09 يناير 2018 م

أهمية الحياء في الإسلام

أهمية الحياء في الإسلام

 عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرو الأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامَ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذاَ لَمْ تَسْتَحْي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
هذا الحديث من الأحاديث القاطعة في بيان أهمية الحياء وقيمته الأخلاقية في حياة المسلم، وربط الحياء بكلام النبوة الأولى ويقصد به: مما اتفقت عليه الشرائع؛ لأنه جاء في أُوْلَاهَا، ثم تتابعت بقيتُها عليه.
فالحياء لم يزل في شرائع الأنبياء الأوَّليِن ممدوحًا ومأمورًا به لم ينسخ في شرعٍ، وفي حديثٍ: «لَمْ يُدْرِكِ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُوْلَى إِلَّا هَذَا» -ذكره الحافظ ابن رجب رحمه اللَّه في "جامع العلوم والحكم" (1/ 497)-.
ولم يزل أمرُه ثابتًا واستعمالُه واجبًا منذ زمان النبوة الأولى، وما من نبيٍّ إلا وقد حثَّ عليه وندب إليه.
وأفهم -بإضافة الكلام إلى النبوة- أن هذا من نتائج الوحي وأنَّ الحياء مأمورٌ به في جميع الشرائع.
ومعناه: أن عدم الحياء يوجب الاستهتار والانهماك في هتك الأستار، أو المراد: ما لا يُستَحَى من الله ولا من الناس في فعله إذا ظهر فَافْعَلْهُ، وإلَّا فلا، فهو أمرُ إباحةٍ، والأوَّل أَولى وأظهر.. فعُلِم أن الحياء من أشرفِ الخصال، وأكملِ الأحوال، ومن ثَمَّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الحَيَاء خيرٌ كلُّه»، «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ»، وجاء أنه صلى الله عليه وآله وسلم: "كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا"، وصحَّ: «الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ».
وفي حديثٍ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا، نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا -وفي روايةٍ: «إلا بغيضًا مبغضًا»- فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا مَقِيتًا مُمَقَّتًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا خَائِنًا مُخَوَّنًا، نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ ، فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَة ُ، لَمْ تَلْقَهُ إِلَّا رَجِيمًا مُلَعَّنًا».
لكن ينبغي أن يراعَى فيه القانون الشرعي؛ فإن منه ما يذم شرعًا؛ كالحياء المانع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وجود شروطه؛ فإن هذا جبنٌ لا حياء، ومثله الحياء في العلم المانع من سؤاله عن مهمات المسائل في الدين إذا أشكلت عليه، ومن ثَمَّ قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: "نِعْمَ النساء نساء الأنصار؛ لم يمنعهنَّ الحياء أن يسألن عن أمر دينهن".
وفي حديث: "إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي -أي: حياء مذمومًا- ولا لمتكبر".
ثم الحياء: انقباضٌ وخشيةٌ يجدها الإنسان من نفسه عندما يُطَّلَعُ منه على قبيحٍ.
وعُرِّفَ أيضًا بأنه: خُلُقٌ يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التَّقصير في حقِّ ذي الحَقِّ.
وعرَّفَهُ إمامُ العارفين وسيدُ الطائفة أبو القاسم الجنيد قدس الله روحَه بأنه رؤية الآلاءِ -أي: النِّعم- ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى حياءً.
وأصله غريزيٌّ، وتمامُه مكتسبٌ -كما أفاده بعض الأحاديث السابقة- من معرفة الله سبحانه وتعالى، ومعرفة عظمته، وقربه من عباده، وعلمه بخائنةِ الأعين وما تخفي الصدور، وهذا هو الذي كُلِّفنا به.
وورد في الحديث «الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ»، يقول الإمام النووي في شرحه على الحديث -نقلًا عن القاضي عياض-: [إنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيزَةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنْ الْإِيمَانِ لِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنْ الْمَعَاصِي] اهـ، بل يرى الإمام ابن حجر الهيتمي أن الحياء من أعلى خصال الإيمان، بل من أعلى درجات الإحسان، ويتحدث عن منبع الحياء فيقول: [وقد يتولَّد الحياء من الله سبحانه وتعالى من مطالعة نعمه، ورؤية التَّقصير في شكرها، كما أشار إليه الجنيد بما قدمناه عنه آنفًا؛ بخلاف الأول؛ لأنه ليس في الوسع، لكنه لكونه من أجلِّ الأخلاق التي يحبها الله سبحانه وتعالى من العبد ويجبله عليها .. يحمل على المكتسب ويعين عليه، ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير» أي: لأن من استحيى من الناس أن يروه يأتي بقبيحٍ .. دعاه ذلك إلى أن يكون أشد حياءً من ربه وخالقه عز وجل، فلا يضيع فريضة، ولا يرتكب معصية.
ومن ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم لمن رآه يعاتب أخاه في الحياء: "دعه؛ فإن الحياء من الإيمان". أي: من أسباب أصل الإيمان وأخلاق أهله؛ لمنعه من الفواحش وحمله على البِرِّ والخير كما يمنع الإيمان صاحبه من ذلك.
فعلم أن أول الحياء وأولاه الحياء من الله سبحانه وتعالى، وهو ألَّا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، وأن كماله إنما ينشأ عن معرفته سبحانه وتعالى ومراقبته المعبر عنها بـ: "أن تعبد الله كأنك تراه".
ومن ثَمَّ روى الترمذي أنه صلى الله عليه آله وسلم قال: "استحيوا من الله حق الحياء" قالوا: إنا نستحيي والحمد لله، فقال: "ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبِلى، فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء".
وأهل المعرفة في ذلك يتفاوتون بحسب تفاوت أحوالهم، وقد جمع الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم كمال نَوْعيه، فكان في الحياء الغريزي أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها، وفي الكسبي واصلًا إلى أعلى غايته وذروتها] اهـ.
المصادر:
- "الفتح المبين" للحافظ ابن حجر الهيتمي.
- "شرح النووي على مسلم".
- "فيض القدير" للإمام المناوي.
- "الفتوحات الربانية" للإمام محمد بن علان.

جاء عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً». يبين الحديث الشريف أن الكامل في الخير والزهد في الدنيا مع رغبته في الآخرة والعمل لها قليل، كما


عن أبي هريرة أنه قال: "قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ»، رواه البخاري.


عن أبي الحوراء السعدي قال: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» رواه الترمذي. هذا الحديث الشريف الذي بين يدينا في هذه الأسطر القليلة، يمثل أحد تجليات الرؤية النبوية لما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم من صفاء نفسي وثقة كبيرة بما يقوم به، واقتناع بتصرفاته وسائر أعماله. في


عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا أنه قال: "كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ مَعَ الْجَمَاعَةِ" أخرجه الإمام ابن ماجه في "سننه". وعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي رضي الله عنه، أن أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: «فَلَعَلَّكُمْ تَأْكُلُونَ مُتَفَرِّقِينَ؟»، قالوا: نعم، قال: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» أخرجه الإمامان أبوداود وابن ماجه في "سننهما".


"كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلاةِ". هذه جملةٌ جامعةٌ صيغت برهافةِ الحسِّ ووجدانيَّةِ النَّفس ونُورَانيَّة الرُّوح تحاول تلخيص بركات الصَّلاة في عبارةٍ رائقةٍ وبلاغةٍ سابقةٍ، وإلا فإنَّ بركات الصلاة لا يعلم كُنْهَهَا وحقيقتَها وحصرهَا إلا رب البشرِ سبحانه وتعالى: قال الإمام/ ابن عجيبة في "البَحر المديد": [وفي الصَّلاة قضاءُ المآربِ وجبرُ المصائب؛ ولذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصَّلاة، ﴿وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ﴾ [البقرة: 45]، أي: شاقَّةٌ على النَّفس؛ لتكريرِها في كلِّ يومٍ، ومجيئِها وقت حلاوةِ النَّومِ، ﴿إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ﴾ الذين سكنت حلاوتُها في قلوبِهم، وتناجَوا فيها مع ربِّهم، حتى صارت فيها قُرَّة عينهم] اهـ.


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 07 يونيو 2025 م
الفجر
4 :8
الشروق
5 :53
الظهر
12 : 54
العصر
4:30
المغرب
7 : 55
العشاء
9 :27