شراء البضائع المصادرة بالمزاد من الجمارك

تاريخ الفتوى:28 سبتمبر 2015 م

تعلن هيئة الجمارك أحيانًا عن بيع السلع والبضائع التي لديها، وهذه الأشياء المعروضة للبيع ليست ملكًا أصليًّا للجمارك، وإنما استولت عليها من أصحابها، الذين تعلم أصحابها في غالب الأمر، وهي تحصل عليها لأسباب مختلفة، ويتبين ذلك من خلال ما نص عليه قانون الجمارك رقم (66) لسنة 1963م، وما جاء فيه من مواد بخصوص واقعة السؤال، من المادة (121) إلى المادة (129)، وما أفادته تلك المواد من أنواع الجرائم الخاضعة لهذا القانون، والعقوبات المقررة لها، وهي مصلحة الجمارك في بيع البضائع التي تستحوذ عليها بعد المهل التي حددتها في هذا القانون.

والجمرك: جعل يؤخذ على البضائع الواردة من البلاد الأخرى "أصله كمرك تركية" وعربيته "مكس". ينظر: "المعجم الوسيط" (1/ 134، مادة: ج م ر، ط. دار الدعوة).

وهو نوع من أنواع الضريبة، وهي: [ما يفرض على الملك والعمل والدخل للدولة، وتختلف باختلاف القوانين والأحوال] اهـ. "المعجم الوسيط" (1/ 537، مادة: ض ر ب).

والكلام في حكم هذه المسألة يتطلب الكلام على حكم الضريبة، ثم على حكم بيع بضائع الجمارك، ثم على حكم بيع المزاد.

أولًا: حكم فرض الضريبة على المحكومين من قبل الحاكم:

يجوز للحاكم أن يفرض على الناس ضريبة إذا احتاج إليها ليصرف على مصالح الناس العامة، بشرط عدم وجود ما يكفي في بيت المال.

ويستدل لذلك بأن "الضرورات تبيح المحظورات"، فإذا كثرت مصارف الدولة العامة وضاق عن ذلك بيت المال، فقد صار فرضًا كفائيًا على المسلمين أن يسدوا تلك المصالح ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا؛ لأن "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

وهذه المسألة لها تعلق بما يعرف في الفقه بمسألة: هل في المال حق سوى الزكاة أو لا؟ والراجح أنه يجب إن كان للمسلمين حاجة في ذلك كما بينا، وسيأتي أدلة ذلك في كلام الإمام القرطبي، وولي الأمر مكلف بجمع ذلك منهم، لكن لا تكلف نفس إلا وسعها، وبمثل قولنا صرحت طوائف من أهل العلم:

قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (2/ 242، ط. دار الكاتب العربي): [قوله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: 177] استدل به من قال: إن في المال حقًا سوى الزكاة، وبها كمال البرِّ. وقيل: المراد الزكاة المفروضة، والأول أصح؛ لما خرجه الدارقطني عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ فِي المَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ»، ثم تلا هذه الآية: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ إلى آخر الآية. وأخرجه ابن ماجه في "سننه" والترمذي في "جامعه"، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث. قوله: وهو أصح. قلت: والحديث وإن كان فيه مقال فقد دل على صحته معنى ما في الآية نفسها من قوله تعالى: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ فذكر الزكاة مع الصلاة، وذلك دليل على أن المراد بقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ ليس الزكاة المفروضة، فإن ذلك كان يكون تكرارًا، والله أعلم.

واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صرف المال إليها. قال مالك رحمه الله: يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم. وهذا إجماع أيضًا، وهو يقوي ما اخترناه، والموفق الإله] اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 57، ط. إحياء التراث): [في "القنية": وقال أبو جعفر البلخي: ما يضربه السلطان على الرعية مصلحةً لهم يصير دينًا واجبًا وحقًا مستحقًا كالخراج، وقال مشايخنا: وكل ما يضربه الإمام عليهم لمصلحة لهم فالجواب هكذا حتى أجرة الحراسين لحفظ الطريق واللصوص ونصب الدروب وأبواب السكك وهذا يعرف، ولا يعرف خوف الفتنة، ثم قال: فعلى هذا ما يؤخذ في خوارزم من العامة لإصلاح مسناة الجيحون أو الربض ونحوه من مصالح العامة دين واجب لا يجوز الامتناع عنه، وليس بظلم، ولكن يعلم هذا الجواب للعمل به وكف اللسان عن السلطان وسعاته فيه لا للتشهير حتى لا يتجاسروا في الزيادة على القدر المستحق. اهـ. قلت: وينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يوجد في بيت المال ما يكفي لذلك لما سيأتي في الجهاد من أنه يكره الجعل إن وجد فيء] اهـ.

وقال العلامة أبو يعلى الحنبلي في "الأحكام السلطانية" (ص: 253، ط. دار الكتب العلمية): [والضرب الثاني: أن يكون مصرفه مستحقًا على وجه المصلحة والإرفاق دون البدل، فاستحقاقه معتبر بالوجود دون العدم، فإن كان موجودًا في بيت المال وجب فيه وسقط فرضه على المسلمين، وإن كان معدومًا سقط وجوبه عن بيت المال. وكان -إن عم ضرره- من فروض الكفاية على كافة المسلمين حتى يقوم به منهم من فيه كفاية كالجهاد. وإن كان مما لا يعم ضرره كوعورة طريق قريب يجد الناس غيره طريقًا بعيدًا، أو انقطاع شرب يجد الناس غيره شربًا، فإذا سقط وجوبه عن بيت المال بالعدم سقط وجوبه عن الكافة لوجود البدل. فلو اجتمع على بيت المال حقان، ضاق عنهما واتسع لأحدهما صرف فيما يصير منهما دينًا فيه. ولو ضاق عن كل واحد منهما كان لولي الأمر إذا خاف الضرر والفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه في الديون دون الأرفاق، وكان من حدث بعده من الولاة مأخوذًا بقضائه إذا اتسع له بيت المال. وإذا فضلت حقوق بيت المال عن مصرفها فقد قيل: إنها تدخر في بيت المال لما ينوب المسلمين من حادث، وقيل: إنها تفرق على من يعمّ به صلاح المسلمين ولا تدخر؛ لأن النوائب يتعين فرضها عليهم إذا حدثت. فهذه الأقسام الأربعة التي وضعت عليها قواعد الديوان] اهـ.

ثانيًا: بخصوص حكم الجمارك:

فالأصل أنها جزء من الضرائب، لكنها تزيد على ذلك أن فيها جزءًا يؤخذ على سبيل التعزير كما سبق في تصوير المسألة، ومسألة التعزير بالمال جائزة؛ لما ورد فيها من نصوص، وعمل بها بعض الخلفاء، ونص عليها بعض الفقهاء، وقد ذكر كل ذلك بأدلته:

قال العلامة ابن القيم في "الطرق الحكمية" (ص: 207-209، ط. الكتب العلمية): [وأما التعزير بالعقوبات المالية، فمشروع أيضًا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك وأحمد، وأحد قولي الشافعي، وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع: منها: إباحته صلى الله عليه وآله وسلم سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن وجده. ومثل أمره صلى الله عليه وآله وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها. ومثل أمره لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما بأن يحرق الثوبين المعصفرين، ومثل أمره صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الإنسية، ثم استأذنوه في غسلها، فأذن لهم، فدل على جواز الأمرين؛ لأن العقوبة لم تكن واجبةً بالكسر، ومثل هدمه مسجد الضرار، ومثل تحريق متاع الغالِّ، ومثل حرمان السلب الذي أساء على نائبه، ومثل إضعاف الغرم على سارق ما لا قطع فيه من الثمر والكثر، ومثل إضعافه الغرم على كاتم الضالة، ومثل أخذه شطر مال مانع الزكاة، عزمةً من عزمات الرب تبارك وتعالى، ومثل أمره لابس خاتم الذهب بطرحه، فطرحه، فلم يعرض له أحد، ومثل تحريق موسى عليه السلام العجل وإلقاء برادته في اليم، ومثل قطع نخيل اليهود؛ إغاظةً لهم، ومثل تحريق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع فيه الخمر، ومثل تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ لما احتجب فيه عن الرعية، وهذه قضايا صحيحة معروفة، وليس يسهل دعوى نسخها.

ومن قال: إن العقوبات المالية منسوخة، وأطلق ذلك، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلًا واستدلالًا، فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد وغيره، وكثير منها سائغ عند مالك، وفِعْلُ الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم مبطلٌ أيضًا لدعوى نسخها، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة، ولا إجماع يصحح دعواهم] اهـ.

ثالثًا: بخصوص حكم البيع بالمزاد:

فالبيع بالمزاد الراجح جوازه، وقد أفردنا هذه المسألة بفتوى مستقلة، فليراجعها من شاء.

والخلاصة: أنه يجوز شراء الأشياء المعروضة للبيع بالمزاد بالجمارك إذا كانت الطريقة التي تم تملكها بها لا تخالف الشريعة.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54