هل يصحّ تفسير القرآن الكريم بالرأي الشخصي الخالص مع عدم التعويل على النصوص القطعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته والتابعين وأئمة اللغة والتفسير؟
حكم الاعتماد على الرأي الشخصي في تفسير القرآن الكريم
لا يجوز شرعًا اعتماد المفسر للقرآن الكريم على رأيه الشخصي الذي لا سند له من الكتاب أو السنة أو قواعد اللغة العربية؛ فالواجب على الذي يتعرَّض لتفسير كتاب الله تعالى أن تتحقق فيه مجموعة من الشروط؛ بأن يكون راسخَ القدم في معرفة قواعد اللغة العربية وعلومها المتنوعة من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ، وكذلك في معرفة علوم الفقه والأصول والقراءات والتاريخ وغير ذلك من العلوم التي لا غنى عنها لمن يتعرَّض لتفسير كتاب الله تعالى.
والمقرر أن أصحَّ طُرق تفسير كتاب الله العزيز: هو تفسير القرآن الكريم بالقرآن الكريم، ثم بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم بالمأثور عن الصحابة الكرام وكبار التابعين.
التفاصيل ....التفسيرُ في اللغة: التَّبيينُ والكشفُ والتوضيحُ.
وفي الاصطلاح: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.
وتفسيرُ القرآن الكريم على رأس العلوم المهمة التي يجب أن يشتغل بها العلماءُ المحققون؛ إذ هو المفتاح الذي يكشف عن الهدايات السامية، والتوجيهات النافعة، والعظات الشافية، والتشريعات الحكيمة، والآداب القويمة التي اشتمل عليها القرآن الكريم.
وبدون تفسير القرآن تفسيرًا علميًّا سليمًا مستنيرًا لا يمكن الوصول إلى ما اشتمل عليه هذا الكتاب الكريم من هدايات وتوجيهات مهما قرأه القارئون وردَّد ألفاظه المرددون؛ قال إياس بن معاوية: "مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قومٍ جاءهم كتاب من مليكهم ليلًا وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة؛ لأنهم لا يدرُون ما في الكتاب، ومثل الذي يعرفُ التفسير كمثل رجلٍ جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب".
ولقد فصَّل الإمام ابن كثير رحمه الله القولَ في بيان أحسن طرق التفسير للقرآن الكريم؛ فقال: [فإن قال لنا قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: أنَّ أصحّ الطرق في ذلك أنّ يُفَسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِل في مكان فإنه قد بُسِطَ في مكان آخر، فإنْ أعياك ذلك فعليك بالسنة النبوية الشريفة؛ فإنها شارحةٌ للقرآن ومُوَضِّحةٌ له، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ». يعني السنة، فإنْ أعياك ذلك فعليك بأقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بذلك بسبب ما شاهدوا من القرآن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، فإنْ أعياك ذلك فعليك بأقوال كبار التابعين؛ لأنهم أدرى الناس بمعاني كلام الله تعالى بعد الصحابة] اهـ. بتصرف "تفسير ابن كثير" (1/ 8- 9، ط. دار الكتب العلمية).
والخلاصةُ أنَّه يجب على مَن يتعرَّض لتفسير كتاب الله تعالى أن يعتمدَ في تفسيره على القرآن الكريم نفسه؛ لأن ما أَجْمَلَه القرآن في موضع قد يُفَصِّله في موضع آخر، ثم على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنها شارحةٌ للقرآن الكريم ومُوَضِّحةٌ لما جاء مُجْمَلًا فيه، ثم على أقوال الصحابة؛ لأنهم هم الذين شاهدوا عصر التنزيل وسألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما خَفِي عليهم، ثم على أقوال تلاميذهم من كبار التابعين، كما يجب على الذي يتعرَّض لتفسير كتاب الله تعالى أن يكون راسخَ القدم في معرفة قواعد اللغة العربية وعلومها المتنوعة من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ، وفي علوم الفقه والأصول والقراءات والتاريخ وغير ذلك من العلوم التي لا غنى عنها لمن يتعرَّض لتفسير كتاب الله تعالى.
ولا يجوز إطلاقًا أن يعتمد المُفَسِّر للقرآن الكريم على رأيه الشخصي الذي لا سندَ له من الكتاب أو السنة أو قواعد اللغة العربية؛ فإنَّ التفسير بالرأي والاجتهاد لكي يكون مقبولًا لا بدَّ أن يكون مستندًا إلى ما يؤيده من القواعد الشرعية ومن أساليب اللغة العربية، فإذا لم يكن كذلك كان تفسيرًا مبنيًّا على الجهالة والضلالة، وبعيدًا عن الحق الذي أمرنا الله تعالى باتباعه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.