ما حكم الاشتغال بعلم الفلك؟ فقد سمعت أن المراد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا» هو تحريم علم الفلك باعتبار أنه من علم النجوم المنهيّ عنه شرعًا.
لا يوجد في هذا الحديث الشريف ما يدلّ على تحريم علم الفلك أو منعه؛ إذ الحديث ينصّ على ذم علم النجوم المبني على الظن والتخمين الذي لا يتحقق، بل ويترتب عليه ضرر بالناس، أما الفلك باعتباره علمًا فليس كذلك؛ إذ هو قطعي مبنيٌّ على قوانين قطعية، ونتائجه محقّقة، وهو من فروض الكفايات التي تأثم الأمة جميعًا لو عُدم فيها مَن يعلمه؛ فعلم الفلك تتوقف عليه جملةٌ من مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بمعرفته ودراسته.
المحتويات
روى الطبراني في "معجمه الكبير" أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا»، وبالنظر والتأمل فيه نُنبِّه على ما يلي:
أولًا: إنَّ علم النجوم حَدس وتخمين، وليس فيه قطعٌ ولا ظنٌّ غالب، وهو من قبيل العرافة والتنجيم والكهانة، وأما حساب النجوم الذي هو علم الفلك فهو لو كان قديمًا قد اختلط بالعرافة والكهانة عند المشتغلين به، فإنَّه الآن منفصل عنهما تمامًا، وأصبح أمره متعلقًا بمراصد حديثة وأجهزة عملاقة تكتشف حركات الأجرام من مسافات تقدر بملايين السنين الضوئية، ومبنيًّا على معادلات رياضية وقوانين كونية وحسابات دقيقة مُتَيَقَّنة هي التي تُحَدّد تلك الحركات بالثانية أو أجزائها، وتخلص علم الفلك الآن من شبهة التنجيم التي توحي بالتكهن بالغيب، وأصبح علم الفلك مبنيًّا على علوم الفيزياء والرياضيات والكيمياء في أعلى مستوياتها الجامعية وما بعدها، بل ودخل في مقرراته الدراسية والبحثية علوم الأحياء -البيولوجي- بعد أن تفرع منه علم البحث عن الحضارات الذكية، الذي يهتم بصور الحياة خارج نطاق المجموعة الشمسية.
ثانيًا: إنَّ علم النجوم القديم ليس مذمومًا بإطلاق؛ قال العلامة المرغيناني الحنفي صاحب "الهداية" في "مختارات النوازل": [علم النجوم في نفسه حسنٌ غير مذموم؛ إذ هو قسمان: حسابي، وإنَّه حق، وقد نطق به الكتاب؛ قال الله تعالى: ﴿ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَان﴾ [الرحمن: 5] أي: سيرهما بحساب، واستدلالي بسير النجوم وحركة الأفلاك على الحوادث بقضاء الله تعالى وقدره، وهو جائز؛ كاستدلال الطبيب بالنبض من الصحة والمرض، ولو لم يعتقد بقضاء الله تعالى أو ادعى الغيب بنفسه يكفر] اهـ. نقلًا عن "حاشية ابن عابدين" (1/ 43-44، ط. دار الكتب العلمية).
ثالثًا: إنَّ المذموم من علم النجوم القديم إنَّما ذُمَّ لأسباب وعلل ليست موجودةً في علم الفلك الحديث؛ قال حجة الإسلام الإمام الغزالي في "الإحياء" (1/ 29-30، ط. دار المعرفة): [وإنما زجر عنه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مضرٌّ بأكثر الخلق؛ فإنَّه إذا ألقى إليهم أن هذه الآثار تحدث عقيب سير الكواكب وقع في نفوسهم أن الكواكب هي المؤثرة وأنها الآلهة المدبرة؛ لأنها جواهر شريفة سماوية، ويعظم وقعها في القلوب، فيبقى القلب ملتفتًا إليها ويرى الخير والشر محذورًا أو مرجوًّا من جهتها.
وثانيها: أنَّ أحكام النجوم تخمين محض ليس يدرك في حق آحاد الأشخاص لا يقينًا ولا ظنًّا، فالحكم به حكم بجهل، فيكون ذمه على هذا من حيث إنّه جهل لا من حيث إنّه علم، فلقد كان ذلك معجزةً لإدريس عليه السلام فيما يحكى، وقد اندرس وانمحى ذلك العلم وانمحق، وما يتفق من إصابة المُنَجِّم على ندور فهو اتفاق؛ لأنه قد يطلع على بعض الأسباب ولا يحصل المسبب عقيبها إلا بعد شروط كثيرة ليس في قدرة البشر معرفة حقائقها، فإن اتفق أنْ قَدَّرَ اللهُ تعالى بقيةَ الأسباب وقعت الإصابة، وإن لم يقدر أخطأ، ويكون ذلك كتخمين الإنسان في أن السماء تمطر اليوم مهما رأى الغيم يجتمع وينبعث من الجبال، فيتحرك ظنه بذلك، وربما يحمى النهار بالشمس ويذهب الغيم، وربما يكون بخلافه، ومجرد الغيم ليس كافيًا في مجيء المطر، وبقية الأسباب لا تُدْرَى، ولهذه العلة يمنع القول عن النجوم أيضًا.
وثالثها: أنَّه لا فائدة فيه؛ فأقل أحواله أنه خوض في فضول لا يغني، وتضييع العمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان في غير فائدة، وذلك غاية الخسران] اهـ بتصرف.
وليس شيءٌ من ذلك بمتحقق في علم الفلك الحديث، فلا هو سبب لاعتقاد الناس في تأثير الكواكب الذاتي في الكون واعتقاد الألوهية فيها، بل إنَّه من أسباب معرفة الله ومعرفة النظام المستدَل به على وجود الله؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 6]، ولا هو مبنيٌّ على ظنيات، بل هو قطعي لابتنائه على قوانين قطعية، وقد أُقِيمَت بناءً عليه وعلى قوانينه المحطاتُ الفضائية الثابتة في الفضاء حول الأرض، وأُطْلِقَت الأقمار الصناعية، ونُظّمت الرحلات الفضائية العلمية بمكوكات الفضاء، ومنها ما يعمل بالقيادة الإلكترونية الآلية، حيث تُرسل المسابر والمعدات الفضائية إلى أماكن يتعذر وصول البشر إليها لأسباب طبيعية، ويتم تهيئتها على أداء مهمة محددة في وقت محدد ومكان محدد، ولا هو معدوم الفائدة، بل إنَّه من فروض الكفايات التي تأثم الأمة جميعًا لو عُدم فيها مَن يعلمه؛ فهو متوقفة عليه جملةٌ من مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بمعرفته ودراسته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
أرجو من فضيلتكم بيان معنى تصفيد الشياطين في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»، وكيف نفسر حصول المعاصي من بعض الناس في شهر رمضان مع كون الشياطين مُصفَّدة؟
ما مدى مشروعية كتابة القرآن الكريم بطريقة برايل بالنقوش البارزة؟
ما مدى صحة عبارة: "لا شرع إلا بنص"؟ حيث إن هذه العبارة تجري على ألسنة بعض الناس وذلك في مقام الترجيح بين أقوال الفقهاء واختلافهم في مسألة من المسائل؛ فما مدى صحة هذه العبارة المشار إليها؟ خاصة في الأحكام التي تنبني على العوائد والأعراف، أرجو البيان ولكم الأجر والإحسان.
هل حديث «لا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فَاتِحَةَ الْكِتَاب» يُطَبَّقُ على المأموم في الركعات الجهرية؟ ومتى يمكن له أن يقرَأَها؟
ما المراد بالنصيحة في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»؟
ما حكم عطاء الوالد لبعض أولاده حال حياته؟ فنحن ثلاث أخوات شقيقات، ولنا أختان من أبينا، وكان والدنا رحمه الله تعالى قد كتب لي ولشقيقَتَيَّ أرضًا زراعية مساحتها 11 فدانًا بيعًا وشراء، وترك ستة أفدنة أخرى لم يكتبها باسم أحد، تم تقسيمها على ورثته بعد وفاته، وكذلك قد خصني أنا وشقيقَتَيَّ -دون الأختين الأخريين- بمبلغ ألف جنيه في دفتر توفير لكل واحدة منا، مع العلم أننا ساعتها كنا صغيرات، وكانت أختانا لأبينا متزوجتين.
والسؤال هنا: هل من حق الإنسان أن يتصرف حال حياته كيفما يشاء في ماله؟ مع العلم أنني قد سمعت عدة آراء فقهية مختلفة في هذه المسألة؛ بعضها يحرم ما فعله الوالد ويلزمنا بِرَدِّ الحقوق، وبعضها يحرم ما فعله الوالد ويجعل رد الحقوق تطوعيًّا منا، وبعضها يجيز ما فعله الوالد ولا يلزمنا بشيء، فما مدى صحة هذه الآراء؟ وهل يجوز لي تقليد أيٍّ منها؟ وهل معنى حديث: «استفت قلبك وإن أفتوك وأفتوك، والبر ما اطمأن إليه القلب والإثم ما حاك بالصدر» أن الإنسان إذا سمع عددًا من الآراء فإن الرأي الذي يطمئن إليه قلبه وعقله يكون هو الصحيح شرعًا؟ وما حكم العمل بالأحوط هنا؟ حيث إنني قد احتطت ورددت بعض الحقوق لأصحابها، وطلبت منهم المسامحة في الباقي فسامحوا.