من شروط الحصول على هذا العقد أن يكون المتقدم حاصلًا على شهادة "الماجستير"، ولم أكن حاصلة على هذه الشهادة، فقمت بتزويرها، وأنا أعمل بهذا العقد منذ ثلاث سنوات؛ فما حكم عملي؟ وما حكم المال الذي اكتسبته من هذا العمل؟
سائل يقول: توفي والدي رحمه الله في يونيه 1998م، ووالدتي موجودة، ونحن خمسة أشقاء: ثلاثة ذكور وبنتان والكل متزوج، وقبل وفاة والدي بعشر سنوات أو أكثر سجل ووثق قطعة أرض بناء لكل من شقيقتي، لكل واحدة قيراط وثلث مبانٍ، وقام أزواجهما بالبناء، وفي مارس 2003م توفيت شقيقتي وتركت طفلتين، وبعد أقل من عام من وفاتها فوجئنا بأن الشقيق الثاني قام بسلب نصف منزل شقيقتي المتوفاة، وذلك بطريقة لا أخلاقية، وقام بتسجيل نصف المنزل باسمه، وهو الآن في نزاع بينه وبين زوج شقيقتي المتوفاة.
القضية في المحكمة الآن، وقام بحصر التركة بدون معرفة أمه وأشقائه، وقال: إن كل ما فعلته مثل القرآن بل أفضل، فأنا دارس للشريعة والقانون، واستطرد محذرًا: لو تم الطعن فيما فعلته سيكون مصير من يفعل ذلك السجن لسنوات لا يعلم مداها أي إنسان.
إن كل ما عمله هذا الشقيق لم يرض أمه أو أشقاءه، والأم تتمنى له الموت أو الهداية، وقد أساء سمعتنا في القرية. فهل نسكت ويضيع حق الطفلتين اليتيمتين بنتَي أختي؟ أم يسجن الأخ الشارد؟
هل يجوز تشغيل الميكروفون الخارجي قبل الصلاة على محطة القرآن الكريم، وفي أثناء الصلاة الجهرية، وفي الأحاديث التي بعد الصلاة؛ لأنه حدثت مشاكل بسبب هذا الأمر واشتكى سكان المنطقة وما زالت المشكلة قائمة؟
ما حكم السلام على المؤذن؟
نرجو منكم بيان المعنى المراد من قول النبي عليه الصلاة السلام: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا».
سائل يسأل عن النظافة العامة في محلات المأكولات، ويطلب توضيحًا شرعيًّا عن ضرورة مراعاة ذلك.