المال قِوام الحياة، وقد أمرنا الله تعالى بالمحافظة عليه، وأصل ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: 5]؛ ففي هذه الآية نهيٌ للأولياء عن أن يؤتوا الذين لا رشد لهم أموالهم فيضيعوها، فالعلَّة هي الإضاعة.
وحفظُ المال من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، بل وغيرها من الشرائع؛ قال الإمام أبو حامد الغزالي في "المستصفى" (ص: 173، ط. دار الكتب العلمية): [ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلُّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة] اهـ.
وملكيَّةُ المال خاصةٌ وعامةٌ: فالخاصة هي المتعلقة بآحاد الأفراد، والعامة هي المتعلقة بمجموعهم؛ بحيث يُنتَفَع بها دون اختصاص فردٍ معينٍ بها؛ كالطرق والجسور والمنشآت العامة، وكل من هذين النوعين له حرمة وصيانة، وقد روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».
قال الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 671، ط. دار الحديث): [وفي قوله: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ» إخبارٌ بتحريم الدماء والأموال والأعراض، وهو معلومٌ من الشرع علمًا قطعيًّا] اهـ.
لكن الاعتداء على المال العام أفحش وأسوأ من الاعتداء على المال الخاص؛ لأن الاعتداء الحاصل فيه هو اعتداء على مجموع الأفراد، ولا يتوقف أثرها السلبي على فرد بعينه، بل يعود على المجتمع ككل.
فالقائم بتخريب المنشآت العامة مجرمٌ أثيم معتدٍ، يجب الضرب على يده بالعقوبة اللائقة الرادعة له ولأمثاله ممن يسعون في الأرض فسادًا ويعملون على خراب الأرض، لا بنائها وإعمارها، ونظيره في الإثم وصنوه في الإجرام والفساد من يحرضه على ما يفعل، وكذلك من يشجعه ولو بِشِطر كلمة، ومن ينفي عنه اللائمة أو يحاول إعذاره؛ لأن كلَّا منهم متعاونٌ معه داعمٌ له في فساده، والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، فإذا كان الدَّالُّ على الخير كفاعله، فكذلك الدَّالُّ على الشر كصانعه.
ومن استطاع إنكار هذا ولم يفعل، بل ارتضاه وسكت عنه، فهو عاصٍ آثمٌ؛ لأن هذا ضربٌ من التشجيع والإقرار، وقد روى مسلم في "صحيحه" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ».
قال الإمام النووي في "شرحه على مسلم" (2/ 25، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَبِقَلْبِهِ» معناه: فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير منه، ولكنه هو الذي في وسعه] اهـ.
وروى أبو داود في "سننه" (4/ 124) عن العُرس بن عميرة الكِندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا -وَقَالَ مَرَّةً: أَنْكَرَهَا-، كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا، كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا».
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" (2/ 245، ط. مؤسسة الرسالة): [لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب، وهو فرضٌ على كل مسلم؛ لا يسقط عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال] اهـ.
وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 107) أن ابن مسعود رضي الله عنه سَمِع رجلًا يقول: "هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر"، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: "هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر". يُشيرُ إلى أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرضٌ لا يسقط عن أحدٍ، فمن لم يعرفه هلك.
ومما سبق: يتبين حرمة تخريب المنشآت العامة، والتحريض على ذلك، أو الرضا به، أو ترك إنكاره لمن استطاع منعه فلم يفعل، وأن الإثم المترتب على ذلك أكبر بكثيرٍ من الإثم المترتب على التعدي على الأموال الخاصة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.