عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم.
يرى الإمام المناوي أن الدَّاء ينقسم إلى رُوحاني وجُسماني، وأن لكلٍّ منهما طريقةٌ في العِلاجِ، فلا سبيل لطبيب الأمراض النفسية والرُّوحيَّة لعلاج الأمراض الجسدية، ولا سبيل لطبيب الأمراض الجسدية لعلاج الأمراض النفسية والروحية، وإن كان الطِّبُّ الحديثُ قد أثبت علاقةَ ما في بعض الأمراض بين النَّفس والجسَدِ، وهو ما أطلق عليه حديثًا "الأمراض النفس جسدية"، والغريب أن المناوي أشار إلى ذلك منذ أكثر من خمسمائة عامٍ عندما كان يتحدث عن علاج الأمراض الرُّوحيَّة بالأسباب الرُّوحيَّة فقال: [فهذه أدوية أشار إليها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وجربتها الأمم على اختلاف أديانها، فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يسعه علم الطبيب ولا تجربته وقياسه، بل جرَّبَ ذلك جمعٌ كثيرون فوجدوا نفعه في الأمراض الحسيَّةِ أعظم من نفع الأدوية الحقيقية الطبيَّة] اهـ.
أما العلاج الجسدي فمعروف ولا نحتاج إلى ضرب أمثلة عليه.
أما العلاج الروحي فمن الأمثلة عليه تلك الروشتة التي استخلصها سيدنا جعفر الصادق رحمه الله من كتاب الله، كما يستخلص الأطباء الدواءَ والعقاقير من كتب الحكماء؛ يقول: [عجبتُ لمن خاف ولم يفزع إلى قول الله تعالى: ﴿حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوكيل﴾ [آل عمران: 173] فإنِّي سمعت الله بعقبها يقول: ﴿ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ [آل عمران: 174].
وعجبتُ لـمَنِ اغتمَّ، ولم يفزع إلى قوله تعالى: ﴿لَا إله إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين﴾ [الأنبياء: 87] فإنِّي سمعت الله بعقبها يقول: ﴿فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغمِّ وكذلك نُنجِي المؤمنين﴾ [الأنبياء: 88].
وعجبتُ لمن مُكِرَ به، ولم يفزع إلى قوله تعالى: ﴿وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله﴾ [غافر: 44] فإني سمعت الله بعقبها يقول: ﴿فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ﴾ [غافر: 45].
وعجبتُ لمن طلب الدنيا وزينتها، ولم يفزع إلى قوله تعالى: ﴿مَا شَاءَ الله لَا قُوَّةَ إِلَّا بالله﴾ [الكهف: 39] فإنِّي سمعت الله بعقبها يقول: ﴿فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ﴾ [الكهف: 40] اهـ.
وهكذا يجب على المؤمن أن يكون مُطْمئنًّا واثقًا من معيّة الله؛ لأنه يفزع إلى ربه بالدعاء المناسب في كل حال من هذه الأحوال، وحين يراك ربك تلجأ إليه وتتضرع، وتعزو كل نعمة في ذاتك أو في أهلك أو في مالك وتنسبها إلى الله، وتعترف بالمنعِم سبحانه؛ فإنه يعطيك أحسنَ منها.
ويرد سؤال هنا هل العلاج بالدواء ينافي التوكل؟
ويجيب على ذلك الشيخ الزُّرْقانِي بقوله: [قد تبين أن التداوي لا ينافي التَّوكل، بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله تعالى مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة.
وحكى ابن القيم: أنه ورد في خبر إسرائيل، أن الخليل عليه الصلاة والسلام قال: يا رب ممن الدَّاء؟ قال: منِّي، قال: ممن الدَّواء؟ قال: مني قال: فما بال الطَّبيب؟ قال: رجلٌ أُرسل الدواء على يديه.
قال: وفي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ» تقويةٌ لنفس المريض والطَّبيب، وحثٌّ على ذلك الدَّواء، والتَّنفيس عليه؛ فإنَّ المريض إذا استشعرت نفسُه أن لدائه دواءً يزيله تعلَّق قلبه بروح الرجاء، وبرد من حرارة اليأس، وانفتح له باب الرجاء، وقويت نفسه وانبعثت حرارته الغريزية، وكان ذلك سببًا لقوَّةِ الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح قويت القوى التي هي حاملة لها، فقهرت المرض ودفعته، انتهى] اهـ.
لكن المتداوي عليه أن يعتقد أن الشَّافي هو الله، فهو سبحانه لو شاء لم يخلقْ دواءً، وإذا خلقه لو شاء لم يأذن في استعماله، لكنه أذن، ومن تداوى فعليه أن يعتقد حقًّا ويؤمن يقينًا بأن الدَّواء لا يُحدث شفاءً ولا يولِدُه، كما أن الدَّاءَ لا يحدث سقمًا ولا يولده، لكن الباري تعالى يخلق الموجودات واحدًا عقب آخر على ترتيبٍ هو أعلمُ بحكمته.
فالحمد لله الذي بحكمته أنزل الدَّاء، ومن عَدْلِه وحكمتِه وفضلِه جعل لكل داءٍ دواءً، عَلِمَهُ من عَلِمَهُ، وجَهِلَهُ من جَهِلَهُ.
المصادر:
- "فيض القدير" للمناوي.
- "شرح الزرقاني على المواهب اللَّدنيَّة بالمنح المحمدية".