حكم إنارة القبر عند الدفن

تاريخ الفتوى: 30 أغسطس 2017 م
رقم الفتوى: 4180
من فتاوى: الأستاذ الدكتور / شوقي إبراهيم علام
التصنيف: الجنائز
حكم إنارة القبر عند الدفن

ما حكم إنارة القبر عند الدفن، حيث يوجد عندنا قبور لدفن الموتى تكون مظلمة عند الدفن؛ وذلك لسببين؛ وهما:
- أولًا: لعمقها.
- وثانيًا: لضيق الفتحة التي يُدخَلُ منها القبر، فلا يوجد داخل القبر أي ضوء مما يعرض رفات الموتى للدهس ممن يقومون بالدفن، فتتعرض للتكسير والامتهان، وقد تعلمنا بأن حرمة الميت كحرمة الحي، فإذا طلبنا إضاءة القبر بكشاف كهربائي أثناء الدفن؛ لتجنب إيذاء الموتى، قال الخواص والعوام: "لا تتبعوا الجنازة بنار"، فنقول لهم: هناك حكم لحالة الاضطرار لدفع المضرة وجلب المنفعة، وأن القاعدة الفقهية تقول "لا ضرر ولا ضرار" فيقولون: إن ذلك بدعة.
فهل إنارة القبر عند الدفن لتجنب كل هذه الأخطاء جائزةٌ شرعًا، أم هي حرام؟

لامانع شرعًا من إنارة القبر عند الدفن، بل قد يكون هذا الفعل واجبًا إن احتاج المشيعون ومتولي الدفن إليه لإتقان عملية الدفن؛ لأن ما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجب، وقد دلت النصوص الشرعية على مشروعيته، وليس هذا من البدعة كما يفهم بعض الناس.

المحتويات

 

حكم الدفن وكيفيته

مِن المُقَرَّرِ شرعًا أنَّ دَفنَ الميت فيه تكريمٌ للإنسان؛ لقول الله تعالى في مَعرِض الِامتِنان: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا ۞ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]، وقد حَثَّ الإسلامُ عليه، وأَجمَعَ المسلمون على أنَّ دَفن الميت ومُوَارَاةَ بَدَنِهِ فرضُ كِفَايَةٍ؛ إذا قام به بَعضٌ مِنهم أو مِن غيرهم سَقَط عن الباقين.

والمأثور في كيفية دَفن الميت: أنه بعد دخوله القبرَ يُوضَع على شِقِّهِ الأيمن استِحبابًا، ويجب أن يُوَجَّه وَجهُهُ إلى القِبلة، وهذا باتِّفاق الأئمة الأربعة، ويَحرُمُ تَوجيهُ الوَجهِ لغير القِبلة؛ كما هو حاصلٌ مِن بعض مَن يدفن في هذا الزمان.

ويُدخَل بالميت مِن فتحة القبر؛ بحيث يُدفَن تِجاه القِبلة مُباشَرةً مِن غير حاجَةٍ إلى الدَّوَران به داخل القبر، وذلك حسب فتحة القبر؛ إذ المطلوب شرعًا وضعُ الميت في قبره على شِقِّه الأيمن وتوجيهُ وَجهِهِ لِلقِبلة -كما سَبَق-، ولا يَضُرُّ كون الدَّفن على الرَّمل أو التُّراب، فكُلُّ ذلك جائز.

حكم إنارة القبر عند الدفن

نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتباع الجنازة بنار؛ لما في ذلك من فأل السوء، والتمثل بعادات الجاهلية في المباهاة والرياء؛ فروى الإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود في "سننه"، عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تُتْبَعُ الجنازةُ بصَوتٍ ولا نارٍ».

قال القاضي عياض المالكي في "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (1/ 411، ط. دار الوفاء): [قال ابن حبيب: تفاؤلًا من خوف النار والمصير إليها، وأن يكون آخر ما يصحبه من الدنيا النار.
وقال غيره: يحتمل أن هذا كان من فعل الجاهلية؛ فشرعت مخالفتهم، ويحتمل أنه كان فعلًا على وجه الظهور والتعالي فمنع لذلك] اهـ.

فالنهي الوارد إنما هو في حال اتِّباعها وصحبتها والسير بها وتشييعها، فيما كان على جهة المباهاةِ والرِّياءِ، من غير حاجةٍ، أما إذا كان القبرُ مظلمًا بسبب الدفن ليلًا، أو لضيق فتحة القبر؛ بحيث يتعذَّرُ أو يتعسَّر إتقان الدفن والقيام بآدابه، فيجوز إنارة القبر لإتمام عملية الدفن، وقد ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فروى الإمام أبو داود في "السنن" والترمذي في "الجامع" وصححه الحاكم في "المستدرك" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأى ناسٌ نارًا في المقبرة، فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القبر، وإذا هو يقول: «نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ»، فإذا هو الذي كان يرفعُ صوتهُ بالذكرِ.

وروى الترمذي في "الجامع" وحسّنه عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخلَ قبرًا لَيلًا، فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ، فأخذه منْ قِبَلِ القِبْلَةِ، وقال: «رَحِمَكَ الله، إِنْ كُنْتَ لأَوَّاهًا تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ»، وكبر عليه أربعًا.

وروى البيهقي في "السنن الكبرى" عن عمرو بن دينار، قال: أخبرني، أو قال: سمعت جابرًا رضي الله عنه، قال: رَأَى نَاسٌ نارًا فِي المقبرةِ، فأتوها، فّإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فِي القبر، وإذا هو يقول: «نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ»، فإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر. وقد روينا عن أبي ذر رضي الله عنه أن ذلك كان ليلًا، وكان معه المصباح.

والمسلمون مأمورون بإحسان تكفين موتاهم وإتقان دفنهم، وإذا كان هذا لا يتأتى إلا بالضوء كان متعيَّنًا؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب يومًا، فذكر رجلًا من أصحابه قُبِضَ، فكُفِّنَ في كفنٍ غير طائل، وقُبِرَ ليلًا، فزجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُقبرَ الرَّجُلُ بالليل حتى يُصَلَّى عليه، إلا أن يُضطَّرَّ إنسانٌ إلى ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، ومسلم في "صحيحه"، وأبو داود والنسائي وابن ماجه في "السنن"، وصححه ابن حبان والحاكم.

ونصَّ الفقهاء على جواز الإسراج حالة الدفن عند الحاجة؛ قال العلامة المظهري الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 451، ط. دار النوادر): [قوله: (فأُسرج له سراجٌ)؛ يعني: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبر في الليل، فوُضع سراجٌ على طرف القبر ليضيء القبر] اهـ.

وقال العلامة مُلَّا القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 1227، ط. دار الفكر): [(ولا نار) أي: للمباهاة والرياء، كما كان عادة الجاهلية، وبقيت إلى الآن في مكة منها بقية، قال ابن حجر: ولأنها من التفاؤل القبيح، وفيه أنها سبب للتفاؤل القبيح] اهـ.

وقال العلامة الشهاب الرملي في "حاشيته على أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 312، ط. دار الكتاب الإسلامي) -ومثله لولده العلامة الشمس الرملي في "نهاية المحتاج" (3/ 24:23، ط. دار الفكر)-: [نعم، لو احتيج إلى الدفن ليلًا في الليالي المظلمة فالظاهر أنه لا يكره حمل السراج والشمعة ونحوهما، ولا سيما حالة الدفن؛ لأجل إحسان الدفن وإحكامه، وقوله (فالظاهر أنه لا يُكره) أشار إلى تصحيحه] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (3/ 188، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(واتْبَاعُها) بإسكان التاء (بنار) بمجمرة، أو غيرها، إجماعًا؛ لأنه تفاؤل قبيح؛ ومن ثم قيل بحرمته، وكذا عند القبر، نعم، الوقود عندها المحتاج إليه لا بأس به، كما هو ظاهر، ويؤيده ما مرَّ من التجمير عند الغسل] اهـ

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 356، ط. مكتبة القاهرة): [فإن دفن ليلًا فاحتاجوا إلى ضوء، فلا بأس به، إنما كره المجامر فيها البخور، وفي حديثٍ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل قبرًا ليلًا، فأسرج له سراج. قال الترمذي: هذا حديث حسن] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ذلك: فيجوز إضاءة القبور عند الدفن إذا احتيج إلى ذلك؛ لأجل إحسان دفن الموتى وإتقانه، ولا يدخل ذلك في النهي الشرعي عن اتِّباع الميت بنار، بل هو مشروع؛ لأنه وسيلةٌ إلى إتقان الدفن وتحسينه، ووسيلة المشروع مشروعة، وإذا لم يتم الدفن الصحيح إلّا بالإضاءةٍ كانت الإضاءةُ واجبةً؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وليس حرامًا ولا بدعة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ما حكم ما يُسمى بـ(طلعة رجب) لتوزيع الصدقات عند المقابر؟ علمًا بأنه يعتاد بعض المسلمين في بداية شهر رجب من كل عام زيارة المقابر فيما يعرف بـ "طلعة رجب" ويمكثون في المقابر يوزعون فيها الطعام والأموال على الفقراء والمحتاجين. فما حكم ذلك شرعًا؟


هل يجوز عمل صدقة جارية عن الميت؟ وهل ثواب هذه الصدقة يرجع بالنفع على الميت؟


هل زرع الأشجار بجوار القبور حرام أم حلال؟ علما بأن الشارع متران ونوع الشجر هو الفيقس.


ما هي شروط صلاة الجنازة على الغائب؟ حيث تُوفِّيَ صديق لي أثناء عمله بالخارج ولم أعرف بذلك إلا بعد شهر من وفاته، وأريد أن أصلي عليه صلاة الغائب؛ فأخبرني شخص أنه بمرور شهر على وفاته لا تجوز الصلاة عليه؛ فهل يحق لي أن أصلي عليه؟ وهل هناك مدة معينة لصحة الصلاة على الغائب من بعد موته؟ وما شروط صلاة الجنازة على الغائب؟


ما حكم رفع الصوت بالتهليل أثناء السير بالجنازة؟ فبعض الناس ينقرون الطبول أمام الجنازة، وبعضهم يقول: "لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله" بصوت مرتفع أثناء سير الجنازة. ويطلب بيان الحكم الشرعي.


ما حكم الانتفاع بأرض كانت مخصصة للدفن لإقامة مشروعات عامة عليها؛ حيث توجد مساحة مخصصة للدفن للمسلمين داخل كتلة سكنية، ولكن لم يُدْفَن فيها من أكثر من مائة عام، فهل يجوز الحفر ونقل أي بقايا داخل باطن الأرض إلى المقابر الجديدة المستعملة حماية وتكريمًا لمن كان في بطن تلك الأرض، وتخصيص المساحة القديمة لمشروعات النفع العام؛ كمسجد أو معهد تعليمي أو غيرهما من المشروعات ذات النفع العام؟


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 17 أبريل 2025 م
الفجر
3 :55
الشروق
5 :26
الظهر
11 : 54
العصر
3:30
المغرب
6 : 24
العشاء
7 :45