اشترى السائل لوالدته التي كانت تقيم معه مصاغًا من ماله الخاص بعِلم جميع إخوته، وظلَّت تتمتَّع به، وعند مرضها الأخير ردَّتْه إليه بحضور جميع إخوته، وأخذه منها فعلًا ولم يعترض أحدٌ من إخوته، ثم تُوُفِّيَتْ والدته.
وبعد الوفاة بثلاثة أشهر بدأ بعض إخوته يطالبونه بحقهم في هذا المصاغ مع مراعاة أنه قام بمصاريف الوفاةِ والدفنِ من ماله الخاص. وطلب السائلُ الإفادةَ عما إذا كان هذا المصاغُ من حقه أو من حق جميع الورثة.
برد المصاغ المذكور إلى السائل في مرض موت الأم يأخذ حكم الوصية، ويُخصَمُ من ثلثِ جميعِ مالهِا، فإن خرجَ من الثلثِ فهو حقٌّ خالصٌ للسائل، وإن لم يكن لها مالٌ غيره فثلُث المصاغ له والباقي يصير تركةً لجميع ورثتها، وإن زادت قيمتُه يوم وفاتها عن ثلث التركة، كان له منه ما يوازي ثلث جميع التركة وصيةً، وصار الباقي تركةً يقسم قسمة الميراث، وذلك كله بعد مصاريف دفن المتوفاة وتجهيزها شرعًا.
الهبةُ شرعًا: عقد يفيد تمليك العين في الحال بغير عِوض، وركنُها الإيجاب والقبول، والإيجاب: ما صدر أولًا من أحد المتعاقدين للدلالة على الرضا، والقبول: ما صدر ثانيًا من الآخر للدلالة على موافقته والرضا بما رضي به الأول.
وقد يكون إيجابُ الهبة بلفظٍ صريحٍ لا يحتمل معنًى آخر غير الهبة؛ كوهبتُك وتبرعتُ لك، وقد يكون بلفظٍ غيرِ صريحٍ يحتمل الهبة وغيرها؛ مثل: أطعمتُك ونَحَلْتُك، فاللفظ الصريح تم به إيجاب الهبة بدون توقفٍ على نيةٍ أو دلالةِ الحال، وغير الصريح لا يعتبر إيجابًا للهبة إلا بالنية أو دلالة الحال.
وقد يكون القبول باللفظ؛ كقول الموهوب له: قبلتُ أو رضيتُ، وقد يكون بالفعل؛ بأن يقبض الموهوب له العينَ الموهوبة، فيقوم قبضُه إياها مقامَ قوله: قبلتُ.
غير أن هذا القبض إن كان في مجلس الإيجاب تم به العقد والملك ولو لم يأذن له الواهب صراحة، وإن كان بعد مجلس الإيجاب لا يعتبر قبولًا إلا إذا أذن الواهب به صراحة.
والذي يؤخذ من كلام السائل أنه قد اشترى من ماله مصاغًا لوالدته ووهبه لها بالفعل، ودلَّتِ القرائن على أنها قَبِلَت منه هذه الهبة بدليل أنها ظلَّت مستعملةً له مدة حياتها، ولم ترده إلا قبيل وفاتها؛ فالمصاغ المذكور يكون هبةً قد تمت بالقبض مستوفية أركانها وشروطها، وبقبض الموهوب لها المصاغ الموهوب تكون قد تملكته، ولا يجوز للسائل الرجوع في هذه الهبة للقرابة المحرَميَّة؛ حتى لا يكون الرجوع قطيعةً للرحم وهي هنا والدتُه، وبهذا يكون ذلك المصاغ ملكًا تامًّا لوالدة السائل.
وإذا تملكته ملكًا تامًّا على هذا النحو ثم قامت برده إليه في مرض موتها كما يُفهم من السؤال، ولما كان المريض مرض الموت تتعلق بأمواله حقوق دائنيه وورثته فلا يكون حُرَّ التصرف في ماله؛ إذ التصرفات التي من قبيل التبرعات كالهبة قد تضر بحقوق الدائنين والورثة؛ لأنها تخرج بعض أمواله عن ملكه بغير عِوض فتأخذ حكم الوصية وإن صدرت منجَّزَةً، فإذا وهب المريض مرضَ الموت بعضَ ماله كانت هذه الهبة مثل الوصية، وبما أن قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م في المادة 37 منه أجاز الوصية بثلث المال للوارث وغيره دون توقف على إجازة أحد، فإن هذا المصاغ الذي ردته إليه في مرض الموت يعتبر وصيةً له تنفذ من ثلث جميع مالها، فإن خرج من الثلث فهو حقٌّ خالص للسائل، وإن لم يكن لها مال غيره فثلث المصاغ له والباقي ترِكة لجميع ورثتها بالفريضة الشرعية، وإن زادت قيمته يوم وفاتها عن ثلث التركة كان له منه ما يوازي ثلث جميع التركة وصية، وصار باقيه تركةً يقتسمه بالفريضة الشرعية مع باقي الورثة، وذلك كله بعد مصاريف دفن هذه المتوفاة وتجهيزها شرعًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
ما حكم تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية والهبة؟ فنحن ثلاث أخوات شقيقات، ولنا أختان من أبينا، وكان والدنا رحمه الله تعالى قد كتب لي ولشقيقَتَيَّ أرضًا زراعية بيعًا وشراءً، وترك أرضًا أخرى لم يكتبها باسم أحد، تم تقسيمها على ورثته بعد وفاته، وكذلك قد خصني أنا وشقيقَتَيَّ -دون الأختين الأخريين- بمبلغ من المال في دفتر توفير لكل واحدة منا، مع العلم أننا ساعتها كنا صغيرات، وكانت أختانا لأبينا متزوجتين. فما حكم الشرع في ما فعله والدنا؟
ما حكم الرجوع في النفقة على الأخ باعتبارها هبة؟ فهناك شخصٌ تبرع أخواه بالإنفاق عليه بكل أنواع النفقة، وأعطيا تعهدًا بذلك مكاتبةً أمام قنصلية فرنسا التابعين لها، ثم عادا يطالبانه بما أنفقاه؛ بعلة أن هذه هبة لهما الرجوع فيها، فهل لهما المطالبة بذلك بعد التبرع المذكور والإنفاق على وجهه، لا سيما مع إعطاء التعهد عليهما أمام القنصلية المذكورة بأن تكون جميع النفقات من مالهما الخاص بدون ملزوميته بشيء؟ أفيدوا الجواب، ولكم الفضل والثواب. أفندم.
سئل بإفادة من نظارة الحقانية مضمونها: أن امرأة كانت بعثت للنظارة مكاتبة أوردت فيها أن ورثة أحد الأشخاص عرضوا لها أن مورثهم ترك قطعة أرض بجزيرة سواكن أخذها آخرون بدون حق، وأنه لما أحيل نظر تضررهم على محكمة سواكن أفادت سبق نظر دعوى الورثة وصدور إعلام بذلك للخصم بعدم سماع دعواهم. ولذا ورغبة المحافظة عرض الأوراق المتعلقة بذلك على المجلس الشرعي بمحكمة مصر تحولت عليه، وقرر ما يفيد أنه باطلاعه على الإعلام المذكور ظهر أنه غير صحيح شرعًا بالكيفية التي بيَّنها بقراره الذي أصدره في شأن ذلك، ولما تبلغ ذلك من النظارة لقاضي سواكن للتأشير بموجبه على الإعلام المذكور، وعلى سجله وردت إفادته بما تراءى له من المعارضة في ذلك القرار بالكيفية التي أبداها، وطلب النظر في ذلك بطرف فضيلتكم، وعليه تحرر هذا بأمل النظر والإفادة بما يرى، وطيه الأوراق عدد 23، ومضمون صورة الإعلام المذكور: الحكم من قاضي محكمة سواكن الشرعية لامرأتين بثبوت الهبة والصدقة الصادرة لهما من عتيقة إحداهما في الأرض الكائنة بسواكن بالجزيرة، وكونها مقبوضة لهما بإذنهما، فارغة عن كل شاغل ومانع، ويمنع التعرض لهما في الأرض المذكورة من رجل من سواكن حكمًا أبرمه القاضي المذكور، وذلك بعد دعوى من الموهوب لهما على هذا الرجل المعارض لهما بهبة الأرض المذكورة مناصفة، والتصدق بها من المرأة الواهبة لهما، وحددتاها وقالتا إنها مما لا يقسم، وإنهما قبضتاها قبضًا تامًا من الواهبة حال حياتها بإذنها فارغة، وأنها ملكهما، وذكرتا مقاسها من الجهات الأربع، وأن الرجل المدعى عليه عالم بذلك ومعارض، وبعد سؤاله وجحوده الهبة المدعاة المذكورة وتكليف الموهوب لهما البينة وإقامتها وشهادتها طبق الدعوى وتزكيتها التزكية الشرعية، ومضمون القرار المذكور: أن كلًّا من الدعوى بأن القطعة الأرض المحدودة ملك للمرأتين وشهادة الشهود بذلك غير صحيح؛ لأن القطعة الأرض المذكورة حسب التحديد والمقاس المذكورين بالدعوى والشهادة قابلة للقسمة، وقولهم في الدعوى والشهادة أنها لا تقبل القسمة يناقض ما يقتضيه التحديد والمقاس ولا ينطبق عليه، وهبة ما يقبل القسم شرعًا من واحد لاثنين على الشيوع كما هو الموضوع هنا غير صحيحة، ولا تفيد الملك ولو اتصل بها القبض، وتبطل بالموت، وحينئذٍ فما انبنى على ما ذكر من الحكم المذكور بالصورة المرقومة غير صحيح شرعًا، ومضمون ما عارض به قاضي سواكن: أن المنصوص أنه إذا تصدق بعشرة أو وهبها لفقيرين صح، وأنه ثبت عنده فقر الحرمتين الموهوب لهما من وقت الهبة إلى الآن بعد التحري من أعيان البلدة وتجارها، فتكون الهبة لهما مجازًا عن الصدقة... إلى آخر ما عارض به مما يطول ذكره.
يسأل عن أن خالته تُريد أن تهبه وأشقاءه في حياتها جزءًا بسيطًا أقل من ثُلُث تَرِكتها، واهتدى تفكيرها إلى شراء شهادات هبة تضعها بأسماء من تُريد الهبة لهم في حياتها على أن تعود فائدة هذه الشهادات عليها هي فقط طالما بقيت على قيد الحياة، ولا يمكن لمن كُتبت له هذه الشهادات باسمه أن يصرفها أو يصرف أرباحها إلا بعد وفاتها. فما مدى شرعية هذه الهبة؟
ما حكم التصرف في المال حال الحياة بإعطائه بعض الورثة؟ فهناك رجل له خمس بنات صغيرات، وله أخت ظروفها المادية مستقرة، ويريد أن يكتب كلَّ مالَهُ لبناته الخمس، وحرمان أخته من الميراث بعد وفاته؛ لوجود مشكلات بينهما. فما الحكم؟