نرى بعض المتدينين يقولون: إِنَّ علينا التَّأَسِّي باللِّبَاس الَّذِي ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبسه، وأَنَّ هذا مِنَ السُّنة، وأنَّ من لم يفعل فقد خالف السنة، فهل هذا الكلام صحيح؟
التأسي بالملابس والأزياء المتعارف عليها في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التزيي بها ليس من الأشياء التي يُطَالَبُ المسلم بالتأسي بها؛ فهي من الأمور العادية الَّتِي تخضع لِمُتَعارف كُلِّ أُمَّةٍ أو أُسْرَةٍ ولِزَمَانِهَا ومَكَانِهَا.
المحتويات
اللِّبَاسُ هو: ما يَسْتُرُ الْبَدَنَ ويَدْفَعُ الْحَرَّ والْبَرْدَ، والجمع أَلْبِسَةٌ، واستعمال اللِّبَاسِ تعتريه الأَحْكَامُ الخمسة: فالفَرْضُ منه: ما يَسْتُرُ العَوْرَةَ ويدفع الحرَّ والبرد؛ قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، أي: ما يَسْتُرُ عورتكم عند الصَّلاة، والْمَنْدُوب إليه أو الْمُسْتَحَبُّ: هو ما يَحْصُل به أصل الزِّينة وإظهار النِّعمة؛ قال تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، والْمَكْرُوه: هو اللِّباسُ الذي يكون مظنَّةً للتَّكبُّر والخيلاء، والحرام: هو اللبس بقصد الكبر والخيلاء.
والأَصْلُ في اللِّبَاسِ الْحِلُّ مهما كانت المادَّة التي صُنِعَ منها إلا ما ورد نصٌّ بتحريمه كالحرير للرجال.
السُّنَّةُ في اصطلاح الأصوليين أَصْلٌ من أصول الأحكام الشرعية، ودليل من أدلتها يلي القرآن الكريم في الرُّتْبَةِ، فإنهم عرَّفوها بأنها: [ما صَدَرَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غير القرآن من قول، ويسمى الحديث، أو فعل أو تقرير] اهـ. "شرح التلويح على التوضيح" (2/ 3، ط. مكتبة صبيح).
وتُطْلَقُ عند الفقهاء على ما يُقَابِلُ الواجب والمباح وغيرهما، فالسُّنَّة عندهم حُكْمٌ أُخِذَ من الدليل، فهي ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فهي ترادف: المندوب، والمستحب، والتطوع، والطاعة، والنفل، والقُرْبَة، والْمُرَغَّب فيه، والفضيلة.
وتُطْلَقُ عند الْمُحَدِّثين على ما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ قَوْلٍ أو فِعْلٍ أو تَقْرِيرٍ، أو صِفَةٍ خِلْقِيَّةٍ أو خُلقِيَّة، سواء أكان قبل البعثة أم بعدها.
فنلاحظ أَنَّ الْمُحَدِّثين توسَّعُوا في إطلاق السُّنَّةِ؛ وذلك لأنهم لا يقصرونها على إفادة حُكْمٍ شرعي، وإِنَّمَا غرضهم هو بَيَانُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الهادي لنا، والذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة؛ فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخُلق، وشمائل وأخبار، وأقوال وأفعال، سواء أكان مُثْبِتًا حُكْمًا شَرْعِيًّا أم لا، بخلاف الأصوليين، فإنَّهم يبحثون عن السُّنَّةِ التي فيها استدلال على حكم شرعي. انظر: "حاشية الشيخ بخيت المطيعي على نهاية السول" (3/ 5، ط. عالم الكتب)، و"إتحاف ذوي البصائر" للدكتور عبد الكريم النملة (3/ 14، ط. دار العاصمة).
وعليه: فلا ينبغي جعل مُرَادِ الْمُحَدِّثِين من معنى السُّنَّة في وَصْف النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هَيْئَتهِ ولِبَاسهِ موضع السُّنة في اصطلاح الفقهاء من الاسْتِحْبَاب والنَّدْبِ؛ لأَنَّ هذا فيه خَلْطٌ بيِّن.
لِبَاسُ الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ من الأمور العادية التِي تخضع لِمُتَعارف كُلِّ أُمَّةٍ أو أُسْرَةٍ ولِزَمَانِهَا ومَكَانِهَا، ولتحقق المصلحة أو الضَّرَر في اسْتِعْمَالِهَا، ولَيْسَت مِمَّا يُتَعَبَّدُ به حتَّى يَتَقَيَّد لابسها بنوع أو زيٍّ منها، فهي على أَصْلِ الإِبَاحَةِ، أَمَّا إِذَا اقترن باللِّبْسِ ما يحرم شرعًا كَأَنْ يلبس نَوْعًا من اللِّبَاسِ إِعْجَابًا وخيلاء، أو تلبس المرأة لِبَاسًا يُظْهِرُ عَوْرَتَهَا أو يلبس زِيًّا يَقْصِدُ بلبسه التَّشَبُّه بزي الكُفَّارِ كان ذلك غير جَائِزٍ شَرْعًا، لا لِذَات الْمَلْبَسِ ولكن لِمَا قَارَنَهُ من الْمَعَانِي الممنوعة، وقد يكون ذلك مُحَرَّمًا، وقد يكون مكروهًا، ويُقَدَّرُ ذلك بِقَدْرِ ما قَارَنَهُ من تلك المعاني.
روى الإمام البخاري تعليقًا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا في غَيْرِ إِسْرَافٍ ولا مَخِيلَةٍ»، وقال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "كُلْ ما شِئْتَ وَالْبَسْ واشرب ما شِئْتَ ما أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أو مَخِيلَةٌ" رواه البخاري في (كتاب اللِّبَاس)، يدلُّ هذا على أنَّ الْمَمْنُوع هو ما كان فيه إِسْرَافٌ وما قُصِدَ به الخيلاء، وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج.
والشَّرْعُ الشريف لم ترد فيه نصوص تُحَدِّدُ نوع الثياب ولا هيئتها؛ لأَنَّ الإسلام يُشَرِّعُ أُصُولًا صالحة لِكُلِّ زمان ومكان، وما اصطلح عليه الناس من هيئة للزي ورسمه وحب الزينة وتهيئة الثياب أَمْرٌ مشروع في الإسلام، وقد نقلت كتب السُّنَّة أنه كان يلبس الضيق من الثياب والواسع منها، وكذلك الصحابة والتابعون -انظر:"فتح الباري" للعلامة ابن حجر (10/ 268، ط. دار المعرفة)-، ولم يرد عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين صفة أو هيئة خاصة للثياب سواء أكان للرجال أم للنساء.
ترك الشرع الشريف بيان هيئة الثياب وطريقة إحاطتها بالجسد وتفاصيلها؛ لاعتبارها من الأمور الدنيوية التي تعرف بالضرورات والتَّجَارِبِ والعادات، وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن لبس ثوب الشهرة فقال: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ، ثُمَّ تُلَهَّبُ فِيهِ النَّارُ» رواه أبو داود (حديث: 4029).
وقد رأى الإمام أحمد رَجُلًا لابِسًا بُرْدًا مخططًا بَيَاضًا وسوادًا، فقال: [ضع هذا، والبس لباس أهل بلدك، وقال: ليس هو بحرام، ولو كنت بمكة، أو المدينة لم أعب عليك] اهـ. "غذاء الألباب" (2/ 163، ط. مؤسسة قرطبة).
وروى الإمام ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 205، ط. مكتبة الرشد) عن عباد بن العوام عن الحصين قال: [كان زبيد اليامي يلبس بُرنسًا، قال: فسمعت إبراهيم عابه عليه، قال: فقلت له: إن الناس كانوا يلبسونها، قال: أجل، ولكن قد فني مَنْ كان يلبسها، فَإِن لبسها أحدٌ اليوم شهروه، وأشاروا إليه بالأصابع] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 306): [مراعاة زِيِّ الزمان مِن المروءة ما لم يكن إِثْمًا، وفي مُخالفة الزِّيِّ ضَرْب مِن الشهرة] اهـ.
فلا ينبغي للمسلم أن يتميَّز عن غيره من أهل زمانه في اللباس والعادات الشَّكْلِيَّة، مما يدخله في الشُّهْرَةِ والانعزال.
وقال الشيخ ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/ 311، ط. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف): [فسُنَّته في ذلك -أي: في شأن تنوع لباسه- تقتضي أن يلبس الرجل، ويطعم مما يسَّره اللهُ ببلده من الطعام واللباس، وهذا يتنوع بتنوع الأمصار] اهـ.
وعليه نقول: إِنَّ التأسي بالملابس والأزياء المتعارف عليها في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التزيي بها ليس من الأشياء التي يُطَالَبُ المسلم بالتأسي بها؛ فهي من الأمور العادية الَّتِي تخضع لِمُتَعارف كُلِّ أُمَّةٍ أو أُسْرَةٍ ولِزَمَانِهَا ومَكَانِهَا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
سائلة تقول: هل النقاب فرضٌ أو فضلٌ؟ وهل يترتب على ترك لُبسه إثم؟
ما حكم صبغ الشعر بالسواد؟ فأنا شاب في مقتبل العمر وفي رأسي شعر أبيض يوازي الشعر الأسود، فهل صبغ الشعر باللون الأسود فيه حرمة؟ مع العلم بأن الشعر الأبيض يعطي سنًّا أكبر من سني.
هل يجوز الصلاة بالتاتو الثابت (الوشم)؟ وهل يجوز لمن قام به قبل ذلك ثم تاب عنه ألَّا يزيله إذا كان في إزالته ضرر؟
ما حكم طاعة الزوج في عدم الالتزام بالحجاب؟ فقد وُلدت في بيت دِين، وكان أبي أحد رجال الدين البارزين، وكان جدي أكبر رجل ديني في مصر، وتوفيا قبل أن أبلغ مبلغ النساء.
وكنت أعيش مع والدتي وإخوتي، وتبعًا للظروف كنت ألبس الملابس القصيرة، وكنت أخرج بالكُمِّ النصفي ومن غير جورب، وكنت أضع على وجهي بعض الأحمر الخفيف، ومع ذلك كنت أؤدي فروض الصلاة، وكنت أخرج دائمًا مع أخي ووالدتي، وأعجب ابن خالتي بي فتزوجني لحسن أخلاقي، وكان فرحًا بي معجبًا يمدحني في كل وقت لما أنا عليه من جمال الخَلق والخُلق، ولكنه كان ينصحني بلبس الجورب والكُمِّ الطويل لكي أستر ما أمرنا الله بستره، وأحضر لي الكتب الدينية التي تحض على ذلك، ولما كنت قد ورثت حب التدين عن والدي فقد أطعته، بل زِدت على ذلك وأخذت ألبس إيشاربًا وهو أشبه بالمنديل الملون فوق رأسي وأعصبه من تحت الذقن، وهي طريقة تتبعها القرويات لكي يخفين شعر الرأس والعنق؛ وذلك ابتغاء مرضاة الله، فسُرَّ زوجي بذلك في مبدأ الأمر، ولكنه رجع فطالبني بأن أتزين وأتعطر له وألبس له الفساتين التي تكشف عن الساقين والذراعين، وأن أصفِّف شعري في أشكال بديعة كما كنت أفعل سابقًا، ولما كان ذلك متعذرًا لأن زوجي يسكن مع والديه وإخوته، وأحدهما في السادسة عشرة والثاني في الواحدة والعشرين؛ وذلك لأن ظروف زوجي لا تساعده على السكن وحده، فقد بينت له أن ذلك غير متيسر لأنني لا أستطيع أن أمنع أحدًا منهم من دخول حجرة أخيه في أي وقت، خصوصًا وأن لي أطفالًا صغارًا ومطالبهم تجعلني لا أستطيع أن أتقيد بحجرة خاصة؛ ولذلك فأنا ألبس في المنزل غطاء الرأس الذي وصفته وجلبابًا طويلًا يغطي إلى آخر الكعبين وأظل به طول النهار وبعضًا من الليل، وحين يراني زوجي بهذه الحالة يثور ويغضب ويقول إنه لا يسمح لي بهذا اللبس الذي أشبه فيه الغسالة أو كَدَادته العجوز، ولست أقول إنه يظلمني بهذا التشبيه، ولكني والحق أصبحت فتاة غريبة جدًّا عن تلك الفتاة التي كنتها والتي أعجب بها وتزوجها؛ لأن عدم التزين وهذه الملابس التي ألبسها جعلتني أشبه بالفلاحات، وحتى حين أراه غاضبًا وألبس بدل القميص فستانًا قصيرًا وشرابًا وجاكتًا لا يرضى بذلك، وأنا متأكدة أنه لو رآني كذلك قبل الزواج لما تزوجني، وقد تطورت الحالة في الشهور الأخيرة فأخذ يشتمني ويلعنني في كل وقت، ويقول إنه غير راضٍ عني أبدًا وإنني ملعونة من الله ومن الملائكة ومن كل شيء إلا إذا أطعته وأقلعت عن هذا الملبس ولبست ما كنت ألبس يوم تزوجني؛ لأنه تزوجني ليصون نفسه من الزلل، وإنه الآن في عنفوان شبابه وهو يرى في الخارج من المغريات كثيرًا، فإذا أنا لم ألبس له وأتزين كما كنت فيما مضى فسيضطر أن يمتع نفسه بطريقة أخرى، وإنه إذا زل فذنبه واقع عليَّ؛ لأنني لا أطيعه وأمتعه كما يريد. ولما قلت له إنني أخاف عقاب الله إذا أبديت زينتي ولبست الملابس التي تبين بعض أجزاء الجسم، قال لي: إنه سيتحمل الذنب وحده؛ لأنه هو الذي أمرني، وما أنا إلا مأمورة فلا عقاب علي؛ لأن الله يأمرنا بطاعة أزواجنا، وقد قال الرسول في ذلك: «لو كان السجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها». والآن الحالة بيننا على أشدها، وقد هددني بأن يحلف بالطلاق أني لا ألبس هذه الملابس، والآن أنا في حيرة لا أدري معها إن كنت على صواب أم على خطأ في مخالفته، خصوصًا أنه يطلب مني حين حضور أحد من أقاربنا أو حين الخروج للنزهة عدم لبس شيء على رأسي وعدم لبس جوارب وأكمام طويلة، وهو لا يطلب مني ذلك دائمًا، وإنما في بعض الأحيان فأرفض خوفًا من الله، فيقول: إنه يحب أن أكون على أحسن حال، وإنه يطلب مني طلبًا معقولًا فيجب أن أطيعه.
والآن أنا في أشد الحيرة: هل أطيعه في كل شيء طاعة عمياء؟ أم أطيعه في بعض النقاط دون بعضها؟ وهل إذا أطعته يكون لا ذنب علي؟ إن لي منه طفلة وطفلًا وهو شاب مهذب مؤدب دَيِّن، فأفتني بما يرضي الله ورسوله. هدانا الله وإياكم سواء السبيل.
ما حكم لبس الرجال للألماس والأحجار الكريمة والذهب الأبيض وكل ما هو دون الذهب والحرير الطبيعي من معادن نفيسة وأحجار كريمة؟
ما حكم دفن الشعر والأظفار بعد قصها؟ فهناك رجلٌ اعتاد إلقاءَ قُصَاصَة شَعرِه وأظفاره في كيس المهملات، ثمَّ سمع مِن بعض أصدقائه أنَّه يجب عليه دفنُها، فهل يجب عليه ذلك رغم صعوبته مع طبيعة البيوت الحديثة؟