كيفية النزول إلى السجود في الصلاة

تاريخ الفتوى:10 أبريل 2014 م

النزول لغة: مصدر نزل، يقال: نَزَل نُزُولا: هَبَطَ من عُلو إلى سفل. ينظر: "المعجم الوسيط" (ص: 915، مادة: ن ز ل، ط. مجمع اللغة العربية).

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللُّغوي.

وقد اختلف الفقهاء في كيفية النزول إلى السجود في الصلاة على قولين:
الأول: مذهب جُمهور الفقهاء؛ كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والنَّخَعَي، وسُفْيَان الثَّوْرِي، وإسحاق بن راهويه، ومسلم بن يَسَار البَصْرِي، يقول باستحباب تقديم الرُّكْبَتَيْن على اليدين عند النزول إلى السجود. ينظر: "المجموع شرح المهذب" (3/ 427، ط. دار الفكر)، و"نهاية المحتاج" (1/ 515، ط. دار الفكر)، و"المغني" (1/ 370، ط. مكتبة القاهرة)، و"الإنصاف" للمرداوي (2/ 65، ط. دار إحياء التراث العربي)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/ 350، ط. دار الكتب العلمية).

وهذا الْمَذْهَب مَرْوِيٌّ عن عمر بن الخطاب وابنه رضي الله عنهما -ينظر: "مصنف" ابن أبي شيبة (1/ 236-239، ط. مكتبة الرشد)-، واختاره ابن القيم. ينظر: "زاد المعاد" (1/ 219، ط. مؤسسة الرسالة).

ودليلهم: حديث وائل بن حُجْر؛ حيث قال رضي الله عنه: "رَأيتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قبل يدَيْهِ، وإذا نَهَضَ رَفَعَ يدَيْهِ قبْل رُكْبَتَيْهِ" أخرجه أبو داود في "سننه".

وروي أيضًا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: "كُنَّا نَضَعُ اليدين قبْل الركبتين، فأُمِرْنَا بِالرُّكْبَتَيْنِ قبْل اليَدَيْنِ" أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه".

وعن أنس رضي الله عنه قال: "رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم كبَّر... ثم انْحَطَّ بالتكبيرِ حتَّى سَبَقَتْ ركْبتَاه يدَيْهِ" أخرجه الدارقطني في "سننه"، والبيهقي في "السنن الكبرى".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا سَجَدَ أحدُكم فليَبدأ بِرُكبتَيه قبْل يَديهِ، ولا يَبْرُكْ بُرُوك الجَمَل» أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى".

ووجه الدلالة من هذه الأحاديث أنها بينت أن وضع الركبتين كان قبل اليدين.

القول الثاني: وهو ما ذهب إليه الإمام مالك، والأوزاعي، وأحمد في رواية، والمُحَدِّثون من اسْتِحْبَابِ تقديم اليَدَيْنِ على الرُّكْبَتَيْنِ عند النُّزُول إلى السجود. ينظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي (1/ 287، ط. دار الفكر)، و"المجموع شرح المهذب" (3/ 421، ط. دار الفكر)، و"الإنصاف" للمرداوي (2/ 65)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 293، ط. دار الحديث).

واحتجوا بِمَا رُوِي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُم فلا يَبْرُك كَمَا يَبْرُكُ البعيرُ، وليَضَعْ يدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» أخرجه أبو داود في "سننه".

قال الإمام ابن حزم في "المحلى" (3/ 44، ط. دار الفكر): [وفَرْضٌ علَى كلِّ مُصَلٍّ أن يَضعَ -إذا سجد- يديه على الأرض قبْل رُكْبَتيْهِ ولا بُدَّ] اهـ.

وقد ذكر العلامة الزركشي في "البحر المحيط" (8/ 183، 184، ط. دار الكتبي) في (شروط الترجيح) أنه إذا اختلف رواة أحد الحديثين واتَّفَق رواة الآخر، فرِوَاية مَن لَمْ تختلف طرق رواياته أَوْلَى؛ فقال: [ومثله إلكيا بحديث وائل "أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ"، ولم يختلف الرواة عنه، فذهب الشافعي إليه، وروى حديث أبي هريرة رضي الله عنه مثل ذلك، وروي عنه النهي عن البروك برك الإبل في الصلاة، أي: وضع الركبتين قبل اليدين، فقال الشافعي: حديث وائل انفرد من المعارضة فهو أولى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحديثه قد عاضدته إحدى روايتي أبي هريرة رضي الله عنه، فهو أولى] اهـ.

وقد صحح الإمام ابن القيم قول الجمهور وأجاب عن دليل القول الآخر؛ فقال في "زاد المعاد" (1/ 223 وما بعدها): [كان صلى الله عليه وآله وسلم يضع ركبتيه قبل يديه ثم يديه بعدهما ثم جبهته وأنفه، هذا هو الصحيح... وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ»، فالحديث -والله أعلم- قد وقع فيه وهم من بعض الرواة، فَإِنَّ أوَّله يُخَالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، فإِنَّ البعير إنما يضع يديه أوَّلًا، ولَمَّا علم أصحابُ هذا القول ذلك قالوا: رُكْبَتَا البعير في يديه لا في رجليه، فهو إذا برك وضع ركبتيه أوَّلًا، فهذا هو الْمَنْهي عنه، وهو فاسد... وكان يقع لي أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما ذكرنا مما انقلب على بعض الرواة متنه، وأصله ولعله: "وَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ"] اهـ.

ثم رجَّح النزول على الركبتين وأطال في ذلك فقال:
[وحديث وائل بن حجر رضي الله عنه أولى؛ لوجوه، أحدها: أنه أثبت من حديث أبي هريرة، قاله الخطَّابي وغيره.

الثاني: أنَّ حديث أبي هريرة مُضْطرب المتن كما تقدم، فمنهم من يقول فيه «وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» ومنهم من يقول بالعكس، ومنهم من يقول: «وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ»، ومنهم من يحذف هذه الجملة رَأْسًا.

الثالث: ما تقدَّم من تعليل البخاري والدارقطني وغيرهما.

الرابع: أنه على تقدير ثبوته قد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخ، قال ابن المنذر: وقد زعم بعض أصحابنا أَنَّ وضع اليدين قبل الركبتين مَنْسُوخٌ، وقد تقدم ذلك.

الخامس: أنه الْمُوَافِقُ لِنَهْي النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْجَمَلِ فِي الصَّلَاةِ، بخلاف حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

السادس: أنه الموافق للمنقول عن الصحابة كعمر بن الخطاب وابنه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، ولَمْ يُنْقَل عن أحدٍ منهم ما يُوَافِقُ حديث أبي هريرة إلا عن عمر رضي الله عنه على اختلاف عنه.

السابع: أن له شواهد من حديث ابن عمر وأنس رضي الله عنهم، كما تقدم، وليس لحديث أبي هريرة شَاهِدٌ، فلو تقَاوَمَا لقدم حديث وائل بن حجر من أَجْلِ شواهده، فكيف وحديث وائل أقوى كما تقدم.

الثامن: أَنَّ أكثر الناس عليه، والقول الآخر إنما يحفظ عن الأوزاعي ومالك، وأما قول ابن أبي داود: "إنه قول أهل الحديث" فَإِنَّما أراد به بعضهم، وإلا فأحمد والشافعي وإسحاق على خلافه.

التاسع: أنه حديث فيه قصة مَحْكِيَّة سِيقَتْ لِحِكَايَةِ فِعْلِه صلى الله عليه وآله وسلم، فهو أَوْلَى أن يكون مَحْفُوظًا؛ لأن الحديث إذا كان فيه قِصَّة مَحْكِيَّة دَلَّ على أنه حفظ.

العاشر: أَنَّ الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره، فهي أفعال معروفة صحيحة، وهذا واحد منها فله حكمها، ومعارضه ليس مقاومًا له؛ فيتعين ترجيحه، والله أعلم] اهـ.

وعلى هذا: نرى أن رأي الجمهور -وهو النُّزول على الركبتين- هو الرَّاجِح؛ لِقُوَّةِ أدلتهم، إلا أننا ننبه على أن هذه الكيفية المختلف فيها هي من هيئات الصلاة، والتي لا تتأثر صحة الصلاة بها؛ فمن نزل بركبتيه أولًا فصلاته صحيحة، ومن نزل بيديه أولًا فصلاته صحيحة أيضًا، وهذه المسألة خلافية يصح فيها تقليد أي من الأقوال من غير ينكر أحد على الآخر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

مَواقِيتُ الصَّـــلاة

القاهرة · 28 أبريل 2025 م
الفجر
4 :41
الشروق
6 :15
الظهر
12 : 52
العصر
4:29
المغرب
7 : 31
العشاء
8 :54