حكم البناء في حريم القرية للشباب

تاريخ الفتوى: 13 يونيو 2012 م
رقم الفتوى: 3209
من فتاوى: فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد
التصنيف: الهبة
حكم البناء في حريم القرية للشباب

ما حكم البناء في حريم القرية للشباب؟ حيث تسأل جامعة الإمام أبي الحسن الأشعري بداغستان -بعد شرح موجز لأحوال المسلمين هناك-: ما حكم حريم القرية الذي يضم غابةً وكلأً واسعًا حول القرية؛ هل يجوز لأهل القرية إذا ضاقت بهم القرية لزيادة سكانها بالتوالد أن يخصصوا لكل من يتزوج أو لكل عائلةٍ قطعةً من أرض حريم القرية؟

حريم القرية هو ما يتصل بالبلد من مُرتَكَض الخيل وملعب الصبيان وكافة المواضع القريبة التي يُحتاج إليها لتمام الانتفاع، وهو منفعة عامة لأهل القرية، والأصل أنه لا يجوز لأحد أن ينتفع به دون سائر أهل القرية إلا بما فيه مصلحة للجميع مع مراعاة الضوابط العامة والخاصة في ذلك.
وعليه: فإذا أَذِنت الدولة بالبناء في حريم القرية للمصلحة العامة، ولم يكن ذلك يضر بانتفاع أهل القرية بمرافقها تعطيلًا أو نقصانًا -حيث إن التصرف في ذلك منوطٌ بالمصلحة- فلا مانع شرعًا من البناء فيه، أو الانتفاع به بأوجُهِ الانتفاع الخاصة والعامة، وإذا حصل تَمَلُّكُه ولم تَعُد مرافق أهل القرية متوقفةً عليه فإنه لا يُسَمَّى حينئذٍ حريمًا؛ لأن الحريم هو ما يُحتاج إليه لتمام الانتفاع.

المحتويات

 

بيان مفهوم حريم الأرض

المقرر شرعًا أن المراد بحريم الأرض: ما يتصل بالبلد من مُرتَكَض الخيل، وملعب الصبيان، ومُناخ الإبل، ومُجتمَع النادي، وكافة المواضع القريبة التي يُحتاج إليها لتمام الانتفاع، كالطريق ومسيل الماء.

وإنما سَمَّاه الفقهاء حريمًا ليُعطَى حكمَ أصله من امتناع التعدي عليه وتملكه بالإحياء من غير صاحبه كما مُنِع تَمَلُّكُ أصله؛ حيث قد تقرر عندهم أن "حريم الحرام حرام"، وأن "الحريمَ له حكمُ ما هو حريمٌ له" كما يقول الإمام السيوطي في "الأشباه والنظائر" (125، ط. دار الكتب العلمية).

الانتفاع بالحريم بإحياء الموات

إنما كان حريمًا للحاجة إلى الانتفاع والارتفاق به؛ إما في المصلحة الخاصة لمالك المعمور، وإما في المصلحة العامة لأهل البلدة، فلا يجوز لغيرهم تملُّك هذا الحريم بإحياء الموات. وقد نصَّ فقهاء الشافعية على ذلك:
يقول حجة الإسلام الغزالي في "الوسيط" (4/ 219، ط. دار السلام): [وأما القرية المعمورة في الإسلام فما يتصل بها من مُرتَكَض الخيل، وملعب الصبيان، ومُناخ الإبل، ومُجتمَع النادي: فهو حريمها، فليس لغيرهم إحياؤها] اهـ.
وقال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (5/ 218، ط. المكتب الإسلامي): [حريم المعمور لا يُملَك بالإحياء؛ لأن مالك المعمور يستحق مرافقه] اهـ، ثم قال (5/282): [فرع في بيان الحريم: وهو المواضع القريبة التي يُحتاج إليها لتمام الانتفاع، كالطريق ومسيل الماء ونحوهما] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (2/ 445- 446، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(فرع) في بيان الحريم: (الحريمُ ما يتمُّ به الانتفاعُ) وإن حصل أصلُ الانتفاعِ بدونه (فحريمُ القريةِ مُرتَكَضُ الخَيلِ) ونحوِها (ومَلعَبُ الصِّبيانِ)، التصريحُ به من زيادته (والنادي) وهو مجتمعُ القومِ للحديث. وعبارةُ الرافعيِّ: مجتمعُ النادي. فلفظ النادي يطلق على المجلس الذي يجتمعون فيه يَندون -أي يتحدثون- وعلى أهله المجتمعين. وعلى الأول يُحمَلُ تعبيرُ الروضةِ بمجتمع أهل النادي (ومُناخُ الإبلِ) بضم الميم: موضعُ إناختِها (ومُطَّرَحُ الكُناساتِ والمَرعى المُستَقِلُّ والمُحتَطَبُ) أعني (القريبَين) مِن القريةِ بخلاف البعيدَين عنها عند الإمام دون البغوي كما حكى الخلاف بقوله: (وفي البعيد) منهما (تردد)، واختار السبكيُّ والأَذرَعِيُّ قولَ البغويِّ، واقتضاه كلامُ القاضي وغيرِه. قال الأذرعي: وينبغي أن يكون محلُّه إذا لم يفحش بُعدُه عن القرية وكان بحيث يُعَدُّ مِن مرافقها. والاستقلالُ معتبرٌ في المحتطَبِ أيضًا كما أفاده كلام الأصل، أما إذا لم يستقلَّ كلٌّ مِن المذكورَين ولكن كان يُرعى فيه أو يُحتَطَب منه عند خوف البُعد فليس بحريم. ومِن حريم القرية مُراحُ الغَنَمِ والطريقُ ومَسِيلُ الماءِ] اهـ.
فكلامهم في منع تملك الحريم مختصٌّ بتملُّك حريم المعمور من غير مالكه، مما يعطل انتفاعهم بمرافقها أو ينقصه، أما إذا أراد صاحب المعمور أو أهل البلدة التصرفَ في هذا الحريم -للمصلحة الخاصة لصاحب المعمور في حريمه أو المصلحة العامة لأهل البلدة في حريمها- فإن هذا لا يقول بمنعه أحدٌ من فقهاء الشافعية ولا من غيرهم من الفقهاء.

وحريم القرية يُحتاج إليه في فروع كثيرة في الفقه؛ منها بدء مسافة السفر والتَّرَخُّص برُخَصه، ومنها إحياء الموات، ومنها مسائل البيع والشراء، وغير ذلك.
وحريم القرية وغيرها سُمِّي بذلك لأنه يحرم على غير مالكه أن يستبد بالانتفاع به؛ فالأصل أن حريم القرية هو منفعة عامة لأهلها؛ لا يجوز للأجنبي الانتفاع به دون أهل القرية، كما لا يجوز لبعض أهل القرية الانتفاع به دون بعضٍ إلا بإذن الجميع؛ لأنهم يملكون الانتفاع به على الشيوع بموجب سُكناهم للقرية.

تملك الحريم والانتفاع به لغير أهل البلد

كونُ حرمة تملُّك حريم البلد أو القرية من غير أهلها هو الأصل لا يقدح فيه أن يُخرَج عنه عند تعارض أصلٍ آخر؛ من باب الجمع بين المصالح المتعارضة بفعل أعظمها نفعًا، والترجيح بين المفسدتين بارتكاب أخفهما درءًا لأشدهما، أو يُخرَج عن الأصل عند الضرورات أو الحاجات التي تُنَزَّل منزلتها؛ لأن "الضرورات تبيح المحظورات".
وفرقٌ بين الفقه وما يُسطَر في كتبه من أحكام وفروعٍ لها صبغةُ التأصيل والعموم وبين الفتوى التي تراعي تنزيلَ الحكم على الواقع الذي يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص وتراعي القواعدَ الفقهية العامة والنظرة الكلية التي تكون تحت نظر المفتي عندما يفتي في قضايا الأعيان، وهو يشبه في ذلك القاضي الذي يكون حكمه اجتهادًا في قضية عين، لا في قضايا عامة.
فإذا أَذِنت الدولة مع ذلك بالبناء في حريم القرية للمصلحة العامة، ولم يكن ذلك يضر بانتفاع أهلها بمرافقها تعطيلًا أو نقصانًا -حيث إن التصرف في ذلك منوطٌ بالمصلحة- فلا مانع شرعًا من البناء فيه، أو الانتفاع به بأوجُهِ الانتفاع الخاصة والعامة، وإذا حصل تَمَلُّكُه ولم تَعُد مرافق أهل القرية متوقفةً عليه فإنه لا يُسَمَّى حينئذٍ حريمًا؛ لأن الحريم هو ما يُحتاج إليه لتمام الانتفاع.
وقد نص المحققون من الشافعية على أن بعض أوجه الانتفاع بالحريم فيما لا يضر عموم الناس ولا ينقص من ارتفاقهم جائزٌ شرعًا، قال العلَّامة ابن قاسم العبادي في "حاشيته على تحفة المحتاج للإمام ابن حجر" (6/ 207، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [الانتفاع بحريم الأنهار؛ كحافاتها، بوضع الأحمال والأثقال وجعل زريبة من قصب ونحوه لحفظ الأمتعة فيها -كما هو الواقع اليوم في ساحل بولاق ومصر القديمة ونحوها- ينبغي أن يقال فيه: إنْ فعَلَه للارتفاق به، ولم يضر بانتفاع غيره, ولا ضيَّق على المارة ونحوهم، ولا عطَّل أو نقص منفعة النهر، كان جائزًا, ولا يجوز أخذ عِوَض منه على ذلك، وإلَّا حَرُم ولزمَتْه الأجرة لمصالح المسلمين, وكذا يقال فيما لو انتفع بمحل انكشف عنه النهر في زرع ونحوه] اهـ.

الخلاصة

ما نحن بصدده هي قضيـة عين تتعلق باستخدام أبناء القرية لحريمها بعد إذن الدولة في ذلك بما لا يتعارض مع مصالح أهلها، وهذه مسألة قائمة على مراعاة قواعد الشرع الكلية ومصالح الخلق المرعية؛ فما كان الحكمُ بحرمة تملك الأجنبي لحريم القرية أو الاستفادة منه بما يضر مرافقها إلَّا حمايةً لحق أهلها في الانتفاع به، فإذا وُجِدَتِ الضرورةُ لأهل القرية أو مسَّت الحاجةُ بعموم شبابها بحيث كان البناء في الحريم -الذي تسمح به الحكومة ويتحرج بعض العلماء منه ظنًّا منهم أنه يخالف مذهب السادة الشافعية- تعود مصلحته على عموم القرية وأهلها وشبابها، ويعود التضررُ من عدم البناء على عمومهم أيضًا؛ متمثلًا -على سبيل المثال- بعزوف الشباب عن الزواج لارتفاع تكاليفه وعجزهم عن متطلباته واضطرارهم إلى الهجرة والانتقال إلى أماكن يقعون فيها عرضة لفساد الدِّين والأخلاق وانحلال الروابط الاجتماعية، فإن الصواب في ذلك عند الشافعية وغيرهم هو تقديم المصلحة التي لا مُعارض لها وهي بناء الشباب في حريم القرية؛ حيث إنَّ مَنْعَ تَمَلُّكِ الحريم إنما كان رعايةً لمصالح عموم أهل القرية، فإذا كانت مصالح شبابهم في البناء ولم يكن ثَمَّ مفسدةٌ فيه كان ذلك جائزًا؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وحيثما كانت المصلحة فثَمَّ شرعُ الله، وهذا هو اللائق بمقصود الشارع، وهو مذهب الشافعية وغيرهم في هذا الأمر.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

سئل بإفادة من نظارة الحقانية مضمونها: أن امرأة كانت بعثت للنظارة مكاتبة أوردت فيها أن ورثة أحد الأشخاص عرضوا لها أن مورثهم ترك قطعة أرض بجزيرة سواكن أخذها آخرون بدون حق، وأنه لما أحيل نظر تضررهم على محكمة سواكن أفادت سبق نظر دعوى الورثة وصدور إعلام بذلك للخصم بعدم سماع دعواهم. ولذا ورغبة المحافظة عرض الأوراق المتعلقة بذلك على المجلس الشرعي بمحكمة مصر تحولت عليه، وقرر ما يفيد أنه باطلاعه على الإعلام المذكور ظهر أنه غير صحيح شرعًا بالكيفية التي بيَّنها بقراره الذي أصدره في شأن ذلك، ولما تبلغ ذلك من النظارة لقاضي سواكن للتأشير بموجبه على الإعلام المذكور، وعلى سجله وردت إفادته بما تراءى له من المعارضة في ذلك القرار بالكيفية التي أبداها، وطلب النظر في ذلك بطرف فضيلتكم، وعليه تحرر هذا بأمل النظر والإفادة بما يرى، وطيه الأوراق عدد 23، ومضمون صورة الإعلام المذكور: الحكم من قاضي محكمة سواكن الشرعية لامرأتين بثبوت الهبة والصدقة الصادرة لهما من عتيقة إحداهما في الأرض الكائنة بسواكن بالجزيرة، وكونها مقبوضة لهما بإذنهما، فارغة عن كل شاغل ومانع، ويمنع التعرض لهما في الأرض المذكورة من رجل من سواكن حكمًا أبرمه القاضي المذكور، وذلك بعد دعوى من الموهوب لهما على هذا الرجل المعارض لهما بهبة الأرض المذكورة مناصفة، والتصدق بها من المرأة الواهبة لهما، وحددتاها وقالتا إنها مما لا يقسم، وإنهما قبضتاها قبضًا تامًا من الواهبة حال حياتها بإذنها فارغة، وأنها ملكهما، وذكرتا مقاسها من الجهات الأربع، وأن الرجل المدعى عليه عالم بذلك ومعارض، وبعد سؤاله وجحوده الهبة المدعاة المذكورة وتكليف الموهوب لهما البينة وإقامتها وشهادتها طبق الدعوى وتزكيتها التزكية الشرعية، ومضمون القرار المذكور: أن كلًّا من الدعوى بأن القطعة الأرض المحدودة ملك للمرأتين وشهادة الشهود بذلك غير صحيح؛ لأن القطعة الأرض المذكورة حسب التحديد والمقاس المذكورين بالدعوى والشهادة قابلة للقسمة، وقولهم في الدعوى والشهادة أنها لا تقبل القسمة يناقض ما يقتضيه التحديد والمقاس ولا ينطبق عليه، وهبة ما يقبل القسم شرعًا من واحد لاثنين على الشيوع كما هو الموضوع هنا غير صحيحة، ولا تفيد الملك ولو اتصل بها القبض، وتبطل بالموت، وحينئذٍ فما انبنى على ما ذكر من الحكم المذكور بالصورة المرقومة غير صحيح شرعًا، ومضمون ما عارض به قاضي سواكن: أن المنصوص أنه إذا تصدق بعشرة أو وهبها لفقيرين صح، وأنه ثبت عنده فقر الحرمتين الموهوب لهما من وقت الهبة إلى الآن بعد التحري من أعيان البلدة وتجارها، فتكون الهبة لهما مجازًا عن الصدقة... إلى آخر ما عارض به مما يطول ذكره.


ما حكم تخصيص بعض الأبناء بالهبة حال الحياة لمصلحة معتبرة شرعا؟ فأنا كتبت لابني الأكبر بعض أملاكي فأهملني أنا ووالدته، وأخاف على أولادي الأصغر منه -ابن وبنتين- وأريد أن أخصّهم بالبيت الذي نسكن فيه؛ فماذا أفعل؟ هل أكتبه للابن الأصغر أو له وللبنتين؟


ما حكم التبرع بنفقة الحج لأم الزوجة؟ حيث تقول السائلة: زوج إحدى بناتي يريد أن يتبرع لي بالمال اللازم لأداء فريضة الحج هذا العام، فإنه يعمل وموسر الحال، فهل يجوز ذلك أم لا؟


ما حكم التنازل عن حق الانتفاع للابن دون أخواته؟ فأنا في نهاية العقد السادس من عمري، ولي بنت كبيرة أنفقت عليها حتى صارت في العمل التدريسي بالجامعة، وأعطيتها مالًا ليساعدها في زواجها، ولي ابن في التعليم الثانوي، وبنت في التعليم الإعدادي، ولم يعد لي القدرة على الإنفاق عليهما بنفس المستوى الذي كنت أنفق به على البنت الكبيرة، مما أشعر معه بالاحتياج لتعويضهما عن ذلك وبخاصة الابن، ولي حق انتفاع من الدولة في شقة متواضعة، فهل يجوز لي أن أتنازل عن حق الانتفاع هذا لابني؟


ما حكم الهبة للزوجة مدة حياتها ثم العودة إلى الواهب بعد ذلك؟ فقد تزوَّج رجلٌ بزوجةٍ ثانية، وله منها أولاد صغار، ويريد أنْ تبقى الزوجة في الشقة حتى وفاتها، ويريد أن يكتب لها هبة مُدَّة حياتها، على أنها بعد وفاتها تعود إلى الورثة. فما حكم ذلك شرعًا؟


ما حكم استرداد الهبة بعد تصرُّف الموهوب له وبعد موته؟ فقد أهدت ابنتي الكبرى لأمها -زوجتي- سلسلةً ذهبية، فقامت أمها بإهدائها لابنتي الصغرى في مناسبة دراسية لها، وتوفيت زوجتي، والآن تَدَّعِي ابنتي الكبرى أن السلسلة من حقِّها وأنها أهدتها لأمها وفي نيتها أن تعود إليها مرة أخرى بعد موتها، وأن لا عِلم لها بإهداء أمها السلسلة لأختها الصغرى. فما الحكم في ذلك؟