19 يوليو 2017 م

مقاصد الشريعة

مقاصد الشريعة

تعد مقاصد الشريعة من المظاهر الحضارية للشريعة الإسلامية؛ فهي التي تحدد أساس التصور الإسلامي للسعي في هذه الحياة، والإسلام يُعنَى بدرجات مختلفة من المقاصد، تُرَتَّبُ على حسب الأولوية، فهي على ثلاثة مستويات: ضرورية، وحاجيَّة، وتحسينية.
وسنقتصر في السطور التالية على ما يتعلق بالمقاصد الضرورية؛ لنتعرف من خلالها على أساس التصور الإسلامي بالنسبة للمسلم، وما يجب عليه وما يستحقُّه، كحدٍّ أدنى، يجب أن يكون متوافرًا، ثم إننا ينبغي أن نكون على علمٍ بأنَّ الإسلامَ لا يقف عند هذا الحدِّ، بل يتجاوزه لمساحاتٍ أخرى في المقاصد الحاجيَّة والتحسينيَّة أيضًا.
والمقاصد الضرورية هي الحد الأدنى الأساسي اللازم الذي وجهنا الله سبحانه وتعالى لإقامته كغاية تسعى الشريعة بمكوناتها المختلفة لإيجادها دليلًا على فاعليتها وتمكينًا لمقومات المتبعين لها، تجلب لهم المنافع وتدفع عنهم المضارَّ، وتحقق الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، وهو ما حدده العلماء في خمسة مقاصد، وهي: "حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، والتي تقوم عليها مصالح الناس وحياتهم، ولا غنى لهم عنها، بحيث إنها إذا اختل وجودها جميعها أو بعضها، اضطربت أحوالهم وتعطل نظام حياتهم.
حفظ الدين: من الأمور الضرورية في التصور الإسلامي، بحيث لا يقوم المجتمع بغير وجوده ونفاذ أحكامه وتطبيق تشريعاته، وله أركان خمسة: الشهادتان، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج، وبالإضافة إليها جملة من الفروض والواجبات التي يجب الالتزام بها، ومحرمات يجب الانتهاء عنها، وحفظه يكون بالدعوة إليه والأمر بما يوجبه والنهي عما ينهى عنه ويدعو لاجتنابه.
حفظ النفس: فلقد حرَّم الله قتل النفس بغير حقٍّ، فحقُّ الحياة أساسي ومكفول في الشريعة الإسلامية، لا يُمس إلا عند انتهاك الآدمي لحقِّ غيره في الحياة بقتله، أو بارتكاب جرائم خطيرة تعرض المجتمع للهلاك والخطر الشديد، وحفظ النفس أمر يترتَّب عليه حماية حقوق كثيرة تبدأ من حقِّ الحياة مرورًا بالحقوق الصحيَّة والماديَّة التي تكفل الحياة الكريمة للآدميين.
حفظ العقل: حيث إن العقل مناطُ التكليف في الإسلام؛ وجبت المحافظة عليه؛ حتى يظل محتفظًا بأهليَّته في إدراك واقعه وتقدير التصرف اللازم في التعامل معه، والنظر في الأمور العلمية والعملية بالتفكير السليم والمنطق المتزن؛ ولذا حرَّم الإسلام الخمر بسبب ما تسببه من تغييب للعقل عن إدراك حقيقة الأشياء، وكذا المسكرات الأخرى والمخدرات وغيرها مما يؤذي العقل ويؤدي إلى فساده، وشرع العقوبات اللازمة لمواجهة هذا الانحراف؛ حتى يظل عقل الإنسان سليمًا معافى قادرًا على التفكير والتدبر.
حفظ النسل: هذا المقصد شرع الله له نظامًا اجتماعيًّا متكاملًا، وكفل له الضمانات اللازمة، فجعل النسل لا يتم في الشريعة إلا بواسطة الزواج، وحثَّ عليه ورغَّب فيه، والزواج لا يتم إلا بالعقد المشهود عليه، حتى تتوفر وسائل إثباته، ولا يتمكن أحد من الزوجين بالإخلال بحقوق الآخر، وحدد واجبات وحقوقًا لكل من الزوجين، بحيث لا يكون أحدهما كالعبد للآخر، بل تقوم العلاقة بينهما في إطار من الاحترام والالتزامات المتبادلة، وحدد أيضًا وسائل فسخ هذا الزواج بالطلاق أو الخلع عند استحالة العشرة أو وقوع مشاكل تدفع لانفصال كل من الزوجين عن الآخر، بحيث لا يجبرهما على البقاء في بيت واحد تشتعل فيه الخلافات وتضيق فيه الحياة على الزوجين وأبنائهما، ورتب حقوقًا عند وقوع هذا الانفصال، كما كفل للنسل الناشئ عن الزواج حقوقًا في الكفالة المالية والتربية الطيبة وحسن المعاملة وغير ذلك، وحرَّم الزنا وإقامة العلاقات الجنسية خارج إطار الزوجية الشرعية، صونًا للمجتمع من شيوع الفاحشة فيه، وللنسل المتجدد من أن يخرج في بيئة غير مناسبة له بلا أب يرعاه أو أم تحنو عليه.
حفظ المال: لما كان المال عصب الحياة، وبه يتمايز الناس قدرة ومعاناة على تحمل أعباء الحياة، بيَّن الإسلام أهمية المال، وضرورة الحصول عليه من مصادر شرعية كالعمل والتجارة أو الإرث أو الهدية أو الالتزامات الأسرية كالزوج على زوجته والأب على ولده أو العكس، وحرَّم الحصول عليه من غير مصادره الشرعية كالسرقة والغصب والخداع، كما حرم إنفاقه بصورة غير شرعية، كإنفاقه على الأمور المحرمة كالسُّكر، والإضرار بالنفس أو الغير، ونهى عن التبذير والإسراف والتقتير، ورتَّب على الغني حقًّا يدفعه للفقير بصورة إلزامية في عبادة الزكاة، وبصورة طوعية في عبادة الصدقة التي يتنافس فيها المتنافسون لنيْل الثواب من الله سبحانه وتعالى.
في هذه الجولة السريعة قمنا بإلقاء الضوء على المقاصد الأساسية في الشريعة الإسلامية، وقد شرع الله سبحانه وتعالى العديد من الأحكام التي تُلزم بتحصيل هذه المقاصد على مختلف مستويات أتباع الإسلام، حكامًا ومحكومين، أغنياء وفقراء، آباء وأبناء... إلخ، وهي كما نرى مركبة من عدد من العناصر المترابطة والمتشابكة، كدأب الإسلام في بيان أنه دينٌ متَّسقٌ مع طبيعة خلق الله سبحانه وتعالى المركبة من أجزاء متنوعة وجوانب متعددة، ولهذا فهو دين يحتوى على منظومة من الأفكار المتنوعة والمتشابكة في الوقت نفسه والتي تعمل سويًّا لتنتج لنا النمط أو التصور الإسلامي للحياة بجوانبها وظروفها المختلفة.

المصادر:
- "مقاصد الشريعة الإسلامية" للدكتور محمود بلال مهران، ضمن "موسوعة التشريع الإسلامي" (ص: 617 وما بعدها، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية).
- "الموافقات للشاطبي" (2/ 17 وما بعدها).
 

الحضارة مشتقة من (الحضر) وهو المكان الذي يكون فيه عمران واستقرار لأهله من ساكني المدن، بخلاف أهل البداوة الذين يعيشون على التنقل في الصحراء وبواديها بحسب الظروف المعيشية المتوفرة لهم. ومفهوم الحضارة واسع يشمل مختلف أنواع وعوامل التقدم والرقي، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية أو متعلقة بنظم الإدارة وممارسات الحياة العامة بأشكالها المتنوعة. ومن المظاهر الحضارية التي اعتنى بها المسلمون الاهتمام بالطب والتداوي، فلم يكن المسلمون في ميادين الطب والصيدلة مجرد ناقلين ومقلدين لخبرات الأمم الأخرى في هذا المجال، بل ترجموا ونقلوا وجربوا وهذبوا وابتكروا


بُعث رسول صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، وليس من المتصور عقلًا أن يدخل الناس جميعًا في الإسلام، بل جرت سنة الله في خلقه أن يكون فيهم المؤمن والكافر، والمسلِّمُ والناقد، والباحث عن الحق بجدٍّ وإخلاص، والباحث المغرض من أجل الطعن والتشكيك... إلى غير ذلك من أنواع المدارك والأفكار والفلسفات الإنسانية التي يجزم فيها كل معتقد أنه على الحق وغيره على الباطل، لكنَّ هذا كله لا يخرجهم عن إطار الرحمة المحمدية التي هي للناس عامة،


من المعالم الحضارية في الإسلام التكافل الاجتماعي الذي يوفر الحماية والرعاية والأمن والأمان النفسي للفرد في هذا المجتمع. والتكافل في الإسلام مظلة طمأنينة تشمل المجتمع كله؛ ذلك أن الإنسان كائن مدني بطبعه، لا يستطيع أن يحيا فردًا ولا تستقيم له حياة إلا في جماعة متعاونة متكافلة تحافظ على كرامة هذا الإنسان أيًّا ما كان دينه أو انتماؤه.


العدل من القيم الرفيعة السامية التي اتسمت بها الحضارة الإسلامية، والعدل هو ميزان الكون وأساس الملك، وقد فرضه الله تعالى في كل الكتب المنزلة، واتفقت البشرية في قوانينها الوضعية على وجوب تحقيقه والتزامه وبناء الأحكام عليه، وكلما تحققت الأمم بالعدل ارتقت حضاريًّا، وكلما فشا الجور والظلم في أمة تخلفت وسقطت في درك الشقاوة والفقر والتخلف والجهل،


ليس من قبيل المصادفة البحتة أن يكون ذكر القلم والكتابة في أول أيات تنزل من القرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى:﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ • الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ [العلق: 3، 4] وأقسم سبحانه وتعالى بالقلم فقال: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ [القلم: 1]، وأقسم بالكتاب ﴿وَالطُّورِ • وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: 1، 2] وفي محكم التنزيل آية كبيرة تسمى بآية الدَّين؛ وهي آية تحث


مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 27 أبريل 2025 م
الفجر
4 :42
الشروق
6 :16
الظهر
12 : 53
العصر
4:29
المغرب
7 : 30
العشاء
8 :53